الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (2) مقتطفات: من كتاب “رباعيات ..و.. رباعيات”

جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (2) مقتطفات: من كتاب “رباعيات ..و.. رباعيات”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 4-6-2017

السنة العاشرة

العدد: 3564  

جذور وأصول الفكر الإيقاعحيوى (2)

مقتطفات:4-6-2017

من كتاب

 “رباعيات ..و.. رباعيات”

 المقدمة:

ها هو الكتاب الثانى الذى دخل إلى المطبعة، وقد كتبت نصف الفصل الأول منه (منذ نيف وأربعين عاما) عن “شخصية صلاح جاهين وحالته الفرحانقباضية” كما أسماها هو بنفسه، وقد استلهمت منه هذا الاسم، ونحتّ على منواله نوعين من أنواع الشخصية، وهما: الشخصية المغيرانسحابية، Invasive-Withdrawn Personality  والشخصية الشكّاحتوائية Suspicious-Incorporative والثلاثة أنواع هما من تجليات  نبض الإيقاعحيوى، وهى توجد جميعها فى الحياة العادية، ولا توصف بأنها اضطرابات شخصية إلا زادت حدتها، وأعاقت، وأضرّت، وأزعجت ( مثلما هى القاعدة، وأيضا: أنظر بعد).

 المفروض أن المقتطفات اليوم هى من هذا الكتاب الذى دخل المطبعة فعلا، ولكننى رأيت أن أدعِّمَها بما جاء فى مقال بمجلة الإنسان والتطور الفصلية يؤكد عمق جذور الفكر الإيقاعحيوى أيضا لأختم بمقتطف من الكتاب الأساس “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” وفيه وصف الشخصيتين النوابتين اللتين أضفتهما، وأشرت إليهما حالا تأكيدا على تجليات الإيقاع الحيوى على كل المستويات.

المقتطف الأول: (من: “رباعيات ورباعيات” ص 9)

(هو من الجزء الأول من الفصل الأول الذي يعاد طبعه الآن، وهو عن “صلاح جاهين وشخصيته الفرحانقباضية”) وقد جاء نصه:

“……… ‏حين‏ ‏يفشل‏ ‏الإيقاع‏ ‏الحياتى ‏اليومى ‏أن‏ ‏يحقق‏ ‏الهارمونى ‏ويستوعب‏ ‏التناقض‏ ‏فى ‏المسيرة‏ ‏المتمعجة‏ ‏المتكاثفة‏, ‏وهذه‏ ‏الصفة‏ (‏الدورية‏) ‏لاتقتصر‏ ‏على ‏جنون‏ ‏الهوس‏ ‏والاكتئاب‏, ‏بل‏ ‏إنها‏ ‏كانت‏ ‏أصلا‏ (‏تاريخا‏) ‏تصف‏ ‏أغلب‏ ‏أنواع‏ ‏الأمراض‏ ‏العقلية‏, ‏لدرجة‏ ‏يمكن‏ ‏معها‏ ‏أن‏ ‏يعتَبِرَ‏ ‏الفاحص‏ ‏الأمين‏ ‏أن‏ ‏اختفاء‏ ‏هذه‏ ‏الدورية‏ ‏هى ‏من‏ ‏علامات‏ ‏ثبات‏ ‏التدهور‏, ‏وهى ‏الصورة‏ ‏المحزنة‏ ‏لمسيرة‏ ‏المرض‏ ‏العقلى ‏نحو‏ ‏الثبات‏ ‏الرمادى (‏من‏ ‏الرماد‏).

التعقيب:

أعتقد هذا المقتطف لا يحتاج إلى تعقيب لما له من ارتباط مباشر بما نقدمه هذه الأيام، إلا أننى تذكرت أننى بعد كتابة هذا النصّ بحوالى عشر سنوات ألمحت إلى هذا المفهوم الدورى لأبرر به فرضى عن أن يكون العلاج دوريا مواكبا وخاصة بجلسات تنظيم إيقاع الدماغ (الصدمات الكهربية) فرأيت الآن أن أقدم لكم هذا المقتطف بما يحمله من  تراث دالْ، المقتطف من المجلة الأم.

المقتطف الثانى: (من: مجلة الإنسان والتطور، مقال “الصدمة بالكهرباء أم تنظيم للإيقاع” عدد أبريل 1982) وقد جاء فيه:

….. هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏الدورى ‏للمرض قديم‏ ‏قدم‏ ‏قول‏ ‏عمران‏ ‏بن‏ ‏حطان‏ (1)‏.

أفى ‏كل‏ ‏عامٍ‏ ‏مرضهٌ ‏ثم‏ ‏نقههٌ              ‏وأنعى ‏ولا أنُعى ‏فكم‏ ‏ذا‏ ‏إلى ‏متى

ثم عقبت بعد ذلك قائلا:

يبدو أن هذه النوابية تظهر عند الشعراء أوضح وأصرح ولعلها ‏هى ‏جوهر‏ ‏الحياة‏ ‏عامة‏ ‏والوجود‏ ‏البشرى ‏خاصة‏ ‏والمخ‏ ‏البشرى ‏بشكل‏ ‏أكثر‏ ‏تخصيصا‏, ‏فظهورها ليس قاصرا على المرض‏ ‏النفسى (‏العقلى‏) ‏بل لعله علامة حيوية ومآل جيد بديلا عن ‏ ‏الثبات‏ ‏الرمادى، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فعلينا‏ ‏أن‏ ‏نتسائل‏:

…..لم‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏العلاج‏ ‏دوريا‏ ‏تمهيدا‏ ‏لإعادة‏ ‏الدورات‏ ‏الصحية‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏الدورات‏ ‏المرضية؟‏ ‏ولم‏ ‏لانفهم‏ ‏وسائل‏ ‏العلاج‏ ‏ونفاضل‏ ‏بينها‏ ‏وننتقى ‏منها‏ ‏ما‏ ‏يناسب‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏الدورى‏, ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏الفهم‏ ‏الخطى ‏الكمى ‏أو‏ ‏التناول‏ ‏التصلبى ‏القمعى ‏الطويل‏ ‏المدى ‏المتستر‏ ‏تحت‏ ‏اخفاء‏ ‏الأعراض؟‏

انتهى المقتطف 1982

التعقيب (الآن):

كما نرى: كان ذلك لدعم فكرة أن ما يسمى الصدمة الكهربية هو استعادة تنظيم إيقاع الدماغ وليست صدمة بالكهرباء كما يُرْعبِون العامة منها، وهذا ما أشرنا إليه حالا.

وقد عقبت أيضا بعد الاستشهاد فى نفس المقال قائلا فى نفس النص:

…… والإيقاعحيوى هو الصفة الأساسية للوجود البشرى، بل للوجود كله (2)، وبالتالى فهو ليس مرضا أصلا، أما لماذا يظهر سلوكيا عند البعض فى شكل دورات نوبات المزاج العادية، فى حين أنه يصبح مرضا عند آخرين فى شكل نوبات دورية لعديد من الأمراض العضوية (مثل قرحة المعدة، وتقرح القولون، وكثير من الأمراض الجلدية) والنفسية (مثل كل الأمراض الدورية وخاصة الهوس والاكتئاب)، ثم أخيرا قد يظهر فى شكل نوبات إبداع فائق عند فريق ثالث؟ وكل ذلك يتوقف على فرص استيعاب طاقة النبض الحيوى التى تشمل كلا من: (1) السماح و(2) المجال و(3) الأداة، فبقدر ما تجد نبضات الإيقاع الحيوى مساحة للطلاقة، وسماحاً بالمحاولة، ومجالا للتشكيل، وأداة للتعبير، يكون تجليها إبداعا وحيوية وصحة، وبقدر تواضع أو ضيق أو انتفاء بعض أو كل هذا، يكون المرض.

التعقيب:

وهل هناك وضوحا لإثبات مدى عمق جذور هذا الفكر الإيقاعحيوى، لعل ذلك يشجع المثابرة إلى مزيد من التطبيق والإفادة مما قد يأتى به.

ثم ننتقل إلى الاقتطاف من: “الكتاب الأساس”. 

المقتطف الثالث: (من كتاب “دراسة فى علم السيكوباثولوجى: شرح ديوان سر اللعبة 1979)

وهو يخص الوصف الكامل لكل من الشخصيتين المضافتين جديدا من منطلق نوابية الوجود البشرى (والحيوي)، بعد شرح الشخصية الفرحانقباضية التى سنعود إليها لاحقا ونحن مع صلاح جاهين والدراسة المقارنة

المقتطف من: (“دراسة فى علم السيكوباثولوجى”: شرح ديوان سر اللعبة 1979)

‏2 – ‏الشخصية‏ ‏المغير‏‏انسحابية The invasive-withdrawn

وتتميز‏ ‏هذه‏ ‏الشخصية‏ ‏بالتناوب‏ ‏بين‏ ‏قطبين‏ ‏أقل‏ ‏شيوعا‏ ‏من‏ ‏قطبى ‏الفرح‏ ‏والاكتئاب‏ ‏وهما‏ ‏قطبى ‏ومثل‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏يوجه‏ ‏طاقة‏ ‏نبضات‏ ‏الاندفاع ‏(Systole) ‏المتلاحقة‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏اكتساح‏ ‏ما‏ ‏أمامه‏ ‏فى ‏إغارة‏ ‏مسيطرة‏ ‏لا‏ ‏تسمح‏ ‏له‏ ‏بأن‏ ‏يرى ‏الآخر‏ ‏منفصلا‏ ‏عن‏ ‏اندفاعته‏ ‏بحيث‏ ‏تتاح‏ ‏له‏ ‏الفرصة‏ ‏فى ‏احتكاك‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏النمو‏، ‏وما‏ ‏بين‏ ‏انسحاب‏ ‏حقيقى (‏فيزيائى‏) ‏أو‏ ‏عاطفى ‏يلغى ‏به‏ ‏الآخر‏ ‏تماما‏، ‏وقد‏ ‏يصاحب‏ ‏هذا‏ ‏الانسحاب‏ ‏بعض‏ ‏مظاهر‏ ‏الكمون‏ ‏الظاهرى ‏إلا‏ ‏أننا‏ ‏نعنى ‏هنا‏ ‏الانسحاب‏ ‏النشط‏ ‏المحتج‏ ‏الذى ‏قد‏ ‏يعقبه‏ ‏اندفاع‏ ‏تال‏ ‏وهكذا،‏ ‏أما‏ ‏الانسحاب‏ ‏النمطى ‏المتحوصل‏ ‏فهذا‏ ‏من‏ ‏صفات‏ ‏الشخصية‏ ‏(الشيزيدية) (3) ‏وهو‏ ‏مالا‏ ‏نعنيه‏ ‏هنا‏، ‏ونتيجة‏ ‏لهذا‏ ‏التناوب‏ ‏المتلاحق‏ ‏يتوقف‏ ‏النمو‏ ‏نتيجة‏ ‏لانغلاق‏ ‏الدائرة‏ ‏دون‏ ‏تصاعد‏ ‏لولبى ‏كما‏ ‏ذكرنا‏.‏

‏3 – ‏الشخصية‏ ‏الشكّا‏حتوائية‏ The suspicious-incorporative  

‏ ‏… قطَب ‏التناوب‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الشخصية‏ ‏هما‏ ‏ما‏ ‏بين ‏الشك‏ ‏والاحتواء‏، ‏إذ‏ ‏يغمر‏ ‏الشك‏ ‏والتوجس ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏اضطر‏ ‏لاستقبال‏ ‏الآخر‏، ‏كآخر‏، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏الشك‏ ‏والتوجس‏ ‏مجرد‏ ‏تمهيد‏ ‏لخطوة‏ ‏أخرى ‏من‏ ‏الانسحاب‏، ‏وعلى ‏قدر‏ ‏غلبة‏ ‏الشك‏ ‏واستمراره‏ ‏دون‏ ‏التسرع‏ ‏بالانسحاب‏ ‏يكون‏ ‏الاسم‏ ‏جديرا‏ ‏بهذا‏ ‏السلوك‏، ‏أما‏ ‏القطب‏ ‏البديل‏ ‏لهذا‏ ‏الشك‏ ‏والتوجس‏ ‏فهو‏ ‏الاحتواء‏، ‏فإنه‏ ‏قد‏ ‏يبدو‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الشخص‏ ‏الشكاك‏ ‏ناجح‏ ‏فى ‏علاقاته‏ ‏مع‏ ‏آخرين‏ ‏نجاحا‏ ‏ملحوظا‏، ‏وهو يبدو وكأنه‏ ‏يقربهم‏ ‏إلى ‏نفسه‏ ‏ويضع‏ ‏فيهم‏ ‏ثقة‏ ‏خاصة‏ ‏ومبالغة فيها‏، ‏والواقع‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يفعل‏ ‏ذلك‏ ‏إلا‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يحتوى ‏هؤلاء‏ ‏الأشخاص‏ ‏داخل‏ ‏عالمه‏ ‏الذاتى (‏أى ‏داخل‏ ‏ذاته‏ ‏نفسها‏)، ‏فهم‏ ‏ليسوا‏ ‏شخوصا‏ ‏بالمعنى ‏”الموضوعى” ‏بل‏ ‏مجرد‏ ‏موضوعات‏ ‏مُدخلة جاهزة للإسقاط إلا أن المهم ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏وجود‏ ‏التناوب‏ ‏بين‏ ‏هذين‏ ‏القطبين‏ ‏بشكل‏ ‏يجهض‏ ‏النمو‏ ‏بإغلاق‏ ‏دائرته‏، ‏ولكنه‏ ‏لايصل‏ ‏إلى ‏تحديد‏ ‏مرضى ‏صريح‏، ‏أو‏ ‏إلى ‏الاستقرار‏ ‏على ‏سلوك‏ ‏نمطى ‏تجاه‏ ‏قطب‏ ‏بذاته إلا إذا استوفى شروط المرض‏.‏

التعقيب:

وهكذا نرى أن المصطلح الذى ساد مؤخرا بقصر تعبير “اضطراب ثنائى القطب” Bipolar Disorder على حالات الاضطراب الوجدانى الهوسى بالذات هو تعبير يحتاج مراجعة ونقد ومتابعة.

وغدًا سوف نعود إلى رباعيات ورباعيات لنواصل أكثر فى البحث عن جذور وأصول هذا الطب الذى نأمل أن نضيف من خلاله مزيدا من الفهم لمزيد من العلم.

 

[1] – (عِمْران بن حِطَّان (توفي 84 هـ / 703 م) هو شاعر عربي، من شعراء صدر الإسلام.

[2] – وقد تطور هذا المدخل وتأكد مؤخرا فى نظرية المؤلف: “النظرية الإيقاعية التطورية” Evolutionary Rhythmic Theory  ثم تطور بعد ذلك إلى مفهوم متكامل لممارسة الطب النفسى باسم Biorhythmic Psychiatry Evolutionary   الطبنفسى الإيقاعحيوى، ومازل يواصل عرضه والتنظير فيه من واقع الممارسة فى موقعه وغير ذلك: (www.rakhawy.net)، حيث بلغ عدد الصفحات حتى الآن 1270 صفحة A4 . من نشرة:24-1-2016 إلى 29-5-2017 .

[3] – كانت فى الأصل الشخصية الشبفصامية، وقد سبق أن ناقشتُ سبب رفضى اللاحق لهذه الترجمة وتفضيلى التعريب.

النشرة السابقة 1 النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *