الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد ابريل 1984 / ابريل1984-قصيدة الشاعر و. هـ. أودن عن فرويد

ابريل1984-قصيدة الشاعر و. هـ. أودن عن فرويد

قصيدة الشاعر و. هـ. أودن عن فرويد

د. ماهر شفيق فريد

لعل من أكثر سمات الشعر الانجليزى الحديث فتنة – ومن أسباب صعوبته أيضا – اتجاه شعرائه إلى استيحاء انسقة فكرية غير الأدب: هكذا استوحى ت. س. اليوت فى قصيدته “الأرض الخراب” أنثرويولوجيا السير جيمز جورج فريزر صاحب كتاب “الغصن الذهبى” وجيسى ك. وستون صاحبة كتاب “من الطقس الى الرومانس”. وعكف و. هـ. ييتس على الفلسفة الافلاطونية والافلوطينية المحدثة وفلسفات الهند وتصوف المشرق واستنبت منها فى كتابة “رؤيا” مسائل سحرية معقدة تمزج بين العلم والخرافة، حتى ليحار القارئ فى كنه هذا الخليط الذى لا يدرى ان كان صاحبه قد أراد به أن يفهم حرفيا أم مجازيا. و د. هـ. لورنس مفكر يتوسل بالأسطورة (الاغريقية – الاتروسكية – المكسيكية القديمة – الفرعونية) الى فهم الواقع، بينما نجد روبرت جريفز – الذى مازال بقيد الحياة – يخلق اسطورتة الخاصة فى كتاب “الالهة البيضاء” ووليم امبسون يدمج فى شعره مفاهيم من الفيزياء الحديثة والرياضيات المتقدمة. أما الشاعر البريطانى مولدا – الأمريكى جنسية وستان هيو أودن (1907 – 1973) فقد آثر أن يتخذ من التحليل النفسى الفرويدى، ومن علم النفس التحليلى اليونجى، ومن مساهمات اتباعهما وخصومهما على السواء (هومرلين، جورج جرودك، الخ ..) دعامة فكرية لشعره النافذ فى أعمق مشكلات عصرنا، المعبر عن حيرة انسان العصر.

عرف أودن أعمال فرويد منذ سن مبكرة، وهو فى مرحلة الطلب الجامعى، ولم يزايله الاهتمام به حتى آخر يوم فى حياته، مهما كانت له – ولابد – من تحفظات على فكر هذا “اليهودى المهم الذى مات فى المنفى”: فى لندن عام 1939.

****

فيما يلى أقدم قصيدة أودن فى رثاء فرويد، متبوعة ببعض تعليقات النقاد عليها، ثم ببعض كلمات أودن – الناثر – عن فرويد.

1 – قصيدة أودن عن فرويد

فى ذكرى سيجموند فرويد

(توفى فى سبتمبر 1939)

عندما يكون هناك كثيرون علينا أن ننعيهم،

عندما يجعل الحزن عاماً الى هذا الحد، ويتعرض

لنقد حقبة بأكملها

ضعف ضميرنا ولوعتنا،

فعمن سوف نتحدث؟ لأنهم فى كل يوم يموتون

بيننا، أولئك الذين كانوا يصنعون لنا بعض خير،

الذين كانوا يعرفون أنه لن يكفى قط ولكنهم

كانوا يأملون أن يحسنوا قليلا بعيشهم.

من ذلك الطراز كان هذا الطبيب: فحتى فى الثمانين ظل يتمنى أن يفكر فى حياتنا التى من جموحها

كم من مستقبل فتى يلوح مقنعا

يطلب الطاعة مهدداً أو مطرياً

لكن أمنيته لم تتحقق: أغمض عينيه

على تلك الصورة الأخيرة المعروفة لنا جميعا

صورة المشاكل كاقرباء تكاكئوا

حائرين وغيورين – على احتضارنا

لأنه من حوله حتى النهاية قد ظل باقيا

اولئك الذين درسهم: حيوانات الليل،

والظلال التى ظلت تنتظر أن تدخل دائرة تعرفه البراقة

تحولت الى مكان آخر مخيبة الآمال اذ

انتزع من اهتمام حياته

لكى يعود الى الارض فى لندن،

يهودى مهم مات فى المنفى

الكراهية وحدها كانت سعيدة، تؤمل ان تزيد

من ممارسته الآن، وعملاؤه اللزجون

الذين يظنون أنه يمكن شفاؤهم من طريق القتل وتغطية الحدائق بالرماد

انهم ما زالوا بقيد الحياة، ولكن فى عالم غيره

ببساطة عن طريق النظر الى الوراء دون أسى زائف

كل ما صنعه هو أنه راح يتذكر

كالشيوخ وكان أمينا كالأطفال

انه لم يكن شاطرا على الاطلاق: لقد اقتصر على أن يطلب

من الحاضر غير السعيد أن يتلو الماضى

كدرس شعر الى أن تعثر أن عاجلا

أو آجلا لدى السطر الذى عنده

منذ زمن بعيد بدأت الاتهامات،

وفجأة عرف من الذى حكم عليه،

الى أى مدى كانت الحياة غنية والى اى مدى حمقا

سامحته الحياة، وكان أكثر اتضاعا،

قادرا على أن يقترب من المستقبل كصديق

دون صوان من الاعذار، دون

قناع استقامة جامد أو

ايماءة مسرفة فى الألفة محرجة

لا غرو أن ثقافات الغرور القديمة

رأت فى تقنيته المحركة

نذيرا سقوط الامراء، وتصدع

نماذجها الاحباطية المربحة:

لو أنه نجح، لغدت الحياة المعممة

محاولا، ولا نكسر صرح

الدولة وحيل بين

تعاون المنتقمين

بديهى أنهم أهابوا الله، ولكنه مضى فى طريقه

بين الأناس الضائعين وكأنه دانتى، نزولا

الى الحفرة العفنة الرائحة حيث المجروحون

يعيشون حياة المرفوضين الدميمة،

وأرانا كنه الشر، انه ليس – كما كنا نظن –

أفعالا ينبغى معاقبتها، وانما افتقارنا الى الايمان

طريقة انكارنا غير  الامينة،

وشهوة الظالم.

لئن كانت بعض آثار من وضع الأوتوقراطى،

والصرامة الأبوية التى يسيئ بها الظن، قد ظلت

تتعلق بأقواله وملامحه،

لقد كانت لونا حاميا

لرجل عاش بين اعداء كل هذا الزمن:

لئن كان فى أحوال كثيرة مخطئا وأحيانا سخيفا

انه لم يعد فى نظرنا شخصا

الآن وانما هو مناخ كامل من الرأى

نعيش تحته حيواتنا المختلفة:

انه كالطقس يمكن فقط أن يعوق أو يعيد،

مازال باستطاعة المتكبرين أن يكونوا متكبرين ولكنهم يجدون ذلك أصعب قليلا، ويحاول الطاغيه أن

يرضى به ولكنه لا يأبه له كثيرا:

انه يحدق، بهدوء بكل عادات نمونا

ويمتد الى أن تجد المتعبين حتى فى

أبعد دوقية بائسة

وقد شعروا بالتغير فى عظامهم وابتهجوا،

الى أن تجد الطفل، عاثر الجد فى دولته الصغيرة،

مدفأة ما حيث الحرية مستبعدة،

خلية شهدها الخوف والقلق،

(تجده) يشعر بأنه أهدأ الآن، وواثقا على نحو ما من الفرار،

على حين، أذ ترقد فى عشب اهمالنا،

كم من موضوعات انسيت منذ زمن طويل

وكشف عنها لمعانه الذى لم يثبط همته شئ

عادت الينا وغدت ثمينة من جديد،

العاب ظننا أنه يخلق بنا أن نهجرها اذ نشب عن الطوق،

ضجات صغيرة لم نجرؤ على أن نضحك منها،

حركات وجهية قمنا بها عندما لم يكن ثمة من يرانا

ولكنه كان يريد لنا أكثر من هذا أن تكون حرا

كثيرا ما يعنى أن تكون وحيدا أنه يريد أن يوحد

الانصبة غير المتساوية التى كسرها

حسنا – الحسن النية – بالعدالة،

يريد أن يعيد الى النصيب الاكبر الفطنة والارادة

اللذين يملكهما النصيب الاصغر ولكنه لا يستطيع استخدامهما

الا فى النزاعات الجديبة، يريد أن يرد الى

الابن ثراء شعور الأم:

ولكنه يريدنا أن نتذكر قبل كل شئ

أن نتحمس لليل،

ليس فقط من أجل حس التعجب

الذى يستطيع الليل وحده أن يقدمه، وانما أيضا

لأنه بحاجة الى حبنا بعيون واسعة حزينة

ترفع مخلوقاته نظرها ملتمسة منا

فى صمت أن نطلب اليها أن تتبعنا:

انها منفيون يتوقون الى المستقبل

الذى يكمن فى نطاق قدرتنا، هى ايضا خليقة ان تبتهج

اذا سمح لها بخدمة الاستنارة مثله،

بل أن تتحمل صيحتنا بها “يهوذا” (الخائن)

كما فعل هو، وعلى كل من يخدمونها أن يتحملوا.

أن صوتا عقلانيا قد صمت فوق قبره

تندب أسرة الدافع عزيزا لديها:

حزين هو اروس بانى المدافن،

وباكية هى أفروديت الفوضوية النزعة.

نوفمبر 1939

2 – من تعليقات  النقاد على القصيدة

“فرويد واحد من اعظم مفكرى عصرنا (ولد فى 1856) بدأ حياته كعالم اعصاب فى فينا يعالج الفتيات ذوات الأعراض الهستيرية من محاولته فهم أمراض نفسية موضعية معينة، انتقل الى نظرية عامة عن النفس الانسانية ونموها توفى لاجئا من النازية فى لندن بعد أن غير أغلب المفهومات المعنوية والنفسية لعصره وانشودة اودن تحتفل بفرويد كاخلاقى انسانى النزعة، وتقدم عن قصد تشخيصات قديمة (“الكراهية”، “الدافع”) وتتحدث عن الدلالة العامة لأفكار من نوع الغريزة والآليات الداخلية للحضارة، وصيانة الماضى الخبئ فى الحياة الداخلية الراهنة والقصيدة على شكل نظم مقطعى، ابيات مقطوعاتها (الرباعية) تشتمل على 11 – 11 – 9 – 10 مقطعا وقد رتبت مع ترك بياض فى ابتداء الأبيات (المقاطع الرباعية) بما يوحى بأناشيد هوارس واستيحاء الشعراء الرومانسيين الألمان للأوزان الغنائية اليونانية”.

فرانك كرمود وجون هولاندر، الأدب البريطانى الحديث، مطبعة جامعة أوكسفورد، 1973، ص 593

***

“و. هـ. أودن: الأسطورة كأداة تحليلية:

ان تناول أودن للأسطورة والطقس كان متأثرا بمعرفته بأعمال فرويد – والى درجة أقل كثيرا – أعمال يونج وفى  استخدامه الاسطورة كتعبير عن اللاشعور، يستغل أودن – كفرويد – امكاناتها كأداة تحليلية انها أداة للفاتتازيا، أشد ما تكون فاعلية فى الكشف عن اللاعقلانى” ص 137

لا جدال فى أن أودن كان أعمق تأثرا بفرويد منه بماركس، ومن المحقق أن نموه اللاحق واهتداءه الى المسيحية يومئان الى أن كلا المؤثرين قد عدلته نظرته الفردية واستجابته لمشكلات الحياة الانسانية”

ص 143 – ليليان فيدر، الاسطورة القديمة فى الشعر الحديث، مطبعة جامعة برنستون، 1971

* * *

“وبعض اسباب هذا (الاتجاه) ترجع الى فرويد فقد لاح لبعض الثوريين أنه وان كان ماركس ربا، لقد كان فرويد نبيه كان كلاهما، فى تأثيره، محطما للأوثان، وكلاهما قد ازعج البورجوازية وأماط اللثام عن ينابيع الفعل كلاهما شرح الدافعية الشخصية والاجتماعية على نحو جديد كتب س. داى لويس: “عندما وجه سيجموند فرويد نظر الانسان الى لا شعوره، بدأ عملية قد يتبين ان نتائجها فى مثل أهمية الثورة الصناعية أو اكتشاف أمريكا ان فرويد، بسبب توكيده الهائل للفرد، هو نصير الليبرالية الحقيقى اليوم “واودن فى قصيدته” فى ذكرى سيجموند فرويد” المنشورة فى ديوان زمن آخر (1940) يكتب:

لا غرو ان ثقافات الغرور القديمة

رأت فى تقنيته المحركة

نذيرا بسقوط الأمراء، وتصدع

نماذجها الاحباطية المربحة ..

كان فرويد اذن – على نحو ما – جمهوريا واشتراكيا يسقط الأمراء ويدمر الرأسماليين ومن ثم عد أى كشف فرويدى عما نحن عليه وثيقة ثورية”

روبين سكلتون (محررا)، مقدمة كتاب شعر الثلاثينات، سلسلة بنجوين، ص 30 – 31.

****

“ان صوتا عقلانيا قد صمت فوق قبره

تندب أسرة الدافع عزيزا لديها

حزين هو اروس بانى المدائن،

وباكية هى أفروديت الفوضوية النزعة

واضح أن الشكل فى هذه المرثية لفرويد ليس مجرد قالب آلى، وانما هو عنصر شعرى ملازم ذو نغمات فوقية قائمة على الثورية الساخرة واساسية للخبرة الكلية المجسدة فى القصيدة”

– ادوارد كالان، “و. هـ. أودن”، مجلة سذرن رفيو 1967، السنة 3، ص 351.

* * *

3 – كلمات لاودن عن فرويد

“النقل”: اعادة خلق للاتجاه الاصلى ازاء الابوين: اتجاه الاعتماد انه لا يتضمن – كما يقول فرويد – اتجاهات الاستهجان المكتسبة كل ما يعنيه ذلك هو أن فرويد يسلك حماقة سلوك الابوين.

****

“اللذة”: خطأ فرويد وأغلب علماء النفس هو أنهم يجعلون اللذة امرا سلبيا، تقدما نحو حالة راحة ليس هذا الا نصف اللذة، والنصف الاقل اهمية اللذة الخلاقة، كالألم، ازدياد فى التوتر ما رأى عالم النفس فى التأمل والفرحة؟.

****

لب الخلق هو صنع الاشياء لغير ما سبب، انه بلا معنى واللذة التملكية عقلانية دائما يعتقد فرويد حقيقة أن اللذة لا أخلاقية، بمعنى ان السعادة لا تسر الله.

****

بديهى انك ان آمنت بهذا، غدت رغبة الموت هى أهم الوجدانات، وكذلك “اعادة اقرار الوضع الأسبق” انما الانثروبيا (نزوع الحرارة وسائر اشكال الطاقة الى الانتشار والاختفاء تدريجيا) اسم آخر للقنوط.

****

“رغبة الحياة” الحقيقة هى الرغبة فى الانفعال: عن الأسرة، عن اسلاف المرء الادبيين”

– من يوميات كتبت فى 1929 – وردت فى ادوارد مندلسون (محررا) أودن الانجليزى (فى مرحلته الانجليزية)، دار فيبروفيبر للنشر، لندن.

****

“لا فى شبابى ولا بعده، أمكننى أن أرى فى نفسى اى ميل خاص الى وضع او عمل الطبيب كان يحركنى، بالاحرى، نوع من الرغبة الاكالة فى المعرفة يخص العلاقات البشرية أكثر مما يخص بيانات العلم الطبيعى- “

فرويد

****

” المغفرة المتبادلة لكل رذيلة تلك هى بوابات الفردوس “

بليك

****

أن يتتبع المرء – بطريقة الناقد النصى – أثر فرويد فى الفن الحديث، كما قد يتتبع المرء أثر بلوتارك فى شكسبير، أمر يتطلب لوذعية قل أن تتوافر لأحد، ان توافرت اطلاقا، ولكن جدواه خليقة أن تكون موضع شك ان كتابا معينين – من ابرزهم توماسى و د. هـ. لورنس – قد كتبوا فعلا عن فرويد وان نقادا معينين – مثل روبرت جريفز فى كتابه اللاعقل الشعرى، وهربرت ريد فى كتابه الشكل فى الشعر الحديث، مثلا – قد استخدموا مصطلحات فرويد، واصطنعت السيريالية تقنية تشبه الاجراء فى غرفة استشارة المحلل، ولكن اهمية فرويد للفن أكبر من لغته أو تقنيته أو صدق تفاصيله النظرية.

أن فرويد يختلف عن كل من روسو الذى أنكر السقوط، وعزا الشعر الى أوضاع محلية خالصة (“خال روسو كل البشر اخيارا بالفطرة، وقد وجدهم أشراراً، ولم يكن له من صديق”) والعقيدة اللاهوتية التى تجعل من الشعر نتيجة لاختيار متعمد، وبذلك يكون الانسان مسئولا معنويا”

“علم النفس والفن اليوم”، من مقالة اسهم بها أودن فى كتاب الفنون اليوم، تحرير جيفرى جرجسون، 1935، وأعيد طبعها فى كتاب ادوارد مندلسون (محررا) أودن الانجليزى، انظر اعلاه، ص 332، 339

****

” سيجموند فرويد :

يصدمنى دائما أن أتذكر أنه عندما ولد فرويد، لم يكن كتاب اصل الانواع قد ظهر بعد، وانه كان فى عامه الاربعين قبل أن ينشر أولى مقالاته “الفرويدية” – ص 16

الحق انه لو تبين ان كل نظرية من نظريات فرويد زائفة، لظل سامقا باعتباره العبقرية التى أدركت أن الاحداث النفسية ليست احداثا طبيعية، وانما تاريخية وعلى ذلك فأن علم النفس – باعتباره متميزا عن علم الاعصاب – يجب ان يقوم على الافتراضات المسبقة وعلم المناهج الخاصة بالمؤرخ لا عالم الاحياء وباعتباره ابنا لعصر كان – عن وعى – فى جدل مع “المثاليين” فأنه قد ينضم رسميا الى العقيدة القطعية “الواقعية” التى تقول ان الطبيعة البشرية والطبيعة الحيوانية متطابقتان بيد أنه فى اللحظة التى يبدأ فيها العمل، ينكر كل ما يقوله ذلك انه فى نظرياته عن الجنسية الطفلية، والكبت، الخ … يدفع ببدايات الارادة الحرة والمسئولية الى الوراء أبعد مما جرؤ عليه حتى أغلب اللاهوتيين وتقنيته العلاجية القائمة على جعل المريض يعيش ماضيه من جديد ويكتشف الحقيقة بنفسه، مع أقل قدر من التلقين والتدخل من جانب المحلل (وقد يكون للمرء أن يضيف: وفى الوقت ذاته يكفر بأن يدفع من ماله حتى يوجعه الدفع) وأهمية التحويل لنتيجة العلاج كلها تضمر أن كل مريض شخص تاريخى فريد وليس حالة نمطية”.

– “سيجموند فرويد”، مجلة نيوريببليك، السنة 127، العدد 14، 6 اكتوبر 1952، ص 17.

****

“عظمة فرويد”:

(عرض لكتاب) سيجموند فرويد: حياته وأعماله، الجزء الأول فرويد الشاب 1856 – 1900 تأليف ارنست جونز، مطبعة هوجارث.

ان الفنان أو العالم أو الفيلسون الذى يتوصل الى اكتشافاته الاصيلة فى فترة متأخرة من العمر، كما فعل فرويد، ظاهرة غير شائعة، بيد أن حالة فرويد تلوح فريدة تقريبا ان التاريخ المألوف للشخص المتأخر النمو يتلخص فى بدايات زائفة انه يجرب شيئا بعد آخر، ويختلط عليه الامر فى كل منها، الى أن ييأس اصدقاؤه من بلوغه شيئا، ومن ناحية اخرى فأن “البداية الزائفة” لفرويد فى علم الاعصاب لم تكن بعيدة عن الفشل فحسب، وانما تكاد تكون انتصارا عظيما لقد كان يستمتع بعمله، وكان راى الآخرين فيه عاليا، وقد كاد يكتشف نظرية النيورون، وكاد يكتشف الاستخدام التخديرى للكوكايين، اعنى انه يكتشف كل الوقائع اللازمة لاستخلاص النتيجة الصائبة، ثم اذا هو – على نحو غامض – يفقد اهتمامه بالموضوع.

وعلى النقيض من اليسر والمتعة اللذين يتناول بهما مشكلات علم الاعصاب، نجده عندما يبدأ حياته الحقة كعالم نفس يتحرك ببطء وفى غير يقين: أنه يحتاج الى ثمانى سنوات كى يهجر كل استخدام للكهرباء والتنويم المغناطيسى وكى يثق بتقنيته فى التداعى الحر وحدها، ويحتاج الى أربع سنوات لكى يدرك أن ذكريات الطفل عن الغواية قد تكون خيالا واقعا، رغم أنه يعلم أنه الأمر كذلك فى حالة الهسترين الراشدين، ولا يفقد قط حنينه الى العالم الذى خلفه وراءه. أنه يكتب الى فليس فى 1894: “آمل أن أعود فى الصيف الى موضوع بحثى القديم، وأن أمارس شيئا من التشريح، فذاك فى نهاية الأمر هو الشئ الوحيد المرضى. وبعد ذلك بسنوات يعبر لدكتور جونز عن أمله فى أن يتسنى” علاج الهيستريا باعطاء عقار كيماوى دون أى معالجة نفسية” .

أضف الى ذلك أن كل خطو يقوم بها تقترن بشدة نفسية عظيمة، ونوبات سوء هضم، و”شلل ذهنى… وحالات عقلية غربية لا يستطيع الوعى لها فهما: أفكار شفقية، حجاب مخيم على العقل، لا يكاد يكون ثمة شعاع من النور هنا أو هناك”.

والمجلد الحالى يغطى أول أربع وأربعين سنة من حياة فرويد، حتى نشره كتابDie Traumdeutung فى 1899. ومعنى هذا أنه يشمل زواجه، والسنوات التى قضاها عالما للأعصاب، أولا فى المعمل ثم فى الممارسة الخاصة، وتعاونه مع شاركو وبرويير فى دراسة الهيتسريا، وصداقته البالغة الغرابة مع فليس، وتحليله ذاته، وصياغته النظرية الأوديبية”.

– “عظمة فرويد”، مجلة ذا ليسنر، 8 أكتوبر 1953، 593.

****

” كانت الماركسية – الى حد كبير – من اهتمامات الطبقة المتوسطة. وعندما أنظر الى الوراء يلوح لى ان الاهتمام بالماركسية من جانبى وجانب زملائى – أى من جانب أناس كانوا ليبراليين بالمعنى الأمريكى – كان نفسانيا أكثر منه سياسيا: لقد كنا مهتمين بماركس على نحو ما كنا مهتمين بفرويد، كتقنية لاماطة اللثام عن أيديولوجيات الطبقة المتوسطة، لا بهدف دحض طبقتنا، وانما بهدف أن نصير بورجوازيين أفضل”.

 – ” السلطة فى أمريكا”، عرض لكتاب من تأليف ل. فيدار، مجلة ذا جريفين، مارس 1955 ص   8 – 9 .

” تاريخ مؤرخ” (عرض لكتاب أرنست جونز عن فرويد):

أن كتابة التراجم تتطلب معرفة، وحبا، وتباعدا: والدكتور جونز يملك هذه الأمور كلها، وقد نجح نتيجة لذلك نجاحا لامعا فى أن يرسم لنا صورة انسانية بما يكفى لنيل تصديقنا، وهى مع ذلك عظيمة ونبيلة على نحو لا تخطئه العين”.

-” تاريخ مؤرخ”، مجلة ذا جريفين، نوفمبر 1955، ص 10.

****

” أن الـKey grams المتنوعة لبليك، ولورنس، وفرويد، وماركس ـ وهى التى وجهت اليها اهتمامى ـ مثل أغلب مثقفى الطبقة المتوسطة فى جيلى ـ بين العشرين والثلاثين، كانت تشترك فى أمر واحد. كانت جميعا هرقطات مسيحية، أعنى أن المرء لا يستطيع أن يتصور خروجها الى حيز الوجود الا فى حضارة تدعى أنها قائمة، دينياً، على الاعتقاد بأن الكلمة قد صارت جسدا، وتسكن بين ظهرانينا، وأن المادة، النظام الطبيعى – نتيجة لذلك – حقيقة وقابلة للافتداء، لا مظهر ظلى أو علة للشر، وأن الزمن التاريخى حقيقى وذو دلالة، وليس عديم المعنى أو سلسلة لا تنتهى من الدورات”.

ـ من مقالة أسهم بها فى كتاب حجاج كانتريرى المحدثون، تحرير جميزا. بايك(لندن:أ.ر. موبراى آند كمبانى 1956) ص 38.

****

” الضمير”:

أدرك فرويد أن ثمة اختلافا عميقا بين صوت الضمير(أى صوت الروح القدس) وصوت الأنا الأعلى ولكنه كان ميالا أكثر من اللازم، فى رأيى، الى التوحيد بين الأول وصوت العقل. أن الأنا الأعلى يتكلم بصوت عال، أما آمرا أو متعجباً: ” أفعل هذا! لا تفعل ذاك! مرحى! يا أبن القحبة!” أما الضمير فيتكلم بصوت ناعم: متسائلا: ” أتظن هذا حقا؟ أهذا صادق حقا؟”   ص87 – 88

المنافسة القضيبية:

أما أن بعض النساء يعنين – كما يؤمن بعض علماء النفس – من الحسد القضيبى، فذاك ما لست منه على يقين، ولكنى متيقن على أية حال من أن جميع الذكور – دون استثناء – مهما يكن عمرهم، يعانون من المنافسة القضيبية، وأن هذا الملمح قد غدا الآن تهديدا لوجود الجنس الانسانى فى المستقبل”.

-عالم معين، دار فيبوفيبر للنشر، لندن، ص 298  – 299.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *