الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1983 / عدد يناير 1983 : قصة قصيرة : الـوراء

عدد يناير 1983 : قصة قصيرة : الـوراء

عدد يناير 1983

قصة قصيرة

الـوراء

محمد عبد المطلب

توقفت عن الدق… وابتلع الصمت صدى دقاتى، وانحنيت أنظر فى بئر السلم، والتفت أصابعى حول القضبان الحديدية الرفيعة بلا أرادة منى، وعدت أرمى بصرى الحائر فى بئر السلم وصوت أقدام صاعدة يعبث بمسامعى، ومن خلف الباب الموصد يأتى نور

شاحب وضعيف وهمهمات ضئيلة كالدبيب ….. لابد أنهم الآن يكونون دائرة غير منتظمة والحجرة ذات النوافذ المغلقة مشبعة بدخان سجائرهم التى يمتصونها بعصبية وقلق وخوف. ولابد أنهم يرتبون لى نفس الأسئلة التى سمعتها فى مرات عديدة وسيدخلون معى فى نقاش عن عين الموضوعات التى سبق أن ناقشناها آلاف المرات وسوف ترتفع حدة النقاش وسأراهم يلوحون بأذرعهم وأصابعهم المتشنجة وستختفى ملامحهم خلف ستائر الدخان الكثيفة، والتى لا تخفى عنى نظرات عدم الثقة المتبادلة فيما بيننا. وسوف ننتهى الى نفس التوصيات والقرارات التى توصلنا اليها فى المرات السابقة بضرورة تنظيم مناقشاتنا واختيار أفضلنا ليديرها. وسيرتفع صوت يرى أنه علينا أن ناخذ خطوات تنفيذية لأن ما يحدث ليس فى صالحنا وسقطت قبضتى بعنف على زجاج الشراعة ورميت بصرى الزائغ الى أسفل هذه المرة ستحدث أشياء جديدة ومثيرة فيكفى أن اقول لهم: فى الطريق اليكم هتف بى هاتف غامض أن أنظر للخلف ففعلت فسقط بصرى فى بصر رجل يخيل الى أنى رايته آلاف المرات، رأيت عينيه كبيرتين وواسعتين وتخرج منهما نظرة ثاقبة شعرت أنها تجردنى من ثيابى الداخلية وأنها تتحسس كل ما أخبئه فى صدرى، فضلا عن ابتسامة ثقة يصفعنى بها يحتفظ بها على ملامحه التى اعتقد أنها معلقة بأهدابى. فاتسعت خطواتى وارتعشت قدماى على الطريق، فتوقفت ودخلت دورة مياه عامة وقضيت حاجتى دونما رغبة حقيقية وبقيت دقائق حتى ألتقط أنفاسى، وحتى أنفض ملامحه من فوق أهدابى، وعندما خرجت من الدورة اقتحمنى شعور مرعب بأنه خارج معى من نفس الدورة وانه يغلق سرواله مثلى تماما ويصفعنى بنفس ابتسامة الثقة والنظرة الثاقبة التى تنغرز فى داخلى مثل المسمار، فجريت هنا وهناك وغصت فى شوارع لم أعرفها من قبل، وعندما صعدت الى العمارة خيل الى أنى أقوم بآخر محاولة للتخلص منه، للتخلص من شبحه، للتخلص من ابتسامتة ونظراته المسمارية وملامحه التى أراها آلاف المرات .

وعدت أدق وأرمى بصرى فى بئر السلم .

وتأتينى الهمهمة من الداخل وصوت أقدام تصعد الدرج متلصصة ومحاذرة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *