الرئيسية / مقالات صحفية / أخبار الأدب / تدليك الفكر ومسؤولية القراءة

تدليك الفكر ومسؤولية القراءة

أخبار الأدب 

نشرت بتاريخ: 10 فبراير   2013

نبض الناس

تدليك الفكر ومسؤولية القراءة

منذ عشر سنوات وخمسة أيام كتبت فى الأهرام بتاريخ 13-1-2003 مايلى:

‏الإنسان‏ ‏المعاصر‏ ‏حيوان‏ ‏قارئ‏. ‏يظل‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏الكتاب‏ ‏والصحيفة‏ ‏والمجلة‏ ‏والقلم‏ ‏والورقة‏ ‏هم‏ ‏الأصدقاء‏ ‏الدائمون‏ ‏له‏ ‏فى ‏الحل‏ ‏والترحال‏. ‏حتى ‏تلك‏ ‏الوسائل‏ ‏التى ‏غمرتنا‏ ‏مؤخرا‏ ‏هى ‏أدوات‏ ‏مساعدة‏ ‏للقراءة‏ ‏وليست‏ ‏بديلا‏ ‏عنها‏، هذا‏ ‏عن‏ ‏القراءة‏ (‏والكتابة‏) ‏التى ‏نعرفها‏ ‏كما‏ ‏شاعت‏ ‏بما‏ ‏يقابل‏ ‏عكس‏ ‏الأمية‏ . ‏لكن‏ ‏ثمة‏ ‏قراءة‏ ‏أخرى ‏أسبق‏ ‏وأعمق: ‏هى التى كانت‏ ‏أول‏ ‏ما‏ ‏أمر‏ ‏به‏ ‏ربنا‏ ‏نبينا‏ ‏عليه‏ ‏الصلاة‏ ‏والسلام‏ ‏‏أن‏ “‏إقرأ”: ‏قراءة‏ ‏فى ‏الوجود‏، ‏وفى ‏النفس‏، ‏معا‏، ‏بما‏ ‏يؤكد‏ ‏هذا‏ ‏التواصل‏ ‏الرائع‏ ‏بين‏ ‏الإنسان‏ ‏والطبيعة‏ ‏فالأكوان‏ وحمل مسؤولية كل ذلك بكل ما يعنى من صبر وتحمل وكدح: ‏”إنا‏ ‏سنلقى ‏عليك‏ ‏قولا‏ ‏ثقيلا”. ‏‏تذكرت‏ ‏ذلك‏ ‏وغيره‏ ‏بمناسبة‏ ‏افتتاح‏ ‏معرض‏ ‏القاهرة‏ ‏للكتاب‏، هذه‏ ‏المناسبة‏ ‏الرائعة‏ ‏التى ‏تلتقى ‏فيها‏ ‏العقول‏ ‏العربية‏ ‏ببعضها‏ ‏البعض‏، ‏كما ‏تستنشق‏ ‏رحيق‏ ‏عقول‏ ‏الفكر‏ ‏البشرى‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏حدب‏ ‏وصوب‏.

كتبت قبل ذلك أيضا فى نفس المناسبة فى الوطن السعودية 18-1-2001، ما يلى:

  تكون القراءة‏ ‏فى ‏أوج‏ ‏عطائها‏ ‏حين‏ ‏تـلهمنا‏ ‏أن‏ ‏نحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏ما‏ ‏يبلغنا‏ ‏منها‏، ‏وذلك حين‏ ‏تصبح‏ ‏قراءتنا‏ ‏إلزاما‏ ‏بمحاولة‏ ‏التغيير‏ ‏على ‏أرض‏ ‏الواقع‏، ‏انبعاثا‏ ‏مما‏ ‏وصلنـا‏ ‏من‏ ‏جديد،‏ هذا‏ ‏وإلا‏ ‏فستصبح‏ ‏القراءة‏ ‏مجرد‏ ‏نوع‏ ‏من‏ “التدليك‏ ‏الفكرى”، ‏وهو‏ ‏تعبير‏ ‏ليس‏ ‏من‏ ‏ابتداعى.

أعترف أننى توقفت عن الذهاب إلى معرض الكتاب منذ ذلك الحين تقريبا وحتى الآن بعد أن لجأت إلى تبرير سخيف: فما أن يعلن موعد افتتاح المعرض حتى أروح أنظر فى مكتبتى، وأعدّ كم كتاب ينتظرنى لأقرأه، ثم أعاقب نفسى ألا أقتنى المزيد حتى انتهى مما عندى، مكتفيا بتوصية أصدقائى وتلاميذى أن يشتروا لى ما يعلمونه عنى من اهتمامات فى “التطور”، و”الفطرة”، و”الطبيعة البشرية”، و”الكدح إلى وجهه تعالى”، ثم وصل بى الأمر أن أحاسب نفسى أولا بأول على ما وصلنى من قراءاتى أولا بأول حتى لا أخون الكلمات، وكتبت عن ذلك فى الدستور فى 2-2-2008، ثم  قرأت ما كتبت على شيخى نجيب محفوظ، الذى كان من طبعه أن يجامل كل من حوله بالموافقة غير المشروطة، إلا أنه فى هذه المرة صَمَتَ لفترة أطول وقال: “لا، أنا غير موافق”، وحين استوضحته، قال أنت تعجّز الناس هكذا، من أين لك أن تعلم ماذا وصل للقارئ مما يقرأ، وكيف تفاعل معه، وماذا تبقى منه، وبأى قدر أثر فيه، القراء أنفسهم لا يعرفون (لم يقل: “ولا أنت”، ولم يُضِفْ: “ولا أنا”، لكنها وصلتنى هكذا من فرط أمانته وطيبته وعدْله).

بالصدفة البحتة رحت أواصل هذه الأيام، أسبوعيا ومنذ عامين: “قراءة” ما خطَّ بيده فى كراسات التدريب بما توحيه لى من تداعيات، وقد وصلت حتى الآن إلى صفحة “106” (من 1043 صفحة)، فإذا بى أواجه فى هذه الصفحة الواحدة بمكتبة زاخرة، حاول فيها شيخى أن يرتب بعض مكتبته التى فى ذهنه: فبدأ بالقرآن الكريم ثم الملاحم الشعبية والف ليلة ومختارات الشعر العربى، وما ترجم من الاغريق والانجليزية والفرنسية، هذا بعد إشارات إلى مجدولين وسيرانو دى برجراك وهول كين والأيام لطه حسين والديوان للعقاد ثم سلامة موسى، وغير هؤلاء فى صفحة واحدة أخذت منى شهرا كاملا فى قراءتها، ثم إنه أنهاها قائلا: “وقد قرأت كل ذلك بوجدانى ولم أدرسه”، ففهمت أخيرا ملاحظته السابقة، ورفضه رأيى الذى لم أتبين فساده إلا بعد أن غصت “فى موقعى” فى محيط “الإدراك، والوجدان” ومعاً

ياه!! يا شيخنا: كم علمتنا وتعلمنا !! شكراً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *