الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (5) مقتطفات: من كتاب “رباعيات ..و.. رباعيات” نواصل اليوم مع رباعيات الخيام

جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (5) مقتطفات: من كتاب “رباعيات ..و.. رباعيات” نواصل اليوم مع رباعيات الخيام

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 11-6-2017

السنة العاشرة

العدد:  3571    4-6-2017

جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (5)

مقتطفات:

من كتاب

 “رباعيات ..و.. رباعيات”

نواصل اليوم مع رباعيات الخيام

 مقدمة

أنهيت نشرة أمس قائلا: “… إن المتجول فى بستان الخيام، بعنبه وحصرمه، إن صدقت المحاولة، وأحسن صحبته ولم يكتف بظاهر كلماته، سوف يضرس من حصرمه المرّ، قبل أن ينتشى من عصير عنبه المُخمـّر، فألم الخيام وحزنه هما الأساس، بل إننا نكاد ندرك أنهما الأساس والفروع جميعا على الرغم من دعوته المتكررة إلى عكس ذلك.

إلى أن قلت:

“…موقف الخيام من الله سبحانه هو موقف المؤمن الراجى المعاتب الساعى إليه، وهذا جزء جوهرى على مسار التطور عامة ، لا يمكن لمبدع حقيقى أن يفلت من مواجهته، وهو بعض أصول وجذور الفكر الذى يقدمه الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى”

واليوم نواصل مع نفس الكتاب “رباعيات ورباعيات”.

المقتطف:

جرعة الأمن.. ويقين المغفرة

…على أن هذا الألم الذى ينشأ نتيجة للافتقار إلى جرعة الثقة الأساسية (أو الأمن الأولى)، هو نفسه قد يكون الدافع إلى دفاع آخر من خلال المبالغة فى ثقته بالمغفرة وحسن الختام، ولكنها ثقة فيها جرعة من الغرور والأنانية، بل والعتاب والمؤاخذة، فهو يخاطب ربه مطالبا بحقه فى المغفرة، ماذا وإلا!!:

إن كنتَ لا تغفر ذنبى فما

فضلك يا ربى على العالمين؟

(159/97)

بل إنه قد وصلنى موقفه، وكأنه احتلّ موقعه فى الجنة “بوضع اليد”، وهو يكاد يهدد أنه لم يدخلها فإنها قد تحتاج إلى “لافتة للإيجار”.

لو كانت النار لمثلى خلت

جنات عدن من جميع الأنام

(160/107)

وبالتالى هو يبدو وكأنه يفرض شروطه حتى فى الآخرة مستبعدا دخول النار بكل غرور طفلىّ طيب (فى الأغلب).

التعقيب:

مرة أخرى أعترف أننى لم أستطع أن أنظر إلى هذا الموقف على أنه غرور خالص، ذلك أننا  لو أخذنا بقية ابتهالاته، واستغفاره، ولا أقول توبته فقط (فهو لم يتب توبة نصوحاً، فقد عاد وعاوَد) فسوف نكتشف عمق الرجاء أو ما يمكن أن نسميه “العشم” النابع من الثقة فى رحمته سبحانه بلا حدود، إن ما وصلنى من مجمل موقفه  هو أنه يحتج على القدر، ولا يحتج على الله، وإن تجاوز ووجَّه عتابه لربنا سبحانه، فإنه يفعل ذلك فى مجال الرجاء، أكثر مما يفعله بلغة الاحتجاج المباشر أو العصيان الذى يضاعف من بعده عن ربه

بل إننى أتصور من عمق معين، أنه باتكابه هذا العصيان بالشراب بالذات، قد يصّور له جانب من وجوده أن هذا يقربه إلى الله أكثر، مما لو كذب أو اغترب تحت عناوين عادية، قد يكون فيها من العمى والبلادة ما لا تليق بحساسية وصدقه وشاعريته.

أتذكر فى ذلك شعرا للأمام الشافعى (على ما أذكر) وهو يعشم فى ربنا أيضا عشما موازيا مع فارق الذنوب طبعا وهو يقول: (عذرا فأنا أكتب من الذاكرة)

أنا مخطئ أنا مذنب أنا عاصى   ** هو غافر هو راحم هو كافى
قابلتهن ثلاثة بثلاثة        **    فغلبت أوصافه أوصافى

 طبعا أنا لست مع هذا الموقف كما يبدو ظاهره، لكن من رأيى أن مسألة الإيمان ليست خيارا سهلا لمن ينتمى إلى الفكر التطورى الذى ينبع أساسا من وصلة المنبع بالمصب، وقد ألمحت إلى سوء فهم إيمان تشارلز دارون نفسه، الذى لم ينكر الله إطلاقا، وإن تحفظ على التفاصيل، وقد كتبت نشرة بأكملها أعزو عمق اكتشافاته ليس إلى شطارته فحسب، وإنما إلى عمق حدسه الإيمانى، حتى لو لم يقر هو بذلك. (نشرة 3-8-2014 “تشارلز داروين “جاب الديب: من بؤرة وعى إيمانه المعرفى”(وليس من “ديله”).  

الذى ينتمى إلى الفكر التطورى، وخاصة من خلال ممارسة العلاج الجمعى، وعلاج الوسط، سوف يجد نفسه فى بؤرة وعى جماعى لا يمكن الحد من امتداده المتمادى إلى كل دوائر الوعى المتلاحقة وهذا ما يوصل إلى ما يرجوه أى كادح لا يتوقف، وبالنسبة لثقافتنا الحالية، فإننى أتردد تماما فى استعمال اللغة الدينية اللفظية استعمالا مباشرا، حتى لا تترجم للتو لما فرضته علينا تفسيرات الألفاظ والمعاجم الحرْفية بعيدا عن ما توحى به مستويات الوعى  المشعة وما أنزل الله سبحانه، تلك المستويات الممتدة والمتصاعدة.

الذى يميز الفكر  التطورى، إنما يتجلى فى الإبداع، وخاصة إبداع الشعر، والتشكيل، والنقد  هو صدق جرعات كل من “الدهشة”، والنقد، والسعى، وإعادة التشكيل طول الوقت فى كل المجالات، وقد كتبت عن كل هذه المجالات فى نقدى للخيام فى الكتاب الذى نقتطف منه الآن، لكننى أنتهز فرصة لأضيف نصوصا أخرى من خارجه تؤكد حيرة الخيام وسعيه الجاد والعميق ، ويقينه من حقيقة ما يسعى إليه ، ولن أعقب عليها.

الله يدري كل ما تضمر
يعلم ما تخفي وما تظهر
وإن خدعت الناس لم تستطع
خداع من يطوي ومن ينشر

* إن وصفه لله أنه هو الذى يطور وينشر، لا يحتمل أى شىء آخر غير عمق إيمانه

سئمت يا ربي حياة الألم
وزاد همي الفقر لما ألمّ
ربي انتشلني من وجودي فقد
جعلت في الدنيا وجودي عدم

* بعد كل هذا الخمر والقصف والهرب يسمى حياته “حياة الألم” ولا يجد مخرجا إلا باللجوء إلى  الله لينشتله من كل وجوده الذى أصبح كله ألماً

 يا رب مهّد لي سبيل الرّشاد
واكتب لي الراحة بعد الجهاد
وأحي في نفسي المنى مثلما
يحيي موات الأرض صوب العهاد

* هذه الدعوة الخالصة تحمل ضمنا يقينا بإعادة الولادة، وبالبعث المتحد من خلال الإيقاعحيوى، فى كل ليلة، وكم استشهدت بدعاء النوم والاستيقاظ “الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور” لأبين هذه الطبيعة التلقائية البسيطة الرائعة.

وبعد

نواصل غدًا، لست متأكدا، ربما آن الأوان أن ننتقل إلى نجيب سرور.

 

 النشرة التالية 1النشرة السابقة 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *