الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1982 / يناير 1982 – حالات وأحوال – الحلقة الخامسة – زاهر

يناير 1982 – حالات وأحوال – الحلقة الخامسة – زاهر

مجلة الإنسان والتطور

عدد يناير1982

           حالات وأحوال 

 الحلقة الخامسة

زاهر (1)

انتهت رحلتنا مع زهران التوأم الأول، ونقدم فى هذه الحلقة حالة زاهر وهو توأمه المتماثل، ولن نكرر – بداهة – الأرضية أو التاريخ العائلى المشترك، ولكننا سوف نحاول أن نتظر فى بعض الفروق وأوجه الشبه، بحيث نتجنب التكرار ما أمكن .

***

زاهر هو توأم زهران، هو الذى دخل القسم الداخلى أولاً، وكان دخول توأمه زهران (كما ذكرنا فى عدد ابريل 1981) ليشوف أخاه وفيما عدا فقد كانت شكواه (زهران) فقيرة وتبدو مسطحة رغم خطورة الحالة (ص 5 نفس العدد)

اما شكوى (زاهر) شخصيا فكانت محددة ومحدودة

متضايق، وبتحصل حركات فى البيت”.

أبويا بيشتم أمى، وأخويا الكبير بيعمل حاجات وحشة (فى البيت) . . ،

وهو قاللى الحاجات دى وأنا صغير ، وعلمنى الحب غلط “.

المناقشة:

ونلاحظ هنا أن الأعراض ليست أعراض مرضية بالضرورة، ولكنها تبدو وكأنها حكاية عادية لابد أن نتوقع مثلها من أى شاب فى هذه السن، وقد ناقشنا ذلك قبل ذلك إلا أن الملاحظ زاهر، هو حديثه المباشر.

عن موقفه المحدد المشير إلى الرفض أو الاحتجاج ، وكأنه يقدم – ابتداء قبل أن يشكو – تقريرا عن بعض أسباب المرض وعن أنه قد آن الأوان ليتخذ لنفسه موقفا، يحكم من خلاله على ما كان وعلى ما كان ينبغى أن يكون، فهو حين يقول عن أخيه الأكبر أنه علمه الحب “بطريقة غلط” يبدو كأنه يعلم ما هى الطريقة الصحيحة وهو يتسعمل كلمة الحب ويعنى بها الجنس بوجه خاص، فقد كانت اشارته للحاجات الوحشة التى يقوم بها أخوة هى اشارة لممارسات الجنس مع الخادمات (أشرنا إليها توناقشناها فى عدد يوليو 1981 ص 68) لماذا سمى زاهر ما يجرى باسم “الحب”؟ لعله نوع من أدب التحدث، أو لعله حدس مبكر يؤيد رؤية “فرويد” بشكل ما، وزاهر كان أكثر رقة من توأمه، كما كان دمه أخف، وبصراحة فانى كنت أحبه واحترمه أكثر من أخيه بلا سبب مباشر، وكان اذا تكلم عن داخله – بما فى ذلك الجنس – يتكلم من قلبه وبوجهه فى ترابط طيب، بعكس زهران الذى كان يلقى فى وجهى كل تعبير صارخ ومعلومة فاضحة بنفس النبرة الميتة وكأنه يتكلم من بطنه، دون أى تعبير أو حرج، ولست أدرى ماذا أمام ما يسمى بالثقافة الجنسية للأطفال، فتصورى أن الكبار هم الأحوج للثقافة الجنسية، أى للممارسة الصحة الجنسية البناءة، ففى خبرتى علمت أنه لا يكفى أن ينام رجل مع زوجته (وبالعكس) وينجبون أطفالا لنقول أنهم يعرفون ما يفعلون جنسا، أو ما يفعل بهم الجنس، والمدرسون والوالدان الذين سيكلفون بتثقيف أبنائهم بهذه الثقافة التى لايعرفون عنها شيئا (حتى مع الممارسة والقراءة) قد يضيفون تشويها وضررا أكثر مما نتصور بل ان دراستى لهذه الحالات  قد اقنعتنى  رغم كل شئ ان ما قام به الأخ الأكبر من تثقيف، (والجار الأغنى – عدد يوليو 81ص 68 ) هو شئ طبيعى، بل ومفيد، وأن شكوى زاهر أو زهران لم تكن شكوى بقدر ما كنت “خبرا”  يعلن “موقفا” بلا نقصان، ذلك لان اعلان الحاجة للمزيد أو للبديل لايعنى الرفض الكامل لكل ما كان، والتسرع فى الاعتماد على مثل هذه العبارات للتدليل على أفكارنا الخاصة باللهفة على معرفة الأسباب التربوية (بما فى ذلك سوء الفهم للوظيفة الجنسية) هو أمر محفوف بالمخاطر فعلا.

ثم يقول زاهر تلقائيا بنفس الألفاظ والتلاحق المباشر:

  • كان أخويا بيضربنى وأنا صغير

(2) واحيانا باحس أن والدى ووالدتى والناس كلها بتظلمنى

(3) وفكرت فى الانتحار.

المناقشة:

هكذا يعلن زاهر ما انتقاه من مخزون الآلام بعد رفع الغطاء كما يؤكد مسألة مفهوم المرض “كموقف” للمراجعة (وربما للتهديد الضمنى) وذاكرة المرضى “أثناء النوبة” مازالت تفتح عندى أفاقا بلا حدود حول طبيعة الذاكرة ومدى ثباتها وكليتها وقوتها فالمريض أثناء النوبة تراه أحيانا وقد ذهب يتجول داخل عقله يقلب فى محتوياته بسهولة بالغة ليتذكر من الأمور ما يهم وما لايهم وما هو ذو دلالة وما يبدو غير ذلك، مما علمنى الكثير عن عمق وثبات أى مدركات تصل إلى عقلنا فى أى وقت وبأى صورة.   

وإذ نبدأ بالجملة الأولى كان أخويا بيضربنى وأنا صغير ونجد أن ضرب أخ أكبر لاخ أصغر ليس حدثا فريدا فى مجتمعنا سواء كان أثناء اللعب أو الشجار العادى أوغير ذلك، لكن ضربة من هذه الضربات قد تأتى فى “موقع كرامة” أو “تهز قيمة ذات” وهذه الضربة بالذات بما تعنيه – هى التى تقفز إلى السطح أثناء حدة نوبة الذهان ، وهى التى يتكلم عنها المريض ، فالمسألة إذ تتناول ببساطة وتعميم قد تأخذ شكلا تربويا مسطحا حين ندور حول قضية “التربية بالضرب أو بدونه” كما قد تفتح ملفا جنسيا غريبا حين نربط الضرب بالقهر الجنسى بأوديب بالأب (الاخ الأكبر) بالخصاء. . الخ وننسى فى غمرة التعميم او الترميز أن ضربة بذاتها أو عدة ضربات هى – بالذات – التى تعود تقفز للذاكرة دون سواها، وأن المهم ليس فى حدوث الضرب الشائع، وإنما فى تذكر المريض لحدث بذاته، حدث يشير إلى لحظة بذاتها هى التى تحويها الجملة الأولى لو حاولنا المباشرة فى التناول .

ثم تأتى الجملة الثانية مباشرة “وأحيانا بأحس ان والدى ووالدتى والناس كلها بتظلمنى” دون ربط ظاهر بين الضرب من الأخ وبين الشعور بالظلم  من الوالدين وكل الناس.

والشعور بالظلم يبدأ عادة من قديم، حين يتلقى الطفل ألما قاهرا دون تفسير، أو حين يتلقى هذا القهر نتيجة لفعل لم ينذر بعواقبه مسبقا، أو حين يربط هذا القهر بفعل حسن بمجرد الصفة، وكل ذلك يتغلغل ويتثبت  حين يمس القهر “حدود الكرامة” الشخصية التى تكاد تنطبق على “حدود الذات” تماما فى فترة الطفولة بوجه خاص، فذات طفل حالة كونها تتكون، انما تحدد معالمها المعالمة الواضحة مع العالم الخارجى، وكما تختلط الذات بالكرامة اختلاط التطابق، تختلط كذلك بالجسد اختلاط التطابق  من بعد أخر، فيصبح الضرب الجسدى بلا تفسير ولا تبرير ولا فرص متكافئة، فى لحظة بذاتها، ليس مجرد ألم جسدى بقدر ما هو جرح للذات المتكونة، يغوص فى الاعماق لصعوبة المواجهة والا حدث التناثر، فاذا جاءت النوبة المرضية كشفت عن الغطاء، وأتاحت اتخاذ موقف للمراجعة (ولكنه موقف وبما تعنى – الى السطح لتعلن الاحساس بالظلم، وهو احساس يختلف عن الشعور بالاضطهاد وكذلك عن الشعور بنظرات الناس وسوء التأويل المصاحب هو الممهد لم يليه من شعور “بالاضطهاد” أو “بالاشارة” أو “بالتسلط” أو حتى “بالتأثير المسير” (بكسر الياء وتشديدها) لكنه هنا يظهر يوجه خاص واضح وبسيط وناتج عن تعميم منطقى وينشر هذا التعميم من الأخ الأكبر إلى من يمثله من سلطة (الوالدين) الى الناس جميعا، والاحساس بالظلم سواء كان منطقيا أم لا، شرعيا أم هو من أعمق الاحاسيس التى ينبنى  عليها تشويهات الشخصية والواقع بلاحدود، واحيانا ما ينشأ من “الحرمان” القاسى، وخاصة الحرمان مما يبدو “حق المحتاج” بعد التلويح له بامكان تحقيق حاجة هى من صلب حق الحياة، وهو نوع آخر من الظلم ومادام الإنسان (طفلا أو بعد ذلك) لم يأخذ حقه، ثم جرح فى كيانه، فكل شئ بعد ذلك جائز، الاضطهاد والاشارة والتسيير وما يتبع.

فحالة زاهر تبدو منطقية ومترابطة كما أن ما يعلنه من عالمه الداخلى يبدو قريبا من التقبل المباشر لأحداث واقعية فحتى الجملة الثالثة وفكرت فى الانتحار تبدو وكأنها النتيجة الطبيعية لمسار الاحداث، وكأن الغطاء حين رفع عن مخزون الذات اتى بالاحداث التى تلاحقت مع بعضها بمنطقها الخاص متسلسلة مبررة احداها للأخرى بشكل مباشر لا يحتاج إلى فك للشفرة أو تحوير فى الواقع كان الذى حدث قديما كان كالتالى:

مادام قد جرحنى فى كرامتى – ذاتى – لمجرد أنه أقوى منى (عضليا مثلا -) دون أن أفهم – لماذا أو غيره ، فأنا مظلوم منه . . أى من الجميع الذين هم هو والذين لم يحمونى منه . .  وأنا ضعيف أمامهم، فلأنسحب لأعلن العجز واحرمهم منى . . من فرصة جديدة لقهر جديد، وليختف كل هذا الآن، لأنى لا أعيه ولا أستطيع مواجهته.

ثم تأنى النوبة ويكشف الغطاء فتظهر القضية فى وساد الوعى الحالى وكأنها شكوى، وماهى الا الأعلان.

وقد اشرت سابقا الى أن المرض هنا قد يكون بداية”موقف للمراجعة” وربما يتضمن” فرصة للتهديد”،لذلك فان فكرة الانتحار تشير الى احتمال يؤك أن المرض” موقف” فعلا، لا الانتحار بهذا التسلسل هو موقف، ولعله خطوة لم تظهر “كحل” الا بعد ظهور المرض ورفع الغطاء وتقليب القديم/ أى أن احتفاء الخبرة فى أول الأمر كان انسحابا للداخل دون قرار انسحاب من الحياة، فلما كسر الغطاء وتعرى الداخل وتحفز الألم والاحساس الشامل بالظلم الى الوعى..، لحقته مباشرة فكرة الانتحار وفكرة الانتحار فى المرض النفسى – وربما فى الحياة – تتناول حتى الىن بسطحية مخجلة، فالأغلب يعتبرها مضاعفة مضاعفات مرض الاكتئاب، والكثيرون يخافون منها خوفا غامضا – فى الأغلب – وكأنهم يخافون أثارة ما يقابلها داخل أنفسهم.. وبصفة عامة فان الانتحار قد يعنى أى من (أو كل من)(1) تجنب ألم فائق(2) فرط الأنانية مع العجز عن تخطى حواجز الذات(3) عوان الآخرين كنوع من الاحتجاج بحرمانهم من موضوعهم” الأنا”(4) قرار بالتغيير الجذرى بما يشمل هم”كل” القدم الجذرى ” حتى لو”…(5) اعلان موقف حاسم(6) رفض حاسم(ويأس أكبر من الرفض وأقل من الثورة)، وأعتقد أن زهران كما عرفته، وكما تتسلسل عباراته السالفة أنما يشير الى الاحتمالات الأول والرابع والسادس معا، وأنى أؤكد – ربما ثانية- أنه بغير هذا الخاطر الانتحارى (أو المأزق الانتحارى) فان النمو عامة يصبح مشكوكا فى أصالته، وعلى الأطباء وهم يحافظون على حياة المرضى بأمانة الخائفين أن يفهموا معنى القرار الانتحارى وشدة الحاجة الى التغيير ما العجز عنه فى آن…

وفى خبرتى الكلينيكية أدركت أن لحظة الانتحار بالذات هى لحظة غير اكتئابية لأنها حل للاكتئاب بانتصار تحطيمى نهائى يمثل قمة التناثر للتلاشى والنكوص الى الرحم الكونى أو الرحم الأرضى  (2)، فكأنها فعل فصامى شديد التركيز شديد النجاح باتباره انتصارا  لغريزة الموت انتصارا فاعلا كاملا:

هذا عن الفعل الانتحارى الكامل، أما” المأزق الانتحارى” بما يصحبه من أفكار انتحارية وما يحمل من معنى فأن أهم ما يعنينا هنا هو ” دلالته لموقف” يصل فى عمقه الى الفعل الابداعى الذى يهدف الى تحقيق التغيير الشامل الصعب، وكأنه يقول” لم يعد ينفع ما كان فليتغير كل شئ … والا فلينته كل شئ” وبما أننا فى موقف مرضى أصلا فالسلب يغلب الايجاب لا محالة ويصبح الفكر الانتحارى هو الحل الابداعى الانهزامى الذى يوهم صاحبه بشرف التغيير الرافض، وفى نفس الوقت يعفيه من ألم “الابداع للأمام”.

ولو تذكرنا زهران مع ثراء مادة المقابلات معه على فترات متباعدة لما وجدناه قد فكر فى الانتحار يهذا الوضوح. لا قرره أو حاوله أو واجه مأزقه وهو التوأم المصاب بنفس المرض، وفى رأيى أن ذلك قد كان لا زهران – على عكس زاهر- كان يدخل الى الحل المرضى منسابا فى غيبه الوعى المواجهى، أما زاهر فكان يقلب فى ملفات الألم بشجاعة نسبية ويواجه ويقرر ويعجز ويفكر – والانتحار ومأزقه لا يطرح نفسه اذا تم التغيير الى اسفل (أو الى أعلى9 وأنما هو يظهر أساسا فى فترات” ضرورة التغيير مع العجز عنه”.

الشكوى من (الوالد)

” مش طبيعى، امصرفت نفسه عن المذاكرة خالص، وأن ذاكر ما يلمش بالموضوع”.

المناقشة:

تناولنا هذه القضية بالتفصيل ونحن نناقش التاريخ الدارسى لزهران( عدد يوليو 81 ص67) ولن نعود اليها هنا، فقط نشير الى وضوح رؤية الأب فى تعبيره” ما يملش بالموضوع” لا نالفصامى بالذات يصاب بعجز مبدئى عن ” الانتقاء” و” التحديد” و” القرار“، ولابد من احترام عمق رؤية الوالد لطبيعة الصعوبة الحقيقية ودقة تعبيره “مايملش بالموضوع بدلا من التعبير الشائع “ينسى” أو”عاجز عن التركيز” ولو أن التعبير الاخير له نفس المغزى لكنه تسطح من الشيوع وتعدد الاستعمال لأغراض مختلفة.

وتأكيدا على أن الوالد لا يلاحظ الصعوبة فقط بل أنه يكاد يرى طبيعة ما حدث حقيقة وفعلا (مما يغيب عن كثير من الاطباء والممارسين) أنه عاد يقول:

أفكاره متلابسة فى بعضها وغير محددة

 ولا يوجد أعمق ولا أدق من هذا التعبير عن ظاهرة تسمى فرط التكثيف أو فرط التداخلoverinclusion  وهى الظاهرة التى تشير الى احتواء نفس الرمز (جسم اللفظ مثلا) على أكثر من معنى فى نفس الوقت، ولم أجد فى كل قراءاتى تعبيرا أدق من قول الاب “متلابسة فى بعضها” بما استتبع ذلك من عدم التحديد، وبعد ذلك يقول الأب أنه:

” يخرج م موضوع الى موضوع آخر”

وهذه الظاهرة بالذات تسمى أحيانا للأسف ” طيران الافكار” ولكنها قد تكون نتيجة لعدم التحديد والتلابس الذى اشار اليها الوالد، وعلينا أن نراجع ظاهرة الانتقال من موضوع لموضوع أهو نتيجة لمجرد سرعة المجرى أم أنه مهرب من هذا التلابس والعجز عن الانتقاء والتحديد، قبل أن نسارع الى تشخيص عرض دون آخر.

ثم يقول الوالد:

ويشعر بالاضطهاد”

ونتذكر ان زاهر حين تكلم عن مثل ذلك تكلم عن الظلم وليس الاضطهاد، والنظر الى نفس الشعور من وجهات نظر مختلفة خليق بأن يعلمنا الفرق بين الشعور بالظلم والاتهام بالشعور بالاضطهاد، وأحب أن أنبه على الفرق بين شكوى المريض وشكوى الوالد وأن كليهما صحيح رغم التناقض الظاهرى، ففى حين يشرح الوالد بيقين عدم الترابط فى كلام الابنن لا نجد شيئا غير مفهوم أو “متلابس” فى كلام زاهر.

فالنقلات الثلاث بين الجمل الثلاث التى ذكرناها فى شكوى زاهر – مثلا – كانت شديدة الترابط من بعد بذاته لكنها تبدو نقلات من موضوع الى آخر من بعد أسطح، والأصل – كما ألمحنا قبلا – أن كلام المريض هو كلام المريض، وهو صادق بقدر قدرته على التعبير وما يلتقط من الزحمة فى الداخل وأن عجزنا عن الفهم ينبغى أن يكون بداية محاولة الفهم وليس مبرر التسرع فى الحكم.

والنقطة الاخيرة فى هذه الحلقة هو موضوع التشابه بين التوائم المتماثلة. فقد اتبر هذا الموضوع هو خير دليل على أثبات أهمية العامل الوراثى، وقد أعلنت الدراسات الأولى (تاريخيا) أن نسبة الاصابة بنفس المرض وخاصة الفصام للتوائم المتماثلة التى نشأت معا تصل الى أعلى من ثمانين فى المائة (وهناك دراسات أوصلتها الى المائة فى المائة) ثم أتت الدراسات الحديثة لتقول أن النسبة أقل بكثير حتى استقرت حول الاربين فى المائة (وهناك دراسات تعطى أرقاما أقل كثيرا).

والفكرة التى نرجو أن تكون قد بدأت فى الوضوح هو انه بالرغم من التشخيص الواحد فان التفاصيل تختلف بشكل يكاد يجعل المرض فى عمق بذاته مختلف اشد الاختلاف رغم اتفاق الاسماء، فرغم التشابه فى الشكل الجسدى بينهما لدرجة الخلط على من لا يعرفهما( وقد عملت لهما فى ذلك الحين دراسات لبصمات أصابع اليدين والقدمين وغير ذلك من أبحاث تثبت التماثل وقد أثبتته) أقول رغم هذا التشابه فقد اختلفا فى(1) الريح العام، ففى حين كان زاهر محبوبا طيبا ودودا، كان زهران “عاريا” قاسيا ثقيلا، وكذلك (2) فى طبيعة الشكوى،(3) “شكوى الأهل“،(4) محتوى الأعراض ثم سنرى كيف اختلفا فى الاستجابة للعلاج ومسار المرض بعد ذلك، فالأمر يحتاج أن نوصى الا نكتفى فى مثل هذه المقارنات بمجرد لافتة التشخيص، ودراسة التوائم المتشابهد ينبغى أن تغوص أكثر فأكثر الى عمق نوعى يبين الاختلاف بدلا من اكتفائها بظاهر اسم المرض الذى قد لا يعنى شيئا. وسأرجع مرة وأكثر الى موضوع الوراثة فى هذه الدراسة.

والى العدد القادم.

[1] – كتب ورقة المشاهدة الأولى التى نستقى منها معلومات هذا العدد. د. حسن عبد العظيم (الأستاذ بكندا حاليا) سنة 1959 .

[2] كتبت فى ذلك (الانتحار من شاهق) بالنسبة لحالة خاصة فى قصيدة “اليمامة والهدهد” فى ديوان لى لم ينشر

“نظرت للأرض الرحم الأم وتذكرت العش المجدول طارت مثل يمامة تبحث ن صدر وليف لم يولد أبدا وتهاوت فى زفة عرس”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *