الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1980 / عدد أكتوبر 1980-هذا الذى وقف شاهداً

عدد أكتوبر 1980-هذا الذى وقف شاهداً

 

عدد أكتوبر 1980

هذا الذى وقف شاهداً

حافظ عزيز

الموجز

” هذه خبرة شديدة الحياة شديدة العمق، وقد تبدو لمن لا يعرف: شديدة الغموض، رغم أنها شديدة الوضوح، وهذه المجلة تعتذر رغم كل شئ لمواجهة القارئ بهذه القطع المتوهجة من  الألم الإنسانى الحى، ونرجو أن تقدر على تعدها وتقدمها، دون تعليق “

ويستبد بى الخوف من أن أحاكم أمام قضاة غير عادلين – يأتى عدم العدل هنا من العمى بالإنسان خيره وشره…..هداه وضلاله….. قوى الموت والحياة داخله.

ومع استحالة الاعتراف، لمعرفتى بالبشر

والانتحار كنهاية جبانة

والجنون كخبرة سابقة

يعجز العقل، وتتحرك الرؤية لتضعنى أمام المسئولية.

وأرى نفسى فى زمن قديم سحيق القدم وقد عرضت على الأشياء جميعاً فأقبض بيدى على شئ ما قبضة قانعة قوية فى مناخ تشمله الحرية.

فأدركت اختيارى.

وتحدثت بما رأيت – على الرغم من شعورى بأنها رسالة خاصة وشخصية…..

لم تكتمل، وعاهدت نفسى على مناطحة اختيارى

ويبتلعنى العمل كضرورة للقمة العيش…….

وتمر فترة هدنة

ويلح على الاختيار بحتمه…. ويعاودنى المصير : الخوف.

وأحس بآخر يقف شاهداً عند تجديد العهد مع نفسى فى لحظة جمعت بين الوعى بأصل الاختيار، وضعف الأسباب التى تؤدى إلى حتمه، مستمدة ذلك الضعف من وجوده ذاته…. محققا لبيانه أصل الأشياء…. وزوال الخوف…. والفرحة شعوراً بالعدل.

ويفرض الشعور بالعدل نفسه على اللحظة حتى أنه يرفض ان يشار كه فى تلك اللحظة أى شئ آخر ويعمق فى اتجاه ويشمل الذات ليصل بذاته  إلى المطلق مولدا ” شعورا”  نمطيا بالرحمة.

وتدخلنى السكينة.

وأرانى قد قبلت الدين دفعة واحدة، وتصبح الصلاة والصوم ضرورة رائعة، وبدون كل الأسباب التى سمعتها فى المساجد ومن أسرتى وقرأتها فى كتب الدين.

وأحس بتناغم الأشياء( جميعاً) جميعها فالجبل والشجر والنهر والطير والقمر والنهار والليل وكل شئ يدخلنى ويحادث روحى.

وأقف لألتقط أنفاسى وسط معركة الحياة اليومية.

وتمر فترة هدنة

وأتناسى الشاهد… فينسحب…. وأصبح وحيداً…. وتقوى الأسباب مستمدة قوتها من غياب ومن وحدتى لتصل بالاختيار إلى حتمه.

وأهدده بالثبات على العهد…… ويهددنى بالجنون

فأرحب به فى يأس

ولأجمع شجاعتى من الآن للوقوف أمام قضاتى الذين أعرفهم جيداً فهم أناس منمقون.

حرفيون اجتماعياً

عيون مسطحة كعيون الكلاب

وفى اللحظة التى يصدرون على الحكم فيها بالإعدام حماية لأنفسهم من رؤية ألمهم وأملهم:

أصدر عليهم الحكم بدورى أن يظلوا كماهم هوام رسمت حياتهم من خوفهم وخوف من قبلهم.

وأن يظلوا محرومين إلى الأبد من لحظة معايشة وجود آخر غير وجودهم وليذهبوا ليأتوا بآخرين غيرهم.

وفى النهاية

أرانى متطلعاً إلى شجرة ضخمة (واقفا) واضعا يدى اليمنى عليها تنبت على شاطئ نهر عظيم له زرقة ساحرة، ورماله كأنها البللور، والشجرة تبدو عريقة قديمة منذ ملايين السنين، بها خضرة غير تلك الموجودة على الأرض

وتدخلنى السكينة مرة أخرى يخالطها يأس عظيم وبعينى نظرة حزينة راضية.

ويبدو الموقف وكأنه نهائياً أبدياً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *