الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1980 / عدد أكتوبر 1980-هل حقا أن الصمت أكثر أمانة؟

عدد أكتوبر 1980-هل حقا أن الصمت أكثر أمانة؟

 

عدد أكتوبر 1980

هل حقا أن: الصمت أكثر أمانة؟

إبراهيم عادل حسن

“الإنسان والتطور” …. إنه إسم المجلة، ولست أدرى ملابسات اختيار هذا الاسم، إلا أنه اسم كبير، يقف فى حلق من يقرأه، كعظمة تأبى أن تبتلع وتأبى أن تلفظ، وهو إسم يقذف بالتحدى فى وجه الكاتب والقارئ على السواء، وعلى ذلك فإنى أعتبره اختيارا موفقا كاسم للمجلة، فهو اسم غير مريح، ومهما كتبت بعد الاسم (ولو بخط صغير) إنها مجلة “علمية ثقافية” ومهما وضعت من تحفظات أو شروط للنشر أو أقسام أو أبواب، ومهما وكيفما كتبت أو قرأت، فسوف يطالعك الغلاف فى النهاية بهذا الاسم الثقيل مثل صخرة تسد الطريق، وعليك إما أن تزحزحها (أو تشارك فى زحزحتها)، وإما أن تختار طريقا آخر، ولن يغير من الأمر شيئا أنها مجلة متخصصة (أو متخصصة جزئيا)، تدخل إلى التطور من مداخل علم النفس والعلاج النفسى فالاسم موجود يضرب عرض الحائط بجميع التخصصات والعلوم والثقافات إن لم تخرج منه أو إليه.

وعلى أى حال فقد سمحت هذه المجلة لغير المتخصصين بقراءتها والحوار معها، وفتحت باب محاولة التأثر والتأثير فى مسارها، ومن هذه الزاوية فإن هذا الاسم يقع فى أذنى وقع معركة حقيقة كاملة، وقد وصف داروين عملية التطور بأنها التناحر من أجل البقاء…. للأصلح، وقد تبدو هذه المعركة بالغة القسوة ولكنها فى نفس الوقت بالغة العدل والحكمة، بل بالغة الرحمة أيضا، وانا وأنت أيها الكاتب والقارئ من المتخصصين وغير المتخصصين – سواء شعرنا أم لم نشعر – أطراف فى هذه المعركة.

فهل سنكتفى بدور المتفرج المصفق، أم هل سنأخذ موقف الموسيقات العسكرية فنعزف المارشات ونكتب الكلمات المضيئة لنحمس من يحارب حتى ولو لم  يكن هناك ثمة محارب؟ هل سنقع صرعى المعركة قبل أن ندخلها فنلبس اكفان المرض والجنون ونحفر لأنفسنا قبرا من التلبد، ام سنرتدى دروع القسوة وندوس بأقدامنا كل معترض، فنقتل (ضمن ما نقتل) حبات قلوبنا وآمالنا الحقيقية؟ هل سنجبن فنطفئ بأنفسنا الشعلة التى انقدت فى صدورنا حين خلق الله أيا منا ونفخ فيه من روحه وجعله خليفته فى الأرض، ونرد الأمانة التى حملها آدم على خالقنا؟ هل سنؤتى الشجاعة لنعلم أن أبناءنا هم أبناء الله فنسمح لهم بالاختلاف مؤمنين بأن التطور إنما هو حوار بين التشابه والاختلاف، وأن الخلود الحقيقى إنما هو فى التألف بينهما،أم هل سنفعل مثلما يقال شن القطط تفعل فنأكل أبناءنا من فرط خوفنا عليهم أو على أنفسنا.

لست متخصصا، بل لم أحاول قبل ذلك الكتابة (ليقرأ أحد ما كتبت) ، ولكنى طرف فى معركة التطور، فأنا أعمل وأتعامل مع أناس، هم منافسون وعاملون وأبناء وتلاميذ، وهم أيضاً أطراف، وأنت أيضاً أيها الكاتب والقارئ طرف، وتتوقف مسيرة التطور على الإجابة على هذا السؤال (كيف نلتقى نحن الأطراف؟) وللمتخصصين أقول: إننى أشهد أن العلاج النفسى هو عمل إنسانى قبل أن يكون عملا طبيا، ولن يعيطه حق قدره إلا من عاشه وليس من قرأ عنه أو سمع، وتحتاج (الإنسان والتطور) إلى الجانب الإنسانى أكثر مما تحتاج إلى الجانب الطبى، وقد تغريكم البحوث التخصصية فلها ما لها من بريق ولكنكم أيضاً أطراف فأنتم معالجون (أناس) وأساتذة وتلاميذ وأباء وأبناء.

وكاجتهاد، وكبداية من معركة تطور الإنسان المصرى، وبالرغم من ثقل وتعذر الحوار فأنا أقترح الحوار حول هذه الموضوعات وكل ما يماثلها أو يتفرع عنها:

– مشكلة الفقر فى مصر، وهل سنعلق مسيرة التطور عليها، ونكتفى بالقول بأن التطور لن يبدأ إلا بعد إشباع الحاجات الأساسية، وما هى الحاجات الأساسية وكيف تطورت حضارات عظيمة سبقتنا مع قدر أقل من الاشباع لما يسمى بالحاجات الأساسية ؟

– مشكلة العمل الحكومى، وهل يمكن أن نخرج من الحلقة المفرغة (البطالة المقنعة… الفقر).

– مشكلة العمل الحر، وهل يمكن الالتزام بالمبادئ مع قسوة المنافسة، وكيف يمكن ولادة خلايا ناجحة وقادرة على المنافسة والاستمرار والنمو، وملتزمة بمسيرة التطور فى نفس الوقت .

أكاد  أسمع صوت أصحاب هذه المجلة يجار بالاعتراض – ولهم الحق فى ذلك

علينا أن نتنظر وابلا من الكلمات اللامعة والحلول الجاهزة، ولن نسمح لهذه المجلة أن تكون ساحة للمتبارين بالمبادئ والمذاهب، المسلحين بأسلحة الحق والفضلية، ولهم أقول: لقد اتخذتم ماشئتم من التحفظات والشروط، ولكم أن تكونوا على حذر، ولسادتى  أساتذة المذاهب ومالكى الحلول الجاهزة أقول: إن أمامكم مجالا فسيحا فى المجالات الأخرى، وعليكم إما التوجه إليها وإما المخاطرة بإعادة النظر، واستغيث بكل من يشعر أنه طرف فى هذه المعركة لا مفر له من خوضها أن يمد يده، وبكل من يغص بالكلمة كالدمعة الحبيسة تكاد تكتم أنفاسه أن ينطق بها .

ولنفسى أقول: لقد نطقت بعد صمت، ولكن أخشى أنك طرقت بابا اخترت بطرقه العودة إلى الصمت قبل أن تنطق، والصمت أكثر أمانا، فماذا بعد ؟

****

كلمة للمحرر:

حين صدرت هذه المجلة لم  نكن نحلم بمثل هذا الحوار، ونحن لن نجأر بالاعتراض كما توقع الكاتب، بل نستغيث به ومن هو مثله وأفضل منه ومنا ممن ينتظرنا ليتخطانا، ألا ما أثقل الأمانة وما أشرف حامليها، أما الصمت فهو عار وعقاب من يصمت معاً، أما الكلام فقط …. و….. فاقرأ المقال من أوله مرة ثانية …. وشكراً .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *