الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد ابريل 1981 / ابريل1981-تقولون عنا…ونقول

ابريل1981-تقولون عنا…ونقول

عدد ابريل 1981

تقولون عنا …. ونقول

ماجى لبيب

وعدت هذه المجلة أن تكون منبرا لرفاق الألم الحى، حتى ولو لم تكن زفراتهم هى الإبداع المتكامل…. فلنحسن الاستماع لعلنا نكون أهلا للمسئولية .

1- الصحوة

إنها كالصحوة من الموت … إحساس غريب فى أناملى … نوع من التوتر أو النبض يبعث الحياة فيها، إنها تريد أن تكتب وتعبر وتصف وتحلل.

هذا الشعور ينتابنى فجأة فى بعض الأحيان، أبحث عن القلم وأكتب وكأننى أسترد شيئا مفقودا، وكأنى ألملم الأشياء .. فى لحظة تولد الكلمة لا أعرف كيف ومن أى مصدر ولكنها فى ثانية تكون هنا داخل رأسى تتفتح كالزهرة، تتفجر كالديناميت، أو تأتى منطلقة وتستقر فى راسى كالطلقة، وأحيانا أخرى تصطدم بجدار رأسى كما تصطدم الموجة بالرمال والأحجار ثم تنسحب سريعا عائدة إلى المحيط دون أن أنجح فى منعها من الهرب .

أتساءل دائما من أى مصدر تأتى الفكرة أو الكلمة؟ من أين يأتى ذلك الصوت الغير مسموع الذى يتردد فى ذهنى؟ وتجئ الردود متتابعة فى عقلى بنفس الغموض متحدية تساؤلاتى: “إنه صوت الضمير… صوت اللًه” ،”إنه رد فعل اللاشعور يأتى كالنبضة القوية من داخل العقل من جهاز التسجيل الذى يلتقط كل الأشياء ويرتبها ثم يعيد تقديمها فى الوقت المناسب حسب كفاءته ”يتكلم عقلى مرة أخرى ويقول لى أننى لاأجد التفسير الصحيح لأننى لازلت جاهلة بحقائق الكون وعلومه وقوانينه .

هكذا تدور الحياة من حولى مبهمة غامضة، تبخل على بأسرارها، وتكتفى بإلقاء الطعم ثم تشدنى وراءها فى سياق مضن يسلبنى كل قوايا، ومنذ بدأت أفكر دونت كل خواطرى على الورق بلا ترتيب أو منهج، دونت كل الأفكار والتساؤلات التى كانت تراودنى والتجارب التى مررت بها، كان احتياجا ملحا حاولت أن أتخلص منه ولم أفلح .

2- إبتداء من العدم …اريد أن أخلق

هذا هو حوار من طرف واحد، حديث لا نهائى مع نفسى، أو حديث الجنون مع القدر الأصم، التساؤلات لا تتوقف ولا تهدأ والأفكار تتفجر فى رأسى، تتكاثر وتتفتت وتتناثر كالذرات…كالشظايا، تخرب مخى، تصطدم بحائط الواقع الصلب فتتعثر وسط عالم من المتناقضات، ثم تضيع فى فراغ هائل وتسقط فى هوة العدم. هذه اللحظة أشعر أننى أذوب وأتلاشى، ”الأنا” انفصل عن جسدى، إنه أقصى شعور بالضياع، ليس هذا كلاما مفتعلا، إنه حالة حقيقية، أعرف تماما أن هذا هو الانهيار العصبى والضياع الفكرى، أعرف أن عقلى قد اصيب بلتخريب، وهذا هو الإنجاز الوحيد فى حياتى، اشتركنا جميعا: القدر وأخرين أنا فى تحقيقة بكل دقة وإتقان .

هذه اللحظة أشعر أننى جسد ملتهب بالجروح يمضى فى صحراء حارقة أو يتدحرج  وسط أمواج جارفة، إننى ذلك الجندى المسكين الذى يجمع أشلاء ويتشبث بأخر لمحة أمل… يسير إلى الأبد نحو هدف ذاب فى العاصفة واختفى تحت الرمال، لكنه يمضى إلى مصيره المحتوم يتبع قوة عظيمة امتصت إرادته وحركت ما تبقى من كيانه المهزوم .

هكذا أصبح الوجود من داخلى ومن حولى: فضاء واسعا شاسعا…. عدما، لم يتبق منه إلا تلك الألة العتيقة أحملها فوق كتفى، تصدر معانى مبهمة متنافرة، وتتلقى من الخارج إشارات أكثر غموضا، وتدور فى حلقة مفرغة.

ولكن فى وسط هذا التيه … هناك لمحة ضوء .

3- معركة العودة إلى ” الصفر”

ما أغبى هذه الطبيبة التى لا تكف عن تضييع الوقت فى أسئلة جانبية سخيفة لاتمس جوهر مشكلتى، إن فهم مشكلتى لا يحتاج لكل هذه التفاصيل وهذه الأسئلة، ألا تدركين أننى أعانى من تفجير داخلى وكل ما يظهر على من أعراض هو نتاج الجهد الذى أحاول به لم فتات نفسى؟ لا تجهدى نفسك بحثا عن العقدة أو الحرمان أو القسوة التى أدت إلى هذا التفجير … فإن سببه مباشر، إن السبب يا سيدتى هو أننى كنت أعانى من طاقة زائدة ولم أجد مخرجا من هذه الطاقة ولذا كان على أن أوجهها إلى الداخل، أحبسها فى نفسى حتى أبدو مثلهم، وعندما قررت أن أوجهها إلى الداخل كانت أكبر مما تصورت فإذا بها تفجر داخلى .

منذ هذا التاريخ أصبحت كل طاقتى موجهة إلى لم شمل نفسى حتى أبدو مثلهم أى “أعود إلى الصفر”، إنك لن تدركى ولا بعد ألف عام المعارك الضارية والجهد الخارق الذى أبذله لكى أقوم بعمل يومى تقومين به أنت فى كسر من الثانية، ولن تدركى لماذا أحرص كل هذا الحرص على أن أرتدرى ثيابا ضيقة تكاد أن تلتصق بجسمى، لن يفهم هذا إلا من عانى من التفجير الداخلى مثلى فانفصلت أعضاؤه بعضها عن بعض، فلجأت إلى ارتداء الثياب الضيقة لعلها تقرب بين بعض الأجزاء فيسهل على ترميم بعض الشروخ .

وبعد عام من العلاج ….

تظنين أن حالتى قد تحسنت بفضل علاجك، ولكن ما أكبر خدعتك، أبدو وقد تحسنت حالتى لأننى أصبحت مثلهم، ولكنك لن تدركى الثمن الذى دفعته، إننى يا سيدتى قد تنازلت بكامل إرادتى عن المستوى الذى يقع أعلى من فمى حتى أتخلص من الأرق، فأنا اليوم لاأسمح للأفكار أن تصعد فوق مستوى فمى، ثم أمرت ما تبقى من نفسى أن ينكمش إلى الداخل فأصبحت هناك منطقة عازلة من الهواء تفصل داخلى عن جلدى الخارجى، ولم أكتف باحتياطات الأمن هذه بل شيدت سورا عاليا يقع بعد منطقة الهواء العازلة . فاذا وجه إلى العدو سهاما أسقطها فى منطقة الهواء العازلة، وإذا اخترقتها السهام تجد السور الصلب فى مواجهتها .

والآن ….. أستطيع أن أتمتع باللامبالاة العادية والحياة اليومية لأننى فى مأمن من سهام العدو .

 “بلا اسم او عنوان” 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *