الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1980 / يوليو1980-الإنسان ونهايات الأشياء

يوليو1980-الإنسان ونهايات الأشياء

الإنسان ونهايات الأشياء

د. باهر الزين

منذ البداية أصبح إحساسى مرهفاً لكل ما يصدر منها.

فى المرة الأخيرة خيل إلى أنها تتحاشى التقاء نظراتنا، بمرور الوقت أصبحت مدفوعاً للتحديق فى عينيها، تكرر هذا فتوترت ولكنى لم أشاً إظهار توترى.

الأشياء لا تحدث فجأة ومنطقياً ليس هناك ما يثير القلق، لعلنى فقط تذكرت أنه حتى الآن وبرغم مرور وقت كاف مازال من الممكن أن تنساب منى فى أى لحظة. ومع ذلك، منذ متى تخضع تلك الأمور لمنطق.

****

لم يزايلنى التوتر، أذكر الآن أنها لم تتجاوب مع مزاجى كما كانت عادتها تملكنى القلق فلم يعد باستطاعتى حتى مجرد الجلوس ساكناً فخرجت، أسير مسرعاً احاول الإفلات من التفكير فى الاحتمال المفزع أو حتى أنشغل عنه ولكن كيف يمكنك الهرب مما بداخل رأسك.

لا ينتهى هذا إلا عندما يصيبك الإعياء فتستسلم للنوم الذى لا يتلقاك، ولكن يتلقفك ثم يفتح أبوابك لكوابيس ثقيلة.

****

يشرق فى ذاكرتى الآن هذا اليوم وتتتابع تفصيلاته فيملأ عينى، أطيل النظر فيه فتنبعث منه رقة تجعله منفصلا عن كل ألم وكأنه قد حدث وحده فقط فى زمن ما.

على وجهها كانت إبتسامة غاية فى العذوبة وأثناء الحديث تتلاقى عيوننا. تسدد إلى نظرة تطول أكثر مما أحتمل الصمود فأهرب بعينى متصنعاً إكمال الحديث.

لا أذكر ما كنت أقول إذ لم أكن أعيه ساعتها فقد كنت أفكر فى أن هذا لايكفى وأن لابديل عن أن أحتضنها بكل قوتى.

****

يفضى بك الوله إلى أن تدمن القرب حتى لا يعود يكفى فتبحث عن الامتزاج الكامل ليضحى التملك هو ماتنشده أما حريتك أنت فتصبح تاريخاً، ولكن فى كل مرة كنت  أحس أنها مازالت طليقة تماماً، لم تلق بنفسها بعد وأن شيئاً لم يتمكن من الوصول إلى عقلها وأنه بالرغم من إمساكى بها فقد أصبحت أنا هو المقيد حتى أنى أحياناً كنت أتساءل هل أستمتع حقاً؟

****

ينبعث صوت ساخر يلقى بجملة قاسية: ستهجرك وشيكاً… أحاول البحث عن مصدره فيختفى كل أثر له. تثير قسوة الجملة وسخرية الصوت شعور التحدى بداخلى فأمسك بسماعة الهاتف، أعرف أنها على الطرف الآخر، أكاد أراها. أظل أتكلم بانفعال حتى تتحول كلماتى إلى صوت عال غاضب. لاتهتم فأخشى أن تدرك ضعفى.

وقبل أن أحاول المداراة يرن الهاتف ببرود. إنقطع الخط. يشعرنى الرنين المتصل بالإنكار فأستيقظ على ضوء الفجر الواهن، يغمرنى بسكينته فأغوص فى النوم برفق.

****

لا يبارحنى الشعور بأن شيئاً سيحدث…. يخيفنى هذا فيطيش صوابى ثم يغوص بى فى كآبه شاملة.

عندما تعتاد الخوف تبدأ فى الإحساس بالألم وتشعر بوحدة موحشة إذ ليس بوسع أحد أن يحمل الألم عنك.

أكتشف أن ليس بمقدورى حتى أن أصبح جباناً، إذا لا مهرب من أن تسعى لكشف الحقيقة وأن تحدق فيها حتى يصبح قبحها ملأ عينيك.

****

يدق قلبك بشده فى لحظة كتلك. أنى صوتها وأضحاً وثابتاً ، لم أصغ لماتقول، فقط نأملته.

شيئاً بيننا قد إنقطع تماما، لم تدار ضحكاتها تلك الحقيقة كأن شيئاً لم يتبدل قفزت إلى مخيلتى ابتسامتها العذبة ونظرتها الطويلة فى عينى, إنتابنى إحساس بأنها محترفة فأشعل ثورة بداخلى.

أذكر أنها أشارت إلى لقاء قريب لتوضيح بعض الأمور.

****

إتضح كل شئ، بدا الأمر مراً ومحزناً.

لم يعد أمامى إلا أن أحتمل وأجمع شتات نفسى، اصبحت حراً تماماً فنما بداخلى شعور بالتمرد

عندما أذكر كل ما فات أشعر أنه كان خطأ مستمراً وأننى أكثر قوة الآن فيصيبنى هذا بالإحباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *