الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (188) أنواع الفصام (2)

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (188) أنواع الفصام (2)

نشرة الإنسان والتطور

نشرة الأحد: 23-4-2017

السنة العاشرة

العدد: 3522      

 الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (188)

الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع

أنواع الفصام (2)

ذكرت فى نشرة أمس أننى سوف أعرض الأنواع كما اعتدنا عليها، معتمدا على العلاقة النسبية بين التفسخ والتدهور، وأننى سوف أبدأ بالتقسيم التقليدى، احتراما للتاريخ وتمهيدا لذكر ما وصلنى بين ما نشرتُ باكرا، وبين الآن، بعد أن امتدت الخبرة إلى أكثر من نصف قرن، وخاصة ما تختص به ثقافتنا الخاصة وخبراتنا النابعة منها

 (2)  الفصام الهيبفرينى Hebephrenic Schizophrenia

كنا فى البداية قد حاولنا استعمال مصطلح “الفصام الخامل” كمحاولة للترجمة التقريبية، لكننى تراجعت عن ذلك، مفضِّلا التعريب المناسب والمفيد، – وقد استعملت لفظ الخامل نظرا  لتصورى آنذاك أن هذا النوع يتميز بغلبة  الأعراض السلبية، كما استعمل آخرون لفظ الفصام “الطفلى الفج”  إشارة إلى أصل كلمة Hebe  التى ترجع إلى ابنة الآلهة زيوس حاملة الكأس لأوليمبوس (1) وسوف أواصل استعمال مصطلح الهيبفرينى حتى دون نسبته إلى الفصام أحيانا.

  ‏ويبدأ‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏تدريجيا‏ ‏فى ‏الأغلب‏ ‏فى ‏سن‏ ‏المراهقة‏ ( ‏أصل‏ ‏التسمية‏) ‏ولكن المريض قد يحضر للمشورة فى أى سن، ويكون المرض قد  تطور أكثر فأكثر، (لكن ليس بالضرورة فى اتجاه التدهور، وهذا ما بينته مؤخرا: أنظر حالا:).

يتصف‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏بسطحية‏ ‏العواطف‏ ‏و”لا‏ ‏توافقها”‏ ‏مع الفكر أو السلوك الظاهر وهذا ما ‏ ‏يظهر‏ 23-4-2017_1‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏فى ‏الابتسام‏ ‏الأصفر‏ ‏Facile smile  (الشكل +) بدون‏ ‏داع‏ ‏ولا‏ ‏معنى، ‏ثم في ‏ ‏اضطراب‏ ‏عملية‏ ‏التفكير‏ بما يعرف باسم الاضطراب الجوهرى للتفكير (Formal Thought Disorder)  ‏(أنظر نشرات (نشرة 2-3-2014) و(نشرة 3-3-2014) و(نشرة 9-3-2014) و(نشرة 10-3-2014).  

 

‏ويلجأ‏ ‏المريض‏ ‏إلى ‏نكوص‏ ‏سلوكى ‏سخيف، Silly regression‏ ‏كما‏ ‏يغلب‏ ‏على ‏تحركاته‏ ‏التكرار‏ ‏والأسلوبية‏، أما الضلالات والهلاوس فتكون غير مترابطة عادة ، أى لا تنتظم فى منظومة متماسكة (مقارنة بالفصام البارنوي، ناهيك عن حالات البارانويا)، وقد تكون هذه الضلالات‏ ‏والهلاوس‏ متغيرة، أو مؤقتة.

‏وقد‏ ‏يبدو‏ ‏المريض‏ ‏الهيبفرينى ‏نشطا، ‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏نشاطه ‏عادة يكون دائريا مغلقا، ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏غير‏ ‏بناء ‏ ‏ولا‏ ‏هادف‏ .. ‏وربما‏ ‏كان‏ ‏لمجرد‏ ‏تفريغ‏ ‏الطاقة‏ ‏الحائرة‏ ‏بين‏ ‏تنازع‏ ‏أجزاء‏ ‏الشخصية‏.‏

وتكون‏ ‏علاقة‏ ‏هذا‏ ‏المريض‏ ‏بالواقع‏ ‏ضعيفة‏ ‏أو‏ ‏معدومة‏ .. وبإختصار‏ ‏فإن‏ ‏كل‏ ‏أعراض‏ ‏التفكك‏ ‏على كل المستويات (منظومات الوعى – الأمخاخ –  ووظائف الواحدة تلو الأخرى، النفس)  ‏تظهر‏ ‏واضحة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الفصام‏..

من واقع الخبرة والمراجعة

ثم تبين لى بعد هذه العقود من الممارسة أن بُعْد التفسخ، وخاصة التفسخ النشط كما يظهر فى هذا النوع من الفصام، ليس مرادفا لبُعد التدهور، كما هو مبين فى الجدول المتكرر طوال هذه النشرات، ورويدا رويدا أصبحت لا أعتبر هذا النوع أكثر الأنواع قربا من التدهور أو السلبية، وبعد ممارستى علاج الوسط، والعلاج الجمعى، مع هذه الحالات أصبحت أكثر تفاؤلا بمآله، وأملا فى احتمال تجمّعه ، خاصة وأن التصنيف التقليدى لبعض أعراضه، مثل تفكك الكلام Incoherence  اعتبر ضمن الأعراض الإيجابية فى الفصام جنبا إلى جنب مع الهلاوس والضلالات وليس ضمن الأعراض السلبية، خاصة إذا كانت الهلاوس متغيرة ، أو متذبذبة متماوجة.

تصالحت مع هذا النوع أكثر حين مارست أنواعا مختلفة من العلاجات التى تسمح بالاعتراف بتعدد الذوات حضورا فى تفاعلات العلاج الجمعى أو السيكودراما، بما يسمح لها بالانتقال إلى فرصة – مهما بدت بعيدة – فى استعادة التنظيم والتبادل الإيقاعى.

ملاحظات عن هذا النوع فى ثقافتنا الخاصة المعاصرة:

أولاً:

لعل هذا النوع هو المرادف غالبا لما يسمى “الجنون” عند العامة، وهو أكثر الأنواع عرضة للوشم والإهانة والاستخفاف، وأحيانا السخرية والنبذ، وكثيرا ما يصبح مصدرا للخوف أو الإخافة، خاصة فى مجتمعاتنا الحضرية والرجوازية.

 ثانياً:

أن هذا النوع هو المرادف فى التفكير الشائع، وربما فى الدراما السطحية، لإقران الفصام بما هو: تعدد الذوات، وتناقض  التصرفات، وغرابة السلوك

 23-4-2017_2

 ثالثاً:

فى المجتمعات الريفية ، والفطرية عموما، يجرى قبول هذا النوع بدرجات مختلفة من الشفقة والتعاطف، وأحيانا باعتباره مصدرا للبركة لتصور هذه الشريحة من المجتمع قرب مثل هذا المريض من الله ، وقد يطلقون عليه “بتاع ربنا”، وقد يستبشرون بتنبآته شبه العشوائية باعتباره كذلك، وكل هذا وجدت له ما يبرره تركيبيا حين تم تصالحى مع هذا النوع ، واحترامى لفكرة التفسخ الذى هو درجة أكبر من التفكك الذى أعتبره المرحلة المفترقية للوعى بين طرق متعددة لا يمثل هذا المسار الهيبفرينى إلا طريقا واحدا منها، وقد افترضت أن كسرة الواحدية في هذا النوع مع التأخر على مسار التدهور، هى التى تفسر حدّة الحدس التى يلتقطها العامة من تصرفات وأقوال هذا المريض، وأيضا قد تفسر ترجيحهم لتسهيل التواصل بين دوائر الوعى بما فى ذلك تواصل  وعى المريض الأجهز مع دوائر الوعى التى تحول بيننا وبينها كافة صورة الاغتراب العصرى المحتمل الذى يفصلنا عن دوائر الوعى الغائرة فى الداخل والممتدة إلى الخارج.

رابعاً:23-4-2017_3

إن هذا النوع هو أكثر الأنواع التى يمكن أن نتعلم منها فكرة تعدد الذوات (والعقول، ومستويات الوع، والأمخاخ) ليس فقط على مستوى التركيب الفردى، بل أيضا على مستوى الفكر التطورى ، وربما هذا هو ما يرمز إليه الشكل المقابل.

خامساً:

 يترتب على ذلك أننا فى الممارسة لم نعد نعتبر تفكيك الفصام البارنوى إلى درجة من الهيبفرينية سلبيا على طول الخط، فمرحلة الهيبفرينية (التى سنعود إليها حين نعيد تقسيم الأنواع على مسار النفسمراضية من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى) قد تكون مرحلة إيجابية، برغم التفسخ التركيبى ، والشذوذ السلوكى، وربما يثبت أنها تمثل الحلقة الأقرب إلى الصحة من  الضمور السلبى، وأيضا من النكوص التحوصلى إلى داخل الرحم (أو القوقعة البدائية)

سادساً:

إن الاستجابة للنيورولبتات تكون أكثر تأكيدا على تثبيط نشاط المخ الأقدم الناشز فى هذا النوع بشكل أجهز مما نقابله فى حالات الفصام البارانوى (وحالات البارانويا طبعا)، خاصة إذا جرى ذلك جنبا إلى جنب مع التأهيل المناسب الذى يدعم احتمال تنظيم مستويات الوعى (الأمخاخ)

وبعد

أتوقف عن التمادى فى تفصيل الخطوات العلاجية للأسباب التى ذكرتها فى نشرة أمس

[1] – د. وليم الخولي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *