الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (8) مقتطفات من كتاب: “قراءات فى نجيب محفوظ” 2

جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (8) مقتطفات من كتاب: “قراءات فى نجيب محفوظ” 2

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 18-6-2017

السنة العاشرة17-6-2017

العدد:  3578    

 جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (8)

مقتطفات من كتاب:

“قراءات فى نجيب محفوظ” (2)

مقدمة

ذكرت أمس أننى  وجدت نفسى وأنا  أراجع أصول كتابى الأول فى نقد نجيب محفوظ، وعنوانه  “قراءات فى نجيب محفوظ”، وجدت أن كثيرا مما وصلنى منه يتفق مع ما أسميته إرهاصات لهذا الفكر الإيقاعحيوى التطورى، علما بأنه عمل حديث نسبيا مقارنة مثلا بـ “عندما يتعرى الإنسان”، وقد تأكدت من جديد أن الإبداع الأدبى والنقد كانا ومازالا مصدراً أساسيا لمعرفتى بماهية الإنسان فى الصحة والمرض.

وقد شعرت وأنا أراجع نقدى لهذا العمل أنه كتب اليوم ليدعمنى فى مهمتى وأنا أحاول توصيل الرسالة وكم راعنى هذا الكم الهائل من المعلومات وحجم الكشف ومقدار الدعم الوارد فى النص حرفيا فى هذه الأعمال المحدودة التى لا تمثل إلا عينات من إبداع نجيب محفوظ الكاشف المخترق، وحين بدأت الاقتطاف من نقدى للمجموعة القصصية (وليس من اصل الإبداع) كدت أنقل العمل كله مندفعا بفرحة الائتناس، لأثبت لزملائى أولا أننى لا أنطلق من فراغ، وأن المعرفة ليست حكرا على أحد، وأن الله سوف يحاسبنا – كما أشرت مرارا – على ما عرفنا ، وعلى ما لم نعرف ، ما دام كان بإمكاننا أن نعرفه.

يشمل هذا الكتاب الذى نبدأ فى الاقتطاف منه اليوم: خمسة فصول وهى:

الفصل الأول: “فيضان‏ ‏طبقات‏ ‏الوعى فى: “رأيت فيما يرى النائم”.

الفصل الثانى: “القتل بين مقامى العبادة والدم فى “ليالى ألف ليلة”.

الفصل الثالث: “دورات الحياة وضلال الخلود: ملحمة الموت والتخلق فى “ملحمة الحرافيش”.

الفصل الرابع:- ملاحظات حول نقد “عز الدين اسماعيل” لرواية “السراب”.

الفصل الخامس: نقد النقد (نقد ذاتى لسابق نقدى لرواية: “الشحاذ”).

وبعد: دعونا نبدأ اليوم بما تيسر من الفصل الأول مما آمل معه أن يدعم ما نحاوله.

أولاً: مقتطفات من “رأيت فيما يرى النائم:

المقتطف الأول:

…….. ومسيرة‏ ‏الانسان‏ ‏التطورية، ‏بمآزقها‏ ‏المتلاحقة‏ ‏ماهى ‏إلا‏ ‏تلك‏ ‏المحاولات‏ ‏الدائبة‏ ‏التى ‏تسعى ‏الى ‏توصيل‏ ‏هذا “الظاهر‏ ‏المنفصل” ‏بحقيقة‏ ‏جذوره‏ ‏فى ‏عملية‏ ‏واعية‏ ‏متدرجة‏ ‏بالضرورة‏، “‏وعبدالله‏” ‏هنا‏ ‏إذ‏ ‏يبدأ‏ ‏بالبراءة‏ ‏العمياء‏، ‏مارّا‏ ‏بالتدين‏ ‏الخوف،‏ ‏لا‏ ‏يجد‏ ‏مفرا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏يكتشف‏ ‏أصل‏ ‏الحكاية “‏مما‏ ‏كان” ‏ربما‏ ‏ليستطيع‏ ‏ان‏ ‏يهتدى ‏الى “ما‏ ‏يمكن‏”، ‏وهو‏ ‏لهذا، ‏وطوال‏ ‏القصة‏ ‏لا‏ ‏يكف‏ ‏عن‏ “‏مخاطرة‏” ‏التفكير‏ ‏فالتذكر فالسعى‏.‏

التعقيب:

يكاد لا يغيب مثل هذا الفكر الإيقاعحيوى التطورى عن مثل هذا التواجد اللحوح الرائع فى كل أعمال محفوظ تقريبا، فنرى عبد الله هنا، وهو يعبد الله فعلا، حالة كونه يواصل الربط بين أصل الأصل بمواصلة الكدح على مسار التكامل، والفكر التطورى يركز دائما على الربط بين “أصل” الحياة و”ما يمكن” الآن إلى “ما يصير”، ولعل الرسالة واضحة.

المقتطف الثاني

‏ ‏فى ‏القصة‏ ‏الثانية، ‏يغلب‏ ‏البحث‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏الشق‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏القضية‏: “‏المصير‏”، ‏والبحث‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الاتجاه‏ ‏يبدأ‏ -‏كما‏ ‏بدأ‏ ‏قرب‏ ‏النهاية‏ ‏فى ‏القصة‏ ‏الأولى – ‏بعد‏ ‏إنتهاء‏ ‏الحب‏ ‏أو‏ ‏فتوره‏ ‏أو‏ ‏عجزه “‏وفى ‏هذه‏ ‏الدوامة‏ ‏المظلمة‏ ‏المنذرة‏ ‏بسوء‏ ‏المصير، ‏انساق‏ ‏بقوة‏ ‏الى ‏التفكير‏ ‏فى ‏المجهول‏ ‏من‏ ‏حياته‏“‏ ص‏37 (‏أهل‏ ‏الهوى).‏

………………..

‏ ‏وتتجه‏ ‏الأسهم‏ -‏ فجأة‏- ‏فى ‏هذه‏ ‏القصة‏ ‏الثانية‏ ‏إلى‏: ‏الأعلى، ‏والآتى، ‏والكلـى، ‏والجوهر “‏من‏ ‏كرة‏ ‏القدم‏ ‏الىقلب‏ ‏الكون‏ ‏دفعة‏ ‏واحدة‏” (‏ص‏59)، ‏وتكثر‏ ‏الأسئلة‏ ‏حول “‏الهدف” ‏مقارنة‏ ‏بالقصة‏ ‏الأولى ‏التى ‏تسأل‏ ‏أكثر‏ ‏عن “‏الأصل‏”، ‏ومن‏ ‏ذلك‏: “‏سؤال‏ ‏عن‏ ‏الهدف‏ ‏الكونى” (‏ص‏60)، “‏لا‏ ‏معنى ‏لحياتى ‏إن‏ ‏لم‏ ‏أعرف‏ ‏ذلك‏الهدف‏ ‏البعيد‏” (‏ص‏61).

التعقيب:

التفكير فى المجهول هو بداية السعى فى حركية الوعى الممتدة إلى من هو “ليس كمثله شىء”، ويظل المجهول جاذبا ومخيفا فى نفس الوقت ونحن أعجز من أن نحدد معالمه، ولكننا نواصل دون افتعال ما لا يكون، وهل أمامنا إلا مواصلة السعى؟

 هذا هو جوهر الفكر الإيقاعحيوى التطورى الذى يتميز عن الفكر التطورى الخالص فى أنه يهتم بالمعركة “الآن” ثم المصير وهو يربطهما بالأصل والجذور، أن الذين يتشككون فى علاقة هذا الفكر بالإيمان يستمدون معلوماتهم من قشور المعارف ومخاوف الأوصياء، أما حركية مستويات الوعى من البداية إلى الغاية المفتوحة فهى يستحيل أن تنفصل عن نبض الإيمان وكدح المعرفة طول الوقت.

المقتطف الثالث:

‏ ‏لا‏ ‏يختفى ‏هذا‏ ‏البعد “‏الأصل‏/‏المصير‏” ‏من‏ ‏القصص‏ ‏الأخرى، ‏ولكننى ‏لن‏ ‏أفصله‏ ‏خشية‏ ‏التكرار‏ ‏وسأكتفى ‏بمجرد‏ ‏الاشارة‏ ‏إلى ‏عينات‏ ‏دالة‏:‏ (دون تعقيب آخر)

‏(1)‏:

‏ففى “قسمتى ‏ونصيبى”:‏ 

“‏دائما‏ ‏ربنا‏..‏ربنا‏..‏أين‏ ‏هو”؟‏.‏ ص‏ (88)

وتنتهى ‏القصة‏ ‏بتوحد‏ ‏بين‏ ‏الموت‏ ‏والكون‏ “‏الموت‏ ‏فى ‏الكون‏”(‏ص‏104)، ‏ثم‏ ‏ “‏إنى ‏أفعل‏ ‏ما‏ ‏فى ‏وسعى: ‏إنى ‏أنتظر‏ ‏الموت‏” ص‏ (105)، ‏يأس‏ ‏جديد‏ ‏يتحدى، ‏ولكنه‏ ‏يتضمن‏ ‏احتمالا‏ ‏أخفى: ‏أن‏ ‏يحقق‏ ‏الموت‏ ‏معرفة‏ ‏عجزت‏ ‏الحياة‏ ‏أن‏ ‏تكشف‏ ‏عنها‏.‏

التعقيب:

فنتذكر فروض الموت ذلك الوعى الآخر، (نشرة 5-1-2008) والنقلة بين الوعى الشخصى والوعى الكونى (نشرة 22-2-2016) (نشرة 4-3-2017 )

(2)‏:

 وفى “العين‏ ‏والساعة“: ‏يظهر‏ ‏بعد‏ ‏جديد‏ ‏لنفس‏ ‏المسألة‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏دور‏ ‏الانسان‏ ‏نفسه‏ ‏فى ‏إخفاء‏ ‏ماضيه‏ ‏دون‏ ‏الاطلاع‏ ‏عليه، ‏وكأن‏ ‏النسيان‏ ‏هنا‏ ‏يتم‏ ‏بفعل‏ ‏فاعل‏ ‏لأنه‏ ‏هدف‏ ‏مرحلى ‏تكتيكى ‏لغاية‏ ‏استراتيجية‏ ‏أكبر‏:‏

‏”‏رأيته‏ ‏يناولنى ‏صندوقا‏ ‏صغيرا‏ ‏صغيرا‏ ‏ويقول‏: ‏إنها‏ ‏أيام‏ ‏غير‏ ‏مأمونة، ‏يجب‏ ‏إخفاؤه‏ ‏تحت‏ ‏الأرض‏ ‏حتى ‏تعود‏ ‏اليه‏ ‏فى ‏حينه‏” (‏ص‏111).‏

التعقيب:

ويزداد وضوح علاقة هذا الإبداع الموازى للفكر التطورى بما هو “غيب” وحيوية اليقين به فى مواجهة أى معرفة مغلقة أو خرافة غامضة.

‏(3):

ثم‏ ‏يذهب‏ ‏الى ‏أبعد‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏فيعلن‏ ‏أن‏ ‏البحث‏ ‏عما‏ ‏أخفينا‏ ‏ليس‏ ‏قضية‏ ‏خاصة‏ ‏بفرد‏ ‏بذاته‏، ‏بل‏ ‏هى ‏قضية‏ ‏البشر‏ ‏جيلا‏ ‏بعد‏ ‏جيل، ‏وسيستمر‏ ‏السعى ‏ما‏ ‏نقصت‏ ‏المعرفة، “.. ‏إن‏ ‏الماضى ‏لم‏ ‏يتمثل‏ ‏لى ‏إلا‏ ‏لأن “‏الآخر” (1) حيل‏ ‏بينه‏ ‏وبين‏ ‏الصندوق، ‏وإنى ‏مدعو‏ ‏لاستخراجه‏ ‏وتنفيذ‏ ‏ما‏ ‏يشير‏ ‏به‏ ‏بعد‏ ‏إهمال‏ ‏طال‏ ‏واستطال‏” (‏ص‏113).‏ وقد ورد‏ ‏لفظ‏ ‏الآخر‏ ‏فى ‏النص‏ ‏هكذا‏ ‏بين‏ ‏علامتى ‏تنصيص، ‏وربما‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏دلالة‏ ‏التعميم‏ ‏الذى ‏ذهبت‏ ‏اليه، ‏أو‏ ‏إلى ‏بعد‏ ‏تاريخى ‏غائص‏ ‏يعنى ‏الذات‏ ‏الأقدم‏ ‏المحتواة‏ ‏فى ‏التركيب‏ ‏الأحدث‏ ‏والعاجزة‏- ‏وحدها‏- ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏المغامرة‏ ‏قبل‏ ‏تطور‏ ‏الوعى ‏المعرفى ‏بالدرجة‏ ‏المناسبة

‏(4)‏ :

‏ ‏ويرادف‏ ‏محفوظ‏ ‏بين “‏الحقيقة‏” ‏و”‏الكلمة‏” ‏بشكل‏ ‏مباشر‏ ‏وهو‏ ‏يقول‏: “‏إستحوذت‏ ‏على ‏نية‏ ‏التنقيب‏ ‏فى ‏الماضى ‏المجهول‏ ‏لعلى ‏أعثر‏ ‏على ‏الكلمة‏ ‏التى ‏طال‏ ‏رقادها” (‏ص‏113)‏

‏ ‏ثم‏ ‏يمضى ‏بإعلان‏ ‏هام‏ ‏وهو‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏البحث‏ ‏ينبع‏ ‏من‏ ‏الدافع‏ ‏المعرفى ‏الباطنى ‏الحتمى “..‏ولا‏ ‏معين‏ ‏لى ‏الا‏ ‏شعورى ‏الباطنى ‏بأنى ‏أقترب‏ ‏من‏ ‏الحقيقة”(‏ص‏114)‏

التعقيب:

لعله يتأكد دور الإدراك وقيمة الحدس لمنهج للتواصل بين مستويات الوعى، وكل هذا أساس ما ندعو إليه.

‏(5)‏ :

‏ثم‏ ‏يعلن‏ ‏أيضا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الحقيقة‏ ‏مرعبة‏ ‏………..، ‏وأن‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏كلمة‏ ‏السر‏.

 “‏إذا‏ ‏تغيبت‏ ‏بـدا‏..، ‏وإن‏ ‏بدا‏ ‏غيبنى” (‏ص 99)

ويرد التعقيب فى النص كالتالى:

أى ‏أن‏ ‏المعرفة‏ ‏تزداد‏ ‏مع‏ ‏تناقص‏ ‏الذاتوية‏ ‏الخاصة، ‏ومع‏ ‏الالتحام‏ ‏بما‏ ‏بعد‏ ‏الذات‏ ‏مما‏ ‏تتوحد‏ ‏به‏ ‏ويحتويها‏ ‏فى ‏آن، ‏وذلك‏ ‏فى ‏رحلة‏ ‏الاستكشاف‏ ‏الكبرى‏.‏

التعقيب:

وهل هناك دليل أوضح على مواصلة الحوار بين مستويات الوعى حتى بالتناوب.

 (6)‏ :

أما‏ ‏فى “‏رأيت‏ ‏فيما‏ ‏يرى ‏النائم‏” ‏فإننا‏ ‏نجد‏ ‏هذا‏ ‏اللحن‏ ‏المميز‏ ‏الضارب‏ ‏فى ‏التاريخ‏ ‏المتطلع‏ ‏للمستقبل‏ الدائم الحركة ‏فى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏حلم‏ ‏وأكثر‏ ‏من‏ ‏موقع‏:‏

“‏لن‏ ‏أحيد‏ ‏عن‏ ‏التطلع‏ ‏الى ‏الأمام‏” ‏حلم‏ 1 (‏ص‏142).‏

‏”‏ولكنى ‏لم‏ ‏أدر ‏أركض‏ ‏وراء‏ ‏هدف‏ ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أدركه‏ ‏أم‏ ‏أركض‏ ‏من‏ ‏مطارد‏ ‏يروم‏ ‏القبض‏ ‏علىّ‏” ‏حلم‏ 5  (‏ص‏150).‏

وحين‏ ‏يختفى ‏الماضى ‏والمستقبل‏ ‏تبقى ‏الحركة، ‏ولكنها‏ ‏حركة‏ ‏مغلقة‏ ‏فى ‏الفراغ‏:‏

” ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏ليل‏ ‏ولا‏ ‏نهار‏ ‏ولكن‏ ‏يوجد‏ ‏الهواء‏ ‏والركض‏” ‏حلم‏ 6 (‏ص‏153).‏

وبعد

أتوقف هنا لأن المقتطفات التالية تدور حول “الغريزة المعرفية” مما قد يحتاج إلى تعقيبات أطول.

[1] – ورد‏ ‏لفظ‏ ‏الآخر‏ ‏فى ‏النص‏ ‏هكذا‏ ‏بين‏ ‏علامتى ‏تنصيص، ‏وربما‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏دلالة‏ ‏التعميم‏ ‏الذى ‏ذهبت‏ ‏اليه، ‏أو‏ ‏إلى ‏بعد‏ ‏تاريخى ‏غائص‏ ‏يعنى ‏الذات‏ ‏الأقدم‏ ‏المحتواة‏ ‏فى ‏التركيب‏ ‏الأحدث‏ ‏والعاجزة‏- ‏وحدها‏- ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏المغامرة‏ ‏قبل‏ ‏تطور‏ ‏الوعى ‏المعرفى ‏بالدرجة‏ ‏المناسبة

النشرة التالية 1النشرة السابقة 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *