الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1981 / يوليو1981- المواجهة رؤية د.وفاء الليثى

يوليو1981- المواجهة رؤية د.وفاء الليثى

المواجـهـة

د. وفاء الليثى

لا أقصد هنا الكلام عن قوى الدمار المعروفة فى عالمنا الخارجى من حروب الى شراهية تكديس الأسلحة الى التهديد بالتفجير النووى المتصاعد، ولكنى هنا أحاول أن أتعرف على قوى الدمار الأخبث و الأخفى والأكثر ضررا تلك التى تكمن داخل كل منا، فهى أخبث لأنها لا تظهر مواجهة كما هى، ومن ثم يخفى على الواحد منا التعرف عليها، وهى أخمى لنفس السبب، أما تضاعف ضررها فهو النتيجة التلقائية لخبثها وخفائها معا، وكل ذلك يجعل من الصعب مقاومتها او توظيفها فيما ينفع .

ولقد استعملت تعبير محاولة التعرف لأننى أشعر أننى وحدى أعجز من مواجهة هذه المسئولية الضخمة، ولكننى فى محاولاتى مع نفسى أجدنى فجأة وجها لوجه أمام مشكلة المشاكل، وعندما اصدم بهول الرؤية أجدنى أتراجع شيئأ فشيئأ وأعذر نفسى وغيرى فى الهروب المتصل من المواجهة، مواجهة هذه القوى الضاربة، وانى اذ أستعمل تعبير“التعرف على نفسى”أبدو وكأننى مختارة فى ذلك، ولكن الأمر فى حقيقته اضطرارى فرضته ظروف خاصة: أولها: أننى مارست مهنة العلاج النفسى فترة اضطررت معها، وأنا أحاول التعرف على المريض، أن أتعرف على نفسى فى نفس الوقت، وثانيها: أننى اضطررت بسبب مرض عضوى أن ألزم فراشى لمدة غير قصيرة توقفت فيها عن ممارسة نشاطاتى اليومية المعتادة والتى تستغرقنى حتى لا تترك أى فرصة لأى مواجهة تحمل مخاطر أى من تلك الألعاب الخطرة .

وهكذا، حدث ما كنت أخشاه وما يهرب منه الناس: ذلك أنى وجدت نفسى وجها لوجه امام هذه القوى الخفية والخبيثة اذ تظهر فى شكل أفكار ميئسة تقول باللاجدوى، واللاخير، وتؤكد أ، ما افلعه بالغا ما بلغ لن يقدم أو يؤخر شيئا فى عالمنا المتدهورن وتمكن الخطورة فى أن هذه الأفكار تبدو واقعية بل وكأنها عين العقل، فمن منا – وسط الجارى – لايؤمن بصحة هذه الأفكار بعد ما وصل عالم اليوم الى ما وصل اليه، واذ تبدو الأمور وكأنها الواقع عينه…. تكتسب شرعية يصعب مهاجمتها أو نقدها، وبذلك يخفى أكثر وأكثر علينا مصدرها، فالذى يكمن داخل كل منا هو كيفية استقبالنا لواقع نصيغه حسب دوافعنا الهدامة حتما، ويا ليت الأمر يقتصر على ذلك فان هذه القوى المدمرة اذ عجزت عن الظهور صريحة تحمل معاول اليأس الفكرى والعجز الفاعلى فانها قد تتحور الى مسارب مرضية تمثل الكثير من آلام الجسد وأمراضه الا نفعالية، وبذلك تنطمس الرؤية اكثر فأكثر.

واذا كانت المواجهة صعبة، والمسارب خفية، والبدائل ليست فى مرمى البصر فلا اقل من التحذير من التمادى فة ترديد العبارات اليائسة والمعجزة والساخرة والمجمدة لأى حركة ذات جدوى، ذلك أن عالمنا المتدهور ليس الا نتاج قوانا المدمرة أصلا فلا مجال للشماتة والمعايرة من نتاج فعلنا نحن، كما أن حلما يلوح يقول أننا لو وعينا هذه القوى الخطرة والمدمرة لربما ثبت امكان أن تكون هى هى قوى البناء والتقدم .

ولكن كيف؟

كيف نحل هذه المعادلة الصعبة؟ الدمار يبنى؟؟

لابد من عودة، ويا ترى يسعف القلم؟، وقبل ذلك يا ترى أجرؤ على اعادة المواجهة دون التزام الفراش واضطرار التأمل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *