الرئيسية / حوارات وأحاديث / حوار جريدة المساء: د. يحيى الرخاوى “الدين الحقيقى لا يحتاج إلى تجديد”.

حوار جريدة المساء: د. يحيى الرخاوى “الدين الحقيقى لا يحتاج إلى تجديد”.

حوار  جريدة  المساء

الجمعة : 21 إبريل 2017

 د. يحيى الرخاوى “الدين الحقيقى لا يحتاج إلى تجديد”.

أجرى الحوار : أ. مصطفى بدوى             

(1) ماذا يحدث للمصريين نفسيا .. وهل التغيير للأفضل أم للأسوأ؟ ولماذا ؟

د. يحيى:

هذا السؤال يتكرر باستمرار من معظم وسائل الاعلام، فأنبه باستمرار أنه سؤال لا يمكن الإجابة عليه بطريقة علمية إلا من مؤسسة أبحاث مقننة، ومع ذلك فمن حق الناس أن تتساءل وهى تلاحظ أحوال الشارع وفى المدارس بل وداخل البيوت، أن هناك شيئا ما جرى ويجرى، يحتاج دراسة وفحص، وفى نفس الوقت هو لا يحتمل أى فتوى أو إصدار أحكام فوقية سواء نفسية أو دينية أو حتى سياسية، وفى كل مرة يُطرح علىّ هذا السؤال أحاول التنبيه إلى ضرورة تحديد نقطة معينة صغيرة وواضحة، تقبل الإجابة دون اختزال، وكذلك أكرر التنبيه إلى ضرورة الالتفات إلى الفروق الثقافية، فالذى حدث  ويحدث فى الزمالك غير الذى حدث ويحدث فى كوم يعقوب مركز أبو طشت والذى حدث فى رشيد غير الذى حدث فى أسوان.

(2) هل التغييرات والأحداث السياسية والاقتصادية الأخيرة لها تأثيرات نفسية على المصريين؟

د. يحيى:

طبعا جدا، إن لم يكن للأحداث السياسية والاقتصادية تأثير على نفسية المصريين فكيف يمكن أن نُعد من الأحياء، لكن أن تتمادى الاجابات إلى اصدار أحكام نفسية على شعب بأكمله مثل أن يقال إن الشعب المصرى مصاب “باكتئاب قومى”، أو يوصف الانقسام السياسى بأنه “فصاًم يعانى منه الناس” فهذا كله سوء استعمال للمصطحات العلمية وأيضا إهانة للشعب المصرى كله دون وجه حق، الشعوب لا تصاب بأمراض نفسية، وإنما هى تعانى، وقد تُسحق بعض الوقت، وتصبِر، وتثور، وتنجح وتفشل، وتسهم فى بناء الحضارات أو فى هدمها، وكل ذلك مرتبط بالتغييرات والأحداث السياسية والاقتصادية الجارية طول الوقت.

(3) ما هى أكثر الأمراض النفسية انتشارا بين المصريين؟! وأسبابها ؟

د. يحيى:

أيضا: للرد على هذا السؤال لابد من إجراء أبحاث انتشارية Epidemiological يجرى فيها أولا تعريف محدد المعالم لكل مرض نفسى يراد إحصاؤه، وهذا فى حد ذاته صعب جدا، ثم تحدد وسائل تشخيص هذا المرض بالذات، كذلك لا بد أن يتم اختيار عينة مُمَثَّلةً للشعب المصرى كله ، ولا يكتفى بأن يجرى الفحص على أى عينة عشوائية أو متحيزة، وأخيرا ينبغى الحذر من تعميم النتائج دون وجه حق، وكل هذا غير متوفر بالقدر الكافى حتى فى مراكز البحوث المعترف بها فى مصر، وأحيانا يكون مقوم بالتشكيك حتى لما يصدر عن مراكز بحوث عالمية.

 (4) هل ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء الحالية لها تاثير نفسى على الفقراء ؟

د. يحيى:

إذا لم يكن لارتفاع الأسعار وموجة الغلاء تأثير نفسى يصبح هذا اتهام غير مباشر بأننا إما قد اصابتنا محنة اللامبالاة بشكل جماعى، وإما أننا لم نعد مسئوليين عن كرامتنا ومصيرنا وحقوقنا، والحمد لله أن لا هذا موجود ولا ذاك، لكننى أحذر من جديد أن نسارع بوصف تفاعل الناس للظلم أو للحرمان بأنه المرض النفسى الفلانى أو العلاّنى، الظلم ليس له اسم آخر غير الظلم، والحرمان لا يوجد أقسى منه، والجوع كافر، كما يقولون فلا يصح أن يختزل أى من ذلك إلى اسم مرض.

(5) ما أسباب انتشار العنف بين المصريين .. وكيفية مواجهته نفسيا ؟

د. يحيى:

أيضا يستحسن البدء بسؤال تمهيدى يقول: هل زاد العنف فعلا، أم الذى زاد هو جاهزية وسائل الأعلام لإثارة الناس بعد كل حادث فردى غريب أو نادر مهما كان شديد القبح، وعرضه على أنه ظاهرة عامة منتشرة ومتزايدة، أن أول قصة قرأتها فى مكتبة والدى فى أوائل الاربعينات كانت بعنوان “الشيخ الصالح” وأنا لا أذكر مؤلفها لكنها كانت تحكى عن شيخ يركب حمارا، ويمر بالقرى وراءه عبد يجرى لاهثا لحمايته، ويقوم هذا الشيخ بعلاج الناس ويزعم القدرة على شفاء المرضى، وهو يصالح الأرواح، ولكنه كان – كما بينت القصة –  لصا معظم الوقت وقاطع طريق أحيانا، ولم يصلنى من كل ذلك أن العنف قد زاد، والذى عاش فى الريف فى هذه المرحلة لابد أنه قد عاصر الاقتتال بين العائلات على تحديد الحدود، وعلى اولوية الرىّ من الترعة، وأثناء البيع والشراء فى أسواق الماشية، ولم يقل أحد مثلما نفعل اليوم أن العنف قد زاد.

(6) كيف مواجهة الشباب المتطرف وتغيير تفكيره والسيطرة عليه نفسيا ؟

د. يحيى:

أظن أن البداية لابد أن تبدأ مما شاع مؤخرا تحت اسم “تجديد الفكر الدينى” وأنا لا افرح بهذا الاسم لأن الدين الحقيقى لا يحتاج إلى تجديد، فالدين كائن حى يتجدد باستمرار بفضل الله، وإلا أصبح قيدا لا دينا، صحيح أنه لابد من احترام النص الآلهى لكن دون الجمود عند تفسير يقوم به بشر يخطئ ويصيب، وقد يخنق حركية كل فرد نحو ربه وهو يكدح على مسار نص آلهى من النصوص التى هى وعى خالص قبل أن تكون لفظا خانقا، والبدء من هذه النقطة سوف يسمح للشباب بتشغيل منطق عقله، وموهبة نقده، وبالتالى تتحرك مرونة وجوده فى رحاب الله، وهدى العارفين ونفع الناس بدلا من سجنه فى الترهيب المرعب، ورشوته بالترغيب الراشى، إن الله أكرم الإنسان بفطرة فى أحسن تقويم، وعلينا أن نحافظ عليها والا ردّها خالقها إلى أسفل سافلين، وتخطيط برامج تنشئة الشباب على هذه الفطرة الطبيعية هى الوقاية السليمة.

(7) كيفية التغلب على الآثار النفسية للأخوة المسيحيين وأيضا أهالى الشهداء عقب الأعمال الإرهابية والتى تنتج عنها ضحايا وتخريب ؟

د. يحيى:

الآثار النفسية التى تترتب على مثل هذا القتل الجماعى لأخواننا المسيحيين وأخواتنا وأطفالنا وأمهائتنا المسيحيات لا تقتصر على المسيحيين، فأنا شخصيا ومن أعرف من المسلمين ومن كل الأديان عايشت هذه الآثار ربما بنفس الدرجة على الأقل حتى أننى رحت أمسك التليفون وأطلب أصدقائى وتلاميذى المسيحيين وأتأسف لهم قائلا تحديدا “أنا أسف” ولا أزيد، وكان معظهم يتعجب ويسأل: لماذا تتأسف حضرتك بالذات ما ذنبك أنت؟، فأقول أنا مشارك فيما حدث ما لم أكرس وقتى وعقلى وبحثى وجهدى للحيلولة دون تكراره طول الوقت.

 (8) تغيير سلوك الشباب ومظهره وملبسه.. هل له دوافع نفسية ؟

د. يحيى:

التغيير المستمر هو سنة الحياة السليمة “ومن ذا الذى يا عزّ لا يتغير” هذا ما قال كثير لــ صاحبته “عزة” من مئات السنين، ومرحلة الشباب بدءاً من مرحلة المراهقة هى مرحلة التغيير حسب قوانين النمو الطبيعية، والذى يمر بهذه المرحلة ومثلها دون أن يتغير لابد أن نشك فى سلامة خطوات نموه، ولعل السؤال هكذا يشير ضمناً إلى التنبيه إلى التغير إلى أسوأ وليس إلى مجرد التغيير، وهو احتمال وراد طبعا بعد مرحلة الفوضى المختلطة بالثورة، والثورة المختلطة بالفوضى، واهتزاز صورة الدولة  طول الوقت بغض النظر عن اتجاهات التغيير المتلاحقة، وأيضا وأكثر  خطرا هو غياب معنى الدولة فى الوعى الفردى والجمعى قبل غياب حضورها فى إشارات المرور وتنظيم الشوارع وحضور المدرسين والطلبة فى المدارس بكل مراحلها، ومع هذا الغياب  الشامل غابت أو على الأقل بهتت صورة الأب داخل الأسرة، أفبعد كل هذا لا نتوقع أن نرى تغير الشباب فى اتجاه ما هو سلبى أكثر فأكثر، ومثلنا الشعبى يقول: “اللى مالوش كبير يشترى له كبير” والكبير يُشترى لينظم ويوجِّه ويقود، فإذا اختفى الكبير أو اهتز دوره، فعلينا أن نتوقع اتجاه التغير إلى كل ما هو سلبى.

(9) كثيرا ما نقرأ عن حوادث قتل الآباء أو الأمهات لأبنائهم … سواء لدوافع الفقر أو الخيانة.. كيف تفسر ذلك نفسيا ؟

د. يحيى:

مازلْتُ مصرا على اعتبار كل هذه الحوادث حوادث فردية وليست ظاهرة، ولكن الإعلام حين يركز على الإثارة ولفت النظر يروح يبالغ فى عرضها بكل قبحها، علما بأن القبح لا ينفِّر منها بشكل مضمون، بل قد يحرك كوامن القبح فينا.

على أن القتل لدافع الفقر أو خوفا من الفقر هو خطيئة بشرية وإثم بالغ وقد بين ذلك “ديننا الحنيف” فى قوله تعالى: ” وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ “ هذا هو الدين الصحيح الذى يحاولون تشويهه، وبعد كل ذلك أنبه أن القتل لسبب الفقر يختلف عن القتل  نتيجة للشك فى خيانة الأم، وهو اتهام ظالم قبيح، وغالبا ما ينبع من شعور الأب القاتل بالنقص والغيرة المرضية.

(10) كيف ترى الاختلاف الكبير فى الأخلاق … الرجل لا يهتم بالسيدة .. الشاب لا يحترم العجوز .. الصغير لا يوقر الكبير ؟

د. يحيى:

لقد ذكرت فى الرد على السؤال الأول أن هبوط القيم الإيجابية إنما هو نتيجة اهتزاز صورة الدولة وضعف حضورها فى الواقع وفى الوعى الشعبى،  وكذلك بهتان صورة الأب حين ترتفع الحواجز استسهالا واستخفافا  فلا يعود للمرأة مركزها الأنثوى الأمومى الجميل ولا يعود للأب هيبته ولا للعجوز قيمته وتوقيره.

(11) مواقع التواصل الاجتماعى .. هل هى متنفس طيب لتفريغ الكبت .. أم انت ترى لها مسميات وأدوار أخرى؟! وكيفية السيطرة نفسيا على رواد هذه المواقع ؟

د. يحيى:

هذه النقلة التكنولوجية الأحدث قد وسعت الدائرة الاعلامية بشكل بالغ، وهى لها جانبها الإيجابى بلا أدنى شك، فقد اتاحت الفرصة للتعبير والتواصل الشعبى بعيدا عن وصاية وسلطة الدولة والمال معاً، لكن للأسف فإن الدنيا ساحت على بعضها، وانحّلت القيود، وأصبح كل من يملك الوقت والأصابع والجهاز صاحب محطة إعلامية بلا أدنى مراقبة، أو مسئولية: لا من خارجه ولا من داخله، ومن البديهى ومن واقع التاريخ أننا لا يمكن مقاومة التقدم أى تقدم، وخاصة التقدم التكنولوجى المتسارع مهما حاولنا، لكن علينا أن ننتبه وأن تتعاون كل المؤسسات فى العمل على الإفادة من هذه الوسائل إيجابيا أكثر فأكثر بما هيأت لنا من سرعة التواصل، وتبادل الاراء، والانفتاح على ثقافات أخرى، وهذه هى الوسيلة المثلى لمواجهة ومعادلة غباء التعصب وأوهام التفوق العنصرى أو الدينى.

(12) كيف ترى أسباب انتشار ظواهر جديدة على المجتمع مثل الإلحاد .. نفسيا؟! وكيفية مواجهة هذه الظاهرة نفسيا ؟

د. يحيى:

الإلحاد لم ينتشر بالصورة التى قدمها به الاعلام مؤخرا، ولعل من هم فى سنى يذكرون كتاب “لماذا أنا ملحد” الذى صدر فى أوائل الأربعينات وانتحر مؤلفه إسماعيل أدهم وهو بعد يافعا، لم يتجاوز الأربعين، ونوقش الكتاب وتم الرد عليه، وبالتالى لا ينبغى أن نعتبر موجة الالحاد حديثة بهذا الشكل، كما لا ينبغى الرعب من كلمة الحاد، فهناك من يتصور أنه مؤمن وهو ليس كذلك، وهذه حقيقة أثبتها قرآننا الكريم فى قوله تعالى: ” قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ” كما أن مرحلة الألحاد يمكن أن تعتبر مرحلة واردة على التفكير النقدى السليم ولو صدق صاحبها فى الوفاء بالتزاماتها فإنها هى هى التى ستوصله إلى إيمان أعلى وأنقى كما كان الحال مع الإمام الغزالى الذى سجل تجربته فى كتابه “المنقذ من الضلال”.

(13) أسباب التحرش الجنسى .. هل هى نفسية .. أم فيسيولوجية .. أم أسباب أخرى ؟

د. يحيى:

لا يوجد شىء اسمه تحرش لأسباب فسيولوجية، فالغرائز التى خلقها الله فى كل الأحياء لها وظيفتها الإيجابية من حيث المبدأ وهى التكاثر والتواصل، وهى لا تنحرف عن ذلك الا فى حالات الشذوذ والمرض وبالتالى فإنه لا يصح أن نصنف التحرش بأنه لأسباب فسيولوجية، فهو غالبا يرجع إلى انحدار القيم عامة، وظهور قيم سلبية مثل التهوين من قيمة وكرامة المرأة والفتيات والنساء بصفة عامة، فضلا عن ضعف الحياء وضمور الوازع الدينى.

(14) هل هناك علاقة بين الإدمان والمرض النفسى؟! وكيفية التعامل مع الشاب المدمن ؟

د. يحيى:

أنتشر الإدمان بشكل شديد فى العقود الثلاثة الأخيرى، وهو فى تزايد خطير، وهو انحراف نفسى طبعا يصل إلى المرض أحيانا حين يصبح عائقا عن القيام بالأداء اليومى  اللازم لاستمرار الحياة، أو يصبح أداة لتخريب العلاقة مع الآخرين، وعموما هو ينتشر فى المجتمعات التى يزيد فيها القهر وبالتالى تتجمد حركية الوعى، فيضطر الشباب إلى تحريك وعيه  بمواد كيميائية خارجية، تحريكا مفتعلا اصطناعيا لا ينتج عنه نقد ولا إبداع، وعلى النقيض من ذلك فقد ينتشر الإدمان فى المجتمعات التى تسمح  بقدر زائد من الحرية السائبة، فيضطر الشباب للإقلال من هذه الجرعة الزائدة، بالمهبطات والمهدئات الكيميائية ما دامت الحيل النفسية والتربية الرشيدة قد عجزت عن ضبط  جرعات هذه الحرية السائبة، والنتيجة هى نفس النتيجة: ذلك أن جرعة التهدئة قد تصل إلى الإشلال والتعجيز وإفساد العلاقات، ومن ثم المرض.

(15) كثرت حوادث اغتصاب الاطفال الصغار.. كيف نتعامل نفسيا مع الضحايا لعلاجهم نفسيا؟

د. يحيى:

مرة أخرى، ليست أخيرة، أنا لا أعتقد أن هذه الحوداث قد كثرت كما يوحى السؤال أو كما تروج وسائل الاعلام ولا بد من العودة إلى الاجابة على السؤال رقم (1) ورقم (5)  وأعيد التنبيه على ضرورة التفرقة بين “الظاهرة” و”الحادثة الفردية” قبل أن نسارع بوصف المجتمع كله بمثل ما ورد فى السؤال.

أما التعامل مع الضحايا فهذا يختلف باختلاف ظروف كل ضحية، وأيضا باختلاف السن ودرجة قرابة المعتدى، ولكل من هذه الأحوال أثار بشعة محتملة وعلاجات متعددة حسب كل حالة، وأيضا لا بد من تتبعها بأمانة لأن آثار مثل هذه الخبرة قد تظهر متأخرة.

(16) كيفية التعامل مع أولادنا الطلاب وهم مقبلون على موسم الامتحانات.. وبماذا تنصح أولياء الأمور ؟

د. يحيى:

رجاء لوسائل الأعلام أن يكفوا أيدهم عن التعرض لموسم الامتحانات فهذا أمر بعيد عن اختصاصهم الأول، الامتحانات هى امتحانات، وظيفتها تقييم الطالب لكن الاعلام قلبها مصمصة ومناحة وتنشيف دموع الامهات، والحكومة قلبتها اعتذارا عن صعوبة الامتحان ورشوة إعادة توزيع الدرجات، وكل هذه مواقف غير مسئولة تقلل من قيمة معنى الامتحان وتغرى الطلبة بالاستسهال وتفتح الباب للشكاوى بغير وجه حق فمثلا لا يحق للأهل لهم أن يشكوا من صعوبة أى امتحان، إن كل ما على الإعلام هو أن يحث الطالب ان يبذل جهده وأن يثق فى نفسه والأ ينظر لمن حوله إن كانوا مقصرين أو غشاشين ويقتدى بهم، وعلى المدرسين وأولياء الأمور والوزارة أن تعود من جديد تتعلم وظيفة ما هو امتحان لتعرف ضرورة قيامه بدوره فى التقييم والفرز والترتيب!!.

(17) كيف يجد المصريون السعادة .. انصحهم ؟

د. يحيى:

السعادة ليست مطلبا فى ذاتها، والسعادة قيمة مستوردة غالبا من مجتمعات تفخر بوصف نفسها بالرفاهية، ونحن نادرا ما نستخدم كلمة السعادة فى التراث العربى او حتى فى الثقافة الشعبية بنفس التقديس كما استوردناها مؤخرا، إن شعبنا يتكلم عن الرضا، وعن الصبر، وعن الستر ولا يتكلم عن قيمة اسمها السعادة، وقد تعجبت من انشاء وزارة للسعادة فى دولة الامارات وشاعرنا  العربى القديم حسان بن ثابت يقول:

وإن امرءاً يمسي ويصبح سالماً         من الناس إلا ما جنى: “لسعيد”

أى أنه يعتبر السعادة هو أن يمضى إنسان يومه لا يصيبه من أذى الناس إلا بمقدار ما أصابهم هو من أذى، ولقد سألتنى أحدى المذيقعات مؤخرا عن أن مصر جاء ترتيبها كذا فى مقياس للأمم المتحدة، وكانت أسفة أن ترتيبنا جاء متأخرا، وقد علقت بأن هذه القيمة ليست من جوهر وجودنا وعندنا مثل يقول بعد التحوير: “احنا فى زفت ولا فى شم ورد” وأظن أن هذا المثل ينطبق على كلامنا عن السعادة المستوردة فى هذه الأيام بهذه الطريقة!.

(18) كيف تقييم العلاقة بين الحكومة والشباب نفسيا.. وهل تجد خللا فى هذه العلاقة .. وكيف التغلب عليه ؟

د. يحيى:

أعلم أن التركيز على فئة الشباب يوحى بالأمل والاهتمام بالمستقبل، لكننى أكاد أرى أنه أصبح بدعة سياسية  تحت زعم أننا لا نريد أن ننسى دورهم فيما  تم مما يسمى ثورات الشباب، بوجه خاص، وأرى أن هذا منافى للحقيقة الموضوعية بل أنه قد يضر بالشباب ولا ينفعهم، إن محاولة التغيير الجارية قد قام بها الشباب وغير الشباب بعد أن كان قد فاض الكيل بالجميع حتى لم يعد يحتمل ذلك أحد أصلاً بعد أن نسى الحاكم أنه يحكم ناسا لهم آخر فى التحمل، ثم تداخلت قوى كثيرة ومختلفة كل منها لها مصالحها، التى ليس لها علاقة مباشرة بالشباب، أن الخلل فى العلاقة بين الحكومة والناس هو خلل جوهرى وهو ليس قاصرا على الشباب لكنه  خلل يبدأ من المدرسة ثم الشارع ثم المؤسسات الدينية ثم السياسية: فالمدرسة غير موجودة والشارع ليس له صاحب، وهو  فى حالة تشرذم  طبيعى وتنافر مفهوم، فلماذا التركيز على الشباب؟ دعونا نبدأ من المدرسة والشارع وحضور وغياب ربنا عن وعى معظم الناس.

 (19) ما رأيك فى العلاقة بين الرئيس السيسى والشعب نفسيا، وهل استطاع الرئيس الوصول للشعب بشكل جيد.. وبماذا تنصح الرئيس ؟

د. يحيى:

لماذا كلمة نفسيا هكذا بهذا الشكل المتواتر؟ ألمجرد أننى طبيب نفسى؟ ليس من حق الأطباء النفسيين أن يعقبوا باعتبارهم الأعلم بكل شىء، ولا ينبغى أن ينخدع الاعلام ويتصور أن لهم رأى غير رأى الناس، العلاقة بين الرئيس السيسى وبين الشعب هى علاقة مراكبى يحاول أن ينقذ السفينة من الغرق، مع أنه لا يعرف صنعة المراكبية الا اجتهاد متأخرا، ومع ذلك ما دام لا يوجد مراكبى محترف جاهز،  فهو يعمل كل ما يستطيع، وهو يستعين بكل من يتطوع وربنا يستر.

(20) ما هى نصيحتك للشعب المصرى ؟

د. يحيى:

من أنا حتى أعطى نصائح لشعب بهذا التاريخ، شعب يمارس كل هذا الصبر، ويقاوم كل هذه الظروف ويستمر يأكل ويعمل ويمشى فى الأسواق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *