الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1983 / يوليو1983- اغتراب الذات: الديناميات والعلاج

يوليو1983- اغتراب الذات: الديناميات والعلاج

اغتراب الذات: الديناميات والعلاج

بقلم: فريدريك وايس[1]

عرض وتلخيص: د. هناء سليمان

الموجز                                                          

يتناول هذا المقال ظاهرة الاغتراب من جانبها الاجتماعى والفردى، ورغم أن المدخل يعلن حجم الظاهرة فى شكل المرض النفسى المعاصر، فأن المقال يطرح المشكلة العصرية فى شكلها المتحدى، ويشير فى تواضع إلى الخطوط العامة للعلاج النفسى للظاهرة على المستوى الفردى أساسا.

1 – الاغتراب: المعنى

أصبح العلاج بالتحليل النفسى فى العقد الماضى أكثر صعوبة منه فى أى وقت مضى، لأن عدد أكبر من المرضى أصبح يعانى من درجات متزايدة من الانشقاق الداخلى والانسحاب العاطفى فقبل ذلك فى عصر الهستيريا، ثم فى عصر الامراض النفسجسمية، كان القلق والصراع يعبران عن نفسيهما  فى شكل أعراض جسمية ثم جاء “عصر الاغتراب” الذى نعيشه الآن فأصبحت الصفة المميزة الغالبة على مريض اليوم هى اغترابه ذاته ولا أشير هنا إلى المثل المتطرف فحسب: ذلك الفصامى الذى يسير على قدمين حيث يتمكن برغم (وربما بسبب) قوقعته الميكانيكية الآلية من البقاء والتكيف – على نحو يثير الدهشة – فى مجتمعنا المعاصر الميكانيكى والآلى هو أيضا، ولكننى أعنى أيضا الغالبية العظمى من العصابيين حيث يكشف اغترابهم عن نفسه – باستخدام وصف كارن هورنى – فى “انعزال العصابى عن مشاعره هو، ورغباته، ومعتقداته، وطاقاته انه – اى الاغتراب – فقد العصابى للشعور بأنه القوة النشطة المحددة (بكسر الدال الأولى) فى حياته أنه فقد الشعور بنفسه ككل عضوى …. اغتراب عن الذات الحقة”.

وللاغتراب جانبان أحدهما اجتماعى والآخر فردى يمكن أن نجدهما فى المعنى الأصلى للكلمة لقد أكد هيجل – ومن بعده ماركس – على مفهوم الاغتراب من جانبه الاجتماعى أما من الجانب الفردى – الاغتراب عن الذات – فقد استخدم مفهوم الاغتراب فى القرن الماضى، ومازال يستخدم فى بعض البلاد حتى الآن للدلالة على المرض العقلى “فى ذاته”.

وتؤكد الدراسات الانثروبولوجية المقارنة الآثار المرضية للعوامل الاجتماعية والحضارية التى تؤدى إلى – وتعمل على – دعم عملية الاغتراب ولكن ينبغى علينا أولا أن ندرس المراحل الأولى لتطور الفرد وتاريخ الحياة الداخلى، حتى نتمكن من فهم الجذور الأولية للاغتراب عند الفرد ومن معرفة دينامياته ينبغى اذن أن نستخدم وسائل التحليل النفسى لنقترب من الجانب الفردى لاغتراب الذات.

2 – بدايات استخدام المصطلح فى علم النفس:

لم يستخدم فرويد مصطلح “الاغتراب”، الا أنه أشار فى خطاب لرومان رولان عام 1936 إلى شعور أسماه Fntfremdungsgefuehl (الشعور بالاغتراب): ” يشعر المرء بأن جزءا منه غريب عنه … ولهذه الظاهرة وظيفة دفاعية ….. انها تحفظ شيئا ما بعيدا عن الأنا”.

وقد وصف بول شيلدر، مبكرا فى عام 1914، المريض المغرب كأنسان يلاحظ سلوكه من وجهة نظر متفرج، “فالأنا المركزية عنده لا تعيش فى تجاربه الماضية والحاضرة وتبدو الذات وكأنها بلا روح”.

ويقول شيلدر فيما بعد: “ان  الاغتراب يمكن الا يكون جزءا من الذهان الفصامى والاكتئابى فحسب، بل أنه يحدث بدرجة ما فى كل أنواع العصاب تقريبا كنتيجة غير محددة تترتب على  الصدمة العامة للصراع النفسى ….. ولا يجرؤ الفرد على وضع طاقة الليبيدو سواء فى جسده أو فى العالم الخارجى” ونلاحظ هنا أن شيلدر – رغم استخدامه للمفهوم الميكانيكى لنظرية الليبيدو – يتحدث بتعبيرات الدافعية عن الشجاعة، أو بالأخرى عدم الجرأة، وعن تجنب القلق والصراع، وعن الاستسلام، التى نعتبرها الآن جوانب اساسية فى اغتراب الذات.

3 – اغتراب الذات: الديناميات

يقول شيلدر ان “درجة الاهتمام التى يتلقاها (أى المغترب) فى طفولته المبكرة شديدة الأهمية”، وتؤكد خبرتى الاكلينيكية هذه النظرة حيث وجدت أن معظم الأشكال الشديدة لاغتراب الذات يحدث فى المرضى الذين تتميز علاقاتهم المبكرة اما بافتقاد القرب الجسمى والعاطفى، أو بعلاقات تكافلية تفرضها أمهات قلقات أو مسيطرات وتحرم تلك العلاقات الطفل من فرصة النمو كفرد متميز وتتميز علاقات هؤلاء المرضى بوجه خاص بالتوقعات المبالغ فيها سواء المعلنة أو الصريحة – من جانب آباء طموحين بشكل قهرى يجعلون قبولهم للطفل مشروطا بسلوك وانجاز معينين.

لا يولد المريض  المغترب – اذن – مغتربا، كما أنه لا يختار اغترابه انه يعانى من “القلق الأساسى” نتيجة لافتقاده القبول التلقائى والحب والعناية بفرديته فى سنوات طفولته المبكرة وهو يتحرك منذ البداية بعيدا عن ذاته، عما يشعر به، عما يرغبه، عما هو هو ، ويركز جهده كله على أن يصبح ما “ينبغى” أن يكونه ويضفى بعد ذلك طابعا مثاليا على طمسه لذاته، فطمس الذات يصبح اسمه طيبة، والعدوان قوة، والانسحاب حرية هو ينشد الأمان فى الانسحاب واقصاء الذات واضفاء طابع مثالى على ذاته، بدلا من أن يتجه نحو قدر أكبر من الحرية، والتعبير عن الذات وتحقيقها.

والمريض المغترب ملاحظ جيد لنفسه فى العادة انه ينظر – مع المعالج – إلى نفسه كما ينظر إلى شخص ثالث فى مقعد خال فالخبرات عنده منفصلة عن المشاعر، والمشاعر لا تشق طريقها إلى الوعى.

 إن الاشياء “تحدث” له كما تحدث لغريب كامو انه لا يملك علاقة نشطة بالحياة وربما يفسر ذلك ما نلاحظه من أن بعض هؤلاء المرضى يذهبون إلى طبيب عيون شاكين من  اضطرابات بصرية لا يوجد لها اساس عضوى. وقد أشار ارفن شتراوس إلى أننا فى النظر نرتبط بالعالم من حولنا على نحو نشط، أما فى السمع فاننا ندرك أشياء تأتى الينا وقد تكون الأعراض الجسمية كالارهاق، أو الخدر الموضعى أو العام، والدوار، والصداع، ودرجات متنوعة من فقد الاحساس الجنسى، والاضطرابات المعدية، قد تكون المظهر الاكلينيكى الوحيد لمشكلة وجدانية أعمق.

وقد قاد غياب القلق الظاهر والغضب والصراع من الصورة الاكلينيكية بعض المحللين النفسيين إلى تشخيص هذه الحالة على أنها عيب تكوينى أو مرحلة نهائية لا عودة منها للعملية العصابية الا أن الخبرة الاكلينيكية تشير إلى وجود ذات شديدة الحساسية اضعفها وشل من حركتها الصراع العنيف وراء السطح الجليدى عديم الحس لهؤلاء المرضى.

ظاهرة الصدى:

ينفصل المريض المغترب عن  اللب النشط التلقائى فى ذاته، وعن انفعالاته ايضا وهو منفصل بالتالى عن بواعثه وقدرته على اتخاذ قرارات.

لقد قال لى أحد هؤلاء المرضى مؤخرا: “اننى أعمى عن الألوان إلى أن يكشف شخص ما الألوان لى أنا لا أحصل على الضوء والطاقة وحقيقة نفسى (وكان من الممكن أن يضيف: والشعور بأنى حى) الا اذا نفذت فى حائط الآخر كالأسلاك التى تصل المصباح بمصدر الضوء”.

ويشرح هذا القول وجود ما أسميه “ظاهرة الصدى” عند المريض  المغترب ان صوته الداخلى ضعيف جدا وغير مقنع له إلى حد أنه لا يسمعه، فتبدو له فكرته الخلاقة أو خطته الواعدة التى امضى اسابيعا ليصل اليها – تبدو له غير حقيقية وخالية من المعنى إلى أن يعبر عنها – بعد تردد كبير – لشخص آخر فاذا أعاد الشخص الآخر المنتمى للحياة صياغة هذه الفكرة بدا صداها للمغترب حقيقيا ومقنعا، أما صياغته هو للفكرة – وعادة ما تكون أفضل – فهى تظل غير حقيقية انه لا يعتد بنفسه فى خبرته الداخلية، ولا يوجد كفرد معتمد على ذاته.

قد يقول ذلك المريض “لا شئ يحركنى” أو “لا أستطيع أن أخطو خطوة واحدة للأمام”، ولكنك اذا تتبعت تحركاته المحدودة لاحظت أنها أشبه بدفعات قصيرة لسيارة توقفت بطاريتها ولابد لها – لكى تتحرك – من أن تدفع بواسطة سيارة أخرى يقول المريض بطريقة غير لفظية “لن أتحرك للأمام” ويكشف هذا الشلل عن نفسه – أثناء العلاج النفسى – فى التداعى الطليق والاحلام كالاضراب جلوسا ضد الحياة ويؤدى الشعور بالحرمان والاستسلام إلى تدعيم هذا الموقف بشكل سلبى: “أنا لا أريد شيئا وحينما لا أريد شيئا، فان أحدا لا يمكنه أن يؤذينى” ويأخذ الاعتراض فى بعض الأحيان شكل الشعور العنيف بالمرارة والاحباط والغضب الموجه ضد الحياة، وضد العالم الذى منع عنه الحب والتعرف وفى كل من الصورتين السابقتين نستطيع أن نميز المقولة المنطقية غير الواعية: “لن أشارك فى لعبة الحياة ولن أتورط عاطفيا، ولن آخذ على عاتقى القيم بأية خطوة الا اذا كان هناك ضمان مسبق لتحقيق حاجاتى”.

وتكشف حالة السكون الظاهرية لاغتراب الذات عن نفسها كمحاولة دينامية لتفادى خبرة الصراع الداخلى المؤلمة وبخاصة بين حاجات الاعتمادية الشديدة وبين العدوان العنيف يتجنب المغترب القلق المرتبط بالانغماس العاطفى فى الصراع عن طريق اغترابه وانفصاله عن الآخرين، الا أنه يدفع ثمن ذلك فى شكل تحديد متزايد لحياته ومشاعره ورغباته الثمن الفادح هو فقدانه لذاته.

اغتراب الذات – اذن – هو النتيجة التى لا يمكن تجنبها للعملية العصابية، وهو فى الوقت نفسه خطوة بعيدا عن – أو بالأخرى ضد – الذات الحقة:

1 – يمنع الاغتراب ظهور الاضطراب الناشئ عن الوعى بالذات، وعادة ما يشكو المريض من كونه داخل “ضباب”، الا أنه يريد – دون وعى – أن يبقى داخل هذا الضباب انه يرحب تخدير الذات

2 – يحمى الاغتراب – بمعنى الانقياد كإنسان إلى – المريض من عبء ومسئولية الالتزام بنفسه وبهويته انه يسمح باقصاء الذات.

3 – الاغتراب – فى أكثر أشكاله نشاطا – هو رفض أن يكون الانسان نفسه ومحاولة أن يكون الآخر، “الذات المثالية” انه يعنى الهرب من الذات المكروهة عن طريق اضفاء طابع مثالى على الذات.

وقد وصف كيركجورد – الذى اكتسب بصيرة عميقة من خلال خبرته بقلقه وصراعه الشخصى – تلك الطرق الثلاث التى يجد فيها اليأس من عدم الرغبة فى أن يكون الانسان نفسه تعبيرا، ويسمى كيركجورد هذه الحالة “الغثيان حتى الموت”.

والطريقة الأولى هى تجنب الوعى بالذات: “يبحث الفرد عن وسيلة للاحتفاظ بالغموض الذى يحيط بحالته من خلال أنواع من صرف الانتباه كالعمل والوظائف التى تشغل كل الوقت، ولا يبدو له أنه لا يفعل كل ذلك الا من أجل الاحتفاظ بالغموض” ذلك هو الشخص المشغول جدا فى عمل لا شئ الذى وصفه تينيسى ويليامز جيدا فى شخصية مسز ستونز التى تشغل وقتها دائما وحينما تنظر للداخل تجد الفراغ الا أنها بعيدة عن الداخل دائما من خلال أعمالها الكثيرة التى تشغل بها  نفسها.

هذا الفراغ – “الفراغ الوجودى” كما يسميه فيكتور فرانكل – هو الجانب الأساسى للعصاب فى زماننا هذا.  وتمدنا الحضارة الغربية بوسائل لا تنتهى لتحذير الذات من خلال ما تسميه كارن هورنى “الحياة السطحية”.

 أما الوسيلة الثانية لتجنب أن يكون الفرد ذاته فهى “القبول بأن يكون الذات التقليدية”.

“ينسى مثل هذا الانسان نفسه اذ يكتسب الحكمة تجاه الاشياء التى تحدث فى العالم، ويجد فى عملية التفكير المستقل، وفى أن يكون نفسه مغامرة غير محسوبة، ويصبح الوضع الأسهل والأكثر أمنا له هو أن يكون كالآخرين، تقليدا، رقما، صفرا فى الزحام ولا يمكننا – فى هذا العالم – أن نلاحظ هذا الشكل من اليأس الا بصعوبة لأن هذا الشخص يبلغ حد الكمال فى التأقلم بسبب فقدانه لنفسه على هذا النحو”.

ولقد كان كيركجورد بالأمس سباقا فى ادراك ما أصبح اليوم ظاهرة عامة: اقصاء الذات من خلال “التكيف” الانقيادى.

أما الوسيلة الثالثة الأكثر جذرية لتجنب أن يكون المرء نفسه فهى “القبول بأن يكون شخصا آخر” وقد أكد بنز فاجنر الدور المركز لهذا الدافع عند الفصامى فى “حالة ايلين وست” واضيف أننى أجد هذا الدافع بطريقة محددة ومحورة عند العصابيين أيضا أنهم يودون أن يحرروا أنفسهم من عبء خبرة أن يكونوا ذاتهم الحقة، ويهربون فى الخيالى محاولين أن يكونوا الصورة المثالية للآخر والتى يعتقدون بأنها “ما يجب أن يكون”.

وتؤدى هذه العملية – بطريقتين مختلفتين – إلى شلل وضمور متزايدين فى الذات وإلى اعاقة نمو الفرد أما الطريقة الأولى فهى نتيجة لما يمكن تسميته “بالحرمان الداخلى”، فكل الطاقة المتاحة تستخدم فى محاولة قهرية لتحقيق الذات والطريقة الثانية – الأكثر أهمية – هى القوة المدمرة للاحتقار والكراهية التى تتولد دون انقطاع عن صورة الذات المثالية كلية القدرة والتى توجه نحو “الذات الأصلية التى فشلت”.

ويشكل رفض الذات واقصاؤها فى المراحل الأولى من النمو جذور الميول الماسوشية والجنسية المثلية القهرية ولقد كان فرويد محقا حينما لاحظ العلاقة بين النرجسية والجنسية المثلية الا أن ديناميات الجنسية المثلية القهرية لن تبدو واضحة لنا سوى بالاتفاق مع كارن هورنى على أن “النرجسية ليست تعبيرا عن حب الذات بل هى تعبير عن الاغتراب عن الذات .. يتشبث الشخص بأوهام عن نفسه بالقدر الذى فقد به ذاته”.

ويبدو أن العلاقة التكافلية تمثل لهؤلاء الأشخاص حلا بطريقتين، فمن ناحية يأمل الشخص فى أن يكون الآخر المثالى عن طريق الاندماج بالشريك الذى يمثل له رمزا خارجيا للجزء المفقود والمكبوت من ذاته، “الذكورة” على سبيل المثال، ومن ناحية أخرى تؤدى العلاقة التكافلية وظيفة أخرى أسميها “تكافل المرآة السحرية” فالشخص المغترب يوجد – أو على الأقل يشعر بحياته جزئيا – فى صورته التى تعكسها مرآة الآخرين، وبغيرها يشعر أنه ميت عاطفيا، وقد عبر أحدهم عن ذلك المعنى قائلا: “أنا أبحث عن طريق إلى نفسى برسم أجزاء من ذاتى أراها فى عيونهم” ويقوم كل شريك فى العلاقة التكافلية بدور المرآة للآخر فاذا ما توقفت وظيفة المرآة انهارت العلاقة على الفور.

وتركز الرغبة فى الا يكون المرء نفسه عادة على الجسم مؤدية إلى تكوين صورة جسم body image سالبة قد تتبلور فى الطول أو القصر، الوزن الأقل أو الزائد عن الحاجة، أو  الوجه ولون الجلد والجنس وتلعب الاتجاهات التشويهية فى المجتمع – لا عند الوالدين فحسب – دورها فى التركيز على رفض الذات كما فى حالة التركيز على اللون أو القوميات.

4 – العلاج:

متى يأتى المريض المغترب للعلاج؟ انه لا يأتى الا اذا فشلت محاولاته غير الواعية سواء كانت تخدير الذات واقصائها من خلال التكيف الانقيادى، أو الهرب من الذات عن طريق تقمص الآخر لقد “حدث” شئ ما جعله يدرك أن نظمه الآمنة تلك ليست على درجة كبيرة من الأمان، وأن حلوله ليست كاملة كما توقع وهو يأتى إلى المعالج أملا فى أن يساعده على تصحيح الخطأ أى على تحسين حلوله وهنا يكمن التناقض فى عملية علاج هؤلاء المرضى اذ يبدو وكأن كلا من المعالج والمريض يسبح فى اتجاه مضاد للآخر يود المعالج أن يساعد المريض على الحركة نحو المركز، وأن يربطه بجذوره الحيوية والامكانات الخلاقة فيه، لكن المريض منقسم على نفسه دون وعى: أنه يبحث عن ذاته ويتوق إلى علاقة حقيقية منذ بداية العلاج ولكنه – فى الوقت نفسه – يشعر أنه مدفوع بعيدا عن ذاته ويحاول أن يجعل اغترابه كاملا أو يتوقع – على الأقل – أن يتم تحريره من القلق انه يبحث عن الطمأنينة لأنها تزيل القلق تلكنها – فى الوقت نفسه – توقف بل وتدمر فرصته فى النمو والتغيير وعادة ما يحصل المريض على ما يريد اذ يرضخ الطبيب لتوقعاته ورغبته فى “شفاء” دون الم لأنه دون تغيير ليست وظيفة المعالج أن يزيل القلق وبالتالى يدفع بالاغتراب قدما بل ان واجبه هو أن يساعد المريض فى أن يجد طريق مواجهة الذات وقهر الأوهام ولا يمكن لذلك أن يتم من خلال التحليل النفسى التقليدى حيث يجلس الطبيب خلف الأريكة مفسرا ومدونا للملاحظات ولا يدرك مثل هذا الطبيب أن مريضه المغترب قد أمضى حياته كلها فى استخدام الكلمات لا ليعبر بها عن مشاعره بل ليخفيها.

على التحليل النفسى – اذن – أن يتجاوز المفاهيم المغتربة عن الشخصية وكذلك وسائل العلاج التى تدعم الاغتراب أن صورة الانسان كـ “هو” يحمل دوافع ليبيدية وعدوانية مدمرة فقط دون قوى بناءة، “وأنا أعلى” يعمل كقوة بوليس داخلية لا كضمير بشرى صحى، “وأنا” سلبية تذكرنا بذات مريضة – هذه الصورة فى ذاتها تبدو مجزاة ومغتربة ويؤدى مفهوم علاقة الطبيب – المريض التى ينظر اليها على أنها قاصرة على تحويل trans ference  ماضى عصاب دون اعتبار المضمون البناء للقاء خلاق يتم فى الحاضر – يؤدى هذا المفهوم نفسه إلى الاغتراب لقد بالغ التحليل النفسى – كوليد لعصر التنوير – فى قيمة الأثر العلاجى للمعرفة فى ذاتها ان جعل ما هو فى اللاوعى واعيا ليس علاجا فى ذاته وحينما اعرف – على سبيل المثال – اننى احمل حاجات قوية وتسلطية للاعتماد فان ذلك قد يؤدى إلى زيادة اغترابى وليس إلى الحد منه يجب على المعالج أن يكون قد خفف من وطأة اغترابه هو الذى يختفى وراء هوية كاذبه حرفية.

ان المطلوب هو علاقة متبادلة حقيقية من طرفين فلا تستطيع أى “أنا” أن تنمو دون أن يقابلها “أنت” تلقائى وواضح المعالم وحاسم فى المعالج.

الخلاصة:

1 – ينشأ الاغتراب فى مواقف الطفولة المبكرة التى تحرم الطفل من الخبرات الحية التى يشعر فيها بأنه مقبول بصدق كفرد، (افتقاد الاقتراب الجسمى والعاطفى، علاقة الوالد – الابن التكافلية، التوقعات المبالغ فيها من أبوين طموحين بشكل تسلطى) يؤدى القلق الأساسى إلى خلق حاجات تسلطية فى الطفل إلى الامان وتحرفه هذه الحاجات من نمو التلقائية والتعبير عن الذات وتحقيقها إلى رفض الذات واقصائها والهرب إلى اضفاء طابع مثالى متوهم على الذات تدعم العوامل الحضارية هذه الاتجاهات نحو الاغتراب.

2 – اغتراب الذات هو نتيجة لعملية عصابية طويلة، وهو فى الوقت نفسه محاولة دينامية شاملة غير واقعية لتجنب الوعى بالذات الذى يثير الاضطراب، والقلق، والصراع الداخلى والبينشخصى.

3 – يعد الاغتراب النشط عن الذات، والرفض اللاواعى للهوية الشخصية والجنسية، والرغبة فى أن يصبح الانسان شخصا آخر جوانب اساسية فى الشخصية العصابية فى زمننا المعاصر.

4 – يجب على التحليل النفسى أن يتجاوز مفاهيمه المغتربة عن الشخصية ووسائل العلاج المدعمة للاغتراب حتى يتمكن من مساعدة المريض المغترب لأن التغير يتطلب وعيا ناميا بالذات يتم اكستابه من خلال الخبرة والبصيرة العاطفية.

5 – الاهداف العلاجية الأساسية هى قبول حقيقى للذات وللآخرين، والشعور القوى بالهوية ا لشخصية والجنسية، والاستقلالية، ومحاولة تحقيق الذات أما العنصر العلاجى الأساسى فهو العلاقة الخلافة بين الطبيب والمريض من خلال القبول والحرارة والثقة.

[1] – من كتاب: الانسان وحيدا الاغتراب فى المجتمع الحديث نشر وتقديم: اريك ومارى جوزفسون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *