الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1983 / عدد يناير 1983 : ” حضور” حـدوتة مصرية رسالة إلى يوسف شاهين وآخرين

عدد يناير 1983 : ” حضور” حـدوتة مصرية رسالة إلى يوسف شاهين وآخرين

عدد يناير 1983

” حضور”   حـدوتة مصرية(1)

رسالة إلى يوسف شاهين وآخرين

وفـاء خليل

فى هذه ” المشاهدة معا ” يقدم الكاتب المعايش ما “حدث” “فيه” من خلال ابداعه الناقد لمثير سينمائى خاص، وهو يزعم أنه فى اقترابه ذلك قد امتطى قارب العقل، ونحمد الله أنه فعل، وهو فى جولته: فى قفزاته المتلاحقة، وغوصه فى أعماق الرؤية، وتكثيفانه فى معاناة الصراع لتحميل الألفاظ متعددة الشحنات المعنية، كل ذلك قد جعل من نقده اعادة ابداع لفعل الابداع الأصلى، وسواء قال العمل المشاهد كل ذلك أو لم يقله، فقد قاله له بشكل يستحيل انكاره، ولعل القارئ – ومن يهمه الأمر – يستجيب لاستغاثة التواصل الطالبة للحوار المبدع حتى لا ينقطع طريق السعى الدؤوب: ” اليها “- معـا – كل على حدة، مع يقين استحالة “الوصول” .

****

يبدو على ظاهر هذا الكلام ما يبدو، وانا لا أعرف له باطنا، لكنى أعرف أننا نعيش فى عصر صعب ومخيف، سمته الأساسية: العنف والقمع، تختلط فيه الأوراق والأزياء التنكرية وتنتشر فيه حلقات الحواه، كما أتصور أن منطقتنا تشهد تسابقا شرسا بين قواها الوطنية وقوى التخلف بها لاحراز مواقع متقدمة فى عالم الكيانات الكبيرة والوفاق الحذر والاختيارين الرئيسيين وما يتفرغ عنهما من اختيارات فرعية وما ينتج عن ذلك من أثراء أو افقار للاختيارات الرئيسية.. وهكذا.للآن فان شفرة هذا الوفاق غامضة نسبيا علينا مع أن الوفاق مؤثر علينا تماما. وأتصور أنه بالنسبة لبلدى فلا غد بدون تحديد الهوية لأقصى درجة بما فى هذا التحديد من حتم الصدام مع أعداء هذه الهوية. وأتصور أن الفن جزء من معركة صياغة الحياة يشترك فى ذلك قوى التقدم والتخلف فلكل رؤيته ومنطقه وقواه …. هكذا .

واذا كان التاريخ يعتبر حكما مناسبا للفصل فى أى رؤية فنية فأن موضوع التاريخ نفسه هو مجال اختلاف بين قوى كل اتجاه” التقدم، التخلف ” ” لندع مؤقتا مشكلة التعريف والتحديد وصراع اللافتات والأسماء والقوى البين بين ” بالرغم من قدر الاتفاقات بين قوى كل اتجاه حول الوشائج التى قد تربط بين الفنون والتاريخ .

***

أثار الأمر فى نفسى فيلم (حدوتة مصرية ـ حدوتك أنت)، والفيلم سيرة ذاتية للمخرج يوسف شاهين أخرجها فى فيلم يوسف شاهين(2)، وبالتالى فتفاصيل المادة الفنية التى يعمل عليها المخرج (حياته الشخصية) تتسم بالقرب النسبى. والعنوان دالة كلية المعنى (حدوتك أنت أيا كانت من أنت) مما يومئ الى بعد عام ومصرى. كما أنه فيلم مصرى عن انسان مصرى من خلال العنوان ” حدوتة مصرية ” .

وأتصور أن السيرة الذاتية فى فيلم أو كتاب أو أى فن لها غرض يطلب صاحبها توصيله. كما أتصور أنه وعند تقديم سيرة ذاتية فى عمل فنى فيمكننى تقسيم عملية التقديم ـ لمجرد التسهيل ـ الى قسمين ” يقع بينهما كثير من درجات البين بين ” .

  • سيرة ذاتية لفرد مشتبك مع حقائق وروابط تاريخية واجتماعية بما حوله تضع الفرد فى مكانه وفى سياقه التاريخى والاجتماعى” هنا التركيز الأكثر على الفرد مع عدم اغفال الدوائر الأوسع ” .

(ب) سيرة لعصر أو لفترة تاريخية كما تتجلى فى حياة فرد مشتبك مع المجتمع والعصر بهدف تكريس موقف معين .

وسأحاول أن اعيد مشاهدة الفيلم مبتعدا عن مزالق المقدمات الجاهزة والمسبقة مع استحالة ذلك. تلك المقدمات المتعلقة بعلاقة التاريخ بالفن أو علاقة الفرد بالتاريخ.وكذا مبتعدا عن افتعال الترابطات أو اهمالها. وأن كنت أعجز عن اقتطاع أيا من هذه الحقائق عن لوحة الوجود فى وعيى. وأعتقد أن الفنان ـ وهو الأقدر منى بالفن ـ برؤيته الشاملة والمتصاعدة دوما لديه أيضا لوحة وجود ترتسم عليها هذه الحقائق وهى التى تشكل جانبه المعرفى لعلاقات هذه الحقائق والموضوعات فى لوحة الوجود. سواء كانت معرفة واعية أو غير واعية . معرفة تدعم حسا غير منثلم .

هانحن فى أرض الأسئلة العطشى للاجابات “…..،…… هل يمكن معرفة التاريخ…وقبلها…. ماهو التاريخ تجاه أى اتجاه يسير… هل يسير حقا… أنراه ونحن بداخله… بالشعر…؟. اجابات الأسئلة ـ ولو بشكل غير مباشر وجزئى ـ ترقد فى أعماق العمل الفنى .

سرد ودورة سريعة بالبصر :

قدم يوسف شاهين تاريخ حياته الشخصية بدءا من طفولته خلال أسرته وصراعات النساء الثلاث المحيطة به أساسا حول حيازة أكبر مساحة من روحه واهتماماته. ثم يصحبنا فى صراعاته فى معركة الابداع فى الاخراج السينمائى ودخول عالم المهرجانات السينمائية واذا شئنا فيمكننا أجمال التفاصيل على الوجه التالى: الطفولة: يشير الفيلم الى حادث أثر فى كيانه هو صفعة من مدرسه وواقع أسرى محبط .

الصبا : يجد الصبى نفسه وسط مظاهرة تقذف به فى أحضان تجربته الأولى مع المرأة. النضوج: يبدأ يلتف الناضج حول قوانين صناعة السينما الهابطة بذكائه ليخرج أفلامه وينفذ رؤيته وتغبنه المهرجانات فهى تحمكها اعتبارات غير فنية( اقليمية. . سياسية..) وينعكس الأمر عليه انهاكا وأصرارا ويخترق تردد السلطة ويخرج فيلم العصفور ويصالح الطفل بداخله بعد ما حاول الطفل قتل”   الناضج” بداخله. بسد شرايين قلبه. ومع الصلح تنجح العملية التى أجراها وتنقضى المحاكمة التى كان قدم من خلالها يوسف شاهين هذه السيرة. تلك المحاكمة التى كانت ضد الطفل منتهمة اياه بمحاولة القتل.

تخلل الفيلم بعض الاشارات الى بعض الوقائع التاريخية العامة التى قد تبتعد أحيانا عن سياق تاريخه الأسرى أو الشخصى، أو تقترب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر” المظاهرات ضد الانجليز ـ قيام الثورة وصراعها مع القوى التقدمية ـ النكسة ـ ثورة الجزائر ” .

ولا يحتاج الأمر لأن أقرر أن أعادة المشاهدة سوف تخلص للفيلم وتقصر عن أن تستهدف أن تتصدى للاغارة التجريبية المجزئة أو توهم تقديم نقد للفيلم أو تقديم اقتراب غير فينومنولوجى، وسوف تخلص فى أن ” تقول بلا صراحة” و” لاتقول صراحة” . سيسمع من يسمع ما يود أن يسمع أولا. أما ما بعد ذلك فيحتاج الى حديث آخر ولغة أخرى وهذا كله موضوع آخر .

وعن ذلك الاتهام بالذاتية الذى وجه للفنان يوسف شاهين على صفحات الجرائد والمجلات فأرجح أنه تقدير نهائى مؤسس على تقديرات مبدئية جزئية تتعلق بمفردات الفيلم، وأن أعادة المشاهدة قد تساعد القارئ على تحديد موقفه من ذلك الاتهام فى حدود شريحة معرفية محدودة ” التاريخ” . وارجح أن نسبة كبيرة من اللذين يتهمونه بالذاتية يعنون أكثر اتهامه بالنظرة الجزئية أو أحادية التناول أو التخلخل الداخلى للرؤية الفنية … ولا يعترضون على مبدأ صدور العمل الفنى نفسه عن ذات الفنان. وأتصورهم يفتشون عن ذات شاملة ” قد تكون ذواتهم هم ” رحبة وكلية. وأنهم يعبرون عن الشوق لذات تندفع الى أقصى احاطة. والاتهام لابد له من مستندات تدعمه والا أصبح اتهاما ذاتيا. وأتصور أن الشوق المشروع للواحدية ” الذات والموضوع” واضح فى اتهامهم انهم يودون أعمق رؤية لا عمق وحدة تشمل يوسف شاهين والوجود من حوله.

رؤية يتضح فيها اكثر استقطابات الوجود ” الخاص والعام … الجزئى والكلى .. الأنا والأنت… وهكذا ” .

أنهم ينشدون ذاتا أكثر موضوعية. كيف؟ هذه قضية أخرى أقول أن الساحة الآن قد امتلأت بـ”فعل” يوسف شاهين والساحة تنتظر” فعلا” من أى من الآخرين. فعلا أفضل لغة اسبق …. رؤية فنية أرقى .. ولن يرحم التاريخ .

لأراجع ماذا أريد :

أبحث عن ملامح اطار الرؤية التى تقف خلف هذا العمل، والاطار المعرفى للفن فى هذه الرؤية ببعده العام. أقترب من غرضى من خلال محاولة تعرفى على فهمه للتاريخ؛ هذا الفهم بجانبه المعتقدى، ووضع هذا الفهم وسط ما هو أكبر ـ وليس للنقاش ـ أى وسط رؤية اشمل تحدد موقفه بالتحديد من فكرة أن التاريخ حقيقة تعلو على الذوات التى تعيشه ورؤيته لمعنى ذلك التاريخ. وكيف يتلاءم هذا الفهم مع باقى بناء المفاهيم التى تكون جوهر رؤيته لوجوده الشخصى .

أتقدم خطوة. من جولة البصر السابقة والتى حكيت فيها ما رأيت وكتبت عنه على هذه الصفحات ومما شاهدته بعينى يمكننى أن اقول.

السيرة الذاتية هى سيرة لها وعى ودرجة من الموضوعية. السيرة الذاتية عند يوسف شاهين كما اتضحت فى الفيلم ومن خلال الفلاش باك بدايتها الميلاد، تنتقل منه للماضى وتقدم الحاضر مفتوحا على المستقبل، اى فى نفس النطاق الطبيعى للزمان. على أن يوسف شاهين يختار من الزمان ما يراه جديرا بالاعتبار. يختار احداث الذات الفاعلة. يختار التتابع الزمنى لعملية الخلق . وجدارة الاعتبار. ان تضاريس احساسه بالزمان تتحدد بافعال الخلق. وأى احداث تخرج عن سياق التتابع الزمنى لعملية الخلق لابد وأن تخدم حدوتة هذه الذات الفاعلة/ الخالقة .

والذات التى تقدم ليست هى أعماق الذات ودروبها ودهاليزها واسرارها الداخلية وأبعادها الخفية أنما هى أفعال الذات المبدعة . ومحاكمة الجانب الطفلى فيه شكل فنى للحكى أساسا لا يركز على تتبع كيانات فى الزمان بقدر ما يركز على تقديم أفعال الخلق. واذا كان هناك ذات تتكون فى الزمان من خلال سياق” الطفل، ثم الصبى”، فهناك الذات الخالقة والتى هى شئ فريد متميز فاعل تخرج عن سلسلة العلل والمعولات. واذا كانت كل الذوات حالة” من الحلول” فى شخص بشرى واحد فان الخالق هو الذى حكى حدوتة أفعال الخلق ومع تقديمه للطفل فيه من   خلال المحاكمة فان الحدوتة كانت حدوتة أفعال الخلق. الطفل والصبى هم الأساس البشرى/ الانسانى. الوجه المتعين لذلك الجوهر الخالق .

أتقدم خطوة أخرى .

اقترب يوسف شاهين من حدوتته من خلال مدخل الموت البيولوجى/ الوفاة، فهو الخطر الأشمل الذى يهدد توالى عمليات الخلق نفسها. ويدمر وجهه الخالق ومن ثم طفله الداخلى.

وبصرف النظر عن ملامح الطفل المتهم بمحاولة قتل الناضج فيه فان المحاكمة نفسها تشير الى اقرار يوسف شاهين لوجود اكثر من كيان للفرد الواحد .

الا أن من جنب وأزاح خلال مجرى الزمن هو الطفل الذى تشكل طبعا فى الزمان لكن الخالق/ الناضج هو الذى خلق وأستمر وصالح الطفل المتوارى فيه فى نهاية الفيلم .

وقهر الموت يحتاج للصلح قبل احتياجه لسن أبرة الطبيب وكأن ما حدث بيولوجيا هو نتاج لما قبله من نوع وجود. والموت هو مجال الأسئلة الأصيلة يقترب منه للحياة بحثا عن المعنى … وما قد يكون وراء المعنى .

خطوة أخرى :

السينما فن. والفن يخاطب الوجدان ولقد تأملت كل المشاعر التى تخللت الفيلم بجميع أفراده فلاحظت أولا أن مشاعر الأفراد كلها معتدلة. لا توجد غيره قاتله أو حب جنونى أو كره مدمر .. أعدت تأمل العلاقات والناس فلاحظت أن كل النغمات الوجدانية تنسجم فيما بينها لتؤدى لنغمة وجدانية واحدة هى ليوسف شاهين” صاحب السيرة” بالطبع. واذا جاز لنا التعبير عنها باللفظ لأمكن القول بأن الشعور الأساسى له هو ” هذا الوجود يعترضنى ويظلمنى “.

وهذا الشعور أو هذا الحس لا يتعارض مع فكرة ” أنا خالق” والتى تكون الأساس المعرفى لاختياره لشكل تقديم سيرته التى هى تعبير عن مضمون رؤيته لنفسه .

معنا حاليا” هذا الوجود يعترضنى ويظلمنى” و ” أنا خالق”. هى النقطتان المركزيتان لجذر موقفه الشامل من أى شئ .

أتقـدم خطوة .

قلنا ان الخالق الذى هو شئ فريد ومميز يخرج عن سلسلة العلل والمعلولات وأزيد لا يحيطه التفسير. فالخالق محل التقدير لا التفسير. أن مطلبه الحب قبل الفهم . فالخالق لايقع سره فى أيدينا “لا طبقة، ولا سلالة، ولا أسرة… ولا ..) .

خطـوة نهائيـة .

سأنظر الى موقفه من الدين والجنس لأرصد الاتزان الداخلى لتصورى هذا. فاذا أحسست بذلك الاتزان سأتقدم لفهمه للتاريخ . هذا مع ملاحظة هامة جدا … انى سابدأ بالوقائع فى الفيلم ثم سيبدأ ابتعادى بعد ذلك عنها لأكمل تصوراتى فى بناء هيكلى من التصورات .

رؤيته للدين : مجال الوقائع :

ــ نحن نرى الطفل يوسف شاهين من خلال لقطات المحاكمة التى تمت واستعرض من خلالها يوسف شاهين الأحداث مصلوبا تدق فى يديه المسامير تحيط براسه الأشواك.

ــ تسأله الممرضة ساعة العملية الجراحية عن دينه فيجيبها :” المفروض ” مسيحى ” بعد أن يطلق مداعبته الوحشية الغامضة المتسائلة ” علشان الدفن ….؟ ” .

النقطة المركزية فى أى دين هى فكرة الألوهية. ومن الممكن استخراج أبعاد من المسيحية تقارب بين الوجود الالهى والوجود البشرى” كان لعيسى وجه أله ووجه بشر”. وتضئ هذه الأبعاد الكثير مما يسميه الصوفية ” الطريق “… ويقصد به الطريق بين الوجودين” الانسانى والآلهى” واقارب أن لم تحدد الطريق بأن ” تعمل كل جوانب الوجود ” .

الخالق يوسف شاهين يرى بعدا دينيا فى ” رحلة أن تعمل كل جوانب الوجود … بداخله ” والتى واجهها هو وعرضها من خلال المحاكمة .

الخالق يوسف شاهين يختار فعل الخلق ليحتاز الوجود الالهى. واذا كان جوهر المسيحية الفرد والفداء فان جوهر الفرد أنه الخالق والفرد الخالق يضع علامة دموية على الطريق ويفتدى السائرين دوما .

وتصبح مداعبته سؤالا مفتوحا حول جوهر الأديان والناس جميعا الى زوال. اجابته عن دينه ” المفروض مسيحى ” تعنى أنه وعلى مستوى تصورات كتل الناس وغالبيات الجماعة وتأسيسا على فهم هذه الكتل وتلك الغالبيات للمسيحية حاليا فانه مسيحى مثلهم. لكن هناك دائما مسافة بين التصورات والواقع الأرحب. هذه الاجابة تشير الى أن فى الواقع شيئا ما آخر…. والا لأجاب ” فى الواقع …..” .

وتوقيت السؤال والجواب ” ساعة الخطر العظيم ” يشى بأن كانت النفس مفتوحة ولم تكن الاجابة تصدر من السطح الاجتماعى الخارجى له ……. ومداعبته بسؤاله ” علشان الدفن ..؟ ” يصعب على تصور أنها مداعبة فكاهية وحتى لو كانت فكاهة صادرة عن كيان مافانه غائر العمق فيه .

ما هو نسيج المسيحية الذى يحقق جوهر يوسف شاهين؟ مادام هناك تساؤلا ضمنيا عن جوهر الأديان ” علشان الدفن …” وباقى الكلام هو ” الدفن المتشابه فيه الناس جميعا “. الحس ” المسيحى” فى رحلة ” أن تعمل كل جوانب الوجود ” يجعلنى أغلب أنه حين ينتقى دينا خاصا ينتقى المسيحية التى اختارها لتعبر عن جوهر وجوده. أذن ما هو جوهر المسيحية الذى يحقق جوهر يوسف شاهين؟ المسيحية التى جوهرها الفرد الخالق والذى يتعين وجهه الآلهى فى الفرد السائر فى رحلة ” أن تعمل كل جوانب الوجود ” .

كذا يتقارب الوجود الآلهى والبشرى يجسدها الفرد الخالق. ويصبح الله لديه مطلقا فرديا وشخصيا يقوم الدين الرسمى بالهداية المؤقتة اليه. وأقصد بشخصى أى مطلق يكتشفه الفرد من خلال وجوده .

يكتشفه الفرد بداخله. ولأنه ليس مطلقا عاما محددا سلفا فهو يتسع للفرد واكتشافات الفرد. خطوات يوسف شاهين الأساسية الى الله تتم من خلال فعل الخلق .

ويقف يوسف شاهين كخالق وسطا بين مخلوقاته ومطلقه الشخصى لو اقترب الخلل والقصور الى مخلوقاته فانه لا يصيبه ” كما لا يصيب الخلل والقصور مفهوم الله بالرغم من وجود الخلل والقصور فى العالم ” . يظل النقص فى المخلوقات لا فى الخالق. وأذا أصاب القصور والخلل والنقص يوسف شاهين الخالق فانه يظل فيه ولا يمس مطلقه الشخصى كثيرا فهو يحتفظ لنفسه بـ” فعل الخلق ” نواة لمطلقه الشخصى. واقصد بلفظ “فعل ” الخلق معنى محدد. هو أن الدرس الفاجع للتاريخ ينبغى أن يكتشفه بداخله ويمكنه أن يستغنى عن أى درس لا يجده بداخله وعن أى معنى حتى لو “فعل ” على مستوى التجريب والخبط عشواء بما يتضمنه ذلك من عنصر ماساوى كامن فى أعماق الفرد. الخلق الفعل. الفعل خلق. الفعل أولا ثم المعنى. الفعل أولا. الفعل حصنه ذلك أنه لو هجم الوعى مرة واحدة على المستويات الثلاثة ( المخلوقات/ الأفلام، الخالق/الفرد، مطلقه الشخصى) فى نوبة مفاجئة فهو الخطر العظيم …. ويصدح صوت محمد منير متسائلا: ” مين العاقل ومين المجنون” . هذا التساؤل الذى يشى بقدر ما من معاينة وحدة العقل والجنون فى الوجود .

هذا الوجود/المشروع/ الجرح/ الخلل .. كيف؟ كله يفسره فعل الخلق فالخلق هو الوجود. فلو لم يكن هناك خلق لما كان هناك وجود. المشروع هو الوجود الذى لم يتم خلقه بعد. لم ينبثق بعد . الوجود الجديد الذى يعافر الوجود القديم . وفعل الخلق يفسر الوجود وخروج الوجود من الوجود. والجرح هو معاناة الأشواق لوجود جديد. المعاناة التى تدرك أن جوهرها أن لا تهدأ ولا تنام أى تخلق باستمرار. تخلق واقعها ودينها ونفسها. والخلل هو كل اضطراب الخطوات والتجريب العشوائى الذى لا ينقطع والخبط عشواء والعنصر المأساوى الأزلى الكامن ـ والذى فقط يبدل اقنعته ـ فى المسابقة بين وجود الحاضر ووجود المستقبل المفتوح الذى يتم خلقه باستمرار .

والمسيح ” النبى “” طفله المصلوب” فرد يسمع أصوات الله. والفرد المسيحى يسمع أصوات الله. فقط عليه أن يسمع نبض قلبه وينظر فيه فيشرق الله بد اخله . ” فيعرف” والله بداخله والعالم كله بداخله. الله خالق وهو خالق. وهو جزء من العالم وعلى علاقة به.. علاقة يتحدد هو بها ويتحدد العالم ايضا ـ بالنسبة له ـ بها. كذا لا يهجم المعنى فجأة (المعنى الذى هو فى التاريخ ـ أى تاريخى )…. وفعل الخلق / اخراج الأفلام= خلق واقع جديد يقارب بين الخالق والنبى فكلاهما يسمعان صوت الله بداخلهما وصوت الله جوهره أن تعمل كل جوانب الوجود . هذا هو الطريق.

والفرد الذى يعرف أنه جوهر خالق ينفتح على جوهره بالخلق المستمر مضئيا الطريق للوجود ساعيا أن تعمل كل جوانب وجوده . ونفس الأمر يفعله النبى بتقديم نسق مدرك أخلاقى للوجود يضئ الطريق للناس .

فى البدء كان الكلمة . والكلمة هى الخلق. هذا شريط يوسف شاهين لقبول الكلمة الكلمة. أن تكون خلقا. ( يقول لصديقه التقدمى مداعبا وساخرا … أنت شاطر فى الكلام.. مصير.. اختيار… ارادة ….) .

ولو تنازل وجهه الآلهى مؤقتا لحساب وجهه البشرى ومرغما فلا مانع بكل الألم أن تجئ التعبير بعد التغيير/ الفعل. لا يمكن أن تفلت ” الكلمة” من اطار الوجود وتصبح اغترابا مهينا للحياة والوجود وليذهب الى الجحيم ” اى خارج الوجود” … الأنا أفكر..الأنا الترنسندنتالى… ان ” الطريق” ينبع من العالم الذى يعيشه يوسف شاهين ويصب فى نفس العالم حقا لكننا لا يمكن أن نحيط” به” “علما “… وأقصد بـ “به” مطلقه الشخصى .. وعلما بمعنى العلم الخائف ذلك أن كل نهاية تفتح أفقا جديدا … كذا يكون مطلقه الشخصى كما ذكرت هو فعل الخلق. والخطر هو وعى يجمع فى وحدة واحدة وحدة المخلوق والخالق يوسف شاهين ومطلقه الشخصى .

خطوة نهائيـة .

فى درجة من المحافظة على المستويات الثلاث التى سبق ذكرها يمكن القول بان له وجه بشر ووجه نبى ووجه اله . وفى الفيلم يخلع الاله ملابسه ويتعرى صارخا…(عاملينى اسطورة ومعلقين على) مناديا الناس ليكونوا فى طريقه…. كذا يتقارب وجهه الآلهى والانسانى علهم يرون جوهره/ طريقه ………

وابتعد عن الواقع لبرهة واستنتج ……..

الخطر المستبعد هو تجلى وحدة المستويات ” الثلاثة ” وقد تكون أكثر…. فى الوعى فجأة.. والوعى هو فعل الذات التى جوهرها الخلق، وأى وعى أو معرفة أو مفارقة دفعت ثمن ما حصلته اغترابا وألما وأنشقاقا.. يمكن ليوسف شاهين أن يواجهها بذات خام ” الطفل” مثيرا فى مواجهتها الأسئلة الصعبة ليرغم هذه النوبات المعرفية أن تنحنى لتشرق بداخله أو … فان حصته النهائى هو الأنا/ أفعل .

يسال الطفل القاضى والمدرس الرمزان الواضحان. من قال للقاضى أن يحدد “المفروض” ومن قال له أن هذا المفروض ملائم لى .

ومن شرع القهر من المدرس ليقع على أنا الكيان الانسانى باسم الحضارة ـ نص تقرير المدرس أنه يمثل الأخلاق والحضارة ……

هل يمكن استنتاج ما يمثله الآخر … بالنسبة لهذا الدين … ما دام” الآخر” موجودا فى يوسف شاهين فان تجليه الحقيقى يعتمد على أن يكون له دور فى تحقيق جوهر يوسف شاهين كفرد خالق وأدنى مستويات هذا الدور هو الوسائد البشرية أو الدعامات الانسانية المحيطة به وصولا الى المحاورين له من الخارج أو من الداخل من أولئك السائرين على الطريق .

ولما لم تكن ولم يظهر فى الفيلم ما يشير الى علاقة فنية بينه وبين آخر ” أقول فنية وليست شخصية ـ أى حوار رؤية لرؤية ـ وهذه تخرج الجزائرى والتقدمى والزوجة … من هذا التحديد “. فيصعب تحديد دور الآخر بالنسبة لهذا الخالق. لكنا نعلم أنه ينبغى أن يشرق بداخله ولا يمكن أن تشرق فى آخر الا بالحب والمشاركة والتقبل والصبر على أهوال الخلق…” أنا متردد .. وأحب اللى يدلعنى ..” ” محدش عاوز يشوف” تمهيدا لأن يشرق هو ” يوسف شاهين” بداخله ” هو هذا الآخر”. ولايبدو على الشاشة ما يشير الى ما هو أبعد من ذلك من ” معالم الطريق “.

كل خطوة يخطوها فى اتجاه نفسه كجوهر خالق هى فعل وهى خلق.

على مستوى الفعل/التجريب العارى مشروعه مهما حملت من بعد مأساوى أو خلل ذاتى وهى خلق لأنها تؤدى الى معرفة أوسع بنفسه كجزء من الوجود ولاتشريع خارج الذات بل من داخلها/ جوهرها/ الخلق/ التوازن المتصاعد دوما .. ” القلب ” هو الذى تخرج منه الكلمة. ينطقها اللسان بالنياية عن القلب . والقلب هو الكل. والكلمة هى الخلق ” والخلاص

هو الخلق والله هو الجوهر/ الخالق وأنا جوهر خالق. وتصبح صعوبات الداخل “مصر” ومصاعب الخارج” عالم المهرجانات” كلها محاولات لعمل تحديدات لجوهره الخلق والموت انقطاع للجوهر يرتعد أمامه ” القلب” واسمع تساؤله عن مفارقة ان يحدد هو ساعة موته يشى بتساؤل آخر . هل يمكن ألا يرتعد القلب أمام الموت؟. يؤكد كلامى” اجابته للمرأة معه فى التاسى بعد أن سألته مباشرة أنت خايف.

فأنكر ثم اعترف بالخوف” وقهر الموت ليس فقط بخلود المخلوقات/ الأفلام فتحت هذا التساؤل أتصور التساؤل المخيف هل يمكن أن يكون للموت معنى ؟

ولننظر فى اتجاه مغامرته الكيانية تجاه الآخر كجزء من الطريق …….

الجنس : نطاق التعبير] تجربة أمرأة ما بعد المظاهر، الزوجة، بائعة اليانصيب، اندور السائق، بعض اللقطات المؤيدة [ .

ملاحظة أولية: كان الجنس كله خلال نضجه فيما عدا تجربة امرأة ما بعد المظاهرة. وعند استنتاج نتيجة عامة عن موقفه من الجنس لا تتأسس أو تستخرج من هذه التجربة خاصة لو اتسقت مع النتيجة العامة لموقفه من الجنس أو لو أمدتنا بأضواء اضافية على غرضنا النهائى الذى هو فهمه للتاريخ .

امرأة ما بعـد المظاهرة :

الغريزة تشكل أرض الخبرة ولكنها تتركك بعد ذلك للخبرة نفسها، والغريزة تعمل على جسد صبى يافع. اشواقه لاسعة أصدقاؤه يلغون فى الدنيا فى مركب الدستور وسعد والملك وهو مندهش لما حوله مشدوه وغير فاهم “الله يخرب بيوتكو” لما يتم.” لم يهتف فى المظاهرة وانما كان يلعب بالمقلاع” . حين تختلط المعانى تصبح بؤرتها تأكيد الذات فالصبى كان يحمل وعيا أدنى من فعل المظاهرة بكثير. هذه المظاهرة التى”فيها وفيها”.

حين تختلط المعانى قد تلبس ثيابا حسية.وتأكيد الذات يتحقق فى المظاهرة ” أسيب صحابى بيتضربوا ” ويهدى نار الطاقة اللاسعة التى تتشكل بألف وجه ويؤكد مفاهيم الشهامة والنخوة والرجولة التى يستعجلها المراهق الدافئ الدم …. وتأكيد الذات يمكن أن يصحب الصبى الى حافة السرير. لم تكن المرأة محترفة ولايبدو عليها العراقة فى تلك الكشوف الجنسية ويوسف شاهين هو الذى يهمنا واهميتها بقدر ما تضئ الموقف .

ــ الاشتعال الجنسى تم وهى تضع يدها على أنه ” يعرف ماذا يريد ـ بعد ما أشار لها على أحلامه ـ لاحظ كلمة أحلامه ..وليس واقعه …”.. ولم تتعامل بالأغلب مع ذلك الكيان ” الذى لايعرف ماذا يفعل ” .

ــ هى أرقى منه اجتماعية ” الأناث …. الخدم …. الفيلا الفخمة ….” .

وأسمع صوت يوسف شاهين يحكى عن هذه الخبرة .. وأتخيله …. مركزا بصرى على الحدث. لم يكن الماضى واضحا والغد يلفه الظلام والنار لاسعة فكان لابد وأن أقفز بفرحة فى اللحظة أم. الصبا يكتشف يا أخى. الأم الحقيقية لم تمسح الجرح / الجروح. لم يكن ثمه طريق ولاأود المنزل الذى أعرفه بل أود ما لا اعرفه. الدافع حار وخام ويتشكل مصيره خلال مجرى الأحداث كنت أتعين بالتوحد الحيوى. وأتحسس ملامحى وأعرفنى. أغزو جسمى ويغزونى. زقزقت فى صدرى عصافير وساعتها ومضت الحقيقة/ النزيف ذات الألف وجه واحتفلت بأن أصبح لى جسد وأنه يمكن أن يعرف وانه مختلف عن جسدها.آه يا جسدها/ الفرحة/ الفم الدافع/ الدفقة لم ترتح الا بتصفيتها فى حارة جانبية على أنها تستعد لخطوة جديدة .

وأكمل تصوراتى بنفسى … البدايات الأولى للخروج لآخر والدخول فيه والذى يعنى فى نفس اللحظة قبولك لأن يدخلك هذا الآخر. والمجال الجسد والحس. لا يبدو أن جنين الخالق ” لو افترضنا فرضا متناقضا بأن الخالق كان جنينا فى لحظة ونما ” قد استوعب فى الصفقة .. هذا أن كان قد وجد أصلا .

الصفقة. أنت الغريب/ الزخم والصبا/ الذى يعرف ماذا يريد أتجه أنا لأكشفك وأكتشفك من داخل وأصفى الطاقة لحساب نوع وجودى الذى سمته الأساسية أنه أرقى منك اجتماعيا كما أكتشف بك ـ باختيارى ـ جزءا من ” من أنا” لذا فانى اسلمك نفسى وأقبل أن تغزونى جنسيا .

الكشف / الغزو / الثأر / المعرفة ……….. الماء المالح

أو صدام مع الجنس الموضوعى…. فهل نفذ شئ من هذه التجربة الى ” الكيان الخالق”. لايوجد ما يدل. هل اول لقاء هو أول تزمن لمعارفة الجنسية. بالرغم من غموض الأمر فيبدو أن هذه التجربة ساهمت ولو بشكل جزئى فى مسار التجربة التالية وهى تجربة الجنس مع الزوجة بعدما تحسس اللحظة الحيوية .. فهل … فلنكمل معه المسار .

الزوجة : يغلب على العلاقة الدفء الاجتماعى. والعلاقة الاجتماعية ليست هى العلاقة الفنية . ولا أفصل بين العلاقتين بموسى فقد تكون العلاقة الاجتماعية فنية أو العكس. لكن الفيصل هو نوع الحوار بين الكيانين الخالقين…. تتدثر العلاقة بينهما بشكل حسى بالطبع مشاعرى أكثر منه عقلى وتتعزز طبقته الاجتماعية بابنة رجل السينما الهابطة. وهى ليست فنانة بالمرة .. ويعكس المنظر الذى كانت تستمع فيه مع زوجها الى أغنية أم كلثوم ” قد ايه من عمرى راح “….. وزوجها يرتعد رعدة دامعة وشبح الموت وخوف الموت يعضانه بالناب. أقول يعكس هذا المنظر برودها الشخصى وتنمرها الأنثوى لما تعانيه فى زوجها من شمول الروح ورحابتها. هذا الشمول وتلك الرحابة اللذين يكشفان ضيقها ومن ثم يستفزان عداءها. رقصهما سويا وأصابعهما مغروزة فى لحم بعضهما وتسمعه لجنينها فى بطنها/ فعله الحيوى فيها ساعة مناقشة حادة بينهما يعزز تقديرى لحسية العالقة ومشاعريتها الغالبة . ويمهد الأمر كله للتجربة الثالثة ……

بائعة اليانصيب : الورقة الأخيرة ” وعارفة والنبى أنها مش حتكسب ” وهو لا يعرفها. ثانى مرة الجنس ابن اللحظة. وقد وفدت وظلال ألمه تلف الشاشة…. فلعل … وصرخة العزلة تصرخ تطلب مخرجا ” مش محتاج لحد …..” ….. الصرخة طاقة ألم .

لكنها صادقة فلم تقل أنها “البريمو” أو أنها ” ان شاء الله حتكسب ” بل قالت انها ” محتاجة للخمسة صاغ” . ويغامر بالفارق الاجتماعى على أرض الصدق. من الذى يغامر فى قاع الفعل الجنسى الفرد أو الخالق .. لا نعرف لكن التحدى واضحة. تحدى ما حوله وتحدى حتم الخسارة من وجهة نظر البائعة بالبحث عن احتمال أن يكسب شئيا من ” اللمسة ” فى ” اللحظة” . الصدق صفة مطمئنة للبشر ومشتركة بينهم وبين الآلهة .

اندور : هناك غمز حول ذلك اللقاء الذى تم فى ظلال احتمالات الوفاة بين يوسف شاهين والسائق الاسكتلندى الذى كان معه. وعند براءة القاء فالأمر لا يعنى شيئا وعند عدم براءته فانه يوضع بجانب حقيقة أن الكيان الفنى لم يستوعبه الجنس الاجتماعى ويصبح الكيان الفنى مهددا وتكتسب خطواته التالية مشروعيتها وشكلها الجديد من تفاصيل كثيرة .

الا أن الأرجح فى تقديرى ـ] لم ألحظ الغمز اياه ولم أوافق على الربط بين ذلك السائق والجندى اياه فى فيلم اسكندرية ليه[ ـ أنه فى هذا اللقاء فيوسف شاهين هو من كا مطروحا بشكل أكبر.مهما أفسح لأندور من مساحة.حيث الموقف يشير الى ذلك ” المبادرة من يوسف شاهين ـ العملية الجراحية.. ” وأيا كان الأمر برئ او غير برئ فالإشمئزاز الذى يشعر به الناس بسبب ذلك الفعل تجاه رجل ومض فى عقله لثانية واحدة ان يتحول الى جيفة / رمة / جثة أهون على يوسف شاهين أن يعانيه ” بقدر تواجد الناس فى كيانه الحيوى ” من أن يعاين اشمئزازهم من نحوله لجثة فى صندوق تنتظر دورها فى السفر. جثة شخص انقطعت ابداعاته/ خلقه .. الى الأبد .

يوسف شاهين يسأل اندورو عن ” المرأة التى تعيش معها بتضربها. فيجيبه السائق او كنت أضربها لما مشت. ويضحكان فالملاحظة لا تصدمه كثيرا وتتواقف مع مفارقه أن الجنس / الحنان/ التواصل. هو فى نفس الوقت الغزو / القسوة …” .

الجنس “ثانية “: أكرر لا يمكن بتاتا الفصل بين وجه الخالق فيه ووجه الفرد العادى البشرى. فمع تداخلهما ووحدتهما فالفصل الذى أقوم به فصل شكلى ليس الا .

ومايقال عن الجنس يقال عن الفرد. والتاريخ تاريخ الفرد ولا تظهر أية علاقة واضحة للخالق/ الناضج طبعا مع أمرأة ما بعد المظاهرة ولا بينه وبين الزوجة وأن كان المنطق يشير الى أن التجربة الأولى سبقت الثانية فالكشف غرض الأولى بالأرجح أشار الى ملامح الشامل/ الخالق…ولو فى غموض كثيف. والتجريب الرزين ابن النضج بدأ بالثانية ” الزوجة” . لكن الثالثة/ بائعة اليانصيب تلقى ضوءا على ما سبقها. ومازال التوتر بين الخالق والفرد لاسعا. والمغامرة هى مغامرة الفرد وأرض المغامرة ” الصدق ” تشير الى امكانية التقارب بين الآلهى والبشرى .

واذا كان الغموض الكثيف يحيط بتجربة بائعة اليانصيب فهو يحيط أكثر وأكثر بأندرو ” لو صح الغمز” . وان كنت أرجح وجود أكثر من لون فى نسيج هذا اللقاء. فلقد كان الأب ” والد يوسف شاهين ” أقرب اليه من أمه تلك صاحبة الصفعة العنفية لابنها ساعة أن واجهها بالحقيقة ” اننى كدابة “. لعل هذا يشكل عنصرا واحدا يتيما ـ ولو بشكل غير مباشر وجزئى ـ فى تشكيل ميله الخاص. هذا بالاضافة الى ذلك الشك الغامر المحيط بسلوك الأم كما ظهر فى الفيلم .

وابداعات يوسف شاهين تفلت من أسر السنوات الأولى لحياته وتتعالى على المحتوى الشبقى لهذه السنوات ” دعوى البعض” . وليس للخالق/ الفنان امتداد يتضح منه ملامح تجربته الجنسية. وعلاقته بالزوجة ـ التى تظهر فى سياق حياته ـ لا يتضح وجهها الجنسى … وهل دفأت الفرد .. أم خصبت الخالق.. فقط يظهر .. أنها … خصبت الحياة بطفلين …..

فما هو الجنس.. الأشباع العملى الواقعى ويعود التوازن مدلوله اعلانى شخصى كتأكيد للذات. حفظ التوازن الحيوى البيولوجى. وجه من وجوه الطاقة. فعل شخصى ينتهى بانتهائه. الفرد يفعل بالجنس فى الدنيا ليعرفها. ومازال السؤال لاسعا من ذهب مع بائعة اليانصيب وماذا فعل …. وماذا جنى..؟ وهل كان هناك اخصاب معرفى لوجوده .

فما هو الجنس…. اللذة فعل محدود لا ينساح فى الزمان. فعل بلا تاريخ وان كان له عائد معرفى وجذر حسى. يفلت الخالق من كل تحديد اذا رصدنا الجانب الجنسى فى وجوده المتعين وهل للخالق تحديد .

وإذا كان تعميق اللحظة وكشف أبعادها احالة لجوهره واضاء له فاهلا والا فلا” لا” يقولها الخالق ويتصرف الفرد ويتوزان بأى طريقة فهو “حر” بما فى ذلك توازن الجنس ويوسف” مشروع” يتماس مع مشاريع” ومن ثم فهناك ” مشروع لغة ” وعلى الجنس أن يخدم مشروع اللغة ويجد مكانه فيها. ولا يبدو هناك نزيفا فى محت هذه اللغة ومنظومة خبراته الجنسية تتقطع ويصعب تقديرها من الخارج ولا تبدو المرأة “آخر قادر” ومن ثم لا يحوطها الحب والحنان. واذا تصورنا أن الكل الشامل له ألف وجه وألف اسم أمكننا أن نقول أن الخلق = المطلق = تمام التوحد = اختفاء الذات = افساح الطريق.. الحياة ..والخلق .

فما هو أقرب لغة مما سبق الى النسيج الجنسى لعلاقات يوسف شاهين. انه فى تصورى يقع بين تمام التوحد ” والأمن” … و ” الموت “.. خطر التوقف …….

ولايوجد ما يشى بأن الجنس شده للعالم وقارب المسافة بنفسه بينه وبين من   حوله أو ما حوله .

ومازال الخالق يفلت من التحديد وليس أمامنا سوى المخلوقات/ الأفلام .

ونجئ للنهاية .

كيف يرى التـاريخ : عنى أنا فأستعمل لفظ التاريخ بمعنى :

  • فن صناعة الحضارة .

(ب) دراسة الذى يتبدل فى الزمان ” لفظة يتبدل تحتمل وتتضمن ينمو ويضمحل ” .

فن وعلم. يتضمن زمانا…. ومكانا …… وبشرا …. وقد يكون له معنى … سيقترب الحديث بعض الشئ من روح الوقائع وان ابتعد عنها بشكل عام أكثر … ما زالت فكرة الخلق هى بؤرة وجوده ومن ثم فكره ووجوده كله…. ومازالت هى الضفيرة التى تجدل كل رؤيته …..

اسمعه يقول :

فى البدء كانت الغرابة والدهشة فلقد خرجت عبر وجود غريب انا عنه …. كما اننى لا اعبر عنه تماما لأنى مختلف عنه .

أنا الخالق لا تحده بداية. ولا يجده الموت الذى هو توقف عمليات الخلق فالمخلوقات الأفلام تستمر فى الزمان .

من علاقتى بما حولى أتحدد ويتحدد ما حولى وجوهر علاقتى بما حولى يجسدها موقفى الذى هو فنى .

الزمـان :

الحس بالزمان، “وفكرة الزمان. تضاريس الاحساس بالزمان يرتبط باختيارات الأفعال التى يقدمها هو الدائرة الضوء وقد قدم أفعال الخلق.قولى “زمان صعب أو زمان سعيد ” تعنى أن هناك معنى أمنحه أنا لاحساسى بالزمان وهو احساس يعاين تتابع الوقائع ثم يمنح المعنى. احساس يكون جزئيا من الأرضية الحسية العامة لى ومادة خبراتها العامة، حسه بما تم فى الزمان هو اختياره للأفعال التى تقدم كسيرة لزمانه. هذا الوجود المعترض بظلمه وهو مشتبك معه فى فعل مستمر هو الخلق. الزمن الموضوعى يندرج تحت فكرة الزمان. وما زلنا فى الاحساس بالزمان. وهو نافذ الاحساس باللحظة ويمكنه أنه يشعر انه ” لوحده” وسط أصدقائه. اللحظة الخاصة موجودة والمقتل موجود فى المسافة بين احساسه بالزمان وفكرة الزمان .

لابد وللفرد من أن يزيح من أحاسيسه ما يؤلمه ويقرب ما يبهجه. الفكرة تنظم مجموعة الأحاسيس وتضعها فى نسق. الزمن ” الموضوعى ” الذى هو بالخارج يمكن الاعتراف به نظريا مع عدم معاينته كيانيا وشعوريا ونفسيا. من المهم أن ينفتح الكيان كله للموضوعية أكثر من الاقرار العقلى. فما هى الفكرة التى عن الزمان بل فما هى أبعد الأفكار التى يمكن أن تبرز الخالق وتحدد فكرته عن الزمان وتكون تعبير حسه بالزمان بحيث يكون زمانه هو تاريخه هو تاريخ خلقه لمخلوقاته. سيرتى هى حكايتى/ حدوتتى موقفى الكلى الشامل   هى ردى بافعال الخلق على الوجود الذى يعترضنى ويظلمنى .

سيرتى حكايتى فى الزمان هى حكاية افعال الخلق الذى يرد على لوجود المعترض الظالم ولو لم يمتلئ الزمان بحكايتى لكان عدما. أنا أخلق الزمان بافعال الخلق التى تملئه فتوجده. أو العكس. سيرتى هى ذاتى فى زمانها الخاص وفى الزمن الموضوعى. زمانى الخاص هو حسى بتوالى شكل عمليات اعتراض الوجود وظلمه لى. وفكرتى عن الزمان يجسدها فعل خلقى. حس لى يخف بانحلاله فى مجال وعاء مفهومى واسع. الزمان الموضوعى وعاء للخلق وعاء يخلقه الخلق نفسه. لا يخلق الزمان عملية الخلق انما عملية الخلق هى التى تخلق الزمان. زمانى هو زمان الخلق. اذن أنا أخلق فيوجد الزمان ولولم يكن هناك خلق لما كان هناك زمان. الذى يحدث فى الزمان هو الخلق وكل ماعداه يحكى حدوتة الخلق. والزمان أما حس أو مفهوم وكلاهما يحتاج الى ” الحاس” وللـ” فاهم” . لى أنا. على أن فعل الخلق يحررنى من الضرورة المتضمنة فى حسى بالزمان أو فهمى للزمان. فعل الخلق يجعلنى فوق الزمان .

الحاسم فى مجرى الزمان هو فعل الخلق مهما تدخلت عوامل موضوعية فى مجرى الزمان أنه فرصتى للخلق. خلق يوسف شاهين جديد. انه مجالى وليس خالقى.-

تسألنى عن زمن لم أعشه أو تاريخ خارج معرفتى أو تاريخ لوجود راح وأندثر. كل ذلك فى أنا. لاشئ يفنى فالزمان الماضى حال فى الحاضر والحاضر فى أنا. فى داخلى حتى الزمن الذى لم أعشه ولا أعرفه فى أعماق نفسى .

أنا أحدد ملامح الماضى وانتقالة للحاضر برحلة الخلق ومن الماضى للحاضر كانت هناك اعتراضات الوجود وظلمه لى وردى عليه بافعال الخلق.

تقول خلقنى الزمان. أنا الذى ينمو فى الزمان بعد ما خلقت الزمان يفعل الخلق ولو لم يكن هناك خلق لما كان هناك زمان .

تقول خلقنى الزمان. لا أنا أخلق الزمان. لست تتابع اللحظات بل أنا توالى عمليات الخلق ومخلوقاتى تشهد بتجاوزى للزمن المعطى .

وجوهرى حسى بالزمان الممتد فى الزمان ولا زمان الا بى. حس بالزمان يجعلنى أثق فى المستقبل فهو الزمان المفتوح على الامكان. والزمان أخلقه وأتمثله … أى أنه كمفهوم يحتاجنى .

عن المكان :

حس بالمكان ومفهوم للمكان. هذا المكان يعترضنى ويعارض تفتحى. والعالم كله كمساحة طبيعية تعترضنى وتغبننى. هذا المكان أنا الذى أخلق (روحه). ووقائع الاعتراض والغبن تملأ المكان ولا تظهر بالتالى ملامح المكان. المكان امتلاء ومفهوم . امتلاء بأفعال الخلق. لأن الخلق هو جوهر الوجود. وكمفهوم يحتاجنى فلو لم أوجد لما كان هناك مكان. والمكان الموجود فى الوجود كطبيعة ومعرفة لا يمكن أن يفلت منى أليس الوجود كله( طبيعة ومعرفة فى) اذن فالمكان فى. وهل يفلت مخلوق من خلق الخالق .. والمكان الذى تمت فيه حدوتة يوسف شاهين ممتلئ ومشغول باحداث الخلق وسمات الآخرين لا تملئ المكان والتاريخ هو تاريخ هذا المكان الذى حددته أفعال الخلق. والمكان يعترضنى ويحدنى ويظلمنى وأنا أقهره بالخلق واذا كانت أمريكا هى البداية المكانية والزمانية لحلم الخالق فهو يتجاوزها فنيا .. وروحيا وتعج روحه بالـ( فلاحين الغلابة والعمال الطيابه”.

وتتهشم غلظة المكان تحت قدرة الخالق .

البشر : الآخرون فى الفيلم يشكلون اطارا اجتماعيا حول وجهه البشرى. وكلهم تجمعهم عبارة ” محدش عاوز يشوف”. ولا توجد علاقة فنية فى الفيلم بتاتا. بمعنى حوار كيانات خالقة والتقدمى جياش العواطف يرفد رافدا سياسيا فى رؤية يوسف شاهين ويدعمه (فهو أفضل الموجود طبعا وعاشق المستقبل” . وشعب مصر يقاوم ولقد ساهم هو ضمنه بالدم وبالفعل وأفعال البشر فى هذا المكان لا تفسر أفعال الخلق .

أسمعه يقول. أنا الذى أنمو فى الزمان. بمقدار ما يكون” الآخر” على ” الطريق” فهو موجود. اما وجودهم” الموضوعى!” …. فهل توجد موضوعية خارج الذات ……

عن المعنى : المعنى فى الزمان. أنا خالق الزمان. فأنا خالق المعنى. أفعل أكشف المعنى. أفعل أهدم المعنى. أعبر أعبر عن المعنى. الخالق خالق للمخلوق وللمعنى. ولا مخلوق ولامعنى الا بى. والمعنى كمفهوم يجتاجنى. والمعنى ” الموضوعى!!” فى طبيعة الأشياء وان هذه ليس لها تاريخ ولا يمكن الامساك بها فى صورتى الزمان والمكان فان طبيعة الأشياء هذه مرتبطة بأدراكنا الحسى الذاتى وهذا يربطها بالمدرك برباط أبدى .

هذا العالم أحتاج فيه للناس ويحتاجون لى . ألست أنا مانح المعنى/ كاشف المعنى .

عن التاريخ : يوجد تاريخ … لا مانع … ولكن هل كان هناك تاريخ لو لم يكن لى تاريخ. يوجد تاريخ لأن لى تاريخ. يوجد تاريخ لأن لى تاريخ. تاريخى التاريخ. وتاريخى بداخلى. أنا الفريد الفعال تاريخى بداخلى وان كنت أشمل من تاريخى ورؤيتى له التى هى فعلى وجوهرها الخلق .

واذا كان التاريخ هو أفعال البشر فى الزمن الماضى فان هذه الأفعال ليست أفعال كل البشر. فالبشر ليس هم مجموع الناس. البشر هم من يفعلون. والفعل ليس أى فعل الفعل ابداع وخلق. واستحضار واجترار الزمن الماضى يعنى استحضار واجترار والتعبير عن احداث الفعل. عن احداثه هو التى هى رحلة ابداعاته وخلقه على أساس أنها ليست فقط منحنى شخصى. أنها تاريخ الفعل العام. هذا التاريخ الذى لا يقع فقط فى الماضى وانما هو كذلك مؤثر فى مستقبلنا وبالتالى فيوسف شاهين مؤثر/ فعال فى مستقبلنا .

والعالم هو مسرح ابداعات الذات وتاريخ العالم هو تاريخ ابداعات الذات الفاعلة تاريخ الفاعلية والخلق .

تجربتى تركن ظهرها للتجريب العشوائى حين تضيق الطرقات/ الوعى/ الهم.. أو ليست هى جزء من الوجود. ليس لها حدود ولا خطوط …. ولا أى شئ قبلى .

وفعل الخلق الذى أفعله يتجاوز ” الواقع!!” بمعناه الضيق.

أنه يكشف التعدد والتبدل والثابت والمتعالى فى المجرى الكبير للزمان   ” الذى أخلقه بخلقى” .

أنا الخالق أحقق ما قد يبدو مستحيلا ظاهريا وأتحرر من أغلال وأخرج عن نطاق الزمان وأصبح الموضوع الخالص للمعرفة المجردة من الارادة المتحررة من الزمن .

أخلق وجودا لا يتكون من سلسلة غير منقطعة من العلل المعلولات والوسائل والغابات. أخلق وجودا ليس عبدا للواقع العينى بل وجود يتبع الخيال، أقدم للوجود رؤى غير قابلة للفناء … رؤى تحرر البشر الفانين من عالم الارادة الصارمة ومن الانغماس فى عالم الغابات الجزئية والأغراض .

وفرديتى هذه أشمل واسمى من الوجود الاجتماعى … ففيها يتحقق جوهرى الذى يستعدى على الكثير .

مرة أخيرة ….. التجربة/ الخبرة/ الواقع هو المعلم……. والتاريخ تاريخى أنا .

فماهو التاريخ يوسف شاهين : انه فرصة مفتوحة للاسهام الشخصى بحيث يمتلئ وعاء الزمن بأحداث الخلق فالتاريخ هو تاريخ الفرد الذى هو فى وعى الفرد الذى هو ليس الا “عمله الفنى” والذى لا يعد تكرارا لعمل أى آخر من الآخرين. فكل التاريخ هو تاريخ ذاتى.. أو تاريخ ذاتى أنا …. كجزء من مصيرى أنا .

تسـاؤلين :

  • المظاهرة هى التعبير عن الحس الاجتماعى بالخطر وهى تعبير عن الجزع وعن تضامن أولى قديم لايقوم المجتمع الا به على أن الحس بالخطر أيضا قديم بل قبل قيام التضامن .( القطيع قبل الدولة) .

فهل يرى يوسف شاهين بناء ثابت فى الزمان فقط يبدل الاقنعة .

(ب) كانت هناك مسافة نفسية بين يوسف شاهين ووالديه من جهة وبينه وبين أولاده من جهة أخرى فهل يرى يوسف شاهين بناء ثابتا فى الزمان فقط يبدل الاقنعة .

 تلخيص :

هذا هو الجنس. هذا هو البعد الدينى لوجـوده … هذه هى رؤيته للتاريخ كما أتصورها من الفيلم .

قاطع طريق :

طبقا لفكرة الاستعادة ووجود وسائل معرفية قديمة تاريخيا بالكيان الانسانى فأنى أتخيل تاريخ تطور التجربة المعرفية له( فى الواقع الموضوعى!!) ……… طبعـا .

يتجه يوسف شاهين فى بداية البدايات الأولى لحياته الى الموضوع بالخارج (أى موضوع أو موضوع ما) فاتحا كل نوافذه وبلا معرفة مسبقة ويواجهة سد ما أو صعوبة معجزة .

لا يسعف العالم يوسف شاهين فى أزمة الاحاطة بالموضوع فتمر عليه خبرة شاملة (ليس له بيت معرفى. الوحدة المرة. العالم مسلوخ بشكل ما من المعنى) خاصة لو كان وجوده الاجتماعى غير مغذى له …….

يتجه للداخل (تسعفه المعرفة القديمة) معرفة القلب وهى (مسيحية) وهى (مصرية). ويدرك جزءا مشبعا نسبيا من موضوعه كما يدرك مشارف جوهره وثراؤه كجوهر عارف .

فى الدرب الداخلى يحاول بكل الطاقة تحديد حدود وأبعاد الموضوع بشكل كامل وامتلاكه بداخله تماما ردا على الصعوبة القديمة وقلقا من فقد الموضوع ويصبح استمراره فنانا شهادة خبرة وصلاحية للدرب الداخلى. شهادة مطمئنة على التشابه العميق بين دروب الوجود ودروب الذات . واذا كانت الكلمة هى العقل الذى عجز عن امتلاك موضوعه. والفعل هو خلق وجود جديد يرد على العجز (بالقوة) أصبح الرجل أقرب الى الفعل/ الاغتصاب من الكلمة/ الاغتراب. (أو ليس الوعى الذى ينير الوجود فيه عدوان واغتصاب للوجود).

يكمل من خلال هذا الدرب الداخلى ولايمنع الأمر أن يحاول بكل أشكال الفعل الأخرى غير الخلق مثل العلاقات الاجتماعية وتكوين الأسرة و ….. على أن ذلك كله لا ينجح تماما أى لا ينجح فى أن يمنحه المعنى الشامل لوجوده. بل ربما أشار له على جزئية هذه الأفعال والى انقطاع السلسلة التى تربط كل هذه الأفعال بوجوده بالوجود من حوله اذ أن كل فعل يشير الى ما بعده. الخلق فقط هو الذى يخفف آلام الحلقة المفقودة وعلى أن تحفظ للذات ذاتينها وتفردها وربما تميزها .

مع بداية فعل الخلق يبدأ الموضوع يستنير فى نفسه ويترابط مع جوهره كخالق يمنح الموضوع معناه .

يخفف ألم العجز عن الاحاطة بالموضوع بعد الاحاطة بجزء من المعنى الذى وجده فى فعل/ الفعل/ المعرفة/ الخلق وبالتعرف على نفسه فاعلا. ويألف الدرب الداخلى الثرى وان تلون الدرب الداخلى بلون الحزن والغضب .

قدرا من النجاح الاجتماعى والفنى والشخصى …. يدعم هذا المسار (امتلاك الموضوع بالداخل ثم منحه المعنى من خلال فعل الخلق).

وان نازعه الداخل نجاحه محاولا منعه من السير فى الحياة العادية … التى تستغنى بشكل ما عن هذا الداخل خوف أن تتكرر الخبرة الشاملة المرة وهى تهديد الموضوع له .

ضمانا وتحسبا يعرف هو من خلال الدروب الواقعية والعملية….

أن يتفتح الوجود بداخله هو الأساس ثم المعرفة العقلية المعاصرة …. تاتى بعد ذلك.

يتفتح الداخل ويتضخم وينمو بالفعل وتشحذ قدراته المعرفية ويعينه …. القديم….!!.

كذا يصبح الألم الأساسى لديه ألم الخلق أى ألم امتلاك الموضوع بالداخل ويبهت ألم الموضوع الذى بالخارج. ألم الزمان الموضوعى الذى يحاصر الخالق والمكان الموضوعى الفاعل فى عملية الخلق والمعنى الموضوعى الذى يعجز الخالق ويتحداه وألم الآخر الذى يفر من الخالق أو يزلزل دربه الداخلى.

ينتهى الأمر يحتضن فى أعماق دربه الداخلى زمانه الخاص ـ سواء كماض أو مستقبل. هذا الزمان الذى يخلقه ويحدده فعل الخلق. ومن ثم يمكن القول: سيرتى تاريخى.. تاريخى (التاريخ الموضوع بالخارج يتلألأ بالداخل). سيرتى التاريخ. سيرتى هى رحلة بحثى عن جوهرى.

هى نوع وجودى وهى رحلة بحثى عن المعنى وهى توالى عمليات الخلق.

أنا مانح المعنى …. وزماننا (أنا وأنتم) ينتسب لزمانى أنا. وتشرق شمس الأمن والأمان .

الى ماذا نصـل :

ذات تتقى شر الموضوع (المجتمع على أحسن تقدير ـ الى أن نصل للطبيعة الخالية من الوعى) وتتمايز عنه. وتتميز عليه. وتدافع عن نفسهت ضده وتعبر فى نشوة عن احساسها بنفسها .. ومن يدرى … فقد تعرف ..

ثانيـــة:

سبق أن قلت أننا نعيش فى عصر صعب. بمعنى آخر أقول أن الحضارة الانسانية فى أزمة ومفترق طرق وكل محاولات الانسان لانسنه الوجود تشهد على بعض فشلها كل أشكال الاغتراب الانسانى كما يشهد على تعثرها أزمة العلوم. سواء العلم بمعناه التجريبى والتجزيئى أو العلم الانسانى. وفى غياب أنطولوجيا علمية (لا اقصد الانطولوجيا التى لا تتأسس بمعزل عن العلم) ، وأنما أقصد الانطولوجيا التى لا تتأسس شرعيتها على مجرد وجودها غير منعزلة عن العلم والمعرفة. بل من شرعية وسلامة وزجدارة الذات تلك الانطولوجيا التى موضوعها الوعى نفسه.

وفى غياب تحديد عام وشخصى لما هو أمام وما هو خلف .. يتقدم الفن بمحاولات لتأسيس هذه الانطولوجيا (والانطولوجيا بعد الايديولوجية).

وقد قام يوسف شاهين بتجريد زمانه الى توالى أفعال الخق + وقام بتعيين اجتماعى لواقعه ليبرز آلام الخلق .

واذا كان هذا الوجود يعترضه ويظلمه فان رده عليه هو فعل الخلق فما هى المعرفة العقلية التى تدعمه فى عصرنا. ما هى الفلسفة التى تقف وراء مثل هذا الموقف. هى الفلسفة التى ترى أن الكون موجود. والكون سره الانسان ومركزه الانسان. الكون موضوع الانسان لكنه لا يمكن أن يخرج عن مدار جاذبية الذات الانسانية والتى أشمل من معرفته العقلية. فالعلم درب من دروب الوجود. والذات جزء من الموضوع لكن الكون/ الموضوع يتفتح من خلال الانسان وبالتالى يعبر عنه الانسان فالانسان ابن الكون المخلص. ويكتسب الفن قيمته من اكتشاف الدروب الحقيقية للوجود وماد امت الذات هى المركز فلابد من توازن كونى بين عودة الانسان الى أن يكون طبيعة ويجسدها كافة أشكال الموت” حركة للخلف”. وبين مجاوزة الطبيعة التى يقوم بها الانسان بكافة أشكال الخلق والفعل والوعى … كل اشكال الحياة” حركة للأمام” والفرد يتوازن بين الحياة والموت. والجنون هو نقلة فجائية فى الوعى سواء للأمام أو للخلف لا يحتملها الوجود الفردى المعبر عن المسيرة العمياء للحياة .

ويتحير يوسف شاهين (مين العاقل ومين المجنون) فكلاهما يضرب بأعمق جزوره فى أعمق أعماق الوجود. وعلى الوجود أن يتيح للفنان اكتشاف دربه الخاص ودربه المعرفى الخاص اللذان هما حقه/ حريته قبل أن حتى يدرك حدود هذه الحرية وعلاقاتها مع حرية الآخرين، فهذا أمر يكتشف مواقع الفعل الخلق .

تساؤل نهـائى :

اذا كان الفيلم يشير بشكل ما الى امكانية تقارب المستوى الالهى والانسانى و(ب) يشير الى وحدة الكلمة والفعلو (جـ) يشير الى خوف الموت ومحاولات قهره” فكرة الخلود”و (د) يشير الى احترام الفرد واعتباره غاية.ألا نشم وراء كل ذلك رائحة ……(مصرية) ؟.

كلمة قبـل النهـاية :

ليس اقترابى هذا هو الأمثل فقد امتطى قارب العقل. ومازال فى طريق العقل خطوة. هى أن نبحث عن الخارج فى داخل يوسف شاهين أى فى أفلامه. كل أفلامه وأن نخلص أكثر لفعل البحث والتنقيب.

وأن نوحد بين ما يقع داخل حدود رؤيته وما هو خارجها متأكدين أن كلاهما من الحياة بمعناها الشامل. وأن نخلص لعملية الأشارة الى ما يقع خارج نطاق رؤيته بملليمترات بسيطة ليعاين هو هويته من خلال الاختلاف ويتأكد كذلك هو من قدرتنا على ذلك بالرغم من الاختلاف. فيطمئن.

وحين يطمئن فهناك احتمال أن يرانا بداخله أى يرى رؤيتنا أيضا بداخله وساعة أن يرانا بداخله سيسمح لنا بأن نمد خطا بين مخلوقاته ومطلقه الشخصى هذا الخط سيمر عبره هو شخصيا ويا للألم وسيقبل أن يحاوره الوعى المغترب/ الآخر لأنه مطمئن أننأ على نفس الدرجة من الألم واذا كانت الحضارة التكنولوجية العلمية الموضوعية التى شيدها الأنسان لصالح الانسان فى منعطف حاليا أفلا يفرض هذا الموقف علينا تمهلا وتأنيا فى السماع والمشاهدة والتأمل والحكم .

كلمة ثانـية :

بعد ما سبق أن أشرت تبدأ النهاية/ البداية … فيها … ما فيها الصمت الرائق .. التقبل النشط… الحزن المنعش… المشاركة المطمئنة …. الاختلاف المثرى …. التفاعل الودود… اللغات المتصاعدة أبدا وأبدا .

الحـوار ……….. الحـوار

فهل نكمل الحـوار …..؟

ولأنى أرى أن الموضوع بالرغم من أنه يخص الفنان يوسف شاهين الذى هو آلاف الشخوص… فاستودعهم قائلا … تصدح أغنية الفيلم :

الحكمة قتلتنى وحييتنى وخلتنى أغوص فى قلب السر

قلب الـكون

……       …….

……       ……..

مين اللى مدبوح من الألم ؟

وأرد عليكم ……… وها قد عرفتم الموت . فماذا بعـد ؟

وتعود أغنية الفيلم تردد :

رأيت كل شئ

وتعبت على الحقيقة

وأرد عليكم . وها قد عرفتم الموت ……….. فماذا بعد ؟

وتقترب النهاية ويصدح صوت محمد منير الرخيم :

” بأمد ايدى لك “

وأرد عليكم . أبعد الموت ؟ … ومن أنتم؟ ياأنتم. بعد الموت .

نريدكمو.

[1] – هذا المقال حصيلة حوارات كثيرة مع أفراد مجهولى” الهوية ” وآخرين معروفين ومع تمام مسئوليتى عن المقال أشير الى من شاركنى فى رحلة الاتفاق والاختلاف. آسف. رحلة الاختلاف والاتفاق… الصمت ، أنه كاتب مقال” لا تتركونى هنا وحدى” السابق نشره بالمجلة أرد بمقالنا… وبالصمت… لعلك تأتنس فتظل وحدك … وهكذا … أنه حافظ عزيز الحوام . لذا لزم التنويه وشكرا .. وفـــاء.

[2] – لم يذكر الكاتب لا هنا ولافيما بعد سيرة كاتب القصة يوسف ادريس، ولم يوضح ـ ولم نسأله عن ـ سبب هذا الاغفال، ولعله يقصده أو……

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *