الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد ابريل 1980 / ابريل 1980-عود على بدء فى العلاج الجمعى

ابريل 1980-عود على بدء فى العلاج الجمعى

عود على بدء

د. سيد حفظى

الموجز

نفس الطبيب المبتدئ يواصل مناجاته عن موقفه من العلاج الجمعى

…..، ترى هل يتقدم أو يتراجع ؟

قالت همسا واثقة من خلوتنا :

– خلاص الموال انفض وكل واحد راح لحاله،ورجعت تانى لوحدى لاعاوز حد يسأل فى ولا أسأل فى حد .. صحيح أنا كان نفسى بقى ياواد استريح بقى.. شوف.. حس.. اسمع .. كلم.. بص كويس.. حب..خاف …إكره.. أهه كده أحسن غطى نفسك ياواد .. وبالمناسبة الظروف برضه مساعدة. الدنيا شتاء .. النوم فى الأوراق، البطانية فى البيت والأمراض فى الكلية… وخللى اللى جارى جارى، واللى تحت مستخبى خليه مستريح واوعى تحركه… وأهى ياعم بركة ياجامع.. اللى جت منك ولا جتشى منى.. الحمد لله…. أهه برضه أبوالسيد واد حدق وشاطر وذكى، ودخل التجربة ونجح فيها للآخر … لكن إيه إما اتهزتش ولاشعره فيه …..

– لكن لأ !ده أنا حسيت؟؟ شعرى وقف، خفت من الحقيقة؟ شفت اللى جوايا اللى مش قادر أخلى حد يسمعه أويشوفه .. الإحساس اللى كان نفسى فيه من غير ما أعرفه.. الحب…. اللى كنت بألاقيه فى الأكل…. المذاكرة …. العادات .. البنات .

الكره …. اللى كنت بألاقية فى الخناق … الحرب … الكورة … الحياة … الكلمة….

معناها … إزاى تقولها …. إزاى تسمعها…… إزاى تفهمها …

– لكن باقول إيه ياعم! خلص شغلك… شوف الكتب … شوف العيادة الجواز..السفر…الفلوس. أخوك ..إنت ..ياعم اسكت.. الباب اللى ييجى لك منه الريح سده واستريح، والشباك اللى ما يخليكش لوحدك تربسه واقعد مع سرك…، وأهه قال يعنى ده بقى صاحبى….. وده يبقى أخويا … وقال يعنى ناضج …وقال يعنى الدين مش داخل.. وأنا باحب اللى مش زيى، وإنت أهو بتفهم وشايف كل حاجة..

– بس خد بالك ده لو كنت لوحدك صحيح… ده فيه غيرك… معاك… حواليك…..

بيقول لك تعال شيل اللحاف…. إفتح الباب… وبص حواليك….

شوف أخوك ……………. خليه يشوفك

سلم عليــه ………………… خليه يسلم عليك

حبــــه ………………… خليه يحبك

إكرهـــه ………………… خليه يكرهك

إحضنـــه ………………. خليه يحضنك

– لأ لأ لأ خلينى أفكر سيبونى لوحدى أنا عاوز أفهم ….

– ياعم كفاية فهم….. حس بقى… هو إنت صخر ولا إنت بنى آدم…..

– حقى أفهم ……

– وحقك تحس

– واجبى أفهم

– وواجبك تحس

– ياعم عاوز أشوف اللى جوه ….أنا مالى…. ماأنا أهه باللى .. وكويس وبانجح

– على حساب اللى جوه …………………..

– يمكن آه …. ويمكن …………………….

   لكن مش متأكد

– لأ ده هو اللى انت خايف منه، مش عاوز حد غيرك يشوف التعويرات والصعوبات والضعف والجهل والخيبة .

– ……………………………………….

– آه سكت ليه ؟ ما تتكلم انطق دافع رد قول حاجة .

– ………………………………………..

– ما ترد بقى ، السكوت يابنى علامة الرضا .

– ………………………………………..

– يارب!

– يارب!

***

والرأى الآن ياسادة ؟؟

فى واقع الأمر لقد قمت بكتابة مشاعرى بعد انتهاء تجربتى الأولى البسيطة فى عالم العلاج الجمعى، ولم أكن أقصد أو أهدف أن أنشرها أوأدع أحداً يقرأها. لقد كتبتها لمعرفة ماذا يجول بخاطرى، بداخلى، بواقعى ..

لقد حاولت الرد على  المدعين…. ولكنى فوجئت بما لا أتوقعه وما لا كنت أعتقده، وسكت، واحتفظت بالملاحظة لشخصى، لعلى أفهمها فى يوم ما ……. ولعلى أستفيد منها فى وقت ما ….. ولعلى أعمل بشئ مما فيها فى قرار ما.

ولكنى فى يوم ما بعد صدور العدد الأول من هذه المجلة وفيه مقالى الذى قرأته مثل الآخرين فى دهشة وإعجاب معا، ووجهت بأنى على وشك التراجع، ولهذا قررت أن أبعث بما كتبت من قبل لنشره وليكن ما يكون… تلك كانت التجربة التى خضتها وهذا كان خوفى وأنا فيها….. وهذه هى رغبتى وأنا بعدها …

إننى أكتبها لأن هذا حقى فى موقفى ولأننى راغب فى الاستمرار ولأننى مشجع إليها … فلا بد أن أعرف أين تكمن الصعاب، وكيف تتعثر الخطوات، ولماذا تتراجع الهمم (وليس تثبط) وهذا قبل أن أرى كيف يقع الإنسان، وكيف تتجزأ الكيانات، وقبل أن أفهم أين ينتهى الطريق، وعلى أى درب يكون الشفاء ….. هذا حقى فى خوفى .

وها أنا أحاول أن أفتح للآخر باباً، ومن حقى أن أتردد ، فبعد طول عمى فى ظلام….. تنبهر الأعين بالأضواء …….

وحينئذ تكون الدموع …… والتعثرات

وقد يكون الإنشراح والأمل والانطلاق والبسمة …

وأعتقد أن قرارى لخوضى التجربة مرة أخرى يختلف عنه فى أول مرة….. ففى الأولى كنت التلميذ الراغب فى التعليم الذى يرفض أن تفوته همسة، وهو ( الانانى) الذى يحتفظ بالكل لنفسه، قد يكون لايهدف أكثر من هدف طفلى وهو امتلاكه الكل والإحتفاظ بالكل… ( وهو المقابل للموقف الفمى الفرويدى كما قرأت)

قد يكون لم ير أبعد من طرف أنفه ……

قد يكون لم يحس بالصعاب ولم يرها قبل أن يدخل فى ( المعمعة) .

ولكن لحسن حظ ( الطفل) [ أعنى هنا الإشراف ] أن الجرعة كانت بدرجة ملائمة لنموه… فبدأت تتفتح العينان …. وبدأت تصغى( الآذان ) … وبدأت العواطف تتحرك .. ولكن حقيقة كانت هذه أقلهم نشاطاً .

الآن هذا القرار بالرغبة فى أن أمارس فى هذا العالم شيئاً ، ما وجدته إلا فى اللغة العربية[1]وبالذات فى الشعر العربى حين تعرفت عليه فى بداية البداية، فالكلمة فى مكانها لا تعنى إلا معناها! وكذلك أريد أن أشبه بعض مشاعرى فى المجموعة بمشاعرى حين كنت أقرأ قطعة من الشعر العربى بما فيه من كنايات واستعارات وتشبيهات وما شابه من صور بلاغية……  لقد تساءلت مراراً بينى وبين نفسى كيف يمكن ومن أين حصلوا أو استطاعوا أو تمكنوا من صياغتها على هذا النحو البديع …

***

ولكن الأمر عاد فاختلط على وما كنت أدرى … وما صارحت أحداً، لماذا إذن هم

( المرضى) ؟… كيف اقتنعت بالطريقة وأنا لا أستعملها؟! لقد رأيتهم بعدها وكأن بينى وبينهم هوة كبيرة…. ولكنها غير التى كانت بادئ ذى بدء تلك الرؤية الأولى كانت المسافة هى التى بينى وبين شاشة سينما… فرجة.. جثة فى المشرحة…. قد يكون مريضاً فى قسم الأمراض الباطنة الخاصة لاأكثر ولا أقل…… نعم كانت فرجة .

أما هذه الرؤية الأخيرة، فالمسافة أيضا قائمة ولكن قد تكون إحساساً بهول الموجود،قد تكون خوفاً من الاقتراب، قد تكون عجزاً عن المساعدة….( عجز حقيقياً عن مساعدة حقيقية) .

ويرتعش قلمى وهو يكتب ولا أجد القرار المناسب.

وقد يكون القرار مجرد حماس لافتقاد هذا الشئ فى الخارج بعيداً عن العلاج بعد

ماذقنا حلاوته ( عاوزين نكثر منه ……)

 

[1] – دراسة الكتاب أساساً حتى الثانوية العامة كانت بالفرنسية فى كلية دى لاسال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *