الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد أكتوبر 1980 / عدد أكتوبر1980-حــوار حول العــدوان

عدد أكتوبر1980-حــوار حول العــدوان

عدد أكتوبر 1980

حــوار حول “العــدوان”

يوسف الشارونى –  د. محمد السماحى

 د. سيد حفظى –  د. يحيى الرخاوى

يبدو أن حوار هذا العدد أثرى من سابقه من حيث عدد المشتركين فيه، فقد كان حوار العدد الماضى حول مفهوم ” الهبوط الحاد للمخ” شديد العمق والتخصص بين اثنين من خاصة المتحاورين،وحوار هذا العدد يدور فى ثراء ساخن يشترك فيه ـ وبمحض الصدفة – أديب وناقد رائد هو الأستاذ يوسف الشارونى أمين عام المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وشابان طبيبان أحدهما يخطو اولى خطوات التخصص فى الطب النفسى هو د. سيد حفظى والآخر تخصصه أكثر عيانية “الطب الباطنى” وهو د.محمد السماحى الذى يمثل الطبيب الباطنى المثقف اليقظ، وقد أثار الحوار البحث الذى نشر فى العدد الماضى( الثالث) تحت عنوان ” العدوان والإبداع” وفيه ينبه الباحث – يحيى الرخاوى – على أن غريزة العدوان لم تأخذ حظها من العناية مثل غريزة الجنس وأن تغافلها أو إنكارها خطر على الفرد وعلى البشرية، وأن مجرد التسامى بها كميكانزم هو أسلوب ناجح إلا أنه مرحلى، وأن نوعا خاصا وفائقا من الإبداع هو القادر على احتوائها وتوجيهها إلى الإسهام فى بناء المسيرة التطورية.

1– يوسف الشارونى

تحية للمجلة، وملاحظات حول العدوان

سدت مجلة ” الإنسان والتطور” فراغا فى مكتبتنا العربية سبق أن قامت بمثله زميلات لها صدرت على فترات متقطعة منذ صدرت مجلة علم النفس فى أواخر الأربعينات واحتجبت فى أوئل الخمسينات وكان يرأس تحريرها المرحوم الدكتور يوسف مراد والدكتور مصطفى زيور أمد الله فى عمره.

وواضح من أعدادها الثلاثة التى صدرت حتى الآن أنها تمثل الصناعة الثقيلة فى مجال صحافة الطب النفسى، لأن معظم دراساتها على مستوى التخصص، وهى بذلك تؤدى دورا يختلف عن المجلات الخفيفة التى توجه إلى جمهور أوسع واهتماماته أقل تخصصا. فكما أن الصناعة الثقلية هى تصنيع الآلات التى تتكون منها المصانع كذلك فإن الصناعة الثقيلة فى مجال الصحافة والنشر هى التى تصيغ العقول فى تخصص ما لتتعلم منها أجيال جديدة، ولهذا أتمنى أن يساهم فيها مزيد من العلماء الأفاضل المتخصصين فى الدراسات النفسية عندنا والذين غابت أسماؤهم من على صفحاتها وأعرف أنهم يقومون بمثل هذا المجهود على صفحات مجلات علمية أجنبية. وليسمح لى رئيس التحرير بتوجيه هذه الدعوة حتى تقدم المجلة صورة متكاملة عن الفكر المصرى الراهن حول الطب النفسى.

ولست فى وضع المتخصص الذى يسمح بمناقشة مواد المجلة، غير أنى أحب أن أنوه بدراسة الدكتور يحيى الرخاوى فى العدد الأخير عن ” العدوان والإبداع” فقد قدم – بالنسبة لى – معلومة جديدة، كما أعجنبى أن الدراسة أثارت من التساؤلات أكثر مما أثارت من الأجوبة هل الإنسان حقا على قمة التطور أم أنه أنحراف  فى حلقات التطور؟ ويستشهد كاتب الدراسة بقول الأديب آرثر كوستلر ” إن ظهور القشرة المخية الجديدة فى الإنسان هى المثال الوحيد فى التطور الذى أعطى نوعا من الأحياء عضوا لا يعرف كيف يستفيد من استعماله “.

تساؤل آخر: هل العدوان غريزة أو مجرد سلوك مطبوع حتى على فرض أنه كان مكتسبا فى يوم من الأيام، على أساس أن عادات الأمس هى غريزة اليوم وعادات اليوم غرائز المستقبل… الخ.

ثم يستعرض لنا البحث فرص التعبير عن العدوان سلبية وإيجابية، ويقارن بينه وبين الجنس من حيث فرص التعبير المباشر وغير المباشر عن كل منهما. وفى رأيى أن كل أوجه المقارنة التى وردت إنما تنبع من أن الجنس يتم إشباعه أساسا بمشاركة طرفين أى أن لذة أحد الطرفين على المستوى الحسى – أو سعادته – على المستوى الوجدانى ـ هى لذة الطرف الآخر أو سعادته، حتى قيل إنه يمكن تعريف الفضيلة فى صورتها المطلقة: أن تسعد بالعمل لسعادة الآخر الذى تؤدى له هذا العمل، وأن تسعد بتأدية الفعل لأنه يؤدى لك ” كأنك تعطيه الذى أنت سائله “. أما العدوان فهو نقيض ذلك تماما، فلذة أحد الطرفين أو سعادته – إن صح التعبير – لا تكون إلا على حساب الطرف الآخر. حتى ليقال إن هذا هو تعريف الشر: أن تسعد بإيذاء الآخر أو على حسابه لهذا فإنه من الطبيعى أن يجد الجنس فرصا للتعبير عن نفسه أكثر بكثير مما يجد العدوان فإذا انعدمت المشاركة  فى الجنس فإنه يتحول إلى عدوان من طرف على آخر.

ومن النقاط التى توقفت عندها فى هذه الدراسة المنبهة المثيرة مدى صحة التفرقة بين الإبداع التواصلى باعتباره يستوعب الطاقة الجنسية ،والإبداع الخالقى باعتباره يستوعب الطاقة العداونية. فما الأسس العلمية التى استند إليها فى تخصيص كل إبداع باستيعاب طاقة معينة ؟ والكاتب نفسه يستدرك قائلا ” إن فصل نوعى الإبداع عن بعضهما هو فصل تعسفى، لأن علاقتهما جد وثيقة حيث أن الغريزتين فى هذه المرحلة الأعلى من التواصل تقتربان من بعضهما البعض فى الإعداد للولاف الأعلى من خلال تلاحم تناقضها الظاهرى “.

لهذا قلت إن هذه الدراسة المركزة أثارت من الأسئلة أكثر مما قدمت من أجوبة.

الـرد:

ولا نملك إلا أن نشكر الأخ الأديب الناقد يوسف الشارونى بما نستطيع ـ وهو قليل فليعذرنا ـ وبعضه هو الوعد بالاستمرار، وجدية الحوار، ونحن نرحب به إذ هو غير متخصص لأن الحوار معه هو ثروة لنا بل لعله يثرينا بما لا يستطيعه المتخصص الذى قد يحبسه تخصصه عن محاولة إعادة النظر.

1- ونحن ابتداء نضم صوتنا إلى صوته ونلح فى الرجاء أن يساهم فى إصدار هذه المجلة الزملاء العلماء الأفاضل المتخصصين حتى تحقق تنوع الآراء ونسعد بتنشيط المسيرة، على أننا لم نتعجل الملاحقة والإلحاح حتى تصدر الأعداد الأولى فيعلم الزملاء” من  نحن ” و” ماهذا العمل”و” لماذا” من واقع ما صدر فعلا وليس فقط ” من ظاهر ما نأمل”،أما وقد تمت السنة الأولى فقد آن لنا أن نرجو ونلح فى الرجاء، ووجب عليهم أن يساهموا حتى بالرفض أو بالنقد أو المشاركة..، ولاشك أن هذا آت لا ريب فيه، مهما تأخر الزمن، ويسعدنا بحق أن تصدر مجلة يكون النشر فيها لتبليغ أمانة علم،  وفتح حوار نابع من رؤية ذات عمق إبداعى خاص، دون ارتباط هذا أو ذاك بأى جزاء أو حوافز ( ترقية أو ماشابه) اللهم إلا حق العلم علينا وأمانة حمل شرف الكلمة وما تحوى.

2-  أما أن الدراسة  أثارت من التساؤلات أكثر مم أثارت من الأجوبة فشكراً للملاحظة والتنويه، فهذا هو خط المجلة الأول ، وخط العلم أساساً وقبلا، ولعلنا أقدمنا على إصدارها لنساهم فى إيقاف هذا التيار الخطر الذى أوهم الناس وصغار الدراسين أن علمنا عنده إجابات العصر، وهو ما زال يتحسس طريقه نحو إتقان التساؤل تحديد المشاكل والبحث عن منهج، ولو نجحنا فى أن يصبر القارئ على التساؤل يوقظ إبداعه أكثر مما يتلهف على إجابة تسلبه حق إعادة النظر فإننا نكون قد حققنا هدفا غاليا، نحن نسعى إلى عقل مثلك يا سيدى يحترم التساؤل.. ونسعى إلى التنبيه إلى أن التلقى السلبى ليس من صفات المجتمع العالم ولا هو من شرف العقل البشرى…..

3- على أن الناقد الفاضل قد أثار نقطة تستوجب المراجعة والإيضاح، ذلك أنه – مثل الشائع – مازال يضع الجنس (باعتباره  مشاركة أو بشرط أن يكون مشاركة) ممثلا للحب والعطاء بشكل  ما، والعدوان باعتباره نقيض ذلك، حتى ليقول الناقد المعلق” فإذا انعدمت المشاركة فى الجنس فإنه يتحول إلى عدوان من طرف على آخر” ، والواقع أن هذه الدراسة عن العدوان قد ركزت على نفى  هذه المقولة بكل وسيلة، وأصل هذا الرأى الشائع يظهر فى تلازم ثالوث “الحياة ـ الحب ـ الجنس” معآ فى المقابل ثالوث نقائضها ” الموت ـ التحطيم ـ العدوان” وهى نابعة من فكر فرويد أساساً فى مرحلة ما ذكرت فى الدراسة، والبحث يؤكد ( ص 66 ومابعدها) أن قوانين وخطوات تطور هذه الغرائز واحدة تقريبا وللايضاح نقول: إن هذه الغرائز تتشابه فى تطورها، ولا توجد غريزة حسنة وغريزة سئية كما أن لفظ غريزة ذاته، وهو الذى اضطهد مؤخرا، لا ينبغى أن ينظر إليه من فوق باعتباره مرادفاً للبدائية أو الحيوانية، وماحاوله فرويد يغير مباشرة هو أن يعلن أن ” الجنس هو الأصل” وما حاولته هذه الدراسة هنا هو إن تقول إن “الغريزة – جنسا أو غير – هى الأصل”،  فالغريزة فى صورتها البدائية ” موجودة فى التركيب البشرى بتاريخه الحيوى ” ص69، وهذا الوجود هو الحياة ذاته فلا مجال للحديث عن غريزة فضلية وغريزة رذيلة، والغرائز التى تمارس دون شريك( حتى الجوع والعطش) ليست أقل ولا أضر من الغرائز التى تمارس مع آخر  ( الجنس والغريزة الاجتماعية مثلا) وإنما يتوقف تقويم نمو غريزة ماعلى مدى توافق فعاليتها كجزء من كل أكبر”.. من خلال ارتباطات تنظيمها النيورونى والخلوى..( مما يجعلها).. تخدم أيضا المستويات الأعلى من الوجود الحيوى للنوع أو الفرد على حد سواء”ص 66، وعلى توقيت شكل ظهورها مع الحاجة المرحلية إلى ما تمثله” هذا ما أراد البحث التأكيد عليه، وللإيضاح فإن لأى غريزة ثلاث صور(1) الصورة المستقلة البدائية: وهى منفصلة تماما  عما فوقها: وهى الصورة البدائية التى قد تبدو خطرا بحق، ومن حقنا ان نصمها أو نرفضها أونحط أحيانا من قدرها أو حتى نخشاها فى ذاتها إذا ما انفصلت دائما عن الكل، فبدائيتها غير متفقة مع مرحلة الوجود البشرى الحالى(ب) ثم الصورة البديلة: حيث تقوم عن طريق الإبدال بدور دافعى  دون الإلتحام الكامل فى الكل الترابطى وهذا ما يقابل ظهورها المحور فيما يسمى ميكانزمات التسامى والإبدال(جـ) والصورة الولافية المندمجة: وهى التى تدخل كجزء متكامل مع سائر الأجزاء المجاورة والأعلى فى كل جديد يكاد يمحى أجزائه.

وقد أرادت الدراسة أن تؤكد أن العدوان ـ رغم سمعته السيئة ـ لا يخرج بحال من الأحوال عن هذه الصورة المتدرجة.

4ـ واخيرا فإن تساؤل الناقد الأديب عن ” ما الأسس العلمية التى استندلها فى تخصيص كل إبداع باستيبعاب طاقة معينة”؟ فإنى أحسب أن معه كل الحق، فالأدباء يحسنون الظن بالعلم بدرجة تسمح لهم بالأمل أن المعلومات النابعة منه لا بد وأن لها أسسا علمية، وهذا البحث كما جاء فى المقدمة هو” بحث فرضى” أساساً وهو تساؤلى كما لاحظ سيادة الناقد، وهذا الاعتراض يدفعنا إلى فتح ملفات” تعريف ماهو علم” ،و” فلسفة العلم “, ” مناهج البحث ” بشكل لا نعفى أنفسنا منه، وقد بدأه فعلا الزميل د. مجدى عرفه، ونحن نرحب بكل إسهام فيه رغم أملنا الضعيف فى الوصول إلى حل قريب، ولا ينبغى أن يحول هذا دون شجاعة الافتراض ومسئولية الاقتراحات التى تنتظر معطيات مفاهيما منهجا، وما اطاح بالغرائز برمتها لفترة طويلة من الزمن حتى أنها مازالت متوارية حتى تاريخه إلا مثل هذه الاعتراضات المحقة، ولكن تاريخ العلم يقول بحاجتنا إلى الفروض العاملة القوية ولولم تتحقق إلا بعد مئات السنين بنفس القدر الذى نحتاج فيه إلى جزئيات المعلومات الثابتة.                                                    

     وأخـيرا

شكرا يا صديقنا.. لا حرمنا الله من عقلك ونقدك ومشاركتك.

****

2– د. محمد السماحى

تعليق على ” العدوان والابداع”

شدنى هذا البحث لجدته وطريقه عرضه الجذابة على صعوبته واتفق معك على أن العدوان غريزة كما اعجبنى تجاوزك لمشكلة نظرية الغرائز منعا لإضاعة الجهد والوقت. كما أتفق معك فى خطورة  محاولة تجاهلها باستمرار خوفا من الاعتراف بعيب فى طبيعتنا ـ كما يبدو لنا كمتحضرين أنه عيب خطر ـ بل أن مفكرين تعرضوا للكراهية عندما لفتوا النظر إلى العدوان ( فيما أسماه بالقوة وأخلاق السادة ضد أخلاق السادة ضد اخلاق أحدهم وهو نيشه ).

ولكن لى بعض التساؤلات عما جاء فى بحثكم:

1- فيما يتعلق بخبرتك كاستاذ ومشرف على طلاب الدراسات العليا:

هل ما تقصده بالمبادرة بالعدوان لتبديد الخوف من العدوان ـ وتجنب الموقف الدفاعى دون داع وبشكل جبان ـ ينطبق عليه تعريف العدوان؟ أين إذن شق أنه سلوك دفاعى على حساب الآخر؟ فإذا لم يكن على حساب الآخرين فهو أقرب إلى الشجاعة والجرأة العملية.

2- ركزتم على خطورة كبت العدوان أسوة بالجنس.. لكن المشاهدات تدل على أن ممارسة العدوان دون كبت لا تؤدى بالضرورة إلى حالة نفسية أكثر استقرار عندما نقارن شخصية مؤذية بالشخصيات المتحكمة فى عدوانيتها، بل إن الدراسات الأمريكية على نوع الشخصية التى تمهد للإصابة بانسداد الشريان التاجى قد أدت إلى نتيجة إحصائية مؤكدة تشير إلى أن نوع الشخصية المسمى النوع”1″ type A على حسب ما اصطلح وهو النوع العدوانى الطموح الإيجابى أكثر عرضة من النوع “ب” B وهو الوديع المسالم قليل الطموح. فكبت العدوان إذن يطيل العمر على ما يبدو. كذلك نعرف أن الخصيان ومن يتعاطون هرمون الأنوثة eatrogen يعيشون أطول ويكونون مسالمين.

3- مجرد إضافة صغيرة  إلى علاقة العدوان  بالحرب فى عالمنا المعاصر. لاأظن أن الحرب والاضطرابات الدموية من صنع دافع نفسى غريزى لا أكثر، لأن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد فى أن الحرب عمل واع تماما وعاقل جدا يستهدف المصلحة والنفع المادى على حساب الغير. فالدافع اجتماعى يستغل ويستثمر غريزة العدوان.

فبدلا من افتراض نظرية ساذجة عن أن الإنسان يرى نفسه مجموعة من الأجناس المختلفة كالتى أشرتم إليها عن أحد الباحثين يمكننا لفت النظر إلى عنصر الطمع فيما يملكه الشعب الآخر كدافع رئيسى للحرب تتم خلاله ممارسة غريزة العدوان بحرية تامة لأن لها ما يبررها عقليا لدى المتصارعين.

ولكم جزيل الشكر       

( توقيع )

الـرد:

1- نفس الملحوظة التى نا قشتها فى الرد على الصديق يوسف الشارونى أحيل الزميل السماحى لها وهى ألا نبدأ حديثنا عن الغرائز باعتبار أنها عيب لابد وأن نعترف به، فبالرغم من أن الزميل قد أعجبه ” تجاوز مشكلة الغرائز ” إلا أنه اتفق معى فى ” خطورة محاولة تجاهلها باستمرار خوفا من الاعتراف بعيب فى طبيعتنا “. والحقيقة أن الدراسة لم تتجاوز مشكلة الغرائز بل تجنبت ” الإطالة فى الفرع” ليس إلا، وقد انتهت إلى أن الغرائز ” مثلها أى حقيقة صعبة لا تختفى بالإجماع على تخطيها أو نتيجة العجز عن تفسير مظاهرها السلوكية فى الوجود الإنسانى المعقد ” ثم أكدت إحيائها من مداخل علم الإثولوجى.. وهذا مانبه يليه الزميل فى نقده صراحة، ولعل كلمة تجاوز التى استعملها قد عنى بها شيئا غير ما فهمناه من منطوقها، أما استعمال لفظ” عيب” فنرى مراجعته إذا كانت الدراسة قد أدت بعد وظيفتها.

2- بالنسبة للتساؤل الأول فالنص استشهد به الزميل، هو أحد الأمثلة اوردتها لتعبر عن”.. إن العدوان الخالقى ليس بديلا عن العدوان ولكنه منطلق من العدوان ومحتويه” ، ولم أشر أن المسألة كانت المبادرة بالعدوان لتبديد الخوف من العدوان، وإنما قلت ما يفيد أن الخوف من العدوان كان يعيق الباحث عن الإبداع… وبتدربيه فإنه كان يمر بمراحل(1) الإعاقة بلا تفسير ظاهر(ب) ثم الخوف من العدوان( الإبداع) بما يشمل الخوف من الاعتداء على القديم القائم، والخوف من الاختلاف والخوف من المواجهة…. الخ(د) ثم الانتصار بما يشبه العدوان وهذا الانتصار الإبداعى يتصف بالصفات التى جعلتنى أشبه الإبداع بالعدوان من حيث “تحطيم القديم، وأعادة الخلق، ولو على حساب الآخرين (فى البداية وظاهر الأمر) واحتمال الرفض والنبذ والقسوة، ومقابلة ذلك بالوحدة والعزلة مع الإصرار لفترة ما” فهذه الملحوظة والنبذ والقسوة، ومكقابلة ذلك بالوحدة والعزلة مع الإصرار لفترة ما ” فهذه الملحوظة ينطبق عليها” العدوان الإبداعى” إن صح التعبير، إذا فتعريف العدوان المتصدر للدراسة..” على حساب الآخر” يجد تفسيرا مناسبا هنا إذ يعنى أنه يقوم بهز قيم الآخر الثابتة مع احتمال تحطيم مفاهيمه الآمنة وقبول تحدى مقاومته… الخ وما الشجاعة والجرأة العلمية فى أرقى صورها إلا ما قصدته باحتواء العدوان فى أرقى صوره الحضارية.. رغم أن هذه العلمية تتم أيضا على حساب الآخرين ” فى البداية وظاهر الأمر” كما أشرت إلا إنها تتم لهم فى النهاية وحقيقة الأمر وهذه هى حقيقة الابداع.

3- الملاحظة الثابتة التى ابداها الزميل تفتح املف الخاص بطريقة تصنيف شخصيات البشر على مصراعيه، فالتصنيف الذى يشير إليه سيادته هو تصنيف” سلوكى تماما” وهو تصنيف قاصر كل القصور إذ يعجز عن الدلالة على أبعاد مثل إطلاق غريزة ما، أو, التعبير عنها، أو التعبير بها، أو الانشقاق منها، أو الانشقاق بها، كل هذه الأبعاد هى أبعاد بديلة عن ” كبتها”.. هى ليست إطلاقا أقل خطراً على الصحة الجسمية من الكبت، والأطباء الباطنيين والجراحين وغيرهم من المختصين معذورون، ونحن ـ أهل العلوم النفسية ـ نلقى إليهم بمثل هذه الملاحظات السلوكية دون أبعادها الأعمق التى لا يسبر غورها إلى اقتراب فنومنولوجى تطورى دينامى معاً، ويكفى أن أذكر سيادتك بتعريف إنجلش و إنجلش للشخصية باعتبارها المظهر الخارجى(أو حتى المظهر الزائف) وكذلك الوجود الداخلى الحقيقى أو النفس، وشتان بينهما حتى ليبدوا نقيضين على طرفين متباعدين، فكاهة شخصية من نوع كذا( 1،أ،ب.. الخ) قد لا تعنى شيئا ذو دلالة بيولوجية محددة… والمشكلة تصبح أكثر عملية إذا انتقلنا من منطقة الإحصائ إلى السؤال: ما هو الفرق بين شخصيتين ممن يسمون  فئة أو نمط “1” أحدهما يصيبه إنسداد شريان تاجى والآخر لا يصيبه مثل ذلك والواقع أن الصحة الجسمية تتناسب مع التوزان البيولوجى أكثر من تناسبها مع هذا النوع من السلوك او ذاك والقياس السلوكى لا يشير تماما إلى أبعاد مثل هذا التوزان، والزميل معه كل الحق، ولإيضاح مانعنى فى هذا الصدد قد نصيغ الأمر بطريقة أخرى هكذا:

“… قد يكون الطوح الإيجابى والمظهر العدوانى هو تعبير انشقاقى لغريزة العدوان البدائية إذ تعجز عن اولاف الأعلى بالاندماج فى الكل التوازنى ” وهذا ما اشرنا إليه فى الدراسة حين نبهنا ص69 قائلين ” إن الميكانزم الإبد إلى للعدوان هو التعويض التفوقى بالنجاح والمكسب والسيطرة.. الخ، والتعويض والانشقاق والإبدال هى حيل ليست أقل ضررا على الصحة الجسمية إذا ما أفرط فى استعمالها من الكبت ” وهذه الصفات التى وصفها الزميل باعتبارها تعبيرا عن العدوان ليست كذلك بالمعنى الصحى الولافى وإنما هى حيل انشقاقية، فهى بديلة عن العدوان وليست إطلاقاً له أو انطلاقا منه وبه، وهى خطيرة إذا زادت جرعتها.

أما حكاية الخصيان وهرمون الأنوثة والعمر الطويل… فهنا يجدر أن نعيد تعريف معنى العمر الأطول بمقاييس إنسانية أعمق، فالعمر الأطول للانسان يمكن أن يقاس بما هو إنسان وليس باستمرار الحياة الفيزيائية، كذلك يمكن الرجوع إلى ما جاء بالدراسة عن التساؤل عن وضع هرمون الذكورة وعلاقته بالعدوان كمسبب أو نتيجة وعن أنواع العدوان الأنثوية السالبة بالاحتواء والالتهام حتى نتردد قبل أن نطلق على أثر هرمون الأنوثة أنه مسبب فى أن نحيا ” مسالمين ” !!!

3- والملاحظة الرابعة ترجعنا مرة أخرى إلى التنبيه إلى خطورة اعتبار العدوان فعلا غير واع لا يهدف إلى المصلحة والنفع المادى فى بعض صور تعبيره وإلا ما كان غريزة أصلا، وأى دافع اجتماعى( إن صح التعبير) لابد وأن يستثمر غريزة ما كما أن أى غريزة قد تصل اولا إلى درجة الوعى، فلا خلاف بين ماافترضه الزميل وماعرضته الدراسة، أما تساؤل إريك فروم عما إذا كان الإنسان نوعا واحدا أم أكثر مما يفسر العدوان بين بنى الجنس الواحد بدلا من حفاظنا على بعضنا أمام الأجناس الأخرى فهو ليس بالسذاجة التى يفترضها الزميل الناقد، بل أنه الافتراض الأخطر والأولى بالدراسة وخاصة وإمكانية تخطيه قائمة الآن بفضل ثورة التوصيل ( التليستار) والمواصلات الحالية.

لكل ذلك فإننا مازلنا نؤكد ضرورة النظر إلى العدوان بعين التقويم الإيجابى فى كل صوره، لا باعتباره البديل السلبى والشاذ والضار والميكانيكى غير الواعى، حتى لا يصبح أى فعل لا بتصف بهذه الصفات مستبعدا من كونه عدوانا، فنحن نحاول أن، نعيد للعدوان اعتباره لا أن نبرر إطلاق بدائيته، وأن نحدد له مراحله وأن نتفهم مسار نمو واندماجه، وأن نبحث له عن منطلق متكامل بناء وليس بديلا مؤقتا ،أو كبتا خطر.

3- د. سيد حفظى

كلمات للحوار (1)(عن العدوان)

 من أجل حوار هادف قررت أن أكتب هذه الكلمات:

أود أن اقول إن مقالة” العدوان والإبداع” من أكثر المقالات التى أثارت لدى عملية التفكير والتفكير المناقض…. بالنسبة للرؤية فلقد تقبلتها بسرعة ولكنى امتلأت منها رعبا ، فهل العدوان معناه القتل؟ (إذن سيكون جريمة) ألا يكفى السباب العلنى ـ ولو فى مجالات الدعابة ـ المقبولة فى مجتمعات ما، أو الاستهزاء والتهكم أن يكون تعبيراً عن ” غريزة العدوان بصورتها المباشرة”.

إننى متوقف عند: ” لاتوجد صورة إجتماعية أو شرعية يمارس فيها الإنسان المعاصر عدوانه على أخيه الإنسان بشكل مباشر ومعترف به……..”.

” الجريمة غير مقبولة للمجتمع فهى مضادة للمجتمع بطبيعتها “.

والانحرافات الجنسية غير مقبولة للمجتمع فهى للمجتمع بطبيعتها، مع أنها وسيلة حيوية للتعبير عن طاقة ورغبة جنسية كامنة؛ ألا يوجد مكان هنا لذكر الجريمة:

وهى قد تكون مقبولة فى مجتمعات متقدمة أو متخلفة تطوريا ؟

وهى قد تشمل الخطوة الأولى من الإبداع ـ فى كثير من الأحيان ـ فعلا والخطوة الثانية ضمناً؟

الــرد:

1- إن تساؤل الزميل حول حقيقة صدق العبارة المقتطفة عن أنه ” لا توجد صورة إجتماعية أو شرعية يمارس فيها الإنسان المعاصرعدوانه على أخيه الإنسان بشكل مباشر ومعترف به” لابد أن يؤخذ كجزء من كل تال(ص60،ص61) وما بعدهما، فالأمر الذى ينبغى إيضاحه هنا هو أن العدوان بكل صوره المباشرة مرفوض بما فى ذلك الجريمة أو خاصة الجريمة، أما الجنس فهو مقبول ومشجع فى بعض صوره الزواجية والغرامية وحتى ما اشار إليه الناقد من أن الأنحرافات الجنسية مرفوضة فقد أصبحت هذه المسألة نسبية واصبح اعتبارها مرضا أو جريمة مرتبطا بقيم مجتمع ما ومدى استيعابه لوظيفتها ومعناها، فالذى أرادات الدراسة تأكيده هو إظهار مدى رفض العدوان إجتماعيا، وحتى الشجار والسخرية اللذان اشار إليهما الزميل فهما ليسا فخرا ولا فضيلة إجتماعية فى أى مجتمع اللهم إلا فى بعض المجتمعات البدائية ولأهداف محدودة ومن أفراد قلائل.

إذا فقضية كبت العدوان بجرعة أكبر من كبت الجنس هى الأمر الذى أردنا تأكيد بشكل مباشر فى هذه المقولة، ولا يوجد تعميم شامل ولا تعبير مطلق، وكل الصور المحورة للعدوان التى تلت هذه الفقرة تؤكد إمكانية التعبير عنه بشكل آخر، رغم عدم قبوله بشكل مباشر.

2- أما اثاره المقال من تفكير مناقض أو ما أحدثه من رعب أو ما دفع الزميل إلى اعتبار الخطوة الأولى (.. بل والثانية) من الإبداع فيها ما يشبه الجريمة من حيث المبدأ بشكل محور… فهو بعض ما هدفت إليه الدراسة. فشكرا

****

وبعـد

فقد يكون فضل هذه الدراسة ومادار حولها من حوار ليس فى صدقهاه أو عدمه، وليس فى سلامة نظرنها او بعدها عن حقيقة الأمور، ولكن فى إعلاننا ضرورة المراجعة الكاملة لكل ما ألقى فى عقولنا من مسلمات، وفائدة الحوار حول كل ما تصورناه ثابتا ومنتهيا………

وإلى مزيد من المحاولة ومن الاختلاف.

 

(1)

[1] – شملت كلمات الزميل المعلق ملاحظات أخرى حول مقتطف تقويم المرضى الصالحين للعلاج النفسى، ونحن ندعوه كما أشرنا فى نهاية المقال  إلى موافاتنا بمقال نقدى متكامل نربط به الخبرة المحلية بالراى المقتطف من بيئة أخرى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *