الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى عقار اسمه “إنسانيـّتكو”!! (Insayettco) (من الحكاية الثانية : كرسى على عجل)

إرهاصات الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى عقار اسمه “إنسانيـّتكو”!! (Insayettco) (من الحكاية الثانية : كرسى على عجل)

نشرة الإنسان والتطور

نشرة الاثنين: 15-5-2017

السنة العاشرة

العدد:  3545                                                      

 مقتطفات:

إرهاصات  الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى،

منذ نصف قرن: 1968

 من كتاب “عندما يتعرى الإنسان”

عقار اسمه “إنسانيـّتكو”!! (Insayettco)

(من الحكاية الثانية: كرسى على عجل)

مقدمة:

أثناء كتابتى نشرة الاثنين، وهو اليوم الذى خصصته لموضوع (كتاب)”الفصام مغارة الضياع  ووعود الإبداع” شعرت بأننى أظلم الموضوع بقدر ما أظلم المتابع، فهو موضوع متخصص ، مع أن كل من يكتب لى تعليقا متواضعا عنه (إلا ثلاثة أو أربعة أحيانا) هو غير متخصص، لكن هذه التعليقات من غير المتخصصين تطمئننى أكثر وتشعرنى بحاجة الناس العاديين – أصحاب المصلحة – إلى هذا الفكر العملى البسيط المفيد، مهما بدا للمتخصصين غير مدعم بأرقام (و..و..أموال)، وحين رجعت إلى كتابى الباكر الذى نقتطف منه تباعا ما يثبت أن هذا الفكر متأصل منذ أكثر من نصف قرن، وجدت العناوين الفرعية للطبعات المتتالية كالتالى:

الطبعة الأولى  والثانية: “صور من عيادة نفسية”:

 الطبعة الثالثة: “دروس للناس فى الطب النفسى

 أما هذه الطبعة  (الرابعة) وهى التى سوف تصدر هذا الأسبوع فقد تغير العنوان الفرعى  إلى “الطب النفسى الآخَر: من الناس إلى الناس“،

 ولعل دلالة هذا التغير هو تقرير ما  وصلنى من خلال الإقدام على إصدار النشرة اليومية  “الإنسان والتطور”، وما تبينته خلال العشر سنوات التى صدرت فيها (تاريخ صدور أول نشرة هو أول سبتمبر 2007) ، وبالذات من خلال تتبع بريد الجمعة، وبرغم تشجيع ونداءات الإبن والزميل صاحب الفضل أ.د. جمال التركى،كل ذلك أدى إلى أن يتدرَّج وعيى بالمتلقى حتى انتبهيت إلى أن يكون خطابى موجه “إلى كل من يهمه الأمر”، سواء أمرَ نفسه، أم أمر الإنسان، أم أمر الإيمان، أم أمر لغتنا الحضارة، أم أمر ثقافتنا المهمـَّشة، أم أمرَ حسابه على وقته، وذرات علمه، ولقاء ربه، هذا ما  انتهيت إلى أنه يرضينى ويحملنى مسئولية الاستمرار ما دمت  قادرا،

 لكننى فى نفس الوقت وجدت أننى إذا كنت قد اطمأننت إلى تحديد المخاطَب، فعلىّ أن اعترف بفضل المصدر، وهم مرضاى، ومهنتى، وكل من ظنَّ بما أحاوله خيرا، فنقدنى أو صححنى أو أرشدنى، أو أضاف إلىّ، هذا  فضلا عن ما وصلنى من كل من اجتهد على نفس الدرب إلى نفس الغاية بأى لغة وفى أى تخصص، وهكذا جاء العنوان الفرعى لهذا الكتاب التاريخ (عندما يتعرى الإنسان) “من الناس إلى الناس” فأنا لا أقدم صورا من عيادة نفسية كما جاء فى العنوان الفرعى للطبعة الأولى،  ولا أدرس دروسا للناس فى  الطب النفسى، كما جاء فى الطبعة الثانية والثالثة، وإنما أنا أتعلم من الناس (المرضى والأصحاء ونفسى ومن حولى)، وأرد له دينهم بما وصلنى وهو طب نفسى أيضا ، لكنه “طب أخر“، لعله أبسط، وأنفع، وأقرب إليهم.؟

وبعد

يا ترى هذه المقدمة الطويلة سوف تشرح لماذا قررت أن أؤجل الحديث عن الفصام ، وهو المعلم الأول والشهادة لله، حتى تتاح له الوقت الذى يستحقه إذا نجحت فى إنجاز عدد من الطبعات الورقية لما تجمّع لدى من سائر أعمالى، وأيضا ربما تتاح له المساحة المناسبة، بعد انتهائى من حوارى مع مولانا النفرى، وهربى فى أحوال وأهوال، واعتذارى لشيخى محفوظ كل خميس،

 ربما، والله يفعل ما يشاء ويختار.

كما وعدت، سوف أواصل الاقتطاف من أعمالى القديمة ما يوضح أكثر فأكثر أبعاد وماهية هذا الطب النفسى الآخر، ويوفر وقتى لنشر ما تيسر ورقيا.

 تعالوا نرى مقتطف اليوم، وهو  من نفس الكتاب مع التذكرة بأنه “الطب النفسى الآخر” لنعرف بعض ما هو آخر فيه

المقتطف                                                                                                  

من الحكاية الثانية:  “كرسى على عجل”،

ونقتطف الحوار مباشرة بين الحكيم  والمريض15-5-2017

 لنختم هذه النشرة بالحوار بين الفتى الناقِهْ مع الحكيم.

قال الحكيم (الطبيب)

 للمريض (المحترم):

……….

‏= ‏ولكن‏ ‏للأمر‏ ‏وجها ‏آخر‏

قال المريض:‏

‏- ‏نعم‏… ‏لكل‏ ‏شىء‏ ‏وجه‏ ‏ووجه‏‏، ‏ولكن‏ ‏أين‏ ‏وجهى ‏أنا‏ ‏بين‏ ‏الوجوه‏، ‏لقد‏ ‏لا‏‏حظتْ‏ ‏زوجتى ‏تأملى ‏مرآتى ‏وأنا‏ ‏أحلق‏ ‏ذقنى ‏كل‏ ‏صباح‏، ‏وخشيـتُ‏ ‏أن‏ ‏تظن‏ ‏بىَ ‏الظنون‏، ‏كنت‏ ‏أشدُّ‏ ‏جـِلد‏ ‏وجهى ‏لعلى ‏أجد‏ ‏تحته‏ ‏وجها‏ ‏آخر‏ ‏أتعرف‏ ‏عليه‏، ‏ولكن‏ ‏هيهات‏، ‏بينى ‏وبين‏ ‏نفسى ‏يقف‏ ‏الناس‏ ‏حائلا‏‏ ‏بينى ‏وبينى، ‏فكرت‏ ‏أن‏ ‏آخذ‏ ‏مرآة‏ ‏معى ‏فى ‏المكتب‏، ‏وخلوت‏ ‏بنفسى، ‏ولكن‏ ‏أحسست‏ ‏أن‏ ‏خيال‏ ‏زوجتى ‏يقبع‏ ‏معى ‏فى ‏ركن‏ ‏الحجرة‏ ‏تنظر‏ ‏إلىّ ‏بنظراتها‏ ‏الهادئة‏ ‏الواثقة‏ ‏الضاغطة‏، ‏تطل‏ ‏علىّ ‏من‏ ‏صفحة‏ ‏المرآة.. ‏حتى ‏فى ‏المكتب،‏ ‏وخشيت‏ ‏إنْ‏ ‏أنا‏ ‏أخرجتُ‏ ‏المرآة‏ ‏أن‏ ‏ينادى ‏خيالها‏ ‏الموظفين‏ ‏ليشاهدوا‏ ‏مديرهم‏ ‏وهو‏ ‏يبحث‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏تحت‏ ‏جلد‏ ‏وجهه‏، ‏ماذا‏ ‏بقى ‏بينى ‏وبين‏ ‏الجنون؟‏ ‏لقد‏ ‏كنت‏ ‏أشاهد نفسى ‏أحيانا‏ ‏وهى ‏تخرج‏ ‏لى ‏لسانها؟‏ ‏هكذا‏ ‏خيل‏ ‏إلى‏، ‏بل‏ ‏إنى ‏أحيانا‏ ‏أخرج‏ ‏لسانى ‏لنفسى دون مرآة ‏لأن‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏عملته‏ ‏لا‏ ‏شىء‏… ‏لا‏ ‏شىء‏، ‏لقد‏ ‏صنعتُ‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏لا‏ ‏شىء‏ ‏فوجدت أننى ما صنعت إلا اللاشىء.

قال الطبيب (الحكيم):

= ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏الألم‏ ‏كله، كل ما انت فيه الآن: ‏… ‏هل‏ ‏يخرج‏ ‏من‏ ‏لا‏ شىء‏.‏

‏‏ قال المريض:

– ‏الألم؟!!! ‏إن‏ ‏الألم‏ ‏هو‏ ‏علامة‏ ‏وجودى..، ‏إن‏ ‏ما‏ ‏بقى ‏لى ‏هو‏ ‏الألم‏، ‏ولكنه‏ ‏ألم‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏خاص.. ‏إنه‏ ‏مأساة‏ ‏الحياة‏، ‏إنه‏ ‏ثمن‏ ‏الخداع.. ‏أريد‏‏ ‏أن‏ ‏أسير‏ ‏فى‏ ‏الشوارع‏ ‏أنادى ‏الناس‏ ‏أن‏ ‏يصحُـوا‏ ‏قبل‏ ‏فوات‏ ‏الأوان‏.. ‏أن‏ ‏يراجعوا‏ ‏الطريق.. ‏أن‏ ‏يرفعوا‏ ‏العصابة‏، ‏ولكن‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏أعرف‏ ‏أولا‏ ‏ماذا‏ ‏بعد‏ ‏رفع‏ ‏العصابة‏ ‏من‏ ‏على ‏العيون‏، ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏أعرف‏ ‏بديلا‏، ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏أعرف‏ ‏الطريق‏ ‏حتى ‏تكون‏ ‏صيحتى ‏نداء‏ ‏هادفاً‏، ‏وليست‏ ‏صفعة‏ ‏حاقدة‏ ‏تعرِّى ‏الحقيقة‏ ‏ثم‏… ‏لا‏ ‏شئ‏. ‏

‏= ‏فأنت‏ ‏تبحث‏ ‏عن‏ ‏طريق آخر‏.‏

‏- ‏ولكنى ‏يائس‏ ‏من‏ ‏العثور عليه‏.‏

‏= ‏لأنك‏ ‏وحدك‏.‏

‏- ‏ولكنى ‏حاولت‏ ‏أن‏ ‏أجد‏ ‏أحداً‏ ‏فوجدت‏ ‏حياتى ‏ليس‏ ‏بها‏ ‏أحد‏، ‏وجدت‏ ‏الناس‏ ‏أشياء‏ ‏أستعملها‏ ‏وتستعملنى ‏كما‏ ‏ذكرت‏ ‏لك‏.‏

‏= ‏ربما‏ ‏جئت‏ ‏هنا‏.. ‏لنمضى ‏معا‏ً.‏

‏- ‏نعم…؟ نعم؟ ؟ ‏معاً‏؟ ‏هذه‏ ‏وظيفتك‏، ‏تستمر‏ ‏مع‏ ‏أى ‏أحد‏ ‏إلى ‏أى ‏مدى، ‏ماذا‏ ‏ستخسر‏ ‏أنت؟‏ ‏أنت‏ ‏هو‏ ‏أنت‏، ‏تستمر‏ ‏مع‏ ‏من‏ ‏تشاء‏ ‏كما “‏أنت‏” ‏ثم‏ ‏تخرج‏ ‏من صحبته‏ “‏أنت‏” ‏”‏أنت‏”، أما‏ ‏أنا‏… ‏فلستُ‏ ‏شيئا، أنت ‏تقول‏ “‏معا‏”‏؟‏ ‏أليس كذلك؟ سوف تجد‏ ‏بجوارك‏ ‏صفرا‏ ‏عظيما‏، ‏ستجد‏ ‏نفسك‏ ‏تسير‏ ‏وحدك‏، ‏لا‏ ‏تُضيّع‏ ‏وقتك يا دكتور ‏ ‏وقل‏ ‏لى ‏لا‏فائدة‏.. ‏ربما‏ ‏واتتنى ‏الشجاعة‏ ‏وعملتها‏.‏

‏= ‏ولكن‏، ‏ربما هناك‏ ‏فائدة‏… ‏أية ‏فائدة‏ ‏.

‏- ‏فائدة‏ ‏لك‏.. ‏لقد‏ ‏قلت‏ ‏لك‏ ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏وظيفتك،‏ ‏أكل‏ ‏عيشك.. ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فأنت‏ ‏هو‏ ‏أنت‏. ‏وأنا‏ ‏لا‏ ‏شىء‏، ‏أليست‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏الحقيقة‏.‏

‏= ‏أنا‏ ‏لست‏ “أنا” ‏إلا‏ ‏بك‏، ‏بصحبتك‏ ‏على ‏الطريق‏.‏

‏- ‏أى ‏طريق؟

‏= ‏طريق‏ ‏أن‏ ‏ترى ‏نفسك‏ ‏كما‏ ‏تستحق‏… ‏كما‏ ‏أنت‏ ‏أهل‏ ‏له‏.‏

‏- ‏أنا‏ ‏أهل‏ ‏لماذا؟‏ ‏ماذا‏ ‏أريد؟‏ ‏لقد‏ ‏تصورت‏ ‏أنى ‏أريد‏ ‏الاحترام‏، ‏وهأنذا‏ ‏حصلت‏ ‏عليه.. ‏فماذا‏ ‏كانت‏ ‏النتيجة؟

‏= ‏ولكنك‏ ‏تتحدث‏ ‏عن‏ ‏تجربة‏، ‏وعن‏ ‏زيف‏، ‏وعن‏ ‏رغبة‏ ‏فى ‏أن‏ ‏تجنـِّب‏ ‏غيرك‏ ‏هذا‏ ‏الزيف‏، ‏لو‏ ‏عرفت‏ ‏البديل.

‏- ‏لو‏ ‏عرفت‏ ‏البديل‏!‏

‏= ‏فأنت‏ ‏تفكر‏ ‏فى ‏الآخرين‏ ‏فى ‏قمة‏ ‏أزمتك‏.‏

‏- ‏ولكن‏ ‏الآخرين‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏ضيَّعونى، ‏لأنى ‏حسبت‏ ‏حسابهم‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏حسبت‏ ‏حساب‏ ‏نفسى.‏

‏= ‏ولكنك‏ ‏الآن‏ ‏تفكر‏ ‏بطريقة‏ ‏أخرى، ‏تريد‏ ‏أن‏ “‏تعطِى” ‏تجربة‏، ‏لا‏ ‏أن‏ “‏تأخذ‏” ‏احتراما‏.‏

‏- ‏صحيح.. ‏ولكن‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏تـُكتمل‏ ‏التجربة.. ‏أولا‏.‏

‏= ‏ولذلك‏ ‏أنت‏ ‏هنا‏.‏

‏- ‏لا.. ‏أنا‏ ‏لست‏ ‏هنا‏ ‏لذلك‏، ‏أنا‏ ‏جئت‏ ‏هنا‏ ‏لأحرق‏ ‏هذه‏ ‏الورقة‏ ‏الأخيرة‏، ‏ثم‏ ‏أجد‏ ‏مبرراً‏ ‏للاستمرار‏ ‏فى ‏السخط‏ ‏والتحطيم‏، ‏ولكن‏.. ‏لكن‏ ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏مازال‏ ‏هناك‏ ‏باب‏ ‏لم‏ ‏أطرقه‏.‏

‏= ‏هو‏ ‏باب‏ ‏إنسانيتك‏.‏

‏- ‏إنسانيتى؟‏!! ‏ماذا تعنى؟!!!  هل هناك عقار اسمه “إنسانيتـْكـُو”؟ أنا‏ ‏بدأت‏ ‏بالبحث‏ ‏عن‏ ‏الاحترام‏ ‏فهل كان علىّ أن ‏أبحث‏ ‏عن‏ ‏إنسانيتى؟ إنسانيتى تعنى ماذا؟

‏= ‏أنت‏ ‏لم‏ ‏تبدأ‏ ‏بالبحث‏ ‏عن‏ ‏الاحترام‏، ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏وضعوك‏ ‏فى ‏أول‏ ‏الطريق‏، ‏فسرت‏.‏

‏- ‏وهل‏ ‏كان‏ ‏ممكنا‏ ‏ألا‏ ‏أسير؟

‏= ‏كان‏ ‏صعبا‏ ‏جدا‏..، ‏ولكن‏ ‏الممكن‏ ‏الآن‏ ‏أن‏ ‏تـُجَـنِّب‏ ‏غيرك‏ ‏هذه‏ ‏المسيرة..

– ما لى أنا وغيرى الآن؟

= أنت بغيرك وغيرك بك.

– لستُ فاهما.

‏= ‏إنما‏ ‏يكون‏ ‏الإنسان‏ ‏إنسانا‏ ‏إذا‏ ‏مارس‏ ‏إنسانيته‏ ‏مع‏ ‏إنسان‏ ‏آخر‏.‏

‏- ‏ما‏ أسهل ذلك، …. و….. وأصعبه!!‏.‏

‏= ‏وما ألزم ذلك، و…وأوجبه‏.‏

‏- الكلام سهل، لا تخدعنى من فضلك.

‏= ‏حين يزداد ‏عدد‏ “‏النا‏س‏ ‏الناس‏”، ‏ويقل‏ ‏عدد‏ “‏الناس‏ ‏الأشياء‏”، سوف تزيد الفرص للجميع‏.

‏- ‏نعم؟!  نعم؟! تلوّح لى بما أتجنب تصديقه. ‏

‏= ‏لسنا فى عجلة، ونحن معا.

‏- ‏وهل‏ ‏تصبر‏ ‏علىّ؟

‏= ‏وهل‏ ‏تصبر‏ ‏أنت‏ ‏علىّ؟

****

قال‏ ‏الفتى ‏للحكيم‏:‏

‏- ‏ولكن‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الألم‏.. ‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الألم ، هل‏ ‏تتركه‏ ‏يعانيه‏ ‏حتى ‏يعثر على الناس الناس؟‏.

قال‏ ‏الحكيم‏:‏

‏= ‏لقد‏ ‏استعان‏ ‏العلم‏ ‏على مثل ‏هذا‏ ‏الألم‏ ‏بالكيمياء‏ ‏والطبيعة‏، ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏ينبغى ‏ألا‏ ‏ينسينا‏ ‏حقيقة‏ ‏المأساة‏ ‏الانسانية‏، ‏علينا ألا‏ ‏نرضى ‏بتخفيف‏ ‏الألم‏ على طول الخط، بديلا عن‏ ‏اليقظة‏ ‏الشاملة‏.. ‏لتحقيق‏ ‏الانسان‏ ‏الإنسان‏.‏

قال‏ ‏الفتى:‏

‏- ‏ولكن‏ ‏ما‏ ‏هى ماهية‏ ‏هذه‏ ‏الإنسانية‏ ‏التى ‏وعدتَ‏ ‏بها‏ ‏المحترم؟‏ ‏إني‏ أخشى، ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏الأمر‏ ‏كلاما‏، ‏أو أوهاما.

قال‏ ‏الحكيم‏:‏

‏= ‏إن‏ ‏خوفك‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏يبرره‏، ‏فالسعى ‏وراء‏ “‏ألفاظ‏” ‏عامة‏، ‏لا‏ ‏يقل‏ ‏خطره‏ ‏عن‏ ‏السعى ‏وراء‏ ‏قيم‏ ‏زائفة‏، ‏ولفظ‏ “‏الإنسان‏” ‏إن‏ ‏لم‏ ‏تتحدد‏ ‏أبعاده على أرض الواقع… ‏أصبح‏ ‏هو‏ ‏الآخر‏ ‏وهـْمـًا‏ ‏كما‏ ‏تقول‏.‏

قال‏ ‏الفتى‏:‏ً

‏- ‏وهل‏ ‏يمكن‏ ‏تحديد‏ ‏أبعاده؟

قال‏ ‏الحكيم‏:

= ‏لكى ‏يكون‏ ‏الإنسان‏ ‏إنسانا‏ ‏لابد‏ ‏أ‏ن ‏يكون‏ ‏وحدة‏ ‏قائمة‏، ‏تأخذ‏ ‏وتعطى ‏بلا‏ ‏خوف‏ ‏ولا‏ ‏قهر‏، حتى ‏يحس‏ ‏بحرية‏ ‏الاختيار‏ ‏النابع‏ ‏من‏ ‏كونه‏ ‏هو‏: ‏ذاته، معهم، إليه.

قال‏ ‏الفتى‏:‏

‏- ‏ولكننا‏ ‏نخرج‏ ‏من‏ ‏تعميم‏ ‏إلى ‏تعميم‏، ‏فما‏ ‏أكثر‏ ‏الوهم‏ ‏الذى ‏أحيطت‏ ‏به‏ ‏هذه‏ ‏الألفاظ‏ ‏وأولها‏.. ‏الاختيار‏ ‏والحرية.

قال‏ ا‏لحكيم‏:‏

= وكأنى ‏بك‏ ‏أصبحت‏ ‏الحكيم‏ ‏الحذر‏ ‏المراوغ‏، ‏ولستَ‏ ‏الفتى ‏طالب‏ ‏المعرفة‏

………….

وبعد

هذا بعض ما كان منذ نصف قرن،

 وقد كنت قد وعدت أن أقتطف من العمل التالى الذى أعده أيضا للطباعة الورقية (ملحمة الرحيل والعود“،) بعد أن وجدت أن به ما يتكامل مع هذا العمل الأقدم برغم أن بينهم أربعين عاما، لكننى أجلت ذلك حين وجدت الأقدم أسهل واكثر مباشرة؟

 ذلك أننى اكتشفت فى هذا العمل الأحدث عمقا قد لا يلتقطه إلا  من توكل عليه،  وشحذ وعيه إليه، وجاءه يسعى، وهو يخشى.

……

مللت من تكرار الاعتذار، ولا بد أنكم مثلى

ومن تكرار الخجل من الاعتذار

فـعذرا !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *