الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1980 / عدد اكتوير 1980-المسرحية…والانسان وحيداً

عدد اكتوير 1980-المسرحية…والانسان وحيداً

 

عدد اكتوير 1980

المسرحية… والانسان وحيداً

د. سيد حفظى

هو إحساس صادفنى مرة ومرات، ثم وعيت به فى واحدة منهن؟ فقررت كتابته لعلنى أستطيع بعد هذا مراجعة موقفى؟ ثم وضحت لى رؤية أخرى بعد كتابته وهى أنه من حق الذين يرفضون التغيير ويرفضون أن يتنازلوا عن مكاسبهم أو حتى عن خساراتهم أن يكونوا فى موقفهم هذا؟ فالتغيير صعب جداً؟ والقرار نفسه فى غاية الصعوبة لأنه حينما يتخذ القرار تتضح الرؤية كاملة جلية للنفس، فقد يجد الإنسلن نفسه فجأة وحده وقد اتخذ القرار لنفسه هو على مسئوليته هو، ليحقق به مآربه هو دون الآخرين….. ولأنه هو قد يكون شعر بحاجة إلى مثل هذا القرار.

ومع تكرار الرؤية – وليس الإحساس – وجدت أن أكتب هذه الخبرة للنشر فى هذه المجلة؟ غير هادف أصلا لأن يشاركنى أحد، لأنه لن يستطيع؟

فتجربتى لن تكون هى تجربته أبداً؟ وليس من باب الكتابة الذى يحمل معنى الإستمناء العقلى؟  ولكن لعلى فى يوم من الأيام، أراجع كتاباتى، فأحاول أن أسعى إلى قرار آخر اثناء تجربتى – وما بعدها – وما قبلها .

****

(فصل رقم x)

ملحوظة: المتحدث هنا هو الإنسان .

أنا فى بعض لحظات من وجودى، حينما أحس أننى دون معنى، أو ليس هذا تماماً بل أقصد أجد نفسى دون وجود آخر يزودنى بما يشبعنى، يملأنى بما يشغل فراغا فى داخلى، أحس – وإن كنت لست متألماً ولامتأوهاً ولا متوجعاً – ولكنى أحس بأننى أريد شيئاًُ ما، وأننى أسعى إليه، وإن كنت فى كثير من الأحيان: لاستحالة الوصول إليه – وهذا إحساس لا شعورى يتأثر به كيانى الشعورى – أو لصعوبته، أو لعدم وجوده آنذاك أو لإحساسى بأننى فى سعي إلى استشفافه من الموجود وقتئذ، قد أنقص من كيانى ما يقيم إحدى دعائم بنيائه، أو قد أهدمه، فإننى أجد نفسى ضائعا أو بعيداً أو وحيداً .

ولا يحدث هذا فى كل هذه اللحظات، ولكن حينما أتفكر فى نفسى وفى صفاتى وطباعى ، ومكونات العالم المحيط بى، من أناس ومصنوعات هم أوجدوها، ويطول بى التفكير أو …..لا….  ولكن …… يبطئ بى الزمن، فأجد نفسىأتباحث مع نفسى كل دقيقة، وكل سبب وكل نتيجة، قد أراجع الماضى لأستخلص منه لحظتى، فأجد تغاضيت عن لحظات فى لحظات معينة، فأستنتج أننى وبنيانى فارغان، ليس هذا فقط، بل كاذبان، وحيدان .

فى تلك الآونة يكون أمامى إما الهروب من المأزق، أو التخلص منه باعتباره ليس مأزقا ولكن نضجاً، أو……. البقاء فيه مع محاولة تفهمه وإزاحة الستائرعن رؤيتى له متبصراً فيه…… والحقيقة ان كل من هذه الحلول يكون له ما يبرره ويدفع إليه، بل أكثر من هذا يكون فيه لذته ومرارته، ويكون فيه سهولته وصعوبته، ويكون فيه نضجه ورعونته.

ولكننى أعتقد أن الطريقين الأولين لابد وأن يفضيا فى نهاية الأمر إلى النتيجة التى ينتهى إليها الطريق الثالث… بل يمكن أن تكون بدايتهما من نهاية فى الطريق الثالث، إذ أنه قد يبدو إلى الذهن فى لحظة  وتتضح نهاية فيه، وهى الوحدة، فيلجأ الإنسان إلى الحلول الأسهل على حسابه…….. فهذا الطريق الثالث هو وحيد وحيد، وبالرغم من أنه، كما يخطر إلى فى بعض الأحيان، الوسيلة الأمثل لكى أشعر بوجودى من خلال نفسى وعبر صلاتى بالعالم الذىيحيطنى ، فإنه أيضاً وحيد وحيد وحيد .

على هذا الدرب تكون سرعة الزمن غاية فى البطء، يكون الإنسان عبئاً على كاهل نفسه، وتكون الحقائق غاية فى الألم، كما تكون عميقة التجلى للعين، بل تكون خالصة من  كل أوهام، بل تكون نقية من هذا الوجود …… المحيط……… وحدها ..

على هذا الردب أكون باحثا ومحتاجاً وسائلا، ولكن من نفسى ولنفسى وحدى……

قد أستسهل الهرب بعد الاطلاع على جزء من حقيقة الموجود، وقد تطول بى فترة العرض.

أجد نفسى رافضاً لهذا الوجود – حولى – رافضاً لا لوجوده ولكن لتفاعلاته معى، ومع الآخرين، رافضاً لمواقفه، لأنانيته، لاستغلاله، رافضاً لتكبره، لظلمه، لجحوده، لقسوته، رافضاً أيضاً لوجودى معه، لاشتراكى معه فى خلق هذا الكون ولكن ما باليد حيلة !! ها أنا وها هو وها نحن فى هذا العالم ولابد أن نسير وأن نحقق أهدافننا؛ أنظر غلى نفسى، أرفض تنازلى عن أهدافى، عن آمالى من أجله، هذا ظلم من إنسان لإنسان؛ لأحقق غاياتى، فهى لى، لاتضره لا تحرمه، ولكن هو ظالم وانا ضعيف…… ولكن لا لست ضعيفاً؛ ولكن أخاف وأرتعد حينما يلوح لى أننى سأكون وحدى .

فى هذه اللحظات  أعتبر هذا نزولا على درجات السلم، واحدة تلو الأخرى، من أجل فقدان الصلة بالهواء النقى، وامتلاء الصدر بالكذب والخداع….. وأجد نفسى فجأة إن ما كنت أسعى إليه بادئ ذى بدء، لأن أملأ فراغا ما بداخلى، ما هو إلا كذب، كذب، وهم، خيال، ليس بحقيقة ملموسة؟ ولهذا  لايمتلئ، ولا يجعلنى أحس بأننى أحتوى على شئ موجود، ولكنه يفرغ فور الشهيق، حتى لأجد أن الزفير ليس فيه ما يشعرنى بأننى أتنفس، لا حرارة لا دفء ، ولا قوة .

فيبرز فى ذهنى أننى أريد الحقيقة، وأريد العلاقة العادلة، أريد تحقيق أهدافى مع أهداف العالم حولى…… وأتبين صعوبة واستحالة ما أبقى فأتيقن أننى وحدى فى هذا الخيال المر الواقع الألم .

****

( فصل رقمx  + % )

إن الإنسان يحس وحدته حينما يجد ان كل واحد آخر يسمى لتحقيق هدفه فقط، أولا وآخراً؟ حين يكتشف هذا الإنسان أن الآخرين إنما هم فى أفلاك خاصة يدورون فيها، وهو بالنسبة لهم شئ ما، قد يكون موجوداً ليحقق هدفاً لهم، قد يكون فى وجوده وحركته والتقائه بهم بمثل هدفاً من أهدافهم، قد يكون وسيلة لتحقيق أهدافهم، حين يعى أنه بوجوده إلى جوراهم، وعلاقتهم المتبادلة معه، المحترمة له كإنسان، الساعية إلى الإقتراب منه، إنما هو، بهذا كله، يشكل خطوة يخطونها نحو تحقيق أهدافهم….!

فى هذه اللحظات يشعر الإنسان بأنه وحده فى هذا الكون وأن عليه أن يسمى ويجرى ويتحرك ولايتوقف، هذا لأنه محتاج لوجود هؤلاء الآخرين – معه –  ولأنه لو توقف لن تتوقف الحياة، بل ستمضى بحركتها الدائبة، وسيكون عليه أن يفنى – وحده – دون أن يحس بالحياة – وحده .

فى هذه اللحظات قد يحاول الإنسان أن يقرر أن يتخذ لنفسه قرارا آخراً، مختلفا عن سابقيه، جديداً فى نوعه، يهدف به نفسه ومصلحتها وبقائها، ولكنه يصدم حين يكتشف أنه حتى لايستطيع أن يتخذ هذا القرار…… سيكون وحيداً …… سيرفض الموجود كله …. لن يرضى ببقائه ….. فلا مناص من الخضوع … الخضوع لأن يوهم نفسه بعلاقة متبادلة مع  آخرين يحتاجهم ويحتاجونه، لأن يضع نفسه بوجودهم المتبادل المصلحة والمنفعة، بالرغم من هذا الإحساس بالوحدة، فيضطر أن يدفنه فى نفسه، وكلما طفا على سطح شعوره حاول التغاضى عنه وعدم المرور به، وإلا سيكون ألماً فظيعاً – بل إحساساً رهيباً بالضياع فى هذا الكون – بل قد يكون إحساساً بأنه فقد السيطرة على نفسه .

هذه الرؤية الحادة، من هذه الزاوية، إنما تحدث حينما يكون هذا الإنسان مفعماً بالشعور بالإمتلاء بالآخرين ، ويجد أو يحس أن هؤلاء الآخرين، وهم أيضاً مفعمين بنفس الشعور إنما ليس له هو، ليس للعلاقة التى بينهم؛ إنما لهدف آخر، قد يكون هذا الهدف أعلى مرتبة منه هو وقد يكون أدنى، ولكن فى كلتا الحالتين يجد الإنسان نفسه ممتلئاً بحقيقة كاذبة، بخيال من واقع؛ قد يجد ان هؤلاء الآخرين وهم يهدفونه لا يهدفون له .

قد يجد أنهم وهم يتوجهون إليه لا يتوجهون إليه.

قد يجد أنهم حين يضمونه لا يضمونه هو.

آه لو وعى الإنسان بهذا التناقض الموجود، لو أدراك هذا الإختلاف البين، سيكون فعلا إحساسه الوحيد، بأنه وحده فى هذا العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *