الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (187) أنواع الفصام (؟؟)

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (187) أنواع الفصام (؟؟)

نشرة الإنسان والتطور

نشرة السبت: 22-4-2017

السنة العاشرة

العدد: 3521     

 الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (187)

  الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع

أنواع الفصام (؟؟)

فى نشرة الأسبوع الماضى (“أنواع الفصام: تمهيد تاريخى لازم” بتاريخ: 17-4-2017) أثبتنا كل أنواع الفصام  المحتملة من وجهات نظر مختلفة على الوجه التالى (مع تعديل طفيف جدا):

أولا: الأنواع حسب المفهوم السلوكى التقليدى (تقريبا!)

تكاد تتفق الأراء على الأنواع الأربعة الأشهر والأقدم تاريخا وهى:

1- الفصام البسيط Simple Schizophrenia

2- الفصام الهيبفرينى (التفسخى) Disorganized Hebephrenic Schizophrenia   

3- الفصام البارانوى Paranoid Schizophrenia

4- الفصام التخشبى (الكاتاتونى) Catatonic Schizophrenia

بالإضافة مؤخرا إلى:

5- الفصام الوجدانى Affective Schizophrenia  

لكن بعد تبين صعوبة التحديد الجازم بين كل نوع والآخر من هذه الانواع، أضيف إليها، ومن منطلق سلوكى تقليدى أيضا كل مما يلى:

6- الفصام المزمن غير المتميز Chronic Undifferentiated Schizophrenia

7- الفصام المتبقى Residual Schizophrenia

 ثانيا: الانواع حسب المسار:  التطورى الإيقاعحيوى التطورى

1) االفصام الاستهلالى   Incipient  Schizophrenia

2) الفصام المتفتر   Intermittent Schizophrenia

3) الفصام الدورى  Periodical Schizophrenia

4) الفصام الوجدانى (Schizo-) Affective Schizophrenia

5) الفصام المتفسخ Disorganized Schizophrenia

6) الفصام المتناثر  Disintegrated Schizophrenia

7) الفصام المتدهور   Deteriorated Schizophrenia 

8) الفصام السلبى Negative Schizophrenia   

9) الفصام النكوصى   Regressive Schizophrenia

10) الفصام المتبقىResidual Schizophrenia      

 ثالثا: الأنواع غير التقليدية التى تتصف بكلمة فصام بتبريرات مناسبة مثل:

  *  الفصام الكامن  Latent Schizophrenia

 *  الفصام المحتمل Potential Schizophrenia

*  الفصام شبه العصابىPseudo-neurotic Schizophrenia

*  الفصام القطاعى Sectorial  Schizophrenia

*  فصام الطفولة        Childhood Schizophrenia

هذا بالإضافة إلى :

* مكافئات الفصام Schizophrenic Equivalents

وبعد

فقد رأيت ألا أعيد تحديث ما جاء فى الكتاب الأم عن أنواع الفصام من منظور نفسمراضى حتى لا تزداد الأمور اختلاطا وغموضا، وإن كنت قد أذكرها إذا لزم تقريبها إلى أقرب نوع  من الأنواع الواردة فى إعادة التقسيم الحالى: للمراجعة

وقد رأيت أن في تقديم ما هو تقليدى أمرا له فائدة لا يمكن الاستغناء عنه ما دمنا ما زلنا نتكلم اللغة السائدة، على الأقل حتى نتفق على كيفية تطبيق فروض “واحدية الأمراض النفسية”، فى الممارسة العملية

…………..

ثم أبدأ بعرض كل نوع بما يتيسر له حسب ما ورد فى المجموعات، مبتدئا بالتقسيم التقليدى التاريخى الشائع

تذكرة بالأنواع حسب المفهوم السلوكى التقليدى (تقريبا!)

ابتداء أعيد التذكرة بأن هذا التقسيم  الشائع والتاريخى إنما يستمد قوته وربما استمراريته من أهمية تحديد نسبية التباين بين ما يصيب الشخصية (الشخص/المخ) من كل من التدهور (فالاندمال) فى مقابل التفكك (إلى التفسخ والتناثر)،(وهو ما انتبه إليه التقسيم المصرى/العربى الاول للأمراض النفسيةDMP I كما بينا فى النشرة السابقة، وهو ما أنهينا به نشرة الإثنين الماضى، فى صورة مجدولة، وهى التى أنوى أن أثبتها فى كل نشرة تتناول نوعا من هذه الأنواع التقليدية

 ثم أبدأ فى تناول كل نوع على حدة:

(1): الفصام البسيط Simple Schizophrenia

ينبغى ‏أن‏ ‏نشير‏ ابتداء  ‏إلى ‏أن‏ ‏هذه الصفة “البسيط” (وبالتالى التسمية) هى صفة  مضلَّلةْ‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏، ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الفصام‏ ليس بسيطا بالمرة ، فهو ‏خطير‏ ‏للغاية‏، ‏ومزمن، ومتسحب، ‏ ‏وخفىّ ‏المعالم، ‏ ‏حتى ‏يصعب‏ ‏تشخيصه‏ ‏مبكرا‏ ‏، ويالتالى يصعب‏ ‏علاجه‏ ‏علاجا‏ ‏نشِـطا‏ ‏فعالا‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏المناسب، ‏ولكنا‏ ‏احتفظنا‏ ‏بالاسم‏ ‏لأسباب‏ ‏تاريخية‏، ‏فهو‏  ‏بسيط‏  ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يحمل‏ ‏أعراضا‏ ‏إيجابية‏ ‏كثيرة‏، ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏فى ‏الأمر.

‏ ‏ويتميز‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الفصام‏ ‏ببداية‏ ‏تدريجية‏ ‏وتقدم‏ ‏بطيء‏ ‏ولكنه‏ ‏مستمر ومتمادٍ طول الوقت‏، ‏و22-4-2017_1هو عادة ما يظهر‏ ‏فى صوره ‏التدهور‏ ‏التدريجى ‏للاهتمامات‏ ‏الخارجية‏ ‏العادية‏، ‏وفقد‏ ‏الطموح‏ … ‏وتقطع‏ ‏العلاقات‏ ‏الخارجية (التى ربما كانت موجودة من قبل)  ‏ثم‏ ‏تظهر‏ ‏جليا‏ “‏اللامبالاة”‏ ‏التى ‏تصل‏ ‏أحيانا‏ ‏إلى ‏تبلد‏ ‏الشعور‏ … ‏ويستمر‏ ‏التدهور‏ ‏ويرضى ‏المريض‏ ‏بالأقل‏ ‏والأقل‏ ‏من المكاسب أو‏ ‏المراكز‏ ‏أو العلاقات‏ ‏دون‏ ‏سعى ‏حثيث (أو غير حثيث)‏ ‏إلى ‏تغيير‏ ‏أى ‏من‏ ‏ذلك‏، ويخفت الطموح (إن كان موجودا من قبل أيضا).

 ‏ويمكن‏ ‏تمييز‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏عن النوع المتبلد من نمط اضطراب الشخصية الشيزيدية المتحجرة Callous Schizoid‏ ‏فهى ‏تشترك‏ ‏معه‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏هذه‏ ‏المظاهر، لكن هذه السمات فى الشخصية الشيزيدي22-4-2017_2ة من هذا النوع تكون موجودة من البداية، ولا يمكن تحديد بداية لظهورها، أو قد تكون مسبوقة فى الطفولة بما يسمى “الطفل النموذجى” Model Child‏ ، وأحيانا تكون السمات قبل البداية هى سمات الشخصية الشيزيدية الانطوائية بالغة الحساسية سهلة الانجراح، وهنا تكون البداية واضحة لأنها تبدو نقيض هذه السمات، كما أنه بالتتبع الماهر ‏يمكن التفرقة: إذ نجد أن سمات الشخصية الشيزيدية  تتوقف عند حد معين، أما فى الفصام البسيط فإن الملاحظة الدقيقة تبين أن التدهور فى العلاقات وفى المشاعر يتواصل بسرعة بطيئة جدا لكنه يستمر ويمكن رصده فى تزايد الانسحاب والتبلد العاطفى المتمادى.

أما غياب الطموح، وتجنب التنافس، فهو قد يظهر فى نوع آخر من اضطراب الشخصية المسمى “الشخصية غير الكفء” Inadequate Personality  وهذه الشخصية التى تبدو متنازلة أيضا عن صراع التقدم فى الحياة، وكأنها راضية حيث تقف، وبالتالى نفتقد فيها الطموح مثل الفصام البسيط، وهى تتصف عادة فى نفس الوقت بالاعتمادية حتى تضاف هذه الصفة أحيانا إلى تصنيفها فتسمى “الشخصية الاعتمادية غير الكفء”، Dependant Inadequate Personality، والفرق بينها وبين الفصام البسيط هو أنها إذا اضطرت إلى مواجهة وضع ضاغط محكم يتطلب اداءً واقعيا إيجابيا متميزا ، فإنها قد تنجز المطلوب بكفاءة حتى يتعجب صاحبها نفسه منها، كما قد يتعجب المحيطون الذين لم يكونوا ينتطرون منه مثل هذا الأداء بما يعرفونه عنه. أما مريض الفصام البسيط فهو إذا وضع تحت نفس الضغوط فإنه يزداد عجزا وقد تظهر عليه علامات وأعراض الفصام الصريح (بما فى ذلك احتمال التفكك والأعراض الإيجابية)، مما قد يثبت ‏ ‏أن‏ ‏‏ ‏كثيرا من هذه‏ ‏المظاهر‏ ‏السلبية‏ ‏كانت ‏ ‏تخفى ‏وراءها‏ ‏منظومة ضلالية عميقة ومتماسكة‏ ‏لا‏ ‏يبدو‏ منها ‏على ‏السطح‏ أية علامات صريحة ‏فى ‏الأحوال‏ ‏العادية. ‏

ملاحظات عن هذا النوع فى ثقافتنا الخاصة المعاصرة (دون تعميم لو سمحت!!)

أولا: حين أسأل طلبتى وزملائى الأصغر عن مدى تواتر هذا النوع فى العيادة الخارجية (وهى عيادة يومية يترردد عليها المئات كل شهر) يجيبون أنه عدد نادر فعلا، (علما بأنه ليس عندنا بشكل عام تقريبا إحصاءات مقننة يمكن الرجوع إليها!!)، وحين أناقشهم أثناء الإشراف والمتابعة عن رأيهم فى سبب ذلك، يجيب الكثيرون (وخاصة ألاصغر منهم) أن مثل هذا المريض الذى لا يشكو، ولا يعمل مشاكل صاخبة مع من حوله، وهو ينسحب فى صمت من أى ضغط..، مثل هذا الشخص: ما الذى  يضطره أن يأتى إلى الاستشارة فى عيادة نفسية، ويتطور النقاش لنكتشف أن الذى يدفع (أو لا يدفع!) للاستشارة فى هذه الحالات – فى مجتمعنا –  قد يكون أحد الاحتمالات التالية.

  • رصد التغيّر مبكرا ، وخصوصا التوقف عن الطموح، مثل الحال فى الطلبة المتفوقين الذين يتراجعون فجأة عن التفوق، دون أن تشغلهم انشغالات أخرى عن الدراسة ، وفى هذه الحالة يستحسن عدم الإسراع بتشخيص الفصام البسيط مهما بلغ التراجع عن الطموح والتبلد ومتابعته، فالأمر يحتاج إلى مرور وقت طويل، وفى الأغلب تشخص هذه الحالات (إذا وجدت مبررات فى الشخصية قبل البداية أو فى التاريخ الأسرى) على أنها فصام مبتدئ متسحب Incipient Insiduous Schizophrenia   (أنظر بعد)

  • مبالغة الأهل فى تجسيم التغير حين يختلف عن النمودج الذى وضعوه لابنهم أو لابنتهم (ربما كمشروع استثمارى)، وعن ما اعتادوه منه

  • ظهور التغير الانسحابى والتبلدى تواكبا مع تغير فى ظروف الحياة والتعرض لضغوط عادية أظهرت العجز عن استيعابها أو بذل الجهد للتكيف معها مثل (تغيير الوظيفة، الدخول فى ارتباط علاقاتى مسئول مثل الزواج أو الشروع فيه، الانتقال إلى بلد آخر ..إلخ)

  • وجود تاريخ أسرى فصامى (أو ما يعادله: أنظر العامل الوراثى فى الأسرة) وخاصة تاريخ فصامى كان له مآل تدهورى.

 ثانياً:

قد لا يمكن رصد البداية بنفس الدرجة عند بعض الشرائح البالغة الثراء، الدائمة الاستراخاء، حيث لا توجد متطلبات حياتيه واقعية تلزم بالدخول فى ضغوط ضرورية لأكل العيش ومن ثّمَّ دفع مسيرة النضج وتنمية المسئولية ، يسمح ضمنا بأن تمتد الطفولة الاعتمادية إلى الطفولة المرضية، إلى الانسحاب العاطفى بتسحب شديد عادة لا يرصده أحد نتيجة لسهولة الحياة ، والترحيب بالنكوصية المتمادية.

ثالثاً:

التنشئة فى أسرة مفرطة فى الحماية، متواضعة الطموح، بحيث يغلب الحرص على ألا تعرِّض أفرادها الأصغر إلى ضغوط متصاعدة ، مما ينتج عنه إما اضطراب شخصية من النوع غير الكفء أو الاعتمادى،  أو إذا كان قد أنجز بعض الإنجاز ثم تراجع، يمكن مثل ذلك أن يلفت الانتباه.

رابعاً:

تدهور القيم الأدائية فى كل من المدرسة (الغش فى الامتحانات)، والعمل (الذهاب للعمل دون عمل) والأمانة (الحصول على المكاسب السهلة بطرق الشطارة)، كل ذلك يسمح للسلبيات التى تغلب فى كل من اضطراب الشخصية الاعتمادية ، واضطراب الشخصية غير الكفء، (وما يعادلهما) ، وهو هو ما يسمح للفصام المبتدىء المتسحب أن يتطور إلى الفصام البسيط دون إثارة، إلا فى حالة التصادم الذى يمكن أن يعلن الإعاقة أو العجز عن التكيف

خامساً:

التمادى فى الاغتراب الجماعى الذى يصل بالعادية إلى نوع من اضطراب الشخصية اصبح يسمى “فرط العادية” Hyper-normality  حيث تختلط قيم الاغتراب المفرط على كل المستويات ، بالسمات السلبية شبه العادية التى يتصف بها هذا النوع، وهذا الاغتراب العام يخفى بدايات الانسحاب السلبى والاعتمادية الرضيعة على الأسرة أو حتى على الدولة.

سادساً:

مع هذه البداية المتسحبة الدالة على فتور حركية الوعى قد يلجأ الشخص إلى تحريك مفتعل للوعى (كل مستويات الوعى) بما أسميته “المَعْلقة الكيماوية” باستعمال المواد المخدرة  أو المنبهة أو كليهما مما يثير حركية زائفة تخفى الأعراض السلبية لبداية الفصام، لكنها لا تحرك النبض الحيوى نحو أى توجه نمائى أو إبداع.

وهكذا

يتواصل نقاشى مع الطلبة وزملائى الأصغر حتى يزيدون أنهم يلاحظون هذا النوع من الاضطراب أكثر فى الحياة العادية، أكثر مما يرصدونه بين المترددين على العيادات النفسة، وأوافقهم نسبيا مع التحذير من التمادى حتى لا نصف مجتمعنا العادى بأسماء أمراض نفسية تزيده تبريرا، وتزيدنا تعجيزا

وبعد

هل يا ترى يظل هناك مكان لوصف ما يسمى “الفصام البسيط ” بالفصام؟

إجابتى الشخصي هى: نعم ، على أن ننتبه أنه ليس “بسيطا”

العلاج:

أما عن علاج هذا النوع أو غيره فأنا أفضل مرحليا أن أؤجل الحديث عن العلاج عامة حتى انتهى من وصف الأنواع كلها لأن العلاج سوف يكون من منطلق واحد يغطى طيف الفصام كله، انتقالا من نوع إلى نوع بل امتدادا لأمراض أخرى حسب فروض “واحدية” المرض النفسى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *