الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1980 / يوليو1980-مقتطف وموقف-تقويم المرضى الصالحين للعلاج النفسى

يوليو1980-مقتطف وموقف-تقويم المرضى الصالحين للعلاج النفسى

تقويم المرضى الصالحين للعلاج النفسى(1)

سيدنى بلوتش “مقتطف كامل بنصه

ترجمة: د.مجدى عرفة

الموجز

تحاول هذه الدراسة فحص العوامل المتعلقة بالمريض النفسى والتى يعتبرها المعالجون مناسبة لتقويم المريض الصالح للعلاج النفسى، كما تفحص الأبحاث التى أجريت على هذه العوامل، وهى تقسم هذه العوامل إلى أربعة أقسام:

1- عوامل متعلقة بالمرض

2- عوامل شخصية مرتبطة بالعلاج.

3- عوامل شخصية غير مرتبطة بالمرض بشكل مباشر.

4- ظروف حياة المريض الجارية.

وتناقش الدراسة الأبحاث المتعلقة بطرق تقويم المرضى من أجل هذا النوع من العلاج كما تحاول أن تتبين أسباب المساهمات والنتائج المخيبة للآمال للبحث المنهجى فى هذا المجال .

بالرغم من مرور ما يقرب من قرن من الممارسة المنظمة للعلاج النفسى فإن التساؤل عن نوع المرضى الذى يمكن أن يستفيد من هذا النوع من العلاج لم يجد الإجابة الكافية بعد. إن صفات المرضى التى يمكن أن تعد مواتية أو غير مواتية للحصول على نتائج لازالت أبعد ما تكون عن الوضوح، وبالرغم من أن هناك عوامل يمكن أن يتفق عليها العديد من المعالجين النفسيين وتشكل جزءا من المعرفة الكلينيكية التقليدية التى تم إرساؤها فإن عملية تقويم مناسبة المرضى لهذا العلاج تظل غير مرضية بل وفى بعض الأحيان عشوائية، ونتائج الابحاث فى هذا المجال غير متماسكة أو متسقة بل أنها فى بعض الأحيان متناقضة وبالتالى فهى لاتعين كما يمكن أن يتوقع المرء وخاصة بعد الجهد الملموس الذى بذل فيها .

من هنا فإن الأخصائى الكلينيكى يواجه مشكلة عدم القدرة على التنبئو بأى مقياس للوثوق عمن – من بين المرضى الذين يقومهم من أجل العلاج النفسى – سوف يستفيد ومن سوف يبقى بلا تغيير أو يصبح فة حالة أسوأ، وكما يحدد وولبرجWolberg  (1977) الموقف فإنه(لم يتم أبدا صياغة معايير صادقة يمكن أن تعتبر أساسا للتنبئو بمسار النتائج فى العلاج النفسى)، وبالنسبة له فإن العدد الضخم من العناصر غير الملموسة المتضمنة فى موقف التقويم تجعل من أى تقدير  لمسار المرض مهمة شديدة التعقــيد، والصــورة أكثر تعقيــدا فى التقــويم من أجــل العلاج الجمعى، ويافت يالــوم  Yalom (1975) النظر إلى ندرة دراسات النتائج التى تركز على معايير لمن يتضمنه العلاج ويعلق على هذا بوصفه (نقص واضح لابد من تصحيحه من  أجل إرساء أساس علمى سليم للعلاج الجمعى ).

إن أهداف هذه النظرة العامة على المشكلة هى:

1- فحص العوامل المتعلقة  بالمريض والتى يصفها المعالجون بشكل شائع فى الكتابات أو المراجع الكلينيكية باعتبارها مناسبة للعلاج النفسى، مع فحص الابحاث التى طبقت عليها، إلى أى مدى يدعم البحث المنهجى المعرفة الكلينيكية التقليدية؟ هل هناك عوامل متعلقة بالمرضى أمكن للباحثين كشفها بوصفها مرتبطة نتيجة العلاج ؟

2- تقويم الإجراءات التى يحاول المعالج من خلالها تقويم مناسبة المريض للعلاج بالرغم من أن طريقه التقويم التى تمثلها( المقابلة الكلينيكية) تعتبر إجراء روتينيا، فهل هناك أبحاث يمكن أن تشير إلى إجراءات أكثر منهجية ومعيارية بحيث تمثل دليلا أفضل فى الاختيار .

3- تلخيص الحالة الراهنة من المعرفة المتعلقة بتقويم المرضى مع تعليق مختصر على المشاكل التى تؤثر على البحث فى هذا المجال .

ومن الملامح التى تلفت النظر فى الأبحاث المتعلقة بالتقويم تعريفاتها أو تحديداتها الفقيرة لعينات المرضى أو نوع العلاج النفسى المعطى أو مقاييس النتيجة… الخ، لذا فإنه من المهم الحرص على أن نبدأ بتعريف حدود هذه الدراسة إن نوع العلاج النفسى الذى تبحثه هو النوع المتوسط إلى طويل المدى أى الذى يستغرق فى العادة من 6إلى 18شهورا (فى العديد من الأبحاث استغرق العلاج المعطى فى الأغلب حوالى 4شهور، ولعله من المعقول أن نأخذ هذه الأبحاث فى الاعتبار ونستعين باستقراء نتائجها فى تقويم فى الاسبوع ولاتتم أكثر من ذلك إلا فى أحيان قليلة، والعلاج هو من النوع المتوجه نحو الحصول على بصيرةinsight orientated  – أى أنه من المتوقع للمريض أن يصل إلى معنى عقلانى لمشاكله وسلوكه ـ ويهدف إلى شفاء الاعراض وتحقيق تغيير فى جوانب من نمط الشخصية وأسلوب تأديتها لوظائفها. والمرضى المعنيون هنا هم من البالغين الذين يعانون من العصاب أو اضطرابات الشخصية ويترددون على العيادات الخارجية أو المعالجين النفسيين الخصوصيين (وليس المشاركين فى مراكز للنموgrowth centers أو العلاج الجمعى المواجهىencounter groups ) ،أما المعالجين فهم من الأطباء النفسيين أو الأخصائيين النفسيين أو الأخصائيين الإجتماعيين الذين يشتركون فى الأهداف العلاجية السابق ذكرها ولكنهم لا يشتركون بالضرورة فى المدخل النظرى .

فى تقويم المرضى يتساءل الممارس الاكلينيكى عادة (هل هذا المريض بالذات مناسب للعلاج النفسى)؟، وهنا يجب التأكيد على أن المريض لايمكن أن يكون مستقلا عن تغيرات أخرى تتضمنها المقابلة العلاجية مثل المعالج نفسه وعلاقة المريض بالمعالج ونوع العلاج المعطى؛ لذا فإن السؤال الأكثر مناسبة هو:(أى نوع من خصائص ومشكلات المرضى يكون قابلا للاستفادة من هذا النوع أو ذاك من الطرق الفنية التى يقدمها هذا النوع أوذاك من المعالجين وفى أى نوع من الجلسات يمكن أن يتم ذلك؟ (سترب وبيرجين Strupp& Bergin ،1969). فى هذه الدراسة يتحدد التركيز على خصائص ومشكلات المرضى ولكن كما سنرى فى مناقشة منهج البحث فإن المكونات الأربعة للسؤال يعتمد بعضها على البعض الآخر بدرجة ما.

لقد استخدمت الأبحاث كل من طول الوقت المستغرق فى العلاج ونتيجته النهائية كمعايير فى تقدير تقويم المرضى للعلاج النفسى، إن الاستمرار فى العلاج ونتيجته ليسا بالطبع شيئين متكافئين ولا يمكن التعامل معهما بوصفهما كذلك، فإن استمرار المريض فى العلاج لا يعنى بالضرورة أنه يتحسن (فرانك وآخرون Frank et al،1957)، وحيث أن المعالج فى ممارسته يهتم بالدرجة الأولى بمعرفة من مّن مرضاه سوف يتحسن فإن هذه الدراسة سوف تركز على الأبحاث المعنية بفحص نتائج العلاج.

العوامل المتعلقة بالمريض التى يستخدمها الممارسون الكلينيكيون تقليديا فى تقويم المرضى.

يحكم المعالجون النفسيون بملاءمة المريض للعلاج النفسى على أساسا عدد من العوامل المختلفة فى هذا المريض، ولقد اتسع عدد  ومدى المتغيرات منذ أن قدم ” فرويد” تحديداته الأولى المتعلقة بالعلاج بالتحليل النفسى فى بداية هذا القرن:

فقد اعتبر الذهانيين ومن يتعدى الخمسين من العمر حالات فقيرة النتائج، ثم أضاف بعد ذلك “ظروف الحياة غير المواتية ” بوصفها عاملا آخرا يحد من مسار العلاج (تيسون وساندلرTyson&Sandler ،1971)، وقد كان التركيز لدى المحللين النفسيين الأوائل على التشخيص، وبذا عدد إرنست جونزErnest Jones (1920) خمسة تشخيصات بوصفها ملائمة وهى: الهستيريا والعصاب الرهابى والعصاب القهرى الوسواسى وعصاب توهم المرض والاضطرابات النفسجسيمةPsychosomatic  إلا أن فينيكل Fenichel (1945) جاء بعد ذلك ليعترض على أن التشخيص كما هو فحسب لا يصلح أساسا كافيا للإنتقاء وأن هناك حالات معنية تصاحبها قابلية أكبر

للعلاج، وقد أدى هذا إلى نمو مفهوم ” القابلية للتحليل النفسى” analyzability ومعه قل الاهتمام الموجه للعوامل المتعلقة بتقسيم الأمراض وتشخيصها.

 على أن بعض الملامح السابق ذكرها تختص بمرض المريض (مثل الذهان بوصفه متعارضا مع العلاج النفسى)، أو تختص بالعلمية العلاجية “مثل القابلية للتحليل” أو بصفات المريض الشخصية “مثل سنه” أو بظروف حياته الجارية، وهذه الأقسام الأربعة بالرغم من أنها عشوائية ومتداخلة نوعا ما (وخاصة فيما بين المرض والخصائص الشخصية) إلا أنه يمكن اعتبارها مناسبة فى محاولة تجميع المتغيرات العديدة المتعلقة بالمريض وذات الصلة بتوقع مسار المرض.

(أ) العوامل المتعلقة بالمرض – وتشمل التشخيص بواسطة  الاصطلاحات التقسيمية المتعارف عليها، وشدة الأعراض، ومسار المرض، والانفعال الأولى  initial affect (وخاصة القلق والإكتئاب)، والاستجابة لعلاجات سابقة.

(ب) عوامل شخصية مرتبطة بالعلاج – وتشمل الدافع، وتوقع التحسن والعملية العلاجية.

(جـ) عوامل شخصية مرتبطة مباشرة بالمرض – وتشمل السن، والنوع والزواج والحالة الاقتصادية – الاجتماعية، والمستوى التعليمى، والذكاء، والأنماط الاعتيادية للدفاع ضد الضغوط والتعامل معها، والتوافق الجنسى السابق، والتوافق الاجتماعى السابق وطبيعة العلاقات البينشخصية interpersonal .

كما يتضمن هذا القسم البنية construct التى كثيرا ماذكرت والمسماة بقوة الذات أو الأنا ego strength أى المستوى العام للأداء الوظيفى لشخصية المريض

(د) ظروف الحياة الجارية – وتشمل الحالة المالية، وموقف الحياة الزوجية أو العائلية وأى أزمة مصادفة مثل المرض العضوى الحاد.

وحيث أن الدراسة التفصيلية لكل هذه المتغيرات ذات الصلة الوثيقة بالممارسة الكلينيكية، وهناك أربعة دراســات شاملة تمت خلال العقــد السابــــق  واهتمت بمناقشة معظم العوامل المتعلقة بالمرض ونحن نزكيها بوصفها تقويم للكم الهائل من الكتابات والمراجع فى هذا الشان وستوفر على القارئ الكثير من المشقة فى التقاط الموضوع(2)

(1) العوامل المتعلقة بالمرض

1 – التشخيص:

يتضمن النموذج الطبى تشخيص المرض مع ما يصاحبه من تنبئو بمسارة ونتائجه المحتلمة وخطة العلاج المناسبة، وكما سبق الاشارة فإن المحللين النفسيين الأوائل اتبعوا هذا النموذج وحاولوا تمييز الحالات التى يمكن أن يناسبهـ العلاج، إلا أن المعالجين مالوا من خلال ملاحظاتهـم الكلينيكيـة اللاحقة إلى التعرف على الحالات التى تتعارض مع العلاج النفسى contraindications أكثر من الحالات التى تستوجبه indications .

وبالرغم من أن هذه المعلومة قد ثبتت فائدتها فإن المعالجين مالوا إلى تجنب استعمال التقسيمات التشخصية التقليدية (يالومyalom ،1975، تيسون وساندلرTyson&Sandler 1971) ويشير الاتفاق العام بين المعالجين إلى أن الحالات التالية لاتستفيد من العلاج النفسى المكثف (بالرغم من أنها قد تستفيد من أنواع أخرى من العلاجات السيكولوجية): الزملات العضوية المخية، الحالات الذهانية الحادة الفصامية والهوسية – الاكتئابية، الاضطرابات الشديدة فى الشخصية مثل الشخصية السوشيوباثية(3)(السيكوباثية قبلا)، الحالات البارانوية وحالات توهم المرض، النرجسية المتطرفة، إدمان الخمر والعقاقير وأنواع معينة من الانحرافات الجنسية. مثل هؤلاء المرضى إما أن يكونوا فى حالة شديدة من اختلال الوظائف المعرفية، أو فى درجة شديدة من الشك وعدم الوثوق، أو يعانون من  فقد للتحكم فى النزوات والقدرة على تحمل الفشل والاحباط (يالومyalom 1975،وولبرج Wolberg 1977، ديوالدDewald 1969، كراونGrown 1979) وهذه الخطوط الهادية تنبع من خبرات الفشل العلاجى بالرغم من أن بعض المعالجين يؤكدون – دون أن يعطوا دليلا موضوعيا -أنه يمكن تحقيق تقدم فى اضطرابات مثل الفصام الحاد (سيرلزSearles 1965، روزين Rosen1964) والمرضى شديدى الاكتئاب (أريتى ويبمبورادBemporad &Arieti1978) والشخصية البينيةborderline personality (هورتوكوليس Hortocollis1977، ماسترسون Masterson1976).إن الأبحاث التى تقارن نتائج المجموعات التشخصية المختلفة(وهى قليلة العدد وتميل إلى الاقتراب من مفهوم التشخيص بمعناه الواسع) تشير إلى أن المرضى الذين يعانون من تشخيصات شديدةن وخاصة أنواع الذهان المختلفة، لا يستحقون للعلاج النفسى (لوبورسكى وآخرون Luborsk et al1971، لوبورسكى وسبنس  Spence1978، هامبورج وآخرون Hamburg et al1976)،وليس هناك دليل على استجابة متميزة بين المجموعات الواسعة من العصابين ومضطربى الشخصية.

وقد قام أرونسون ووينتروبAronson & Weintraub  (1968،1969) بدارسة survey شلمت127مريضا قام بعلاجهم وتقرير حالاتهم ثلاثون محللا نفسيا، ولم يجدا اختلافات ذات دلالة فى مستويات التحسن التى تم الحكم عليها على أساس التوافق الوظيفى ونوعية العلاقات البينشخصية والقدرة على الاستمتاع وذلك فيما بين ثلاثة مجموعات تشخصية – هى العصاب واضطرابات(سمات character) الشخصية والحالات البينيةborderline  ،إلا أنه أمر خاضع للجدل ما إذا كان من الممكن الفصل بين المجموعتين الأخيرتين وتعتبر هذه الدراسة محدودة القيمة حيث أن المعالجين أنفسهم قاموا بكل من التشخيص وتقويم نتائج العلاج ولم يحدد الباحثان معايير الخطوتين بشكل واضح ومناسب، كما أن التقويم كان يتم فى وسط العلاج وكانت المدد التى فيها رؤية المرضى مختلفة. إلا أن الباحثين أحسا بثقة كافية للاستنتاج بأن التشخيص غير العصابى لا يحول دون العلاج الناجح، كما أنهما رجحا أن غياب أى اختلافات بين المجموعات يمكن إرجاعه إلى إتباع المعالجين لإجراءات انتقائية متشددة وصارمة .

وهناك دراسة أكثر دقة فى منهجيتها قامت بفحص استجابة82 مريضا لعلاج ” ذى رؤية تحليلة نفسية ” Psychoanalytically- orientate وقد تم على مدى تسعة شهور فى المتوسط(سييجل وآخرونSiegel et al1977)، وقد قسم المرضى إلى مجموعة شديدة المرض وتتضمن اضطرابات الشخصية البينية والترجسية بالاضافة إلى بعض العصابيين ومجموعة أخرى أكثر اعتدالا تتكون من العصابيين، ومن خلال إستخدام قائمة اختبارية check list طبقها الباحثون قبل العلاج بين المجموعتين، وقد رأى سييجل وزملاءه أن هذه النتائج تتفق مع نتائج أعمال سابقة توصلت إلى أنه لايوجد بالنسبة للمرضى الذين لايعانون من اضطراب ذهانى (وهم الكم الأكبر من المترددين على العيادات الخارجية للعلاج النفسى) دلائل متسقة من الأبحاث تشير إلى أن الزملات السيكوباثولوجية لها دلالة فيما يتعلق بالتنبئو باتجاه المرض .

2– شدة ومسار المرض:

من المحتمل أن العديد من المعالجين قد يتفقوا مع الموقف السابق ولايلجأون إلى استخدام التصنيفات التشخيصية التقليدية فى عملية انتقاء المرضى، وسوف يجادلون بأن التشخيص يقدم رؤية ضيقة إلى حد بعيد للمريض، وأنه ليس شيئا ساكنا (كراون Grown 1979) وأن شدة الاضطراب داخل تشخيص معين يمكن أن تختلف إلى حد بعيد، ومن هنا فإن شدة ومسار المرض تعتبر عوامل لابد وأن تؤخذ فى الاعتبار وعلى سبيل المثال فإن وولبرج Wolberg(1977) يرى أن مرضا مزمنا يستمر لمدة أكثر من خمسة سنوات لابد وأن يستعصى على العلاج ويقاومه، بينما يرى ديوالد Dewald(1969) أن الحالات التى تستمر لمدة طويلة وتظهر فيها تذبذبات فى شدة المرض تبدى استجابة افضل من تلك التى تصبح متكلسة.

إن الأبحاث فى هذا المجال قليلة والنتائج المتاحة ليست مقنعة تماما ولكن هناك بعض الدلائل التى تدعم ملاحظة “ديوالد”،فقد لاحظ كل من أرونسون ووينتروب Aronson &Weintraub(1969،1968) ثم سيييجل وآخرون Siegel et al(1977) تحسنا أفضل فى المرضى الذين خبروا أعراضا جديدة وحادة خلال الشهور التى تسبق بدء العلاج، وفى الدراسة الأخيرة أبدى المرضى الذين لم تكن لهم أعراض حديثة معدلا ضئيلا فى التحسن بشكل متماثل ومنتظم، وهذه الملاحظات تتفق مع تلك التى توصل إليها هوهين وآخرونHoehn (1969) حيث وجدوا من خلال متابعة34 مريضا على مدى عشرة سنوات بعد أن تلقوا علاجا نفسيا لمدة أربعة شهور أن وجود ضغوط كعوامل مرسبة للمرض كان مرتبطا بشكل ذو دلالة بالوصول إلى نتائج طيبة، والدراسات الثلاثة بذلك تشير إلى الارتباط بين التفاقم الحاد فى أعراض المريض قبل العلاج والنتيجة النهائية لهذا العلاج .

3– نوع الأعراض:

هناك نتائج متسقة ومتماسكة تدعم صدق العلاقة السابقة وتتعلق بنوع الأعراض التى يتبدى بها المرض، فقد بينت العديد من الدراسات أن المرضى ذوى الدرجة العالية من القلق أو الذين يبدون عواطف أخرى قوية مثل الاكتئاب أو الغضب هم بشكل مرجح أكثر انتفاعا من العلاج النفسى كما يتبين عند التقويم لوبورسكى وآخرون 1971وقد ميز ترواكس وكارخوف Truax &Carkhuff (1971) بين الاضطرابات المحسوسة(felt) التى يمكن أن تقاس بتقارير شخصية مثل(اختبار مينيسوتا المتعدد الأوجه للشخصية)(MMPI) ،وبين الاضطرابات السلوكية الظاهرة التى يمكن أن تنعكس – على سبيل المثال فى تقديرات السلوك فى عنابر العلاج بالمستشفيات وفترات الاقامة فيها، وقدما افتراضا يقول بأن المرضى الذين يظهرون مستوى عاليا من الاضراب المحسوس فى مقابل مستوى منخفض من الاضطراب السلوكى لابد وأن يحصلوا على أفضل النتائج العلاجية أى أن المرضى الأكثر قابلية للتحسن يميلون إلى أن يكونوا قلقين وغير راضين عن أنفسهم ولكنهم قادرون فى نفس الوقت على مواجهة متطلبات الحياة الأساسية. ومن المحتمل أن المرضى المستثارين عاطفيا عند دخول العلاج يكونون فى حالة استجابة لضغوط موقفية ولايكون مستوى توافقهم العام فى حالة تلف شديدة، كما يمكن أن يكونوا مدفوعين أكثر غلى التقليل من معاناتهم(فرانكFrank 1974، ناش وآخرون Nash et al1957)على هذا الأساس فإنه من المهم فى التقويم ـ مهما كان التشخيص المعطى للمريض ــ ملاحظة نوع الأعراض التى يتقدم بها، فإن وجود عواطف قوية يعتبر على الأرجح علامة الجسمانية – فى المقابل – إلى نتائج فقيرة نسبيا لمسار المرض. وجهود البحث فى هذه النقطة ضئيلة وتحتاج إلى المزيد، إلا أن ستون وآخرينStone  (1971) تمكنوا من خلال دراسة30 مريضا من العيادات الخارجية يعانون من العصاب أو إضطراب الشخصية، وتمت متابعتهم على مدى خمسة سنوات، وجدوا أن هؤلاء الذين حققوا أقل قدر من التحسن كانوا يشكون من أعراض جسمانية سواء قبل العلاج أو خلال المتابعة، وقد دفعهم هذا إلى اقتراح أن التعبير الجسمانى Somatization يعنى”عدم توافق غائر وكامن فى أعماق أبعد من تركيب المريض) إلا أن هناك تفسيرا بديلا يكمن فى أن العلاج قد دام فقط لمدة أربعة شهور وعلى يد أطباء نفسييين محدودى الخبرة ولكن على أى حال فإن هناك افتراض عام وشائع بين المعالجين بأن اضطراب الشخصية المتوهم للمرض Hypochondria cal يعتبر متعارضا contraindication مع العلاج النفسى، إن المرضى الذين يقدمون أعراضهم فى شكل شكاوى جسمانية يفتقدون عادة ( العقلية السيكولوجية)Psychological- mindedness  ولا يستطيعون التوافق مع العمليات اللفظية المعتادة التى تميز العلاج النفسى المكثف، وهذا الجانب يمكن فحصه من خلال المقابلات التقويمية بملاحظة ما إذا كان باستطاعة المريض الانتقال من انشغالاته الجسمانية إلى مناطق اخرى للمشاكل فى حياته .

فى هذا المجال فإننا فى حاجة غلى التمييز بين المريض الذى مشاكله العاطفية فى شكل جسمـانى والمريـض الذى يعــانى بالفعـل من مرض نفسجسمى Psychosomatic نموذجى مثل الربو، قرحة المعدة، ارتفاع ضغط الدم، الصداع النصفى والالتهابات القولونية المتقرحة، وقد قام كيلنر Kellner (1975) بدراسة لنتائج الدراسات المضبوطة للأنواع المختلفة من العلاج النفسى لهذه الأنواع من المرضى، ويؤكد عى أساس هذه الدراسة أن الابحاث المتاحة لا تقدم سوى عدد قليل من النتائج حيث أن هذه الأبحاث ضئيلة وتفتقر إلى الدقة والصرامة المنهجية. إلا أن هناك دلائل تشير إلى أن الذين يعانون من اضطرابات نفسجسمية يظهرون اختلافات ملموسة فى الاستجابة إلى نفس النوع من العلاج وأن العلاج النفسى أكثر فاعلية فى بعض الحالات(مثل قرحة المعدة والربو والصداع النصفى) عنه فى البعض الآخر(مثل ارتفاع الضغط والالتهابات القولونية المتقرحة).

4 العلاج السابق:

إن الأعمال المحدودة التى تبحث العلاقة بين تلقى علاج نفسى سابق والتقويم الحالى للمريض تشير إلى أن العلاج السابق لايسبب اختلافا له دلالة فى التنبئو بالنتائج(لوبورسكى وآخرون ،Luborsky eye al )1971) وعلى سبيل المثال فإن هامبورج وآخرين Hamburg et al (1967) وجدوا من  خلال دراستهم الكبيرة الشاملة لمرضى يتلقون علاجا بالتحليل النفسى أنه ليس هناك اختلافات

فى استكمالهم للعلاج الحالى – بين المجموعات التى تلقت علاجا سابقا وتلك التى لم تتلق مثل هذا العلاج ، وهذه النتيجة ليست غير متوقعة حيث أن مجموعة المرضى الذين سبق لهم العلاج فى الماضى غير متجانسة، وتتضمن متغيرات عديدة لها تأثيرها ممثل نوع الحالة التى عولجت فى الأصل ومدى مناسبة العلاج المعطى ونوعيته ومدته ومدى الاستجابة له، فهذه العوامل تحتاج إلى أن تحدد بعناية فى فحص العلاج السابق بوصفه متغيرا يسمح بالتنبئو .

 (ب) العوامل المرتبطة بالعلاج .

1– الدافع Motivation

كان – ولايزال – هناك اتفاق واسع بين المعالجين النفسيين على أن ما يدفع المريض للعلاج يعتبر عاملا هاما فى النجاح، وبالنسبة لبعض المعالجين فإنه يعد أهم المتغيرات المتعلقة بالمريض، وعلى سبيل المثال فإن كانتروينز وسينجرونابKantrowitz,

Singer& Knapp (1975) يرون (أن رغبة الفرد فى تغيير نفسه والتصالح مع الصراعات الداخلية يمكن أن تكون العامل النهائى الذى يحدد ما إذا كان التحليل النفسى سينجح أو يفشل) وهناك دلائل عديدة على أن المعالجين يفضلون المرضى ذوى الدافع القوى ويميلون غلى انتقائهم كلما أمكن ذلك(ملنزوف كورنريتش1970)

وقد وجد العديد من الباحثين علاقة قوية بين الدافع ونتيجة العلاج فقد قام كارترايت وليرنز Cortwright& Lerne (1963) بقياس الدافع بصورة غير مباشرة بوصفه التباين بين وصف المريض لنفسه قبل العلاج ووصفه لنفسه كما يريد أن يكون عند الانتهاء منه، ووجدوا ارتباطا ذى دلالة بين الدافع والتحسن.

وقد أمكن إكتشاف علاقة مماثلة بواسطة ستروبStrupp  وزملاء له(1963) كما وجد مالان Malan(1973) من خلال بحث عن العلاج قصير المدى – ذى الرؤية التحليلية النفسية – أن دافع المريض من أجل تحقيق بصيرة يعتبر أهم معيار فى الانتقاء. ولكن هذا كله لايعنى أن كل الباحثين قد وجدوا علاقة إيجابية، فإن سييجل وفينك Siegel&Fink (1962)- على سبيل المثال – لم يستطيعا العثور على ارتباط بين النتيجة والدافع ،حيث تم تقويم هذا الدافع من خلال فحص الأطباء النفسيين لملفات حالات المرضى caes records، وقد ظهرت نتيجة مماثلة من خلال أعمال روزنثال وفرانك Rosenthal&Erank(1958) .

هذه النتائج المتباينة تنتج بدون شك – عن الطرق المختلفة التى يتم بها فهم الدافع وتعريفه وقياسه، وكما لا حظنا فيما سبق فإن مالان Malan (1973) يشير إلى دافع المريض نحو الحصول على بصيرة بينما استعمل كارترايت وليرنر(1963) مقياس التباتن بين الواقع – المثال إن الدافع يعكس مدى أو مجالا من المفاهيم المختلفة رغم ترابطها. وعلى سبيل المثال فإن سيفنيوس Sifneos يقوم الدافع على أساس استعداد المريض  لإعطاء تقدير صادق عن مصاعبه وعلى مدى ما ياخذ من دور نشط فى العملية العلاجية وعلى رغبته فى التغير والاستكشاف والتجربة بالإضافة إلى إستعداده لتقديم تضحيات فى صورة وقت ونقود .

وحيث أن الباحثين قد تزعوا إلى اعتبار الدافع مفهوما ساكنا(استاتيكا) فإن الكثير من الابحاث فى هذا المجال كانت قاصرة مفهوميا ومنهجيا. إن الملاحظة الكلينيكية ترينا أن الدافع متغيرا ديناميى وقابل للتعديل بعوامل مثل تأثير المعالج وتقدم العلاج ويعتبر

ديوالد Dewald(1969) الدافع مفهوما ديالكتيكيا بوصفه: محصلة الصراعات الكامنة ثم صياغتها بوضوح ومحاولة حلها) من ناحية ، ومقاومته اللاواعية لمواجهة الذكريات المؤلمة المكبوتة ولإحباطات العلاج من ناحية اخرى  وترينا الخبرة الكلينيكية أيضا أن المريض يمكن أن يتذبذب فى دافعه المبدئى لكن الدافع يتزايد مع نمو البصيرة أو بعد نجاح مبكر فى العلاج نفسه، وعلى العكس من ذلك فإن درجة عالية من الدافع المبدئى يمكن أن نتضاءل مع الفشل أوخيبة الأمل الذى يمكن أن يخبره المريض خلال العلاج. وقد استنتج ملتزوف وكورنريتش(1970)من خلال دلائل الأبحاث أن الدافع عند بدء العلاج النفسى قد لايكون عاملا ضروريا للحصول على نتيجة طيبة، وإنما المهم بشكل خاص هو نموها خلال العلاج. إلا أن مثل هذه الاستنتاجات يمكن أن تقدم فحسب بشكل مؤقت وتجريبى والأمر يحتاج إلى المزيد من ألأبحاث مع إهتمام خاص بتعريف الدافع ومعالجته بوصفه مفهوم دينامى.

2 – التوقعExpectation

  كما هو الحال فى حالة الدافع فإن البحث فى توقعات المريض قبل بدء العلاج أقيم على أساس تعريفات مختلفة وقاصرة، فلفظ( التوقع) يحتمل العديد من المعانى المتضمنة فيه،ويمكن بسهولة خلطة بمشاعر مثل الأمل والإيمان والثقة، وفى السنوات الأخيرة تحدد بوضوح أكثر اتجاهان المفهوم وهما توقع التحسن أو العائد العلاجى وتوقع المشاركة فى عملية علاجية معينة.

وقد قام ويلكينز Wilkins(1973) بدارسة وافية لما كتب عن الأبحاث الخاصة بالاتجاه الأول وهناك مدخلان منهجيان تم تطبيقهما على دراسة تأثيرتوقع التحسن على نتيجة العلاج: مدخل ارتباطى correlatioal يتم فيه الربط بين مقياس لتوقع المريض ومعيار للنتيجة، والآخر تجريبى يتم فيه تصميم إجراءات تزيد أوتنقص من التوقع ثم يلاحظ تأثير ذلك على النتيجة

وقد قادت دراسات العقار الخامل Placebo التى طبقت فى الخمسينات فرانك(1959) إلى القول بأن( توقع المريض الاستفادة من العلاج فى حج ذاته له تأثيرات الناجحة لكل أنواع العلاج النفسى تعتمد جزئيا على قدرتها على توكيد مثل هذه المواقف فى المريض)

وقد دعمت الدراسات الارتباطية رأى فرانك، ولكن ويلكينز(1973) يبين أن مقياس النتيجة كان دائما التقرير الذاتى من المريض، وعلى النقيض من ذلك فإن الدراسات التى إستخدمت تقديرات المعالج للتحسن لم تستطع إيجاد علاقة بالتوقع(برادى ،ريزنيكوف وزيليرBrady, Reznikoff and Zeller 1960) وقد علق ويلينز فى دراسته على أوجه القصور المنهجية فى معظم هذه الدراسات وخاصة عدم وجود مقدرين مستقلين independent raters للنتيجة وقد حاول بلوتش وآخرون Bloch et al  (1976) التغلب على هذه النواقص من خلال  فحص العلاقة بين توقع التحسن ونتيجة العلاج فى مرضى يتلقون علاجا جميعا طويل الأمد، وتم تقدير التحسن بعد ثمانية وإثنى عشرا شهرا من بداية العلاج بواسطة المرضى والمعالجين بالاضافة إلى مقدرين مستقلين، ووجد ارتباط إيجابى فقط فى حالة التغيرات الذاتية للمرضى، وقد استنتج الباحثون أن الدلائل على وجود ارتباط بين توقع التحسن والتحسن الفعلى ليس لها أساس، وقد أبدوا اعتقادهم بأن النتيجة الايجابية فى حالة التقدير الذاتى للمريض تعكس وضع تهيؤ وتوقع عن العلاج يبقى ثابتا مهما كان مصار هذا العلاج فى الواقعن ,وأن النتائج من تقديرات المقدرين المستقلين تعتبر اكثر صدقا من كلا من المصدرين الاخرين .

وقد وجد ويلكينز 17دراسة استعملت المدخل التجريبى، وكانت كلها تشترك فى الفرص بأن الاجراء الذى يصمم بحيث يزيد من توقع المريض للتحسن سوف يكون أكثر فعالية من نفس المدخل العلاجى بدون استثارة توقع متزايد وقد وجد ارتباط إيجابى بين التوقع والنتيجة فى ستة من هذه الدراسات بينما لم يمكن إيجاد علاقة فى بقيتها، وبالرغم من أن بعض اوجه التباين يمكن تفسيرها من خلال الاختلافات فى عينات المرضى وانواع العلاج المعطى فإن أكثر الملامح تميزا هو معرفة المعالجين .

فى الدراسات ذات النتائج الإيجابية ـ للمرضى الذين تلقوا توجيهات توحى بتوقع عال،

بينما لم يكن المعالجون على علم من هذه الناحية فى كل الدراسات ذات النتائج السلبية، والاستنتاج الواضح على هذا الأساس هو أن وعى المعالج وليس توقع المريض هو المتغير الحرج الذى يساهم فى النتيجة، ومن المحتمل أن هؤلاء المعالجين قد سلكو – دون قصد –  سلوكا مختلفا تجاه المرضى الذين أعطوا ما يشير إلى توقع عال وذلك بسبب اهتمامهم المستثار بالتجربة.

إن المراجع الكلينيكية تركز باستمرار على أهمية التوقع الإيجابى من جانب المريض، وهو ماتفعله أيضا بعض مراجع الأبحاث، ولكن الوقائع تشير إلى عكس ذلك، ويرى ويلكينز(1973) أن فكرة توقع العائد العلاجى( قد برزت قبل الأوان ودون الدعامات التجريبية لإرساء صدقها) والدراسات الارتباطية لم تساهم إلا بالقليل فى هذه المسألة بينما ظهر من الدراسات التجريبية( أنه لم يمكن بعد تبين مقاييس مستقلة عن النتيجة تؤكد أن حالة من التوقع قد أستثيرت فى المريض وانها تساهم فى العائد العلاجى)

وقد تمت أيضا دراسة مفهوم و طبيعة التوقع فيما يتعلق برؤية المريض للعملية العلاجية الفعلية: كيف يرى دوره والمهام التى يجب أن يقوم بها، ما هو دور ووظيفة المعالج، ماهى طبيعة علاقته بالمعالج وماهى مدة العلاج؟…… الخ (انظر على سبيل المثال كاين وويجيسينج Caine&Wijesinghe 1976) وقد يفترض المعالجين ضمنيا أن مرضاهم لديهم توقعات شبيهة نتوقعاتهم هم ولكن العديد من الدراسات تبين عدم صحة هذا الافتراض، وهم لايتفقون مع المعالجين حتى على الوقت الذى يبدأ فيه التغير، فعلى سبيل المثال وجد جارفيلد وولينGarfield&Wolpin (1963) من دارستهم على عينة من المرضى ليس لديهم خبرة سابقة بالعلاج ان 70% قد توقعوا التحسن فى الجلسة الخامسة بينما توقعت نسبة مماثلة أن عملية العلاج كلها لن تتجاوز عشرة جلسات. وفى دراسة أخرى(هاين  Heine1962).

تمت مقارنه هؤلاء الذين ينهون العلاج مبكرا باولئك الذين يثابرون عليه،ووجد أن المجموعة الأولى توقعت نصيحة معينة فى المقابلة الأولى وقد وجد هاين وتروسمانHeine&Trosman (1960) أيضا أن هؤلاء الذين ينهون العلاج قد تصوروا أن دورهم فى العلاقة المعالج والمريض هو دور سلبى، وهو تصور لايشاركهم فيه المعالجون .

وقد مهدت كل تلك النتائج الطريق أمام عدد من الدراسات عن أهمية إعداد المريض للعلاج وذلك بهدف استثارة وحث توقعات واقعية ومناسبة، وأول هذه الدراسات ـ وهى دراسة جيدة التصميم والتنفيذ قامت بها مجموعة جون هوبكينز – تفترض أن(مقابلة تحث دور المريض)(RII) Role induction interview لابد وان تدعم سلوك العلاج، والمواظبة على حضورة ونتيجه بالنسبة لمرضى العصابيين غير المتكلفين أو المفرطين فى الثقافة السيكولوجية(هو هن ساربك وآخرون1964)،وقد قسم المرضى عشوائيا بين مجموعة تجريبية وأخرى ضابطة وتلقى الجميع علاجا أسبوعيا لمدة أربعة شهور بواسطة معالجين يجلهون تصميم البحث، وتم بعد ذلك تقويمهم وفقا لعدد من مقاييس النتائج بواسطة مقدرين مستقلين، وقد أكدت النتائج الفرض وأمكن للباحثين أن يستنتجوا بشكل معقول أن( المقابلة الحاثة لدور المريض)(RII) – التى تم فيها شرح الدور المطلوب من المريض والسلوك المتوقع من المعالج بعناية – كانت أداة علاجية هامة:

وقد قام سلون وزملاؤه(1970) بتجربة مماثلة أضيف فيها متغير آخر مستقل – وهو استثارة أو حث التوقع بأن التحسن سوف يحدث خلال أربعة شهور ومرة ثانية أبدى المرضى الذين تلقوا المقابلة الحاثة لدور المريض(RII) تحسنا افضل من المجموعة الضابطة،إلا أن توقع(وقت) التحسن وحده او بمصاحبة المقابلة(RII) لم يكن له تأثير مفيد وعموما كانت قيمة المقابلة(RII) أقل إقناعا منها فى دراسة جون هوبكينز وقد أرجع هذا إلى أن المريض كانوا أكثر تكلفا وتعقيدا فى ثقافتهم وأن العديد منهم قد سبق له تلقى علاج نفسى  أى أن توقعاتهم كانت بالفعل متسقة مع توقعات المعالجين، والدلائل – رغم أنها غير مباشرة – تشير إلى أن طبيعة توقعات المريض تجاه العملية العلاجية تعتبر متغيرا تقويميا مناسبا وتبرر ضرورة استبيانها بانتظام، ونفس الشئ ينطبق على العلاج الجمعى المكثف، فقد وجد يالوم وآخرون Yalom et al (1967)

باستعمال تصميم مشابه للبحثين السابقين أن أعضاء المجموعة الذين تم إعدادهم أبدوا مستوى أعلى من التفاعل البينشخصى interpersonal (وهو عامل هام من عوامل عملية العلاج الجمعى) من عينة المرضى الضابطة .

من المحتمل أن التوقعات الواقعية والمناسبة ترتبط( بالعقلية السيكولوجية)

Psychological mindedness وهو مفهوم كثيرا ما يستعمله الممارسون الكلينيكيون بوصفه خاصية مواتية فى المريض تشير غلى قدرته على أن يكون مستبطناintrospective   متأملا فى ذاته self-reflective ومتوجها نحو الواقع

Reality orientated إلا أن هذا المفهوم لازال بحاجة إلى تعريف أوضح ودراسة أكثر دقة وانتظاما.

 (جـ) عوامل شخصية غير مرتبطة مباشرة بالمرض

1– قوة الذات ego strength:

كلما كان المستوى العام لتكيف الفرد وأدائه الوظيفى adaptation and function أفضل قبل بدء المرض كلما كانت العواقب أفضل فى مساره ونتيجه(ديوالدDewald ) 1969 وعلى النقيض من ذلك فإن المريض الذى يبدى دلائل فشل سابق فى التكيف وقصور عام فى قدرة الذات او الأنا يعتبر مرشحا سيئا للعلاج النفسى. هذه التقارير الجرئية نوعا يتضمنها مرجع واسع الانتشار فى العلاج النفسى وتعكس تفكير عدد كبير من الممارسين الكلينيكين .

وقد تكون مفهوم قوة الذات أوالأنا خلال الخمسينات ليعكس ظاهرة التكيف والأداء الوظيفى السابق، وأصبح منذ وقتها معيارا متفقا عليه بشكل واسع للإنتقاء، وعلى سبيل المثال فإن هوكستر ولويرواسكول Huxster, Lower&Escoll (1975) يؤكدون على أهميته فى نجاح التحليل النفسى بإشارتهم إلى ضرورة وجود(قدرات للأنا فى المريض)، كما يؤكدون على أنه لابد من تحقيق وظائف متنوعة للأنا قبل بدء المرض وذلك بغض النظر عن أعراض هذا المرض وسيكوباثولوجيه وتطور المريض النفسى الجنسى Psychosexual development ونمط دفاعاته .

ويعتبر وولبرج Wolberg (1977)(قوة الأنا) تكوينا له قيمته فى تقدير مسار ونتيجة المرض ويعتبرها مفهوما يمثل قوة تكاملية هى التى تمكن الفرد من استعمال مصادره التكيفية، وهو يرى أنه يمكن تقويم قوة الأنا من خلال مناطق فى المريض مثل الوراثة، والتكوين constitution ،والخبرات البيئية المبكرة، وتاريخ النمو، والوسائل المعتادة فى مواجهة الضغوط والمستوى العام للنضج الاجتماعى – أى من خلال استعلام لا يختلف عن اجراء أخذ التاريخ الشخصى والعائلى المتعارف عليه من ناحية اخرى يرى ديوالد(1969) أن المؤشرات الهامة على قوة الأنا هى نمط العلاقات، والقدرة على إحتمال القلق والاحباط، والقدرة على التعامل مع الضغوط، ونوع الدفاعات المستعملة والتوافق النفسى – الجنسى .

هل هؤلاء الممارسون الكلينيكيون محقون فى منهج هذه الدرجة العالية من الثقه لمفهوم قوة الأنا فى تقويم مناسبة المريض للعلاج النفسى؟ إن فحص أصول هذا المفهوم قد يفيد فى محاولة الإجابة على هذا السؤال، فقد نما مفهوم قوة الأنا من خلال مقياسين صدرت عنهما تقارير لأول مرة فى بداية الخسمينات مقياس بارون المدرج لقوة الأنا Baron’s Eros Strength Scale ومدرج رورشاخ التقديرى لإتجاه المرضRorschach Prognostic Rating Scale (RPRS) (كلوبفر وآخرون Klopfer et al1951) وقد أشتق مقياس بارون من مقياس مينيسوتا(MMPI) وقصد به قياس مستوى تكمل شخصية المريض،وكان هدف بارون الأصلى من تصميمه أن يكون وسيلة للتنبئو بنتيجة المرض ولكنه وجد أن الدرجات لها ارتياط ذو دلالة بالتحسن… وذلك من خلال دراسة 33 حالة عصابية تم تقدير درجاتها بواسطة ممارسين غير مشاركين فى العلاج(بارون،1953) ومن ضمن الخصائص التى أبداها المرضى المتحسنين كان الصلة الجيدة بالواقع، والاحساس بالقدرة الشخصية والحيوية،والتلقائية مع القدرة على المشاركة فى الخبرات العاطفية، وعلى العكس من ذلك أبدى المرضى غير المتحسنين مظاهر من ضمنها التثبيط، والاجهاد المزمن والخنوع، وقد حاول بارون التحقق من صدق مقياسه Cross-validation من خلال ثلاثة تطبيقات مختلفة وأمكنه الحصول على ارتباطات معقولة بين قوة الأنا ونتيجة المرضى فى كل مجموعة من المرضى، وقد تأكد هذا الارتباط الايجابى الذى حصل عليه بواسطة مجموعتى من بحث أخرتين بينما لم يمكن تدعيمة فى دراسات عديدة أخرى (لوبورسكى وآخرون، 1971) على سبيل المثال فإن جيتروسوندلاند Getter&Sundland (1972) لم يجدا أرتياطا ذو دلالة بين قوة الأنا ونتيجة المرض فى عينه من 59مرشحا للعلاج،كما لم يجده فيسك وكارترايت وكيرتنرFiske Cartwright& Kilter (1964) وسيلة تنبؤية مفيدة مع93 مريضا يتلقون علاجا من النوع (المتمركز حول العميل) elient-centred .

من ناحية أخرى أصبح مقياس رورشاخ (RPRS) أداة بحث شائعة بعد أن قدمة كلوبفر وزملاءه فى 1951، وهذا المقياس المدرج الذى اشتق من الرورشاخ تم استحداثه كوسيلة للتنبئو بالاستجابة للعلاج، وفيه يتم التقدير الكمى لاستجابات المرضى من خلال ستة أبعاد – مستوى الشكل، الحركة الإنسانية، الحركة الحيوانية الحركة غير الحيةinanimate  والاستجابات للظلال والألون. هذه الاستجابات يتم تقديرها ثم تحول إلى درجات موزونة من خلال جداول معدة خصيصا ودرجة توقع مسار المرضPrognosis  هى مجموع الدرجات الموزونة فى الأبعاد الستة، حيث تشير الدرجة العالية من هذه التقديرات إلى نتيجة طيبة للمرض، وقد تم استعمال هذا المقياس(RPRS) فى عدة مشروعات للتقويم ولكن النتائج لم تكن متسقة نوعا. فمن بين تسعة دراسات ذكرها لوبورسكى وآخرون(1971) أبرزت ستة دراسات العلاقة بين قوة الأنا-كما يقيسها مقياس رورشاخ(RPRS) ونتيجة المرض بينما لم تتمكن الدراسات الثلاثة الباقية، وقد تمت دراسات أخرى استعملت درجات مشتقة من رورشاخ ولكنها أقل تنظما من المقياس السابق وأدت إلى نتائج أقل اتساقا من السابقة،وقد قام فرانك 1967 بدراسة على الأبحاث التى استعملت مقياس الرورشاخ(RPRS) ووجد عددا متساويا تقريبا من النتائج الايجايبة والسلبية وأعرب عن اعتقاده فى أن هذا لايعتبر مفاجأة إذا أخذنا فى الاعتبار اختلاف عينات المرضى ومقاييس النتائج وأنواع العلاجات المستعملة ويمكن الوصول إلى ملاحظة مماثلة فيما يتعلق بالنتائج المختلطة مع استعمال مقياس بارون أيضا .

ومن ناحية منفصلة عن التفسيرات السابقة فإن التفسير يمكن أن يكون ـ كما أوضح ملتزوف وكورنريتش (1970) – فى أن المقياسين هما استخراجين تجريبين من إجرائين  لتقويم الشخصية تم إرساؤهما من قبل وأنه لم يتم تصميم أيا منهما والتحقق من صدقه كمقياس لقوة الأنا، وكلاهما قد استحدثا فى الأصل للتنبئو بنتيجة المرض فحسب، ثم اعتبرا بعد ذلك فقط – ومن خلال مضمونهما – كمقياس لقوة الأنا، وفى الحقيقة فأن مفهوم قوة الأنا لم يتم تعريفه جيدا فى المقام الأول، وأصبح بذلك عرضه للعديد من المعانى الاضافية المختلفة، وبالرغم من النتائج المختلفة وغير المتسقة

للدراسات على قوة الأنا فإن المعلقين على مراجع أبحاث العلاج النفسى أمكنهم أن يستنتجوا بشكل تجريبى مؤقت tentative أن(المرضى الأفضل تكاملا يتحسون واكثرهم تكاملا يتحسنون المريض كافيا كلما كان مسار علاجه النفسى أفضل)

(لوبورسكى وآخرون،1971) ولايثير الدهشة عندئذ أن بعض الناقدين للعلاج النفسى قد استنتجوا أن الأفراد الذين يتلقون العلاج النفسى هم أقل الناس حاجة إليه .

2– السن:

يشيع الاعتقاد بين المعالجين النفسيين بأن المريض الراشد صغير السن young adult هو الأكثر مناسبة للعلاج، ومن المحتمل أن هذا الاعتقاد ينبع مما قال به فرويد بأن الحد الأعلى للسن المناسب لنجاح التحليل النفسى لا يجب أن يزيد على  50 سنة(1904)، ومنذ وقتها شاع الافتراض – الذى أكدته العديد من المراجع – بأن الفرد الذى يزيد عمرة عن حوالى 45 سنة يعتبر مرشحا غير مناسب للعلاج النفسى طويل المدى والمتوجه نحو تحقيق بصيرة بالمرض insight orientated وقد عين فرويد هذا الحد على أساس أن التحليل يحتاج إلى فترة ممتدة وأن قدرة العلاج على عكس العملية المرضيةأو السيكوباثولوجى تنتاقض بعد سن الخمسين(وكان فرويد نفسه قد قارب هذه الحد من السن عندما ناقش لأول مرة هذا المتغير فى تقويم المريض).

وبالرغم من أن معالجين آخرين بما فيهم يونج Jung قد مدوا حد السن إلى 60أو أكثر

(تايسون وساندلر،1971) فإن معظم المعالجين لازالوا يعتبرون أن الشاب البالغ هو الأفضل مناسبة بسبب مرونته وقدرته الأكبر على التعليم وتجربه أنواع جديدة من السلوك، كما أن لديه فترة أطول يستفيد فيها من بصيرته الجديدة التى يحققها، بينما المريض الأكبر سنا، فى المقابل يكون محدود القدرة على إعادة التوافق ويمكن أن ينتج عن البصيرة التى يحصل عليها نوع من الاكتئاب حيث يحس ساعتها بالفرص الضائعة فى حياته السابقة.

والأبحاث على السن بوصفه عنصر تقويمى لم ينتج عنها خطوط ارشادية للممارس الكلينيكى، فمن بين أحد عشر بحثا درسها لوبورسكى وآخرون(1971) لم يتم اكتشاف رابطة بين السن ونتيجة العلاج فى خمسة أبحاث، وفى أربعة أخرى أبدى المرضى صغار السن تحسنا أفضل، بينما ابدى كبار السن تحسنا أكبر فى اثنين، أما البحثان المتبقيان فلم تغطى عينات المرضى فبهما سوى مدى محدود من السن لايمكن من المقارنة .

ونتائج الأبحاث تميل إلى أن تكون أكثر تماسكا عندما يكون المعيار هو الاستمرار فى العلاج، وهنا لم يمكن إكتشاف رابطة قوية بالسن(جارفيلد1978،ملتزوف وكونريتش1970) وهناك عاملان ساهما فى إعاقة الدراسات حول الرابطة بين السن ونتيجة العلاج، فبسبب التحيز التقليدى ضد انتقاء مرضى متقدمين فى السن(جاللاجر،شاراف وليفينسون Gallagher, Sharaf&Levinson 1965) فإنه من المحتمل أن تكون الدراسات قد تأثرت بحقيقة أن من بين المرضى متقدمى السن الذين دخلوا العلاج فإن المرضى الأصغر الذين قبلوا للعلاج قد تم انتقائهم على أساس السن اولا وباعتبار محدود لأية عوامل تقويمية أخرى(ملتزوف وكورنريتش،1970) ولعل الطريقة الوحيدة المرضية لاختيار تأثير السن هى من خلال دراسة مضبوطة تماما Fully controlled ،وهذه ليست بالمهمة السهلة أما الصعوبة الثانية فتأتى من أن السن ليس ببساطة مجرد حقيقة زمنية، وإنما هو مرتبط بملامح مثل المرونة وفرصة إعادة التوافق.

وهكذا،فإنه فى الحالة الراهنة من معرفتنا يعتبر استعمال السن وحده كمتغير فى التقويم عملية عشوائية وغير مبررة كلينيكيا، ولا يبدو أنه عامل مناسب فى تقويمنا لنتيجة العلاج المحتملة(بسبب حدود هذه الدراسة فإن النقاش لا يغطى المراهقين والأطفال).

3- الطبقة الاجتماعية – الاقتصادية.. والمتغيرات المرتبطة بها .

تعتبر الطبقة الاقتصادية – الاجتماعية من المتغيرات التقويمية التى أثارت انتباه كلا من الممارسين الكلينيكيين والباحثين، وبالرغم من أن جارفيلد(1978) يرى أن علاقتها بنتيجة العلاج لها كما يبدو دلائل مدعمة اكثر اتساقا من غيرها من العوامل، فإن النمط الذى يتبدى من مراجع الابحاث حولها غير واضح، وليس هذا بالشئ غير المتوقع إذا أخذنا فى الاعتبار مدى تعقد الطبقة الاجتماعية – الاقتصادية كمتغير يؤثر على توقع مسار المرض، ومثل الدافع وقوة الأنا فإن هذا المتغير يعكس مجموعة من العوامل المرتبطة ببعضها البعض مثل الدخل، والوظيفة والحصيلة التعليمية .

وهناك مدى واسع من المقاييس للطبقة الاجتماعية – الاقتصادية( مثل مؤشر هولينجزهيد Hollingshead Index ،ومستوى الدخل، والحالة الوظيفية، والمسنتوى التعليمى) تستعمل فى مراجع وكتابات الأبحاث التى تظهر ميلا(ولايستطيع الإنسان الادعاء باكثر من هذا ) من جانب المرضى ذوى الحالة الاجتماعية- الاقتصادية الدنيا لأن يكونوا أقل استفادة فى العلاج. ونتائج هذه الدراسات يزيد من تعقيدها نتائج أخرى تميل فى الحقيقة لأن تكون اكثر إتساقا: فإن المرضى من الطبقات الدنيا كثيرا مالا يدخلون العلاج بعد اختيارهم أو ينقطعون عنه قبل الأوان، كما انه يعهد بهم فى العادة إلى معالجين أقل خبرة ويتلقون اشكالا أقل كثافة من العلاج (جارفيلد1978).

إن الفرق فى نتيجة العلاج بين مرضى الطبقة الدنيا والمتوسطة هو على الأرجح نتيجة لتفاعل المعالج – والمريض(وهى منطقة مهملة فى الأبحاث بشكل ملحوظ)، فإن المعالجين فى العادة ينتمون إلى الطبقة المتوسطة وقد يكون لديهم بالتالى موقفا متعصبا فحواه أن مريض الطبقة الدنيا لن يستفيد من العلاج، كما أنهم قد لايستطيعون تقمص مريض الطبقة الدنيا والتعاطف معه بسبب القيم المختلفة لنمطى الحياة، وهم أيضا قد يفشلون فى تقدير حدود المريض اللفظية ويلجأون إلى إستخدام اصطلاحات ومفاهيم لايستطيع فهمها(روزثال وفرانك،1958) وهذا الاحتمال الأخير تدعمه نتائج عدد من الدراسات التجريبية حيث وجد أن هناك علاقة إيجابية بين الحصيلة التعليمية والتحسن

(جارفيلد،1978؛ لوبورسكى وآخرون،1971)،ولكن كما يشير جارفيلد – وكما هو شائع فى أبحاث التقويم – فإن المعيار الرئيسى لنتيجة العلاج فى معظم هذه الأبحاث هو تقديرات المعالج، وهذه التقديرات يمكن أيضا أن تعانى من نقص الموضوعية بسبب تفضيل المعالج المحتمل لمرضى الطبقة المتوسطة.إن النتائج ليست مقنعة كلية وقد ملتزوف وكورنريتش(1970) فى دراستهما إلى الاستنتاج بإن المستوى التعليمى ليس عاملا قويا فى توقع مسار المرض.

إن المستوى التعليمى يرتبط عن قرب بالذكاء ومعظم الدراسات التى فحصت الذكاء بوصفه عامل فى التكهن بما يصير عليه المرض وجدت أنه يرتبط ارتباطا إيجابيا بالنتيجة، وهذا يدعم الاعتقاد الشائع بين الممارسين الإكلينيكيين بأن الذكاء يعتبر خاصية مرغوبة حيث أن العلاج النفسى المكثف ما هو إلا عملية تعليمية يهدف فيها المريض إلى الحصول على بصيرة بمرضه وتتطلب مهارات استبطانية ومفهومية ولفظية تتيح الاتصال، ولكن كما هو الحال فى المستوى التعليمى فإن مقياس ذكاء المريض IQ الفعلى(والمقياس الشائع الاستعمال هوWAIS أو بعض اختباراته) قد لايكون عاملا حاسما، وبالرغم من أن المستوى العالى للذكاء يمكن أن يكون فى صالح العلاج النفسى الهادف إلى تحقيق البصيرة فإن السؤال هو ما إذا كان من الممكن أن نحدد بشكل معقول المستوى الأدنى الضرورى من الذكاء، ومن المثير للاهتمام أن تايسون وساندلر(1971) يقترحان أنه فى حالة التحليل النفسى فإن المستوى الثقافى المطلوب يمكن أن يكون قد تحدد بشكل زائد فى ارتفاعه بواسطة المعالجين بسبب تفضيلهم العمل مرضى أذكياء وبالتالى مثيرين للاهتمام .

وكما ناقشنا فيما سبق فإن الأعمال الحديثة عن تحضير المريض للعلاج النفسى من خلال المقابلة التى تستثير وتحث دور المريض تشير إلى الذكاء والمستوى التعليمى قد يكونا على درجة من الأهمية أقل مما يثار فى هذا المقام، وقد يكون من الأهم أعطاء المريض معرفة محددة عن عملية العلاج النفسى والمساهمة المطلوبة منه بدلا من محاولة إرساء المستويات الأساسية من الذكاء والتعليم المطلوبة، ويبدو أن هذا ينطبق على كل من العلاج النفسى الجمعى والفردى طويل الأمد، وبالرغم من أن تحضير المريض يعنى أنه قد تقرر اختياره للعلاج بالفعل فإنه من الممكن إستخدام قدرة المريض على التقاط جوهر وأساسيات العلاج النفسى الذى يقدمه إليه المعالج كمرشد للتحقق مما إذا كان لديه القدرة الفكرية المناسبة للاشتراك فى العلاج النفسى والانتفاع به.

4 – عوامل شخصية أخرى:

من ضمن العوامل التى تم فحصها على أساس أهميتها فى توقع مسار المرض الجنس وحالة الزواج، ولم تظهر معظم الأبحاث أى ارتباط بين الجنس ونتيجة العلاج(جارفيلد، 1978لوبورسكى وآخرون،1971؛ ملتزوف وكورنريتش،1970)، ونفس الشئ ينطبق على الزواج بالرغم من أن الاهتمام قد توجه نحو تاثيراته فى احيان قليلة، ويعد تأثير اتفاق الحالة الاجتماعية(الزواج) بين المريض والمعالج نقطة جديدة مثيرة للاهتمام، ففى دراسة حديثة لوحظ تحسن أكبر فى الحالات التى لم يكن كلا من المعالج والمريض فيها متزوجين أوسبق لهما الزواج أو الحالات التى كان فيها كلا منهما متزوجين(لوبورسكى، مينتز وكريستوف، تحت الطبع) وقد أرجع الباحثون هذه النتيجة إلى الاشتراك فى تماثل شخصى هام، وهناك حاجة إلى المزيد من العمل فى هذه المنطقة،ومنطقة الاتفاق أو التلاؤم بين المعالج والمريض therapist-patient match ،فالتقويم لايمكن أن يتم بالنسبة للمريض بوصفه عنصرا مستقلا حيث أن تفاعله مع معالج معين هو شئ له أهميته الواضحة، والدراسات التى فحصت اوجه الشبه أو التماثل بين المعالج والمريض من خلال الاستجابة لاختيار مينيسوتا(MMPI) والطبقة الاجتماعية والقيم وغيرها تؤكد أهمية التواؤم أو الاتفاق بينهما(لوبورسكى وآخرون،1971).

(د) ظروف الحياة الجارية:

المجموعة الرئيسية الرابعة من متغيرات التقويم تتعلق بظروف المريض الجارية وهنا لابد لنا من الاعتماد على المعرفة الكلينيكية التقليدية حيث أن البحث المنظوم لم يقم أى مساهمة فى معرفتنا عن هذا الموضوع ربما بسبب المشاكل المنهجية فى هذا المجال، ومعظم المعالجين يفترضون أن المريض الذى تستغرقه أزمة من أى نوع (والذى يعتبر فيما عدا هذا مرشحا محتملا) لا يرجح أن يكون مناسبا لعلاج يتطلب عملا منظما ومركزا يمتد لفترة طويلة، بذلك فإن المريض المنغمس عاطفيا فى صراع حاد مع شريكه فى الزواج أو أحد والديه او فرد أخر من العائلة، أو الواقع تحت ضغط صعوبات مالية شديدة أو يعانى من مرض جسدى حادن أو متورط فى موقف صعب فى عمله، مثل هذا المريض قد لايكون قادرا على مقابلة احتياجات الأنواع المكثفة من العلاج مثل العلاج النفسى المتوجه نحو تحقيق البصيرة ومن الأرجح أن مثل هؤلاء المرضى يستفيدون من مدخل(التدخل فى الأزمة) crisis intervention ثم التحول غلى العلاج الأساسى بعد أن تتلاشى الأزمة او على الأقل تنتاقص(براندون Brandion1970، ايوينجEwing  1978)، والمريض المتورط فى موقف صعب وغير قابل للحل فى حياته يعتبر مرشحا غير مناسب للعلاج المكثف وفى هذه الحالة فان العلاج المدعم أو المشجع supportive طويل الامد يعتبر اًكثر مناسبة(وولبرج1977، بلوتش1979).

طرق التقويم

بالرغم من أن المعالج معوق بعدم القدرة على الاعتماد تماما على متغيرات محددة تسمح بتوقع نتاج المرض فى تقويمه للمريض فإن السؤال يبرز دائما عما إذا كان هناك نوع من إجراءات اختيار المرضى للعلاج النفسى افضل من غيره. هل يشير البحث إلى منهج أو طريقة يمكن أن تمدنا بأفضل مرشد إلى مدى مناسبة المريض لهذا العلاج؟ بشكل مثالى فإن وجود إجراء منظوم ومعيارى ويمكن الاعتماد عليه يمثل أداه ثمينة، وقد بذلت جهود متزايدة على مدى ثلاثين عاما من أجل تحقيق مثل هذا الإجراء  ولكن نفعها لسوءالحظ لم يكن كبيرا، فقد قام فولكرسون وبارى Fulkerson&Baary(1961) بدراسة عن إستعمال الاختبارات النفسية فى أغراض توقع نتاج المرض فى الفترة من 1952 – 1959واستنتجوا منها أن هذه الاختبارات كانت محدودة القيمة وأن المتغيرات غير الخاضعة للاختبار مثل بداية المرض وشدته ومدته كان لها علاقة أقوى بنتيجة المرض، وقد غطت دراستهم فترة تستحق الاهتمام حيث تميزت بجهود من أجل تطبيق مشتقات من الاختبارات الشائعة الاستعمال وقتها – مثل الرورشاخ واختبار مينيسوتا(MMPI)- من أجل التنبئو بنتيجة المرض، وقد سبق مناقشة مقياس كلوبفر رورشاخ التقديرى لتوقع مسار المرض ومقياس بارون لقوة الأنا كأمثلة على هذه الجهود. وقد تناقصت درجة شيوع استعمال هذه الاختبارات فى خلال عشرة سنوات حيث اتضح انه ليست لها القيمة التى أضفيت عليها من قبل، ومثلها كانت هناك اختبارات أخرى عديدة محدودة القيمة وتتضمن مقياس تايلور للقلقTaylor Manifest Anxiety scale ،اختبار الادراك بالترابط للموضوعThematic apperception test مقياس التمركز البيئى Ethnocentrisms scale مقياس التسلط Authoritarianism scale  واختبار رسم الشكلFigure-Drawing Tec ale وكل هذه الاختبارات أعطت نتائج غير متسقة(لوبورسكى وآخرون1971).

لقد استعملت مقاييس مدرجة صممت أصلا لأغراض أخرى بوصفها وسائل تقويم دون مبرر مفهومى أو منطقى، وبادرا كهم لهذا القصور الأساسى وفى نفس الوقت إفتقاد الأداة المناسبة لتقويم صلاحية المرضى للعلاج النفسى قام أورباخ ولوبورسكى وجونسون Auerbach,Loborsky&Johnson(1972) باستحداث أداة جديدة تماما هى(مؤشر توقع نتاج المرض)Prognostic Index (PI)  ،وفيه يتم كشف المعطيات من خلال مقابلة شبه مخططــهsemi structured interview تتضمـن31 متغيرا يفترض أن لها دلالة فى توقع نتاج المرض ومشتقة من الملاحظة الكلينيكية ونتائج الأبحاث، وهناك نظام من الخطوات الارشادية متاح لمن يقوم بالمقابلة والدرجات المقدرة لكل متغير يتم وضعها وفقا لمتدرج من خمسه نقط ويحتوى هذا المؤشر(PI)

على أربعة تصنيفات من المتغيرات.

1- وصفية descriptive ،مثل التشخيص، بداية المرض ومدته، القلق، الاكتئاب، الاستفادة من العلاجات السابقة .

 2- دينامية psychodynamic، مثل احتمال القلق، القدرة على المواكبة، الدافع، العقلية السيكولوجية.

3 – ديموجرافيةdemographic ، مثل مستوى الذكاء(IQ) ،التعليم، الوظيفة.

4- شمولية global، مثل الميل نحو العلاج النفسى، التنبئو الكلى.

وفى دراسة على47مريضا تحت العلاج( الذى لم يحدد نوعه أومدته)تم اختزال الدرجات المتحصلة بتطبيق المؤشر(PI) من خلال التحليل العاملى factor analysis إلى خمسة عوامل أساسية من هذه العوامل تم التنبئو بنتيجة العلاج بواسطة الد رجات على مستوى الاكتئاب عند التقويم،والصحة العاطفية العامة(وتتكون من عناصر مثل التشخيص، القدرة على المواكبة، نوعية العلاقات والنضج الاجتماعى) والحصيلة الثقافية أو الفكرية، ولكن عاملا آخر هو عامل التنبئو الكلى بالنتيجة كان على نفس درجة جودة هذه العوامل الثلاثة تقريبا، ويشير هذا إلى احتمالين: أن التنبئو الكلى يتحسن عندما يتم من خلال مقابلة شاملة ومنظومة(انطباع الباحثين)، أو أن التقويم الكلى يعتبر فى حد ذاته كافيا ويمكن الاستغناء عن بقية الاجراءات والاستعاضة عنها بالمقابلة الكلينيكية المعتادة .

وقد استخدم كانترويتز وزملاؤه Kantrowitz etal (1975) مدخلا مماثلا فى تقويم المرضى من أجل التحليل النفسى، وتتكون طريقتهم من تطبيق بطارية من الاختبارات تتضمن اختبار الرورشاخ، واختبار الادراك بالترابط للموضوع(TAT) واختبارWAIS ، ثم يتم فحص بروتوكولات الاختبارات ومنها يتم وضع تقديرات على أساس أربعة معايير: إدراك الواقع reality testing – أى مستوى إدراك العالم كما هو، مستوى ونوعية العلاقات البينشخصية، وجود العواطف فى متناول الشخص ودرجة تحملها(يشير الباحثون غلى أن هذه المنطقة فقيرة التحديد وتحتاج المزيد من العمل)، ودافع المريض للعمل على حل صراعاته ثم التغيير، وتتم التقديرات وفقا لتدرجات scales ذات نقاط محددة لمدى مناسبة المريض وقد أمكن الوصول إلى(ثبات) ذو دلالة بين اثنين من المقدرين على المعايير الأربعة فى دراسة طبقت فيها هذه الطريقة على 30مريضا، ولكن علاقة هذه المعايير بنتيجة العلاج لم تفحص

ومن المحتمل أن مؤشر التكهن بنتاج المرض هو أفضل الطريقين حيث أن مقدماته ومحتواه تتعلق مباشرة بالعلاج النفسى كما انه يحتوى على نسق محدد من الخطوط الارشادية للممارس الذى يقوم بالمقابلة الكلينيكية(وبالتالى لأى معالج يرغب فى تدريب نفسه على استعماله)، وقد يكون من الأفضل لكى يصبح عمليا أكثر أن يختزل عدد المتغيرات(31) إلى عدد أقل من العوامل يكون أكثر يسرا فى الاستعمال، أما الطريقة الثانية فانها تعود بنا غلى الخمسينيات فى استعمالها لمشتقات من اختبارات أخرى لم يتم تصميمها بوصفها مقاييس للتقويم من أجل العلاج النفسى والتى يجب أن تطبق بواسطة شخص متمرن وخبير، ومن الناحية المثالية فإن المعالج يحتاج إلى أداة صادقة ويمكن الاعتماد عليها ويمكنه أن يطبقها بنفسه بكفاءة فى محيط ممارسته الخاصة، مثل هذه الأداه لم يمكن استحداثها حتى الآن .

وفى غياب مثل هذه الأداة فإن معظم المعالجين مستمرون فى استعمال المقابلة الكلينيكية المعتادة ولكن بتركيزات مختلفة، فالبعض يركز على جمع المعلومات من أجل الحصول على قائمة بالمشاكل التى سيتم التعامل معها فى العلاج(مدخل متوجه نحو المشكلة). ويركز البعض الآخر على أخذ تاريخ الحالة الطبنفسى التقليدى بهدف الوصول إلى تشخيص تصنيفى، وتركز مجموعة ثالثة فى المقابلة على تحديد أصول مشاكل المريض فى منشئها النفسى I psychogenetic origins ومنها الوصول إلى صياغة سيكودينامية لحالته.(انظر هو للندرHollander  (1964) من أجل شرح مفيد عن هذه المنطقة) وبدون المزيد من الأبحاث فإننا نستطيع أن نستنتج فحسب أن أيا من مداخل المقابلة الكلينيكية المذكورة يمكن أن يكون مفيدا بنفس قدر غيره، ويتوقف الاختيار فى الوقت الحاضر على تفضيل المعالج الخاص ونمط عمله.

ومهما كان نوع المقابلة التقويمية المستخدمة فإن بعض المعالجين يقترحون أن هناك مكانا من أجل(تجربة العلاج) كخطوة تقويمية إضافية، وقد نصح فرويد (1913) باتباع هذا الإجراء كروتين سابق على قبول المريض من أجل العلاج التحليلى، وقد نبع هذا من خوفه من احتمال أن تخفى الأعراض العصابية وراءها حالة ذهانية، وبالنسبة لفرويد فإن أسبوعين يعتبران مدة كافية للقيام بهذا إلا أن فينيكل Fenichel

(1945) اقترح أن تمتد التجربة إلى عدة أسابيع، وهناك بعض التحفظات الواضحة على أسلوب التجربة العلاجية وعلى سبيل المثال فإن المريض شديد الرغبة فة النجاح فى هذا الامتحان قد يعتمد إلى تقويم نفسه بصورة اكثر اضطرابا من الحقيقة أو يعبر عن دافع قوى  للشفاء، وقد يتأثر نمو العلاقة بين المريض والمعالج بهذا الإجراء مع احتمال التأثير السئ على العلاج إذا تم قبول المريض، ولكن – على أى حال – فإن مسألة مناسبة المريض للعلاج يمكن أن تتضح أكثر بواسطة تجربة العلاج فى الحالات التى لا يعطى فيها التقويم عن طريق المقابلات قرارا قاطعا.

وهناك سؤال أخير بشأن إجراء انتقاء المرضى: هل يجب الاستعانة بأقارب المريض أو الأشخاص ذوى الأهمية فى حياته؟ ويشير ديوالد(1969) إلى مميزات هذا حيث يمكن من الحصول على معلومات جديدة تساعد على أن يكون تقويم المعالج موضوعيا كما يبين ايضا أن له مساوئه فى المجازفة بثقة المريض فى العلاج والتدخل فى عملية الإحالةTransference  ويناقش كروان(1979) هذه النقطة قائلا أن الأمر يتضمن عناصر كلينيكية وأخلاقية، فالأقارب يجب أن يكونوا مشاركين نشطين فى التقويم حيث أنهم سيتأثرون بتدخلات الطبيب اللاحقة فى حالة المريض كما أن اشتراكهم يمكن أيضا أن يقلل من أى تخريب محتمل للعلاج من جانبهم إن مراجع البحث فى هذه المسألة، كما هو الحال فى مسألة تجربة العلاج، لانقدم أى عون، وكل الممكن فى الوقت الحاضر هو أن يزن المعالج مدى نفع أى من الاجرائين فى أى حالة بعينها ويصل بنفسه إلى أفضل قرار كلينيكى ممكن.

الخلاصة

(إن توقع نتاج المرض(prognosis) مارد نائم فى الوقت الحاضر فى انتظار فرصه تاتى فى المستقبل يقدم فيها خدماته) (فولكرسون وبارى&Fulkerson Barry 1961) ولكن السنين التى مرت منذ وقت هذا التنبئو لم تشهد تحققه لسوء الحظ. إن الحجم الضخم من الأبحاث فى منطقة تقويم المرضى لم يقدم من النتائج النافعة عمليا سوى القليل، ولم يتعد تإثير الأبحاث على العمل الكلينيكى حدا ضيقا أدنى. والمعالجون كما يبدو يعتمدون أكثر على المعرفة الكلينيكية التقليدية clinical lore أى ذلك الجسد من المعلومات الذى يجرى تكوينه منذ بداية القرن.  ترى ماهو  السبب فى هذه المساهمة الضئيلة بشكل يثير الكآبة للبحث فى هذا المجال؟ لقد سبق التعليق على بعض هذه الأسباب بالفعل فى سياق الدراسة، ولكن يمكن الآن تلخيصها بشكل مناسب من خلال بعدين رئيسين – بعد منهجى وآخر مفهومى conceptual .

إن مجال البحث فى العلاج النفسى عموما يعج بالفخاخ، والبحث فى تقويم المريض غير مستثنى من هذه القاعدة. وباختصار فإن العديد من الدراسات التى سبق عرضها تعانى من واحد أو أكثر من أوجه النقص التالى:

1- المريض – فقير التعريف، عينات المرضى صغيرة ومتباينة الخواص heterogeneous

2- العلاج – تحديد غير كاف للعلاج المعطى، عادة قصير الأمد(نادرا ما يزيد على أربعة شهور) بالرغم من أنه يستغرق مدة أطول بكثير فى الممارسة الكلينيكية؛ ويقدمه معالجون تنقصهم الخبرة مما يشكك فى نوعيته.

3 – نتيجة العلاج outcome – مقاييس غير مناسبة للنتيجة حيث المعالج هو المصدر الأساسى للتقويم فى معظم الأوقات(ومن الواضح أن رأية يكون متحيزا) بالأضافة إلى تطبيق مقاييس معيارية مثل اختبار مينيسوتا(MMPI) وهى اختبارات عامة لدرجة لايمكن أن تعكس التغيرات الدقيقة فى الشخصية التى تحدث كنتيجة للعلاج النفسى؛ والقليل فقط من الدراسات تتضمن فترة متابعة معقولة.

4 – وسائل التنبئو predictors – الشائع هو فحص متغير تنبؤى واحد فى المرة الواحدة والدراسات المتعددة المتغيرات نادرة؛ وهناك ميل إلى تجاهل تإثير تفاعل المريض مع المعالج حيث تدرس العوامل المتعلقة بالمريض أو المعالج كل على حدة

(وقد راينا فيما سبق إلى أى مدى تعتبر هذه النظرة محدودة وكيف أن صفات المريض يمكن أن تؤثر على موقف المعالج من علاج المريض)

وهذه المنطقة الخيرة تصل بنا إلى قضية مفهومية لها اهمية مركزية فمن الناحية النظرية فإن الارجح بدرجة كبيرة أنه فى مشروع معقد مثل العلاج النفسى تتأثر النتيجة بعدد ضخم من العوامل التى تسهم بمقادير مختلفة وبتفاعلات مع بعضها البعض، من هنا فإن ملتزوف وكورنريتش Meltzoff&Kornreich (1970) يعلقان قائلين:( إن مسألة من يستفيد من العلاج النفسى هى بدون شك مسألة معقدة فى تحديدها، وفحص اى متغير وحيد متعلق بالمريض فى علاقته بالنتيجة لا يمكن ان يقدم سوى تفسير لجزء محدود من التغير الكلى) وتؤكد هذا الدراستان السابق ذكرهما فى سياق الدراسة( كانت كل منهما متعددة المتغيرات وجرت على نطاق واسع) حيث كانت نسبة نجاح التنبئو فى كلاهما متواضعه فلم يزد التفسير الذى قدمته عن 5ـ10% من التفاوت فى النتيجة. ويجب أن يضع الباحثون هذا  فى الاعتبار عند تخطيط دراسات فى المستقبل،وكما يشير جارفليد Garfield (1978) فإن الأمر يتطلب مدخلا شاملا جيد التخطيط واسع النطاق ومنسق من أجل التغلب على أوجه النقص السابقة والارتقاء بنوعية وقيمة البحث بحيث يمكن أن يؤثر على الممارسة الكلينيكية .

والآن، ما هى خصائص المريض التى يمكن تحديدها بوصفها مواتية لعلاج نفسى من النوع طويل الأمد والمتوجه نحو تحقيق بصيرة بالمرض؟ إن الحصيلة المشتركة لنتائج الأبحاث المنظمة والملاحظات الكلينيكية المتراكمة تشير إلى الآتى (قد يعلق بعض المعالجين المتمرسين(لقد كنا نعرف هذا طول الوقت ):

1- مستوى معقول من تكامل الشخصية وأدائها الوظيفى العام، أى المرضى (الذين لديهم القوة على مواجهة مشاعرهم المثيرة للاضطراب والاستمرار فى حياتهم مستقلين عن العلاج) (مالانMayan 1976)

2- وجود الدافع للتغير

3 -توقعات واقعية للعملية العلاجية تعكس(عقلية سيكولوجية) psychological mindedness .

4- مستوى متوسط من الذكاء على الاقل.

5- حالات غير ذهانية أى العصابيون والحالات المعتدلة من اضطراب الشخصية وخاصة إذا أبدى مسارها الكلينيكى تفاقما خلال الشهور السابقة علىالعلاج .

6- وجود عاطفة قوية مثل القلق والاكتئاب وقت التقويم.

7- ظروف حياتية خالية من أية أزمات غير قابلة للحل.

والخصائص الأخرى التى تعرضت لها الدراسة(مثل السن، الجنس، الزواج، الحصيلة التعليمية، الحالة الاجتماعية والاقتصادية، توقع التحسن، والعلاجات السابقة) تبدو أقل أهمية من حيث توقع مسار المرض ونتيجة علاجه.

الموقف والتعقيب:

لاشك أن موقفنا من هذه القضية هو متداخل بالضرورة مع موقفنا من ضرورة تحديد معالم الطب النفسى والمرض النفسى وعلاج الأمراض النفسية عامة(بما فى ذلك العلاج النفسى) تحديدا على أكبر درجة من الوضوح قبل – ومع – الخوض فى البحث فيها وتقويمها بهذا الشكل المنهجى المتين

1- فالكاتب لم يحدد تعريفا للعلاج النفسى الذى يعنيه، وإن كان قد غلب على كتابته ما يفيد بأنه يشير إلى التحليل النفسى بشكل أو بآخر، بالاضافة إلى أنواع أخرى عرج إليها بشكل عابر، ونظرا لأن مفاهيم العلاج النفسى مختلفة اشد الاختلاف(حتى التضاد أحيانا) فكان لابد من مزيد من الايضاح للنوع الذى يعنيه بذاته فى هذا المقال دون هذا التعميم الخطر

2 – والكاتب لم يحدد معنى الصحة التى يريد أن يصل إليها المعالج من خلال علاجه ومالم يتحدد الهدف، فكيف نحدد طبيعة الوصول، فضلا عن أصلح وسائل المواصلات إليه،وطبيعة ركابها؟

3 – وحين تعرض للتشخيص ذكر عدة زملات مريضة على اعتبار أنها غير صالحة، من بينها الحالات الذهانية الحادة والاكتئابية وحالات توهم المرض…..الخ وحين أشار إلى مصدر هذا الترجيح ذكر الفشل العلاجى وشكك فى بعض من يقول بغير ذلك باعتبار أنه لم يعط دليلا موضوعيا ونحن نتساءل عن معنى(الموضوعية) فى هذا الشان، وننبه إلى ضرورة مراجعة هذه الكلمة بأكبر درجة من الدقة والمعاناة، وهذا يمتد بوجه خاص إلى الأبحاث التى تقارن نتائج العلاجات المختلفة ومن بين هذه المراجعات التى لابد من الانتباه إليها رغم صدقها المبدئى التشكيك فى قيمة راى المعالج ذات نفسه فى نتيجة علاجه، الأمر الذى تنبى عليه الخبرة الكلينيكية بشكل عام وفى نفس الوقت يحتاج الأمر إلى تقويم من يسمون: مقدرين مستقلينIndependent raters  ومدى استقلالهم ووسائل قياسهم قبل أن يقيسوا.

4 – إن البعد الذى أشار إليه البحث عن أفضلية الحالات التى تظهر تذبذبات فى شدة المرض يستحسن ترجمته غلى معايير لقياس النشاط المرضى(البيولوجى بالضرورة) أكثر من ألاكتفاء بظاهر الذبذبات فى المسار.

5 – إن الحديث عن(العقلية السيكولوجية)Psychological mindeduess  باعتبارها عاملا إيجابيا يساعد فى التوافق مع العمليات اللفظية المعتادة يحتاج إلى إعادة النظر، لأن هذا فى ذاته قد يكون عاملا سلبيا العقلنةIntellectualization ويعطل العلاج الحقيقى بالتالى وهذا الأمر هام بالنسبة لمجتمعنا خاصة حيث يفتقر – والحمدلله – إلى مثل هذه العقلية

6- إن موضوع إثارة الدافع وعلاقته بالبصيرة من ناحية، وبالمعاناة من ناحية أخرى، وبدور المعالج فى إثارته يحتاج إلىتحديد اعمق وأشمل، والبحث ليس ملاما على عدم التحديد، ولكنها دعوة لأبحاث أخرى تبدأ بمعنى المرض ووظيفته وتتداخل مع معنى الشفاء ومسئوليته .

7 – إن تحديد وقت التحسن وتوقع ذلك بعدد من الجلسات(خمسة أو عشرة أو…الخ) لابد وأن يراجع أيضا من خلال مفهوم العلاج المستمر(حتى بعد انهاء العملية العلاجية المهنية) بمعنى ان العلاج فى شكله الأعمق هو بداية وإعادة توجيه أساساً.

8- إن الاشارة إلى اعتبار متوسط العمر غير متناسب للعلاج، ومعارضة يونج(على سبيل المثال) لذلك، يفتح ملفات مايسمى( أزمة منتصف العمر) Middle age crises باعتبارها الامتحان  الأصعب لقطف ثمار التاريخ السابق لكل فرد، مما يحتاج إلى نظرة من زواية أخرى لدور العلاج النفسى فى هذا الصد واحترام آراء يونج الأنضج وفتح الأبواب أمام احتمالات تطبيقها أوما يعادلها.

9 – إن قول الناقدين( أن الأفرلد الذين يتلقون العلاج النفسى هم أقل الناس حاجة إليه)

قول يحتاج إلى تأمل مسئول وخاصة إذا أردنا الاستفادة الحقة من هذا المقال، وقد تخرج من هذا النقد البناء بتغيير مفهوم العلاج النفسى، ومعاييره ومسئوليته،وليس بالاستغناء عنه أو الاستهانه به.

10 – إن الحديث عن الطبقة الاجتماعية المناسبة قد أشار إلى التحيز الممكن للطبقة المتوسطة بالنسبة لصلاحية هذا العلاج على حساب الطبقة الأدنى، ولم يشر إلى موقف الطبقة الأعلى الذى قد يمثل لهم العلاج النفسى وظيفة ترفيهية مختلفة تماما عن هاتين الطبقتين، مما يحتاج غلى نظرة أخرى ومعايير أخرى .

11 – إن فكرة التعاقد Contracting وإعادة التعاقدRecontracting  بعد كل مرحلة

(التى قال بها بشكل ما إريك بيرن)،قد تحل مشكلة النظر إلى العلاج النفسى بمعنى واحد وهدف واحد، لتقدم مفهوما مراحليا موازيا لمراحل النمو العادى، ومن خلال هذا المنطلق يعاد النظر فى أهمية تحضير المريض وعوامل التوقع ومستويات التقويم وقد يتضمن هذا رأى فرويد وفينيكل فى ما يسمى (تجربة العلاج) بشكل أو بآخر باسلوب آخر ولغة أخرى أكثر تفصيلا وأدق بالضرورة.

12 – إن وجه الشبه بين المريض والمعالج – كما أشار إليه المقال – أمر ينبغى أن يوضع فى الاعتبار بشكل أعمق من ناحيتيه السلبية والايجابية، وأن تفتح ملفات المعالجين والمتعالجين بطريقة علمية تهدينا إلى ماهو أصلح فى هذا السبيل.

وبعــد

فنحن نرجو انطلاقا من هذه المقالة التى راجعت جزءاً هاما من التراث الخاص بهذا الموضوع أن يسهم الزملاء المعالجين أطباء غير أطباء  فى المشاركة بآرائهم وخبراتهم فى مصر حول هذ القضية الهامة وذلك مثل: حجم الممارسة العلاجية النفسية التى يقومون بها ، والتى يعتقدون أن غيرهم يقومون بها، أو معنى مفهوم العلاج النفسى حاليا، وحدوده المهنية( وحدوده خارج المهنة غن أمكن) ومشكلة اختيار المرضى، وتوقع التحسن، ومايتراءى لهم من خلال ما قدمه هذا البحث، او اى راى آخر يثرون به الحوار حول هذا الموضوع، وقد آثرنا فتح الباب هكذا على مصراعيه دون الالتزام باستبار معين لمعرفتنا الحرج الذى قد يتضمنه مثل هذا الإجراء العلمى فى المرحلة الراهنة

المراجع

نوصى لمن يشاء أن يرجع إلى المراجع كاملة باستثارة المقال الأصلى تحقيقا للهدف المحدد من محتوى المقتطف إذ يعاد نشره لفتح باب الحوار .

 
 

[1] – هذه ترجمة مقال:

Assessment of Patients for Psychotherapy” By: Sidney Bloch, Btit. J. Psychiat (1979) 135, 193-208

[2] – ستراب وبيرجين Strupp & Bergin  (1969)

 لوربو سكى وآخرون Luborsky etal (1971)

 جارفيلد  Garfield(1978)

ملتزوف وكورنيرتشMeltzof & Kornerich (1970)

[3] – نقترح هذا التعريف لكلمةSociopath  كما سبق تعريب كلمة سيكوباتى لصعوبة ترجمتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *