الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوطن الإلكترونية / د. يحيى الرخاوى: المصريون بعد «ثورتين» أقدر على التعلّم والبناء

د. يحيى الرخاوى: المصريون بعد «ثورتين» أقدر على التعلّم والبناء

جريدة الوطن :

السبت: 29/4/2017

د. يحيى الرخاوى: المصريون بعد «ثورتين» أقدر على التعلّم والبناء

الوطن د. يحيى

قال الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى فى «قصر العينى»، إن علاقة الوطن بالمواطن «متينة جداً»، فلا يمكن للمواطن أن يعيش بدون وطن، وفى نفس الوقت لن ينهض الوطن إلا بمواطن يحبه، مشيراً إلى أن ما مرّ به المصريون بعد «ثورتين» جعلهم أقدر على التعلم أن المسألة أصبحت تحتاج إلى التفكير فيما بعد الهدم، أكثر مما تحتاج إلى مجرد السخط وإلقاء اللوم والتغيير دون تخطيط متكامل.

وأضاف «الرخاوى»، فى حوار لــ«الوطن»، أن على المسئولين ألا ينسوا أبداً أن «للصبر حدود» فى مسألة الضغوط المعيشية، حتى لا يتجاوز الناس هذه «الحدود».. وإلى نص الحوار:

■ «قوة الوطن فى ناسه».. هل تنطبق هذه المقولة على المجتمع المصرى؟

– هل يمكن أن يكون الأمر غير ذلك؟! الناس بدون وطن ليسوا ناساً، والوطن بدون ناس ليس وطناً، بل إن المسألة تمتد إلى أبعد من ذلك، إلى أصول الحياة وتاريخ التطور، ذلك أن غريزة «التوطن» من أقدم الغرائز التى حافظت على الأحياء من عوامل الانقراض. وهذه الغريزة، التى هى أساس البقاء الحيوى أصلاً، موجودة فى كل الأحياء التى أمكن دراستها، وهى تشير إلى أن أى كائن حى يتعلـم أنه ينتمى إلى مكان ما، موقع ما. ومن وجهة نظر «تطورية»، فإن الموطن هو المكان الذى يجد فيه الكائن الضروريات اللازمة للبقاء حياً، كما يجد فيه الأمان من المهاجمة والافتراس، ويعتبر الكائن أنه متمكن إذا ما كانت حدود موطنه مؤمّنة ضد اختراقها من أى مهاجم أو مُغير، وهذه حقائق «ألف باء» علم الأحياء. ولكن، على الناحية الأخرى، دعنى أحذر من المغالاة فى حب الوطن دون الوفاء بالتزاماته، الأمر الذى يصل بصاحبه إلى ما يسمى بـ«الشوفينية»، وهى المغالاة فى التعصب لمكان ما، حيث يعتبر الشخص «الشوفينى» أن وطنه هو أفضل الأوطان، وأمته فوق كل الأمم. وهو توجه غير سوى بطبيعة الحال، عرفه التاريخ الحديث فى أبشع صور «النازية» وغيرها.

■ ما أبرز التحولات التى حدثت فى الشخصية المصرية خلال الآونة الأخيرة؟

– هذا السؤال يتكرر باستمرار من معظم وسائل الإعلام، وأنا أشعر بالخجل من إعادة الإجابة عنه بنفس الإجابة، ومع ذلك فإن مجرد تكراره يدل على أهميته، وأرجو أن يحتملنى من عرف إجابتى مسبقاً، فأنا لا أملّ من أن أنبه باستمرار أنه سؤال لا يمكن الإجابة عليه بطريقة علمية إلا من مؤسسة أبحاث مقننة، ومع ذلك فمن حق الناس أن تتساءل وهى تلاحظ أحوال الشارع وفى المدارس بل وداخل البيوت، أن هناك شيئاً ما جرى ويجرى، يحتاج دراسة وفحصاً، وفى نفس الوقت هو لا يحتمل أى فتوى أو إصدار أحكام فوقية سواء نفسية أو دينية أو حتى سياسية. وفى كل مرة يُطرح علىّ هذا السؤال أحاول التنبيه إلى ضرورة تحديد نقطة معينة صغيرة وواضحة، تقبل الإجابة دون اختزال، وكذلك أكرر التنبيه إلى ضرورة الالتفات إلى الفروق الثقافية، فالذى حدث ويحدث فى «الزمالك» مثلاً غير الذى حدث ويحدث فى «حارة السكر والليمون» بمنطقة المنيل، والذى يحدث فى القاهرة الجديدة غير الذى يحدث فى «عزبة القصيرين» فى غمرة.

فما الذى حدث فى ثوابت الشخصية المصرية؟

– الحقيقة أنه ليس عندنا قاعدة بيانات عن ماهية الشخصية المصرية «قبل الآونة الأخيرة» من مصدر علمى محايد موثوق به، فالكلام عن ثوابت الشخصية المصرية إما أن يجرى عشوائياً غير مسئول، أو أن يكون عاطفياً غير مختبر، أو يكون تاريخياً مستعاداً، أو يكون من نوع «التفكير الآمِل» الذى يرى ما يرجو فقط، لا ما كان، ولا ما هو واقع، ورغم كل هذه المقدمات فلا أحد يستطيع أن يمنع نفسه أو غيره من التساؤل، وأنا شخصياً أستلهم ما جرى ويجرى من واقع من يتردد علىّ للاستشارة سواء فى عيادتى الخاصة أم فى عيادة «قصر العينى» التى ما زلت أمارس فيها دوراً منتظماً، والفرق فى الحالين شاسع، ومن ثم يجب الحذر مجدداً من التعميم.

■ ما تأثير الصعوبات الاقتصادية التى يعانى منها المصريون حالياً على صحتهم النفسية؟

– دعنا نتساءل، أولاً، ما هو تأثير الصعوبات الاقتصادية على حياة المصريين عامة؟ على أمان المصريين؟ على إبداع المصريين؟ وأخيراً وبكل ألم على «بقاء المصريين». إن إدخال صفة «النفسية» هذه باستمرار لا شك فيه احترام لتخصصى، لكننى دائماً أبدأ بأن أبرّئ هذا التخصص من زعم الإحاطة بأكثر مما يحيط به الشخص العادى، والأهم بما لا يحيط به السياسى، برغم كل هذا، فدعنى أجيبك بملاحظات مواطن يعايش ما استطاع مجريات الأمور من حوله وتصادف أنه يمارس الطب النفسى، فإن الإجابة بديهية، ومع ذلك فإنها تختلف من النقيض إلى النقيض، فهناك فريق من المصريين يزدادون مثابرة على العمل، وإصراراً على قبول التحدى، أما الأغلبية للأسف فإنهم يكتفون بالسخط على الوضع الراهن، وإلقاء اللوم على كل من يحيط بهم بدءاً من السلطات وصولاً إلى الأقدار، وهذا وذاك يمكن أن يسمى تفاعلات نفسية بلا مبرر لهذه التسمية.

■ ما التركيبة النفسية للمصريين التى تجعلهم يتحملون كل هذه الضغوط المعيشية الراهنة؟

– الأرجح عندى أن ما مرّ به المصريون بعد ما يسمى «ثورتين» جعلهم أقدر على التعلم، خاصة أن المسألة أصبحت تحتاج إلى التفكير فيما بعد الهدم، أكثر مما تحتاج إلى مجرد السخط وإلقاء اللوم والتغيير دون تخطيط متكامل، إن المصريين بتحملهم هذا يعلنون عن أنهم قادرون على التعلم من الخبرات الناجحة والفاشلة على حد سواء، وهم غير مستعدين لثورة ثالثة، ما دامت نتائج ما يسمى الثورتين لم تتضح لهم بالقدر الكافى، فضلاً عن أنهم يعطون فرصة أطول ليس فقط لحكامهم، بل لأنفسهم ليختبروا قدرتهم على التشكيل بعد مرحلة الفوضى التى تبدأ بها الثورات عادة، سواء نجحت أم فشلت، فالثورة إن لم تنجح على مواصلة المسيرة إلى الإبداع وإعادة تشكيل الواقع فهى لن تعدو أن تكون «هوجة» أو «فوضى عشوائية» لا أكثر ولا أقل.

■ لماذا تحرك المصريون فى فترات سابقة ضد ارتفاع الأسعار ولم يتحركوا بعد موجة الارتفاعات الأخيرة؟

– أظن أننا تعلمنا أيضاً أن ننتقل من مرحلة التركيز على المطالب الفئوية والشخصية إلى النظر فى مصالح جماعة المواطنين أجمعين، كما تعلمنا أن نعطى للزمن قيمة أكثر من الزمن الذى اعتدنا أن نتعامل به بمبدأ مجرد «رد الفعل»، وأعتقد أن ارتفاع الأسعار صاحبه ارتفاع الأجور فى معظم القطاعات، ولكن هذا غير متناسب، ولا يكفى لتفسير صبر المصريين، وإنما دعنى أرجح آملاً أنهم يعطون للمسئولين فرصة أكبر، ويشعرون بمسئولية أعمق، وفى نفس الوقت على المسئولين ألا ينسوا أبداً أنه «للصبر حدود»، وأرجو ألا يصل الأمر بالناس أن يتجاوزوا هذه الحدود بل يدعموها حتى لا ندخل امتحاناً ليس له «ملاحق».

■ انتشرت فى الآونة الأخيرة ظواهر تتنافى مع عادات المصريين مثل التحرش والاعتداءات الجنسية على الأطفال.. فماذا حدث لنا؟

– لا بد من التحذير من التعامل مع الحوادث الفردية، أو حتى «الشللية» على أنها «ظاهرة»، وأعتقد أن مسئولية الإعلام عن تحويل كل حادث فردى إلى ظاهرة مسئولية خطيرة، فمثل هذا الإلحاح الإعلامى لا يخدم محاربة الظاهرة بل قد يستثير انتشارها وهو يهوّن دون قصد من معنى تواتر حدوثها، والمصريون عموماً ما زالوا يشمئزون من التعدى جنسياً على الأطفال، ويعتبرون هذا الأمر مسبّة وعاراً كبيراً لمن يرتكبه، والتحرش كان طول عمره موجوداً تحت مسمى آخر وهو «المعاكسة». وما لم تكن هناك إحصاءات محددة تبين أن أحداثاً «شاذة» مثل هذه التصرفات تزيد فعلاً بدرجة مستمرة، فإنه ينبغى التحفظ فى التعامل معها كظاهرة منتشرة، وعلى الإعلام أن يتحمل مسئوليته، وليس معنى هذا أن نغفلها أو نستهين بها، لكن لكل حالة حدودها والطريق المناسب للتعامل معها، والجانب الدينى والوازع الأخلاقى أهم 1000 مرة من التفسيرات والتبريرات النفسية، وطبعاً من الإثارة الإعلامية.

■ لُحمة المسلمين والأقباط التى تظهر فى أحلك وأدق الظروف المشتعلة.. ما تفسيرها؟

– هذا هو التأكيد الحقيقى لأصالة علاقة المصريين بربهم، ولا أقول فقط علاقتهم بدينهم أو أديانهم، فالله العدل العليم هو الذى له الأمر من قبل ومن بعد، فنحن نتعامل مع بعضنا البعض فى حدود قدراتنا البشرية، متوجهين كل من موقعه إلى وجه الله تعالى، وهذا ليس حاضراً فقط، لكنه تاريخ مجيد لهذا الشعب العريق.

■ ما الأمر الذى يمكن المراهنة عليه فى حرب الدولة ضد الإرهاب.. وهل المواجهة الأمنية تكفى؟

– طبعاً لا تكفى، ودعنى أختم الحديث بهذه النقاط؛ عودة المدارس إلى دورها الحقيقى كمجتمع تترعرع فيه القيم الإيجابية والضمائر، فضلاً عن عودة الشارع إلى انضباطه بحيث يشعر المار أنه فى دولة «لها حكومة» وبها مواصلات واحترام للوقت، ناهيك عن عودة الناس إلى ربهم، وأن كلاً منهم «على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره».

■ هل ترى أن هناك تدابير أخرى يمكن اتخاذها فى هذا الصدد؟

– بالطبع، لا بد أيضاً من عودة الجهود الثقافية فى كل مجال، وأن نسعى إلى تنمية الفكر النقدى لكى يقل الاتباع ويظهر الإبداع، وكل هذا يحتاج إلى عمل رسمى وشعبى وثقافى وإعلامى ممتد، وهو مسئولية كل فرد أمام ربه ونفسه وبصيرته قبل أن يكون مسئوليته أمام وطنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *