الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يناير 1981 / يناير1981-أوراق قديمة حديثة عن عمر الخيام

يناير1981-أوراق قديمة حديثة عن عمر الخيام

أوراق قديمة حديثة

عن عمر الخيام

العالم الرياضى الشاعر الفلكى الطبيب الفيلسوف، و “النديم”

فى كتاب: بحثا عن الجمال

تأليف: فالديمار بتروفيش سميلجا

 ترجمة: عبد اللًَه حبه

تعريف:

“…. وبالمناسبة، فإن عمر الخيام لم يكن معروفا كشاعر تقريبا فى موطنه .

وهكذا ظهر إلى الوجود خيامان:

أحدهما فى الغرب – كشاعر .

والآخر فى الشرق – كعالم رياضيات وفلك وفيلسوف .

والغرب غرب و الشرق شرق”

…………….

” يبدأ عمر الخيام مؤلفه الرائع رسائل حول براهين مسائل الجبر والمقابلة”

وهو كتاب فى الرياضيات سبق بحوالى خمسة قرون ما بلغه علماء الرياضيات فى الغرب، إن هذا المؤلف الذى كتبه أعظم عالم رياضى فى الشرق …….. يحتوى على أول نظرية منهجية للمعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة ….. وقد جاء ذكره فى أوربا لأول مرة وبشكل مبهم للغاية عام 1742.

وكل ما يشبر إليه المؤرخ بهذا االشأن هو: يبدو من عنوان المخطوطة المحفوظة فى متحف لينين أن هناك احتمال فى كونها تتضمن أشياء تتعلق بالمعالات من الدرجة الثالثة، لكن ….” للأسف الشديد أن ليس من أحد ممن يتقنون العربية له اهتمام بالرياضيات، ومامن أحد ممن يتقنون الرياضيات له اهتمام بالأدب العربى “

“وكتب الخيام أشعاره باللغة الفارسية الفصحى أما أعماله  فكتبها باللغة العربية “

التحرير:

هذا الكتاب الذى تضمن هذه الأوراق بين يدينا كتاب تصدره دار مير للطباعة والنشر بالاتحاد السوفيتى، وهو رخيص الثمن بداهة، كتب بشكل شعرى شائق وهو يتصف بالموضوعية والفكاهة والعمق والسلاسة معأ، ويطمئننا أول ما يفعل أن العلم العلم بلا وطن ولاحتكار .

كما أن حديثه عن عالمنا الفارسى المسلم (ذى اللسان العربى فى مؤلفاته العلمية) هو حديث أمين غاية الأمانة وفيه ما نفخر به، ولمؤلفه منه ما يفخر به من حيث الموضوعية والدقة التاريخية والصدق .

وهذه الأجزاء السالفة من الأوراق تشير إلى بضعة أمور يجدر الاستفادة منها:

1- يبدو أن معلومات أغلبنا عن عمر الخيام مستمدة من شدو أم كلثوم فحسب وذلك قد يعلن جهلا مخجلا لا عذر فيه .

2- إن افتقارنا إلى علماء ” يضيفون إلى العلم ” (لايرددونه أو يعيدونه)

كما فعل أسلافنا أصبح حاجة ملحة لامفر منها .

3- إن اللغة العربية كانت هى لغة العلم حتى لدى بعض الراود ممن يجرى لسانهم اليومى بغيرها (مثلما هو الحال عندنا الآن بالنسبة للغة الانجليزية فى علم الطب فى مجتمعنا المصرى حاليا … وياللوضع الذى انقلب)

4- إن الكتابة الأصيلة بالعربية فى مجال لايهتم به عدد كاف من المتحدثين بها

( مثل الطب النفسى  كعلم ) تحمل خطر الغربة والإهمال، مثلما أهمل عمل الخيام الرياضى وهو أصل اهتماماته العلمية .

ما اشبه الليلة بالبارحة:

ثم نعود  نقلب فى الأوراق الحديثة القديمة على لسان الخيام ذات نفسه هذه المرة إذ يكتب فى رسالته حول الجبر …… بشكل كئيب وبمرارة:

” …… لقد حرمت من إمكانية القيام  بهذا العمل بانتظام (ويقصد بذلك الجبر – المؤلف ) وحتى لم أستطيع تركيز افكارى حوله لسبب تقلبات الدهر التى أعاقتنى، وشاهدنا هلاك علماء لم يبق منهم إلاحفنة ضئيلة العدد تحملت الكثير من المصائب والآلام، إن قسوة الدهر فى هذه الأزمان تعوق العلماء كليا عن التفرغ لتطوير وتعميق علمهم، إن السواد الأعظم من أولئك الذين يتخذون مسحة العلماء فى أيامنا، يغلفون الحقيقة بالزيف، ولايبلغون فى العلم ماوراء حدود التلقيد والتظاهر بالمعرفة .

أما مافى جعبتهم من معارف، فإنهم يستخدمونها لتحقيق الأهداف السطحية الزائلة، وإذا ما التقوا برجل يتميز بكونه يبحث عن الحقيقة ويحب الصدق، ويحاول دحض الكذب والنفاق والامتناع عن التفاخر والخداع، فإنهم يجعلونه مادة لاحتقارهم وسخريتهم. (انتهى كلام عمر الخيام)

التحرير:

لاتعليق اللهم إلا: ما اشبه الليلة بالبارحة (مع تحياتنا للجان المؤقته والدائمة للأبحاث، وللوظائف البحثية التصاعدية الشكلية المطهمة، وللمنح المشروطة والخبيثة جميعا !!) .

العالم الرياضى والشاعر، والنديم:

” ….. لكن أعمال اللًه الكريمة ليس لها حدود، ففى عام 1074 (م) دعا ماللك شاه نفسه (وما كان الخاقان سوى أحد تابعيه) دعا الخيام إلى بلاطه فى أصفهان وجعله نديمه .

أو تريدون أن تعرفوا من هو ” النديم “؟

إنها وظيفة غريبة نوعا ما:

السلطان يحتاج إلى محدثين، ومؤتمنين على الأسرار، علاوة على عمهلم الأصلى، وحراس شخصيين، وهذه جميعا من واجبات النديم، والنديم يشارك فىالولائم التى يقيمها  الحاكم، ويتحدث معه ويسليه، ويبدى إعجابه، إعجابه بالحاكم، بحكمته وبجرأته، و بجماله، وبموهبته الشعرية، وبجياده، وبصقوره، و لكن ….” إلى أن قال ( مقتطفا من كتاب الإدراة “سياسة نامه”):

” ……. ويجب أن يكون النديم على وفاق مع الحاكم وينبغى عليه أن يجيب على كل ما يتحدث به أو يقوله الحاكم بترديد “ممتاز، رائع ” ويجب أن لايرشد الحاكم معلما إياه ” أن إفعل هذا، ولاتفعل ذاك، لماذا قمت بذلك؟ “يجب أن لايفعل ذلك، وإلايضيق الحاكم به ذرعا ن ويحدث نفور منه ” ….. ثم يستطرد نظام الملك:

” …. إن الكثير من الحكام جعلوا ندماء هم من الأطباء والمنجمين” .

التحرير:

وتثير هذه الورقة عدة تساؤلات أيضا:

1- يا ترى هل يحق للعالم، حتى تتاح له فرصة أكل العيش والتفرع لعلمه وهو أمانته وواجبه الأول، وحق ينشره بين الناس للمعرفة ويودعه الكتب للتاريخ، هل يحق له أن يعمل نديما كوسيلة تبررها الغاية ؟ (1)

2- يا ترى من  يقوم فى العصر الحاضر بدور النديم ؟ وأين يقع رؤساء تحرير الصحف و المستشارون الخصوصيون و الأطباء النفسيون (أحيانا) من الصفات سالفة الذكر؟

ويا ترى تغيرت الأسماء والنظم أم تغيرت الأمور بحق ؟ وهل عندكم من دليل؟

الطب حرفه اضافية:

” …… وفى الختام كان طبيبا، ويذكر ذلك كاتبوا ترجمة حياته أكثر من مرة ” .

التحرير: إن موقع الطب كحرفة إضافية يؤكد ضرورة تصحيح خطأ شائع فى عصرنا هذا – وفى مجتمعنا خاصة – وهو أن الطب علم معرفى، فمها زادت المعلومات الطبية فهى مازالت معلومات إمبريقية فى كثير من الأحوال، وهى أدوات تطبيقية نفعية، وعلى الطبيب إن جاز له أن يتنازل عن غلوائه وان يتعلم من أخبار التاريخ أن يذهب ينهل من المعارف بجوار مهنته مع محاولة متابعة معطيات مهنته، وإلا فهو حرفى مسطح لاأكثر  ولا أقل وهذا لايعيبه إلا أنه لايبرر له غروره وشعوره بالتفوق دون مبرر حقيقى، وإن جازت أن توجه هذه الدعوة للمعرفة للأطباء عامة …. فهى واجبة بالنسبه للطبيب  النفسى على وجه الخصوص لذلك لزم التنويه (والحسرة بدرجة ما).

صورة لأزمة العالم المبدع من الخارج:

يقول المؤلف ف: سميلجا فى وصف الحالة التى صبغت ما هو الخيام وأحاطت به: (هذه الورقة حديثة بالضرورة).

“….. حاول أن لاتكون سريع التهيج إذا ماكنت  محاطا بالأنذال والدجالين واللصوص …… وإذا ماكانت منزلتك ” فى البقر ” تروع حفنة من المتزمتين الأغبياء المستعدين لتمزيقك فى أية لحظة، وإذا ما أمكن أن تفقد هذه المنزلة فى أى وقت بسبب زلة لسان بدرت منك صدفة أو إبتسامة جاءت فى غير محلها حاول الاحتفاظ بالمزاج المرح والاحترام تجاه الناس .

إذا لم تعرف فى كل صباح بما سينتهى يومك وأذا ماكنت عاجزا أن تصبح مثل الآخرين ممن يحيطون بك، وإذا ما وجب عليك الكذب فى كل لحظة، وكل ثانية، وأن ترى الآخرين يفعلون نفس الشئ بمبالغة واستمتاع ظاهر تقريبا، حاول ذلك ولاحظ أيضا أنك لاتستطيع  أن تقاسم أى شخص ماتعانيه لأن إئتمان مثل هذه الأفكار – يعادل النفى الطوعى تقريبا – بأفضل أشكاله، حاول، وإذا كنت تتمتع بموهبة شاعر، فلنر، كيف سيكون وقع أشعارك”.

التحرير:

 لقد صور سميلجا بشكل أدبى رائع أزمة الاختلاف الصعب التى تخلق إما مبدعا خلاقا فى الرياضية أو فى الفلك أو فى الشعر …… الخ أو تمزق الإنسان فى انهزام مرضى لامحالة، وهذا الصدق فى الوصف بما يشمل التأكيد على عمق الوحدة ومأساوية التكيف، يواجه بأمانة وتحد كل العبث الشائع حول المسكنات العصرية (الكيميائية والإعلامية معأ) مثل النصائح المسطحة عن “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر فى الناس “او ” سبع نصائح فى كيفية الحصول على رضا أولى الأمر …….الخ”  (تحت الطبع فى الأغلب)، والتساؤل الأخير يقول:

إذا كان الأمر كذلك من قديم الزمان، وهو هو كذلك فى هذه الأيام  فأين التقدم الذى حققه الإنسان ؟ وأين جرعة الإبداع التى توازن هذه المسيرة المرعبة القاسية فى كل الأزمان ؟ وأين دور الطلب النفسى والتوعية التربوية من ضغط كل هذه الحقائق القديمه الجديده ؟

لابد أنها كلها موجودة تتأهب …..

لم لا ؟

****

[1]-   يعلن الجميع بلاتردد رفض مبدأ “ الغاية تبرر الوسيلة “ ولعل ذلك يساعدهم على ممارسته فى خفاء حتى على أنفسهم “ أو لعله يعفيهم من التأكد من وضوح غايتهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *