الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد ابريل 1983 / ابريل1983-هوامش حوارية حول التطور والغائية

ابريل1983-هوامش حوارية حول التطور والغائية

هوامش حوارية حول التطور والغائية

محمد يحيى

ليس مقالا بقدر ما هو حديث لم ينقطع، والكاتب قد سجل خواطره يواصل بها ما اثير – وما لم يثر – حول قضية الغائية على طريق التطور، وهو ينتقل من السرد إلى الحوار بشكل يذكرنا بأملنا فى تحقيق ما يسمى التفكير والقراءة بحروف مكتوبة .. والملف مازال مفتوحا.

****

1 – يوجد اتجاه نحو الارقى يمكن ملاحظته، حتى لو كان ترتيبه التصاعدى نحو التعقيد ليس دلالة على التعاقب الزمنى.

2 – توحى الكثير من الادلة على أن ظهور المعقد قال زمنيا لظهور أصله الأقل تعقيدا.

ولا يعنى ظهور كائن أقل تعقيدا بعد ظهور الأكثر تعقيدا (زمنيا) عدم جدوى التصور الذهنى للتسلسل الزمنى للعملية التطورية، فالأصل المباشر الذى خرج منه الأول، سابق زمنيا عليه، وهو غير الاصل المباشر للكائن المعقد.

3 – لايوجد اى داع أو مبرر منطقى لافتراض توقف عملية التطور عند مرحلة معينة، اللهم الا أن تكون هذه المرحلة هى أفضل مرحلة يمكن التوصل اليها.

****

من 1، 2، 3 نستطيع أن نقول أن:

“اجزاء الكون تتجه نحو تحقيق أفضل صيغة فى الوجود” (لاحظ اى تحقيق افضل تتضمن “شمولا” بصورة أو بأخرى).

فاذا كان الاتجاه لم يتوقف (المقدمة 3) فأن هناك بالتالى (مستقبلا) ما هو أرقى من الوجود الحالى لارقى الكائنات مما يمكن اعتباره “غاية” بالمعنى القانونى (القانونى من القانون الطبيعى، المتحقق أو غير المتحقق)

اذن: طبيعة الانسان تتجه نحو تحقيق ما هو أرقى من وجوده الحالى (ولندعنا الآن من انحرافات كل الأنواع عن مسارها الطبيعى المثالى).

وبالتالى: نلاحظ ان المعنى (حتى ولو كان مجرد اتجاه مع توافر ديناميات محركة) موجود قبل توفر الاسباب التى تحققه، مما يبدأ فى تشكيكنا فى مدى جدوى وصلاحية التفسيرات السببية.

الا ان قوة منطق التفسيرات السببية وشبه التأكد (الناتج عن النجاح الكبير للعلوم الطبيعية) من أن النتيجة هى كذلك (تحققت) لتوافر الأسباب المؤدية اليها، يدفعاننا للبحث عن صيغة تكاملية لتحقق وجود الغاية والأسباب معا ويبدو أن مفتاح هذه الصيغة متواجد ضمنا فى المقدمة السابقة، فالكائن ناقص يسعى الى تحقيق ما هو أكمل، والظروف لم تتفق بعد على تنفيذ هذا التحقيق، اليست هذه “قضية” تلح على الكائن، واتصور أن الحاح القضية على الكائن(1) تجعله يتحرك فى الحيز المتاح له، الحركة النشاط الأعمق والأكمن، متناولا كل ما يمكن تناوله من غير أو ذات، أو ذات باعتبارها غير (الجسم، الماضى، السلوك والشخصية الاجتماعية، النفس..)، أو غير باعتباره ذاتاً (الوطن، النوع، الأحياء، الوجود المتحقق).

تلك الحركة التى تتميز بالهدم والتركيب فالاقحام وما فيه من اقحام الذات المقتحمة (بفتح الحاء) بالكون، ثم تغيير الخارج والداخل (الغير والذات)، والاحظ ارتباط هذه المظاهر الشديده بالعدوان حتى لتقترب من صورته المازالت كامنه كما تتميز بتقبل الكون مقتحما للذات ومن ثم التفاعل الداخلى للذات مع الكون، وتبين وحدة الاشتراك فى الوجود بأشكاله المتغيره، ثم الاشباع والاعتماد المتبادلين واتخاذ الأدوار، ثم المشاركة فى الابقاء، والاحظ ايضا اقتراب هذه المظاهر من بعض ديناميات الجنس.

فإذا ما تحقق النشاط الحركة التفاعل (وغيره من مظاهر التحقق العملى لقوانين وجوده)، وليس التوازن السكون اللاقلق كما يشيع عن طبيعة وراحة الوجود البشرى، توفرت للكائن مفردات كثيرة غير تلك التى يتضمنها تركيبه (بما فيها قوانين الأدنى وتاريخ التطور)، واذ تستمر حركتها وتأصيلها، تترتب لتكون حلا لجزء أو مستوى من “القضية” السابق تعريفها، مما يحقق تقدما للكائن يتمثل فى تدخل منظومة جديدة (على المستوى البيولوجى هذه المرة) فى طبيعة تركيبه، أى يتطور الكائن.

وتصبح الصيغة الجديدة (المؤقتة) لدور الغاية فى التطور البيولوجى كالآتى:

ان الغاية وتأثيرها على الكائن لا يتمثل فى تهيئة الأسباب التى تحققها مباشرة، هذا الرأى الذى دحضه اللاغائيون بمنطق قوى، وانما يتمثل فى كون الاتجاه نحو تحقيقها يمثل قضية تلح على الكائن وهى قضية متوفرة فى طبيعة قوانينه التى يعيش بها، مما يؤدى به الى التفاعل مع متغيرات الكون، فيؤثر فيه ويتأثر به حتى يصل للمرحلة التى تتهيأ فيها الأسباب لتكوين منظومة جديدة (نتيجة اجتماع الأسباب) تتدخل فى طبيعة تركيبه.

وقبل الانتقال الى مراجعة بعض الصياغات والمواقف المتعرضة لقضية الغائية من خلال التصور السابق (مؤقتا) باعتباره كافيا لهذه المراجعة المدافعة بصراحة عن الغائية، أرغب فى التأكيد على ملاحظة “اتجاه التطور” “ولا ضرورة التوقف” الآن أو فيما بعد الا ببلوغ الغاية النهائية.

وأعتذر مسبقا عن عدم المامى بكل أدلة أو مقدمات أو دفوع كل من الجانبين (القائلين بالغائية والرافضين لها)، فتقتصر كل معلوماتى فى هذا الصدد على مقولات الطبيب فائق الشجاعة د. محمد كامل حسين فى كتابة وحده المعرفة(2)الى جانب ما نشر على صفحات “الانسان والتطور” فى الأعداد السابقة من مقالات حول الموضوع (د. السماحى ووفاء خليل) الى جانب سلاسل الحوار التى تعرضت للقضية من قريب أو بعيد(3)

ولنسمع أولا محمد كامل حسين يتكلم فى وحدة المعرفة: (كامل حسين: ص 34)

(ونحن حين نقول ان بقاء الجنس أصل رتبت عليه حياة النمل، وحين نقول ان نظام حياة النمل ادى الى بقاء الجنس، يخيل الينا ان  الفرق بينهما صغير، ولكنه فى الواقع جوهرى من حيث المذهب، ولو كان بقاء الجنس اصلا لأمكن تحقيقه بوسائل ابسط كثيرا مما نراه فى حياة الحيوان).

الكاتب: صحيح انه فرق جوهرى، ولكن يبدو أن ثنائية التفكير التى أعدت تنبيهنا اليها باصالة مصرية، لا تتدخل فقط فى فهمنا لبعض الظواهر (البرودة – السخونة، متحرك – ثابت) بل أن تدخلها الأخطر – أذ هو  اكثر بعدا عن سطح الوعى النقدى الذاتى – يكمن فى التزامنا الاجابة على أمثال تساؤلك بــ (نعم – أو – لا) مباشرة، ثم نبدأ فى البحث عن الشروط أولا نبدأ، فماذا لو قلنا أن صياغتك لا تحتمل ثراء الظاهرة، فنقول أن الغاية الكبرى – كما يتضح من لا ضرور التوقف – هى (فى جانب منها) الشمول, وأن الطريق هو التطور، ليصبح القانون السابق هو البقاء للمتطور، أو لمحقق التطور، (على أن نستمر فى البحث عن معانى التطور), بسطا لتاريخه.

السابق, مكونا ذاته ليظهر التعقد الذى, اذ هو شمول لقوانين التحقق السابقة، ولتصبح الصياغة الأقرب هى أن بقاء الجنس وسيلة تتحقق بتحقق نظام حياة النمل، ذلك الذى نشأ عن اجتماع الأسباب التى أدت بالكائن السابق الى تحقيق مرحلة النمل، (حتى الآن الصياغة سببية)، وأن اجتماع هذه الأسباب ناتج عن النشاط الطبيعى للكائن السابق، ذلك النشاط الذى أثارته قضية تحقيق الشمول الكامنة فى منظومة قوانينه، فبقاء جنس النمل ناتج أخيرا عن ضغط قضية تحقيق الغاية على الكائن السابق ليجمع اسباب بقاء الجنس ومواصلة التطور.

كامل حسين: ص 38 – المذهب الذى ندعو اليه يرى أن هناك قوانين، وأن بين هذه القوانين أفضليات، وأن أفضلها ما كان أكثر تعقيدا, وأن نظامها يؤدى إلى الغايات وليست الغايات سببا فى هذا النظام, فهو يرى مثلا أن الخير ليس غاية أريدت للعالم ثم تهيأ كل ما فى الكون لبلوغه، والا لكان الشر محالا.

الكاتب: منعا للالتباس, أظنك تقصد “أن نظامها يؤدى الى النتائج” وليس الغايات، أما بعد، فالعالم لم يتهيأ (كما أتصور) لبلوغ الخير، ولكنه يهيئ نفسه لبلوغه، ومحصلة الاتجاهات فى الكون تصور أن العالم يسير فى هذا الاتجاه، على أن نراجع موقف الانسان وتأثير قوة الارادة على محصلة اتجاهات الآن، وأتصور أن الخير قانون مازال كامنا، ينتج عن تحقق القوانين الأخرى كاملة متكاملة، وأن تحققه غير الكامل الحالى يؤدى بالكائنات الى محاولة تحقيقه كاملا تدريجيا (على أن ننتبه أننا مازلنا نتحير فى تعريف الخير).

(كامل حسين: ص 96) – من جهة التركيب نرى أن تعقد اى قانون أو شئ يجعل تركيبه سهل التفكك, فالبروتونات والالكترونات القليلة العدد فى ذرات الايدروجين ثابتة يصعب تفجيرها أما عندما يبلغ تعقد الذرة حد اليورانيوم فإن الكتروناته تصبح قلقة وسهلة التفكك ولا يكون من الصعب تفجيرها، وسنرى أن هذه قاعدة عامة فى جميع الطبقات الكونية، فعند تضخم الجزئيات تضخما بالغا تصبح قلقة، وهذا القلق اذا كان منظما تخلق فى الجزئ صفات تؤهله لقبول قانون الحياة، وهو ما لا يستطيعه الجزئ البسيط لثبات تركيبه.

الكاتب: شكرا، لقد قربتنى كثيرا مما حاولت الاشارة اليه، خاصة وأنى أتناول بالذات تلك الخطوات الكبرى التى يقطعها التطور لتمثل الفجوات الموجودة فى الطبيعة، ولكنى اتحير من تعبيرك “قبول قانون الحياة”، ولا أجرؤ على تأويل قصدك – ثانية – مبتعدا بك عما أريد قوله ليتسنى لى الرد، فتعبيرك يصرح بوضوح أن قانون الحياة موجود، بغض النظر عن وجود الحياة ذاتها، وأن كان هذا ليس وجودا مباشرا أو غير مباشر للغاية، الا أنه يقطع بنا شوطا لا بأس به، فالقانون موجود وللكائن تحقيقه فى اتجاه ما، هذا الاتجاه الذى اتفقت جل مظاهر الوجود على الاشارة اليه، السنا نسعى الى غاية اذن، حتى ولو كان شمولها ولا محدوديتها لا يجذباننا مباشرة اليها، بل هو قانوننا الذى فيه من بين ما فيه ما أشرت أنت اليه، مسار “التضخم – القلق –  التنظيم المتطور”.

فإذا كانت صياغتك رؤوف بنا فتعال نرى السماحى وهو يقسو علينا بصياغاته الحتمية:

د.السماحى: (اكتوبر 1981، ص 15)

أوضح عدد من فلاسفة العلم امكانية تحويل الصياغة الغائية فى علوم الحياة الى صياغة حتمية، واحيانا فى شكل قوانين طبيعية سببية، وذلك دون تغيير المعنى أو المضمون ولقد أورد ارنست ناجل ضمن أمثلة المثالين التاليين:

1 –   (أ) وصف غائى: وظيفة الكلوروفيل فى النبات تصنيع النشأ.

        (ب) وصف حتمى: تصنع النباتات النشأ فى وجود الكلوروفيل فقط.

2 –   (أ) وصف غائى: وظيفة خلايا الدم البيضاء حماية الجسم من العدوى.

        (ب) وصف حتمى: وجود خلايا الدم البيضاء فى تركيز معين يقلل من فرصة غزو البكتريا للأنسجة وبدء العدوى.

الكاتب: أن شجاعتك (وشجاعة ارنست ناجل بالطبع) فائقة حقا، كيف تحتمل مثل هذه الصياغات، قد أقبل الشك معك فى مدى صدق الجملة الأولى ومدى صحة استقبالنا واستسلامنا لصياغتها الغائية المباشرة، ولكنى لا أستطيع مع ذلك قبول صياغاتك الحتمية السببية بمعزل عن رؤيتنا للتكامل المعقد فى تركيب الكائنات، الى جانب ما الححت عليه من ضرورة استبصار اتجاه العالم وجزئياته، ثم التكامل تعقيدا، تكامل العالم بكلياته وجزئياتها ان تأثير الغاية لا يتمثل فى وضع الكلوروفيل فى النبات ليتمكن من تصنيع النشأ، انما يتمثل فى مجرد وجودها، لتمثل ضغطا على الكون لكى يبلغها متتبعا قوانينه المتحققة والممكنة التحقق، ونفس الرد على د. عادل مصطفى فى حوار عدد يوليو 1982 ص 107 اذ يقول:

عادل مصطفى: الحق ان التطور لا يكاد يتأثر بهزيمة الغائية، وربما خرج منها أكثر صحة وأوفر عافية، ذلك أن التفسير السببى (بالمعنى السمح للسببية) للتطور يبقى فتيا قادرا على الاضطلاع بمهمة التفسير، ومادام سهم الزمان يمرق فى اتجاه واحد ..، فهل يضير التطور شيئا لو قلنا أنه مدفوع من الخلف (بالأسباب) وليس مجذوبا من الامام (بالغايات)؟‍‍‍‍‍‍

الكاتب: نعم يضيره كل الضرر، انك تترك مسار التطور لعبة فى يد تجمع بضعة أسباب أو مكونات جزئية لتصنع ما شاءت القوانين التى تحكم تجمعها أن تصنع، أنك لو تتبع الاسباب وحتميات القوانين العلمية الجزئية، كل نتيجة الى اسبابها، الى أسباب أسبابها وهكذا، لن تجد نفسك الا دائرا فى حلقة مغلقة لا تدعو قوانينها الداخلية لا الى تطور ولا الى غيره، اللهم الا بسبيل الصدفة البحتة الأتية من خارج الدائرة، ولا اظنك تقبل أن تفهم الانسان، من الاميبا (أو ما أصغر) اليه، على أنه نتاج سلسلة مصادفات بحتة، كما اراد د. السماحى أن يقول مرة بسطوة الطفرة وروح حديثه تعنى الصدفة (حوار يناير 1981 ص 122) اليست “الغاية” ودوافع بلوغها الكامنة فى دائرة الأسباب أقرب الى المنطق والتصور من “الصدفة” خاصة لو تابعنا اتجاهات التطور الغالبة، أم أنك تفضل الصدفة، وتتصور أن الانسان الحالى بوعيه وممكناته الحاليين على أن يجمع أسباب ما يريد ليبلغ ما يريد، بتعبير آخر تقارن عقل الانسان بعقل الكون، عفوا، امكانيات الانسان فى مقابل عقل الكون وممكناته، وهذه قضية اقترب السماحى من اثارتها فى حوار أبريل 1981، ص 124 اذ يقول:

د. السماحى: (يخاطب د. يحيى الرخاوى)، أفهم أن حرصك على فهم التطور البيولوجى على أنه عملية غائية هادفة هو حرص بدافع اخلاقى، أى ليس لأنك تريد للتطور البيولوجى أن يكون غائيا فى حد ذاته أو حتى يمكن لنا الاعجاب الفعلى بغائيته، وانما أفهم أنك تريد له الغائية لما يترتب عمليا عليها من مفاهيم أخلاقية تنعكس على حياة البشر.

ثم يواصل بعد انتهاء مقاطعة الرخاوى فيقول فى ص 125 من نفس العدد:

د. السماحى: وليس ما يهمك فى المقام الاول هو غائية تطور الحيوانات كحيوانات، فاعتقادى الشخصى هو ان اهمية التطور تكمن فى قدرته الضخمة على اثارة الهام البشر أو الهامهم بالفعل لاستعادة مبادئه واخذها للاستعانة بها فى حياتهم، وما أروع أن يكون لنظرية أخلاقية سند طبيعى وواقعى.

الكاتب: (مواصلا حديثه مع عادل مصطفى):

فإذا كان موقفك هكذا، فإن فيه انكارا لعقل الكون لا يبرره أى سند منطقى حقيقى، وفيه تحوير واختزال لوظيفة المعرفة البشرية لتكون معرفة الاسباب (أو الغايات) واستخدامها لصالح الاهداف الموضوعة، تحوير اغترابى معطل لوظائفنا المتكاملة ومحقر من شأن الكون وقوانينه ومساره.

استطراد لازم:

وقد تأجل بعد الحوار حتى لا تثار التحفظات قبل الاوان:

نحن اذ نقول بــ “لا ضرورة التوقف”، وملاحظة استمرار التقدم نحو تحقيق الافضل، وجب علينا الاستطراد فى التصور الى مداه (لو استطعنا) فلقد كان استنتاجنا من المقدمات 1، 2، 3 هو أن:

“اجزاء الكون تتجه نحو تحقيق افضل صيغة فى الوجود” غير ان أفضل صيغة فى الوجود، باستعمال اقصى مدى لكلمة افضل، تستلزم اللامحدودية المطلقة، الشمول

المطلق، والأبدية المطلقة.

وتدق الأبدية على الاذهان، فالابدية لا تعنى فقط البقاء الابدى الى النهاية لما هو متحقق مستقبلا، بل تعنى بنفس الصورة الازلية منذ البداية.

بتعبير آخر، الغاية اذن معزولة عن الزمان، على عكس الاسباب التى هى قوى ايجابيه يصدر عنها اثر فى الزمان، وهى موجودة الآن ودائما واعجز عن اختيار اى حل تلفيقى تعسفى، كالفصل الحاد والثنائى بين ما هو متحقق وموجود، وما هو قانون واسمع وفاء خليل يقول (عدد يناير 1982):

“ان الوجود ومعرفته كليهما تشملهما صيرورة لا تتوقف”.

وأكاد أقبل، ولكن، هل تسمح ازلية الغايه بتغيرها حتى ولو كان تغيرا صيروريا, وكأننا نقول بنمو الله مع نمو الكون؟ مما يمثل وضعا غير منطقى، فلا أقبل تماما.

اذن فالغاية تشمل الكون وتتغلغل فيه بكونها، فلابد اذن ان تكون متحققة تحققا ازليا وليست مجرد قوانين وقواعد تنتظر التنفيذ، اذن فهى الكون، وليس التطور الا تغير فى تركيب بعض الجزئيات فى الداخل، فى حيز الزمان، لا يغير من كنه الغاية نفسها شيئا، (عود الى الخلود الازلى من لا محدودية البداية الى لا محدودية النهاية).

وتعجزنى اللغة، ولكن لنحاول اعادة التعبير:

1 – فالأسباب والجزئيات (الكائنات) كلها تخضع للزمان والمكان.

2 – الغاية تشمل الكون وتتغلغل فيه وبكونها، رغم أنها لا تخضع للزمان أو المكان

3 – الزمان هو احساس الكائنات بتتالى الاحداث، فيفصلنا اذن عن اللازمان (والغاية عنده) حاجز اللا احساس (؟؟)

اذن: الا يمكن أن يكون الكون ساعيا الى تحقيق ديالكتيك (الاحساس – اللا احساس) ليصل الى الوعى بذاته.

فنحن اذا تصورنا اكتمال مسار التطور، مع الالتزام بالمنطقيات فى مسار الاستطراد، فاننا نتصور أن يتخلق الكون ويكشف عن ….؟ ….. النور؟؟ (والذى قد يكون الطاقة، المظهر الآخر للمادة، بتعبيرات الفيزيائيين؟؟).

الا يمكن ان يكون هو ذلك النور الذى يحكى عنه الصوفية فى خبرات فردية (مع كل ما ذكروه عن توحدهم معه بشروط كونهم أفرادا)؟؟.

[1] – يرجع الفضل لمقولة “الحاح القضية على الكائن” للصديق حسين قطب فى احدى المناقشات عن القدرة على التفكير عند الانسان المعاصر حيث قال بأن هذا الالحاح هو الذى يؤدى الى نمو قدرات التفكير.

[2] – محمد كامل حسين (1974)، وحدة المعرفة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية.

[3] – بنظرة متبسطة محمسة متحمسة، يرفض د. السماحى ود. عادل مصطفى و د. ابراهيم أبو عوف القول بالغائية، فى حين يدافع عنها الرخاوى (بشروطه) ويتداخلها والكثير من القضايا الأخرى وفاء خليل الراضى عنها بصورة ما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *