الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1980 / يوليو1980-عن الاقتراب من الانسان

يوليو1980-عن الاقتراب من الانسان

عن الاقتراب من الانسان

د.سيد حفظى

الموجز

لو أن كل طبيب شاب، أو معالج مبتدئ حدثنا عن نفسه، أو حدث نفسه، كما يواصل صديقنا الشاب هنا مناجاته أكثر من حديثه مع مريضه أو عن مريضه، لو أن كل من تصدى لرؤية إنسان مريض، حاول أن يرى نفسه بنفس القدر، على ألا تكون الرؤية استمناء عقليا، وإنما مسئولية ومعايشة، إذا لتغيرت  أمور كثيرة واتضحت معارف كثيرة .

ولكن رفقا بك يا صديقنا، فليس ضروريا أن يكون الهدف بكل هذا الوضوح، ولا أن تكون المسئولية بكل هذه الحدة، رفقا ….. حتى تستمر، فالناس تريد مثلك أن يستمر لك ولهم.

****

ولماذا الإقتراب؟ لمساعدته؟ لإستكشاف أغواره؟ لمعرفة عيوبه؟ للإطلاع على أسراره؟ أم لإشباع غريزة الفضول لدينا ؟

أيكون استجواباً؟ أيكون تحقيقاً؟ أم يكون اتهاماً؟ لايحدث هذا فقط فى مرحلة أخذ  البيانات والمعلومات والشكاوى من المريض – النفسى – هو أيضاً فى مرحلة وصف الدواء له، بل هو كذلك فى مرحلة العلاج النفسى…… الفردى أو الجمعى .

أما عن  أخذ البيانات من المريض، فيمكننا فقط سؤاله أسئلة متعلقة بمرضه ليس إلا….مالنا نحن ومال عاداته وصفاته القبلية ونحن فى هذه المرحلة ؟ حتى لو ربطناها بمرحلة وصف الدواء، فيمكننا وضع أسئلة خاصة بكل دواء ولكل حالة وسؤالها إذا استدعت الحالة….. أما إن لم تستدع فإن المواد الكيميائية نتفاعل وتؤثر فى مراكز ومواقع معينة فى المخ لا تتأثر كثيراً بسؤالنا عن عاداته الجنسية قبل الزواج .

أما بالنسبة للعلاج النفسى فيمكننى مساعدة المريض على تخطى المرحلة المرضية والتخلص من الأعراض كلها – أى الأعراض التى يشكو منها فقط – دون المساس بشخصه ولا وضعه العائلى وترتيبه الأسرى ولا تنشئته ….. هذا كله من شأنه تقديم أو تأخير فترة التخلص من  العرض ليس إلا .

فماذا يعنينى أنا مثلا – كطبيب ومعالج نفسى – فى حالة مصاب بحالة نفسية عصابية موقفية نشأت بطريقة مباشرة نتيجة ضغط الإمتحان مثلا من معرفة مدى ممارسته للعادة السرية ؟

أو ماذا يعنينى من فتاة مصابة بحالة إكتئاب أن أعرف متى وكيف تم فطامها ؟

أو هل كان لديها سلس بولى فى صغرها أم لا ؟

أما إذا كانت خطواتى هذه – وهذا رأيى الشخصى – هى عبارة عن لبنات بسيطة فى هيكل كبير يبدأ فى البداية وينتهى فى النهاية بالإنسان نفسه، حياته، مشاعره، أفكاره، موافقه، ردود أفعاله، واتجاهاته، فإن هذا مسموح به، على شرط أن يتم بأكبر قدر من المسئولية .

فلا يعقل أن يحضر إنسان متعثر لى، لأجالسه جلسات متعددة، وأعرف كل صغيرة وكبيرة ، وكل فرحة ودمعة، وكل إهانة وتكريم فى حياته، دون أن أكون مسئولا عن هذا أمام ضميرى .

لايعقل أبداً أن أتكلم من موقع السيد المصون، أو من مركز النبى الشافى…. إننى قبل كل شئ إنسان، ولى أفكارى ومبادئى، ومواقفى وإحساساتى؛ فلو كنت أريد تركها جانباً، وعلاج هذا الشخص من أجل تخفيف ألمه فقط ومشاركته – أو كأنها مشاركة له –  مشاكل حياته، فيمكننى أن  أقوم بهذا دون التطرق إلى أو دون طرق أبوابه الداخلية .

ويمكننى كذلك أن أكون الإنسان الناصح المفيد الحكيم ذا الآراء الفاصلة فى المشكلات اليومية، وذلك أيضاً دون محاولة المساس به أو الإقتراب منه …. أما إذا أردات أن أساعده على تغير جذرى كيفى فلا بد وأن أكون متواضعاً صريحاً فى هدفى، غير متعجل لكشف غموض هذا الكائن البشرى الفريد، باعثاً إليه بمعان تحمل فى طياتها أنى لن أجبره على فتح أبوابه على مصراعيها، وأنى لا أهدف إلى هذا أو إلى معرفة ما بداخل الأبواب، ولكن هذا متروك لقراره هو وفى حينه هو أيضاً، فلابد له من الاطمئنان و الاطمئنان والأمان .

ففى مرة مثلا، فى جلسة علاج نفسى مع إنسان ناجح متعثر، ومن خلال حديثى معه، إذا بى أحس به يرتجف بين يدى وهو يحاول جاهداً التخلص من قبضتى ليمكنه الوقوف على قدميه؟ وأحاول أن أفكها وإذا بى أحكم حصارها حوله، ثم أستنتج وأستبين أنها فعلا ما كانت بناءة لبنائه الداخلى بقدر ما كانت تهديداً له؛ إنها ماكانت له بل كانت لى ، ليس فقط أنها لم تكن تعى ما بهذا البناء من رقه – أقصد الترجمة أو الإحساس الذى ينتابنى عند سماع كلمة   fragile – بل ما كانت تعى الطريق الواجب سلوكه، وقد تكون لم تع لماذا هذا السؤال بالذات ……..

قد تكون هذه الحادثة قد جعلتنى أتخذ قراراً لى، بأن كل ما يدور بين المعالج النفسى وبين مريضه، من نظرة، إلى تحية، إلى كلمة، إلى سؤال، إلى موقف ينبغى أن يكون ماثلا فى أذهاننا فى نطاق هذه المعايير وألاهداف .

لماذا أنظر مثلا وأحد من البصر فى مريضة وهى فى حالة خجل من موضوع معين، هل لأتعلم كيف يكون الإنسان حين يخجل؟

فلأن نفسى خجلى ……..

هل لأتأكد أنها خجلت من هذا الموقف وأعضد موقفى كمعالج سام فوق هذه المواقف؟ فلأضع نفسى مكانها لأتأكد من علاقة الموضوع بالخجل، ولا داعى لأن أريها أنها انكشفت وانفضحت وظهرت جلية الرؤى أمام عين خجلة؟

أم هل لأقول لنفسى إن هذا مخجل، فلا تفعله لكى لا تضع نفسك يوماً فى محلها؟ لا لأذهب إلى المدرسة – مدرسة الحياة – فأتعلم لماذا يكون الخجل ؟!!

هذه النظرة ، فى تلك اللحظة يجب أن أكون مسئولا عنها، لا بمعنى أن أحاسبها على ما خجلت منه، ومنعها من تكراره، بل أن أرى لماذا هى خجلت؟ ولماذا أمامى؟ أن أعى أن هذه الإنسانة وقد كشفت سراً أمامى لم يعد هذا مجرد إعتراف بذنب أو تكفير عنه، بل أنها تطلب المساعدة .. أن أعى أن هذا الخجل وموقفى منه ليسا إلا بداية خطوة صغيرة جداً على درب طويل ليست نهايته التخفف من هذا (العرض) ولكن قد يكون هذا بدايته .

يجب أن أعلم مدى فداحة مسئوليتى أمام ضميرى عن هذا الطريق الذى أريدها أن تسلك بالرغم من موقفها الضعيف .

إنه طريق لا يحتمل إلغاء الخجل حتما … ولكن قد يكون فيه نضجا مسئولا أمام نفسها وأمام الحياة .

التحية ! أيكون سلامى للمريض فى لقائه وتحيتى له فى إيابه مثل أى سلام بين طبيب ومريضه ؟

 أيكون مثل الطبيب الذى ينعم على مريضه بالسلام ولمس يده ويرفع من مقداره؟ ويكرمه؟

أم يكون مثل المريض الذى لا ينتظر ان يضع الطبيب يده فة يده لأنه من علية القوم وهو من سافليها ؟

أم يكون مثل سلام ينتهز فرصة لملامسة يد حسناء ؟

أم يكون مجاملة !!

أم يكون إدعاء لديموقراطية كاذبة، أننى رجل متواضع وأضع يدى فى يد البشر كلهم سواء؟؟

إن كان هكذا فلا داعى له إذن !!

لاداعى أن ألوث زوجى يدين بسيئات صاحبيهما!… فيمكننى جدا! أن أحييه بإيماءة من رأسى العلية، بكل مهابة واحترام، وأن يرد هو بإيماءة كلها استكانة !!!

لا! لا! لا! لاينبغى أن يكون هذا فى موقف ليست العلاقة فيه بين صديقين، ولكن بين إنسان وإنسان!! يجب أن يكون السلام عند اللقاء حاملا معنى السؤال عن الشخص، والترحيب به، والتمنى له أن يكون أحسن حالا .

وينبغى أن يكون التوديع حاملا لموقفى منه من خلال إنجازه، ومحاولته مساعدة نفسه وعدم إلقاء العبء على الآخرين .

ينبغى أن يكون فيه اعترافى وقبولى لمسئوليتى حين جاء لى واستسلم بين يدى.

 قد أقول يوماً أنه ينبغى أن يكون حاملا موقفى من الحياة!!!

وحتى الضحكة! ضحكة المريض وإياى !

ليست أبداً هى ضحكة فى مجلس عام!

أو ضحكة مجاملة على نكتة سخيفة!

أو ضحكة على المريض نفسه!! أو ضحكة من المريض  على!!

ليس أبداً موقفاً أضحك فيه المريض راجياً أن يضحكنى!

إنها يجب أن تكون على شئ أثلج صدرى وأسعدنى فعلا.

قد تكون تحية للمريض على حسن استجاباته لمسئولياته .

قد تكون مشاركة منى لفرحة المريض – وأؤكد – لا مجاملة له وشتان الفارق!!!

إنها يحب أن تكون نابعة منى، وصادقة مع نفسى وواضحة إلى هدفى !…

لا أحبذ المساس بالمريض، ولا أحبذ التعرض له بالكلمة، بالسؤال أو بالشرح إلا من خلال هدف واضح .

مرتبط غاية الإرتباط – البين – بمحادثتى للمريض.

أصبحت لا أطيق ملامسة أى مريض إدعاء لفكرة غير واضحة فى نظرى … إن الطبيب الباطنى يكشف على مريضه – أو مريضته – وقد يتعرض لعوراته بالفحص الطبى المسئول – أولا وأخيراً أمام ضميره ؟

أما هنا وأنا أتعرض لأحاسيس المريض ومشاعره وهى تكون عورات له أو أشد فى معناها النفسى والوجودى بالنسبة لكيانه ، فلابد أن أتعرض لهذه المشاعر بالذات.. وتلك الأفكار بالذات فى هذه المواقف بالذات – وفقط – من خضم كل ما يجول به وبى؛ وذلك فى إطار هدف واضح محدد؛ قد يكون التخلص من عرض بعينه وقد يكون الإحساس بالذات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *