ابريل1981-البركة والسبع

عدد ابريل 1981

البركة والسبع

” مواكب الكلام الأخضر …

لم لا ترجع إلى بركة

السبع أيها الجمهور المعتاد …… ؟ ! “

فى حال الأصل كانت بلدنا بركة .. بركة السبع … ربما ليست غويطة …. لكن الماء بها والشجر من حولها، على سطحها يعوم الريم، وبها طحالب، وأعشاب النباتات تكسوها والضفادع من النوع القديم لا تسبح فى غيرها …….

لا هى ضفادع فرعونية ؟

ولا هى أخرى مملوكية ؟

إذ أنه من المؤكد أن”لزريعة” قد اندثرت عندما داست أقدام السبع شاطئ البركة.

حدث ذلك لأن التاريخ كان قد قرر أن يفرض حدثآ جللا .. أراد أن ينفذ مشيئتة، ويحكم علينا بحكمة …. فكان ما كان ….

أراد التاريخ أن يفعل فينا معجزته، وأن يمشى فينا قضاءه ….فسير”سبعا”

خلال بحر شبين… حملته المياه مع الطمى… ولفظته الأمواج على شاطئ أرض الميعاد، لكى تتم المعجزة، ويتحقق التلاقى، ويتم العناق. نزل السبع يحمل الرعب والفزع إلى القلوب العامرة بالأمان… نزل السبع عند (الشمية) وبرطع هناك على الشاطئ ….

وربما كان هذا سراً من أسرار الخوف المزروع فى قلوبنا نحن أبناء البركة صغارا وكبارا…. فعندها تقترب الأقدام من هذه (الشمية) يرتجف القلب ….،

التاريخ قديم وموغل فى القدم … التاريخ سحيق …. ولم يفسر لنا أسباب هذا الخوف…، (والشمية) لم يحدث بها ولا عندها حادث ذو دلالة يربط الخوف بالأذهان ويرسبه فى دمائنا بهذا الشكل ….، ومنهم أيضا من قال بأن الخوف ميراث …

ومنهم من ادعى بأن الخوف مفتعل كله وأن السبع من حزب الإنسان… زعيم الإنسان … وأنه لم يأت غازيا يبغى حكما أو سيطرة، وإنما لخدمة العامة جاء .

أحدث دبيباً وهو يخترق أرض الشكوك والحفناوية فى طريقة إلى البلاشوة وآل شيحه مارا بهم وعليهم إلى البركة التى استقر عندها يبلع ريقه ….

وطاب له المقام هناك فسكن البركة واستقر … ولو كانت بيوت الكواشفة عامرة أيامها بالعيال لفزعوا منه وخافوا…. لكن اللًه قد ستر، وكان الخراب شاملا… فلا الكواشفة كانوا ولا كانت العوامرية… ولابذرة ابن جاد كانت قد وضعت… ولا ابن لاشين كذلك … وبالتالى لم يكن لأحد شعبية ولا كانت لأحد جماهيرية… فلقد كانت الجماهير يومها للًه … ويوم تكون الجماهير كذلك تنقطع السبل بالشكاوى الكيدية والتقارير المزورة .

من قبل عصر القالب

وبالتالى… ومن قبل هذا العصر لم يقف أحد أمام حاكم ظالم …

لم يحمل إلينا بحر شبين غير الماء والخضرة…. وبالتالى لم تكن بنا حاجة إلى الذهاب إلى هناك…. فالبحر يأتى فى ميعاده، وجسور البحر لم تتقطع، وطميه فى أمان … وآل شعلان هناك عند ابغاص على الماء ساهرون، ولجسور بحر شبين حافظون…. ولم يكن أحد من علية القوم ولا من أسافلهم يجرؤ على إتهام أحد بسوء أو على أن يدبر لأحد مقلبا أو أن يصيب بشرا بغم.

وللحق لم يكن لنا لزوم، ولا لما نكتبه أو نفعله قيمة حيث سيد الكل موجود وهو حر التصرف…. هو وحده المسئول وكل من يحاول غيره مدع رغاى …

وهل نقدر نحن أن ننافس سيدكم موسى العليمى فى زعامة البلد؟ الرجل الذى حمل السيف ونادى …

ولكن الكل كان قد هجر الديار منذ وصول السبع إلى البركة ….

الرجل الفارس الذى حمل السيف ضد السبع فأسجده على شاطئ البركة خائر القوى مفزوعا من فروسية الرجل …

السبع وقع مستسلما من فروسية موسى العليمى وليس من السيف لأن السيف أيها الأخوة المواطنون كان من الخشب … ولو كان السيف من غير الخشب لكان السبع وإنما فزع عليه فقط .. لأنه لم يكن فى احتياج إلى الضرب … وموسى العليمى فارس بركة السبع غبر المسبوق لو كان قد اعتمد على مضاء السيف لانهزم وركع وطين البركة فى فمه، لأن السيف من الخشب الخشب المسوس بالذات ..

إلا أن الفروسية سلاح ذاتى وتلقائى… سلاح يسير مع الدم …سلاح لا يقهر… عطاؤه لا يعتمد على حجم سلاح أو تكنولوجيا التشغيل … ولو لم يكن موسى العليمى فارسا لتردد فى مواجهة السبع حتى لو حمل فى يده قنبلة تليفزيونية، لو لم يكن سيدى وسيدكم أيها الجمهور فارسا لانهزم عند أول إطلالة على وجه السبع البشع بل لوقع ساجدا تحت قدميه من مجرد فكرة المواجهة …

إذ لو لم يكن فارسا لانخرع… أو حتى حاول أن يراوغ أو يفاجئ السبع نائما… أو يهجم عليه من الخلف، لو لم يكن موسى العليمى فارسا للجأ إلى الخداع … إلى أمور الكر والفر … إلى حجج الجبن الحديثة أو العصرية، نعم أيها الجمهور الكريم فلو لم يكن فارسا لكان قد فكر فى حفر خندق ثم غطاه بالأعشاب وجلس القرفصاء ينتظر النتائج… لكن شيئا من ذلك لم يحدث ….

لم يعتمد الرجل كلية على جمع المعلومات عن قوة الخصم، لأن مجرد الإكتفاء بجمع المعلومات تفتيت للقوة وتهييف للعزم … ثم إن الخصم سبع، والتعامل معه انطلاقا من هذه الحقيققة لهى الهزيمة المبكرة …. الهزيمة القصوى …

إن التفكير أيها الجمهور بإزاء أرقام القوة المجردة للخصم هو بداية المدخل إلى الخوف منه ….

أما الفارس فيستمد قوته من الشجاعة الخام….. لأن الشجاعة العذراء هى الرصيد لمصارع الثيران… الشجاعة التى لم يقبل فى يوم إذلالها لإنسان … إنها الشجاعة البكر التى لم يمتهنها أحد … تلك التى لم يخدش كبرياءها مخلوق … شجاعة الانسان الذى لم يتدرب على الخوف …. لأن التدريب يؤصل العادة وينميها ايها الجمهور المعتاد …. إن العادة لتظل تتعايش مع الدم حتى يصبح من كثرة المران عليها هىالدم نفسه … ولقد كان دمك يا سيدى موسى العليمى دم فارس شجاع ..

إن الشجاعة التى هزمت الفرس والروم شجاعة من النوع الذى أقصد…. والشجاعة التى دفعت المرأة لأن تتصدى لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب بالنقد هى ذات الشجاعة التى بالتحديد أعنى … شجاعة تستمد زادها من نفسها وليس من قانون يسمح بها … لأن قانون اليوم لن يمحى هكذا بسهولة قانون الأمس …

ولو كانت شخصية موسى العليمى قد امتهنت مرة حتى أمام خفير”النقطة الثابتة” لما صلحت يده مطلقا للهجوم على سبع ….لأنها تصبح شجاعة مهروشة ….

بالتمام كشرف البنت، أو قل مثل الحليب المغشوش ..

البحر من خلف موسى العليمى .. كان بحر شبين

ولو ركز موسى العليمى جل جهده لرسم خطة للهجوم على السبع لفشل بكل جدارة … لأن أى خطة فى الدنيا مهما كانت درجة إخلاصها سوف تحمل نسبة من افتعال الشجاعة … ثم إن الهجوم معناه الإقدام والخطة تحتم طريقا للتراجع وتستوجب بديلا لعدم إحتمال النصر… وكل ذلك ليس فى الصالح … ومهما كانت النية حسنة فالهجوم طريق واحد والخطة طريقان … وما اعنيه بالتحديد هو ماقد عناه من قبلى طارق بن زياد يوم حطم السفن ، يوم قال لجنوده قولته المشهورة:البحر من خلفكم والعدو أمامكم .. ومجرد التفكير فى خطة معناه التوقف أمام احتمالين. النجاح والفشل.. وفى ذلك ظلم لشجاعة الإنسان وعبء عليها ..

وكم من الألفاظ اخترعناه … التروى والتعقل والتريث والتدبر وحساب الأمر وعدم التسرع .. وتلك لكاعة وتحايل… فشجاعة الكتب وفروسية علم الحساب أشياء دخة على الوجدان ولا علاقة لها بأصل الإنسان… والأساس فيها هو اللغو والحشو ز إن الحسابات فى رسم الخطة للهجوم انحناءة على طريق غير الهجوم، والكلام عن التقهقر من أجل التقدم استهلاك للأعصاب … إذ متى كان الأبيض بمعنى الأسود؟؟

كماوسيرا على نفس القاعدة متى كان الكلام أمام الأبواق فى صدق الكلام أمام النفس؟ !

فالجلوس للتخطيط جلوس عن التنقيذ .. تقاعس عنه بل تناقض معه وكل ذلك امتصاص للطاقة، وشلل للنخاع، وانكسار للخط المندفع وانثناء للسهم المارق…وفى كل ذلك تحول عن سويداء الهدف .. وابتعاد عن بؤرة الغاية، لأن الملليتمرالواحد خروج عن الدائرة، واللفتة بعيدا عن سن نملة الدبانة صفر من عشرة… حتى محاولة تصحيح الطريق إلى طريق آخر …..

وسيدى موسى العليمى الذى أراح الناس من شر السبع فى قريتى بركة السبع لم يغفل شيئا من هذا .. بل بحكم غريزة الفروسية وضع حسابا لأعقد نظريات الإستراتيجية .وتكيف مع  أخطر قواعد التكتيك الحديث ….

فالفروسية ليست غشيمة ولاجاهلة … وليست هى التهور والإندفاع …. بل هى الإحساس الشفاف بملكية الإنسان الكاملة لنفسه .. والشعور بسيطرته الأكيدة على جهازه العصبى… واليقين بأن خلاياه تعمل لحسابه وحده دون سواء … ودون سيطرة عليها لرقيب أو إيحاء إليها بتهديد أو اضطهاد لها من جهاز ….، دون سطوة أو سلطان لرئيس  …

الفروسية هى صفاء الماء الذىلايخشى انكشاف قاع المحيطن وهذه هى مميزة الفروسية للإنسان .. لا يشعر بقيود ولايقع تحت ضغوط… إنسان يرتبط بلسانه والقانون عنده كلمة شرف.

اللجوء ضعف….. اللجوء جبن

يحكى الأقدمون من الأجداد أن الإنسان فى سالف الزمان، كان يقرض المال لمن يشاء دون تحرير إيصالات وبلاشهود… ظنا منهم أن اللجوء إلى القانون ضعف.

والإحتماء بالحكومة جبن … وهذه فروسية عظيمة من الدائن والمدين على حد سواء

تستمر رواية الأقدمين عن عيب الشوم إذا باع أحدهم لبن بقرته لأن اللبن يهدى …

ليس الفرق بين الزمانين هو البخل أو الكرم … الفرق الوحيد أن الإنسان زمان كان فارسا.. كان واثقا لزمانه .. مطمئا أن الشراع تسير نحو الأمان … أما اليوم فأخشى ما يخشاه الإنسان هو غدر الزمان ….

الحزن مظاهر ….. الفرح مجاملة

الفارس القديم كان عملاقا فى كل شئ .. كان يحزن شهورا، ويفرح شهورا كل شئ على تمام أصوله.. أما الآن فالحزن مظاهر .. يكفى فيها رباط العنق الأسود والفرح مجاملة بطرف اللسان .. وكل ذلك له علاقة بالفروسية، فإنسان اليوم موتور ضعيف مهزوز …. والصريح مكروه….. والواضح منبوذ … لذلك تجد الجميع محتاجا للتظاهر غير قادر على تحمل أعباء المواجهة بذات الحقيقة ..

أما فارس الأيام السوالف فلا شأن له بالتظاهر فى الحزن ولا احتياج له بادعاء الفرح .. إنه سلطان نفسه ولاسلطان حتى لزمانه عليه .. ولأن الإنسان الفارس هكذا ، فقد عاش مئات السنين وامتد طوله إلىأمتار وعرضه إلى أمثالها… ولم يعرف أى مرض من القائمة التى اكتشفها الإنسان القزم … الإنسان الفرفور .. الموهوم والمرعوب من نفسه المتشكك فيها مشدود الأعصاب، وباستمرار أخذ حذره كل الوقت من كل الناس … إنسان أسطوانى حلزونى لولبى، إلى الفراغ دائما يذهب ..

وحيث كان الإنسان فارسا فقد وضع نفسه خصما للطبيعة .. وانتصر عليها بالحب ..

ولأنه كان فارسا لم يسمح لأحد أن يستغل الوهم فيه ليكتشف له ألف مرض فيخترع له ألف دواء لايفيد أحد منها إلا فى إضافة المزيد من الأمراض لتؤدى إلى المزيد من الدواء .

كان صديقا لكل شئ لأنه فارس بلا عقد. حتى موسى العليمى عندما طرد السبع طرده بحب كبير. أقل القليل أنه لم يستشعر منه خطرا لأنه متمكن من نفسه وواثق منها .. لذلك لم يتسرب الكره العدائى إلى قلب سيدنا موسى العليمى .

ولو كان موسى العليمى حيا الن لقال لكم أن البركة ضاقت بى وبالسبع فكان من رحيل أحدنا طواعية .

من هذا المنطلق رحل السبع عن البركة وليس بمنطلق غيره ..

ويكفى أن موسى العليمى ناداها ببركة السبع.لم يسمح لأحد أن يطلق عليها بركة موسى العليمى..، ولو كان السبع حياً الآن لقال لكم أنه رحل عن البركة غير مكره كل الإكراه .. لذلك فقد مضى عنها والتوق إليها يزداد … رحل ونفسه إليها تشتاق .. رحل رحيل المواطن عن الموطن .. رحيل المهاجر لظروف ما ..

وأغلب الظن إنه على القرب منها أقام .. بقرب الجسد قرب الروح كلاهما سيان .

والجيل الذى عاصره قد مات .. والحقيقة تدفن باستمرار خلال الجنازات وكل ما نسمع أو نروى بعد ذلك مجرد حكايات.. الصدق فيها نسبة … الصدق فيها احتمال.

لذلك استمر الكلام ولايزال ….

استمر يقال :

إن موسى العليمى فى مكان السبع أقام وأنتشر من حوله الأبناء والأحفاد …

ردموا البركة بالتراب … وشيدوا من حولها الأكواخ …. واتجهوا نحو العمار ..

راحوا فى الأرض البور يحفرون .. تمايلت فى الغيطان سنابل القمح .. واهتزت مع الهواء أعواد الفول … وترعرع البرسيم فى كل الأرجاء … كل ذلك والأيام من حول الشيخ تمر ويتقدم به السن ، حتى جاء الوقت الذى كف فيه يده عن البذور الحصاد ،ما عادت سنابل القمح تغويه ولا كيزان الذرة تحرك فيه شهية الطعام، لقد تعفف الرجل فى أواخر الأيام … زهد فى كل شئ … فلقد انتشر أحفاد الأحفاد فى مناكبها ….      فجلس القرفصاء تحت أشجار التوت يلف سجائر التبغ ويتأمل الدينا من حوله، لم يبق له غير الأشجان يمضى فيها الوقت ،وللقمر يحكى سالف الأيام …

القمر خليله وصفيه ..القمر معشوقه … ملهمه ونوره . مديده فى إحدى الليالى بأمل

أن يصافحه.. لم تصل إليه يده… تصور أن عصاه يمكن أن تطول القمر .. بل زاد عشمه أحيانا فى  أن يطير إليه .. لكنه خاف أن تخدش العصا وجه القمر .. وخاف على الضى أن يحتجب فكسر العصا وطوح بالسيف .. وقف مسالما وراح بإخلاص يناجى القمر… يناجيه والقمر يستمع .. يمشى إليه والقمر يقترب … كم من الملايين مشى؟ … وأى مسافة قطع؟! الكلام لايزال يقال … وكل ما نسمع أو نروى مجرد حكايات … الصدق فيها نسبة …. الصدق فيها احتمال….

قيل إنه مشى هيمانا على وجهه… تائها فى ملكوته… لايبغى إلا وجه القمر…

قالوا سنوات على هذا الحال مصرا أن يبلغ مقصده …القمريجذبه إليه وهو منجذب

إليه … يمشى أو يجرى أو يطير… فمن حول الرجل كثرت الأوقاويل …..

قالوا عند القمر عاش …. بل قالوا عند القمرمات … وفى رحابه يطوى رفات جسده … وكائنا ما كان فقد استأهل التكريم واستحق بناء منامة تليق بالمقام …

ولم يبخل الناس بها عليه … أعلى من كل بيوت كانت …. على قمة البركة عالية القدر والمنزلة شامخة على كل الجدران مهابة …. فمن أغلى منه ومن أحق؟ !!

لكن الزمن عندما يتقدم يصبح من حقه أن يفعل كل شئ … ولقد فعل ما فعل دون ما اعتراض من أحد …

فمن خلال”حوض الفصالى” “والهيشة الكبيرة” .. وعلى حدود “السوف” كان نفس السبع يأتى …لا أحد خائف منه اليوم .

لم يجر الموسويون وكأنهم على موعد معه … كانوا على إنتظار لرجوعه .. لقد أصبح السبع تاريخأً . والناس لاتخاف الماضى. فالماضى هو الجزء الوحيد فى الزمن الذى يأمنه الناس .

جاء السبع يدوس خضرة الغيطان بكل الحنان والرفق …

كان السبع يولى وجهه شطر البركة… على رائحة بخور الشيخ كان يأتى هادئاً.

كان حزين البال .. وجهه للأرض … ربما يتقفى الأثر، أو بصمات أقدام سيدى موسى العليمى … فوق موضع أقدامه أثناء رحلة الذهاب إلى القمر كان السبع يضع قدمه…. وفى التراب لا يفرق الزمن بين أقدام وأقدام … لقد درات عليه دورة الزمن … عجوزا كان مهدود القوى … يشم الأرض بانكسار وذل، لكنه يتشممها بحب ،

ربما بحثا عن شئ .

لادبيب ولازئير زلاعرين .. حتى وصل به المطاف إلى شاطئ البركة حيث كان سيد الكل يتأمل القمر، ويلف سجائر التبغ… حيث كان الرجل جاء السبع ، يبكى كالأطفال … شرب زغطة ماء من بقايا البركة… ارتوت بها روحه, ربما لأنها تحمل رائحة موسى العليمى..ربما.. وعلى فراش الشيخ نام .. الأسد يتمرغ فى فراش الشيخ القمرى… وكأنه يحج فى كعبة موسى العليمى .. السبع راح يتأمله فى وجه القمر … وبعد نظرة وداع مات …. لم يفرح أبناء موسى لوفاة السبع ،كما لم يحزنوا لغياب سيدهم … لقد كان المواقف أكبر من الحزن، وأعظم من الفرح… نصبوا حلقة للذكر من حول البركة والسبع وراحوا يناقشون الموقف، وإن كانوا قد اختلفوا فى النهاية التى آل إليها مصير سيدى … إلا أن أحداً لم يختلف فى أمر دفن السبع .. حيث قرر أتباع موسى على الفور دفن السبع فى منامة الرجل … وعندما يعود العليمى من عند القمر يكون له مقاماً آخرأً يجوار مقام السبع الذى يتوسط البركة الآن

الطريف فى الأمر ان أجيال الحق ذهبت، وجاءت أجيال تقول أن الضريح الآن يضم رفات جثمان موسى العليمى … وأن الاحتفال يقام سنويا من أجله … فى موسم الحصاد . وفى ليلة يكون القمر فيها على كماله وتمامه، وموسى العليمى هناك فى أبهج زينه … يتجمع القوم من كل القرى المجاورة لبركة السبع … من هورين وكفر هورين، من شنتنا الحجر والحلامشة.. طنبشا وكفر عليم .. من كل فج ومن كل صوب … من أطراف وأوساط المعمورة ….يأتى المجد دون لذكرى الرجل الفارس.

ينصبون حلقات الذكر… يطلقون البخور… يقيمون الأفراح للبركة التى تبخرت فروسيتها… تستمر الموالد حتى يغيب القمر… فالمريدون للفارس كثيرون… يحملون الشموع كل ليلة… يدخلون الضريح حفاة الأقدام… ضريح السبع أو ضريح الفارس…

يتمحسون فى المقام… ويتبركون فى المنامة…. يحكون ظهورهم بجدرانها المباركة..

يقرءون الفواتح ويرددون الدعاء ويكثرون من التحيات…. وأصبحت ضربية الوفاء على الناس فى بركة السبع وأجوارها أن يرسموا صورة السبع… يرسموه وشماً على الصدر و وزند الرجال… كما راحوا يرسمون السبع حاملا السيف على الأبواب والجدران كلما بيضوها بفرشة الجير عند الزواج أو الطهورأو الحج .

المرأه العاقر تحمل حجاباً للتبرك … الإبن يقصد المقبرة قبل دخول الإمتحان….

الذاهب إلى محكمة شبين الكوم عليه بالاحتفاظ بحنفة تراب من منامة الشيخ سنداً ضد الحاكم الظالم .

وراحت فروسية الرجل تصنع على ألسنة الناس المعجزات:اللصوص الذين سرقوا دكان حسن نصر تسمرت أقدامهم عند الضريح، وألقوا ما بأيديهم .

وراحت أنا جر الفت والأرز واللحم تتقدم مواكب الكلام الأخضر كل عام…

يركب الخليفة الحصان المزركش بالمناديل والملاءات على كل الألوان…من فوقه الشماسى، وحوله النسوة بالتصفيق والهتاف والزغاريد،والأيادى تشوح بأحنفة الملح فى عين الحسود.

امام الموكب أعيان البلد ووجهاء القوم… فمن ذا الذى يجرؤ على التخلف؟!!

يلبس الجميع ملابس المناسبة السعيدة،والوحيدة .

ومن خلف الخليفة مهرجانات عربات الكارو تدق… الحدادون والنجارون والنحاسون.. النحاسون فى عصرهم الذهبى قبل أن تهاجم الألومونيا.. كذلك الفلاحون يحرثون الشوارع بمحراث صغير يجره الرجال.

رجل يدعو نفسه فيدعونه لذلك”بالمعووجه”.. يدهن وجهه بالدقيق الأبيض الزيرو قبل أن يصبح بالعملة الصعبة.

سيدى الرفاعى يداعب الثعابين، يلفها حول رقبته…. شجاعة أدبية بلاشك…

(عبد الفتاح كوهية) زعيم حلقات الذكر بلا منافس.

الناس من كل الأعمار تحمل الأعلام الخضراء… بعضها يتوسطها الهلال، وبعضها نجوم… والبعض الآخر تتراشق فيه السيوف.

أعداد منها تحمل الدفوف والطبول.

النقرزان الذى انقرض كأبى قردان كان محمولا على الجمال…. (عباده الطبال)

يضرب سلاماً للجدعان… شوبش يابو فلان… (عباد الطبال) أشجع الشجعان فهو الوحيد الذى أتاح لنا فى فترة المراهقة أن نرى الغوازى… غوازى من البندر عرايا السيقان…. ورغم أن ذلك لم يطفئ فينا اللهب إلا أننا نشكره.

أصحاب الطريقة الرفاعية فى مباراة حامية الوطيس مع أنصار الشاذلية….

فالناس فيما يعتقدون أحرار…. تماما كما كان”عباد الطبال” حرا فى الزواج من كل غزية0

الكل هيمان فى بركات الفارس… الكل منجذب… الكل فى حالة انشراح وتجل… بينما يطوح الجميع الأعناق على نغمات شيخنا الجليل أحمد شرف الدين وكلتا يديه على صدغه :

يالائمى فى الهوى العذرى معذرة

منى إليك ولو أنصفت لم تلم

والنفس كالطفل إن تهمله شب على

حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *