الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (185) أنواع الفصام، والتخطيط العلاجى

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (185) أنواع الفصام، والتخطيط العلاجى

نشرة الإنسان والتطور

نشرة الأحد: 16-4-2017

السنة العاشرة

العدد: 3515      

 الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (185)

الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع

أنواع الفصام، والتخطيط العلاجى

مقدمة:

وعدت أمس بالبدء بالتفرقة بين “مفاهيم الفصام” مقابل أنواع الفصام، فحين ذكرت فى نشرة 13/3/2017 بعنوان “الفصام: الباب المقفول الذى وراءه كل شىء (2)”، تعبيرا يقول: “الفصام: عملية، وسلوك ومآل“، يبدو أننى كنت أمهد للتأكيد على المفهوم الأساسى الذى سوف أتناول من خلاله  إشكالة الفصام وتحدياته، وذلك انطلاقا  من بدء  حركية المسيرة التفكيكية التى قد تصل إلى التفسخ الفصامى إذا تمادت دون أن نلحقها، مرورا بأعراض الفصام  وعلاماته التى تظهر فى الصورة الإكلينكية، وحتى غايته التدهورية إذا أكمل مسيرته السلبية، وهذا ما يمكن أن تعنيه جملة: “الفصام عملية، وسلوك، ومآل”، هذا المفهوم الإيقاعحيوى التطورى هو الفكرة المحورية التى سأتناول من خلالها معظم ما أريد توصيله عن الفصام غالبا.

كان لزاما لتحديد هذا المفهوم أن نعرض للمفاهيم السائدة عن ما هو فصام، سواء عند العامة أو عند الممارسين على اختلاف مدارسهم ومواقفهم، وقد قدمت بذلك ملتزما بما جاء فى العمل الأصلى (الكتاب الأم) (1) مع قليل من المراجعة والتحديث، لكننى وجدتنى ملزما الآن بتحديد أكثر حتى لا يتداخل ما هو “مفهوم” مع ما هو “تصنيف أو نوع “

 وبعد

المفهوم  Concept (2) هو معنى عقلى  يفيد الصفات والخصائص الكلية لشىء ما، أو لأمر ما، وبالتالى هو يختلف أكثر تبعا للاختلافات الفردية، وأيضا حسب الخلفية الثقافية لكلٍّ، وغير ذلك

 أما التصنيف لنوع محدد، فهو تعريف تجريدى جامع مانع، متفق على مواصفاته الظاهرة التى تساعد على استعماله فى التواصل تحديدا.

وقد عدت الآن إلى تلك النشرة التى بينت فيها بعض اسباب الحيرة حول الاتفاق على مفهوم موحد للفصام ، وعرضت أسباب ومدى الاختلاف:  بداء من إنكار أحقية وجود مرض بهذا الاسم أصلا، وحتى اعتباره أساس كل الأمراض، وقد أرجعت أغلب هذه الحيرة إلى الخلط بين تناول هذا المرض من منطلق حركية النفسامراضية المسئولة عن ظهوره، وبين تجليات ما تُعتبر أعراضا خاصة به كما تظهر فى الصورة الكلينيكية.

بالرغم من اختلاف المفاهيم عن الأنواع، فإنه يوجد ارتباط أكيد بينها فمن البديهى أن ينطلق تصنيف الأنواع من جوهر أحد المفاهيم الشائعة من واقع الممارسة أو التاريخ أو البحث العلمى هذا بالنسبة للممارسين على الأقل، تاركين جانبا المفاهيم الخاطئة والمشوهة والمتحيزة التى تسرى بين العامة وغير المختصين، ونتيجة لتعدد المفاهيم حتى بين الممارسين، فقد تعددت أنواع الفصام حتى وجدت فى إحدى المراجع الإلكترونية أنها تربوا على الثلاثين نوعا.

هل يا ترى من المفيد أن نتطرق إلى كل هذه الأنواع ما دمنا ملتزمين بمفهوم بذاته؟ طبعا أنا أميل أن أقتصر على ما أمارسه وأود إبلاغه من خلال كل ما أحاوله طول الوقت، وفى حالتى هذه هو المفهوم الغائى  التطورى، لكننى أشعر أن فى  ذلك مصادرة  تقلل من فرص الإلمام بأبعاد المسألة من جوانب مختلفة ؟ لذلك فضلت عرض لمحة عن توجهات أهم  الانواع الشائعة حسب المفهوم التقليدى أساسا، مع إشارة محدودة لأسماء ما أضيف إليها لمحاولة تغطية معظم مساحة الأنواع المحتملة.

أولا: الأنواع حسب المفهوم السلوكى التقليدى (تقريبا!)

تكاد تتفق الأراء على الأنواع الأربعة الأشهر والأقدم تاريخا وهى:

1- الفصام البسيط Simple Schizophrenia

2- الفصام الهيبفرينى (التفسخى) Hebephrenic (Disorganized)Schizophrenia

3- الفصام البارانوى Paranoid Schizophrenia

4- الفصام التخشبى (الكاتاتونى) Catatonic Schizophrenia

لكن بعد تبين صعوبة التحديد الجازم بين كل نوع والآخر من هذه الانواع، أضيف إليها، ومن منطلق سلوكى تقليدى أيضا أضيف كل مما يلى :

5- الفصام المزمن غير المتميز Chronic Undifferentiated Schizophrenia

6- الفصام المتبقى Residual Schizophrenia

ثانيا: الانواع حسب المسار:  التطورى الإيقاعحيوى التطورى

1) االفصام الاستهلالى   Incipient  Schizophrenia

2) الفصام الحَلْوَسَط المتوقف Compromised Schizophrenia

3) الفصام المتفتر   Intermittent Schizophrenia

4) الفصام الدورى Periodical Schizophrenia

5) الفصام الوجدانى(Schizo-) Affective Schizophrenia

6) الفصام المتفسخDisorganized Schizophrenia

7) الفصام المتناثر Disintegrated Schizophrenia

8) الفصام المتدهور Deteriorated Schizophrenia  

9) الفصام السلبى Negative Schizophrenia

10) الفصام النكوصى Regressive Schizophrenia

11) الفصام المتبقىResidual Schizophrenia      

أنواع أخرى:

  *  الفصام الكامن  Latent Schizophrenia

 *  الفصام المحتمل Potential Schizophrenia

*  الفصام شبه العصابىPseudo-neurotic Schizophrenia

*  الفصام القطاعى Sectorial  Schizophrenia

هذا بالإضافة إلى ما يسمى مكافئات الفصام  Schizophrenic Equivalents (نشرة 20-3-2017)

وبعد

 ماذا يمكن أن يْستفيد المعالج فى مهمته الأساسية من كل هذا التصنيف والتوصيف ؟

إن ما يفيده من تحديد نوع الفصام يكاد يطابق ما ذكرناه فى فوائد “إثبات التشخيص” (أنظر نشرة 26-2-2017 “تبسيط وتطبيق عن التشخيص والصياغة”) وأعنى فائدته للأغراض الكتابية والإحصائية، والإدارية، والتنظيمية، والتأمينية ، وأحيانا فى الإشارة إلى مدة العلاج المحتملة والتكهن بسير المرض…إلخ

أما ما يقدمه مفهوم الفصام من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى فهو تنوير عملى قابل للتطبيق طول الوقت، وخاصة مع اعتبار “فرض واحدية الأمراض النفسية“، Unitary Concept of Psychiatric Disorders   (نشرة26-3-2016) و(نشرة  28-3-2016) وهو أن كل الأمراض (وبعض غير الأمراض بما فى ذلك الإبداع) هى:

1- إما فصام،

2- أو محاولةُ للحيلولة دون الفصام، ولو بمرض أقل خطورة وأقرب تناولا

3-  أو احتواٌء لحركية المسيرة الفصامية ، بإعادة التشكيل على مستوى أعلى

وهكذا: تصبح المهمة الأولى للعلاج هى رصد حركية هذه العملية الأساسية  الكامنة تحت كل مظاهر الحياة ، وكأن الموقف العلاجى من هذه المظاهر كلها يكمن فى:

أولاً:

تحديد درجة حدة التفكيك المفترقى، وهو ما يظهر فى إرهاصات الإبداع، كما أنه شديد الشبه بالفصام الاستهلالى Incipient Schizophrenia

ثانياً:

تحديد مدى احتمال تمادى هذا التفكيك إلى مسار سلبى دون المسار النمائى الإبداعى، وهو ما يحتاج إلى فحص بالغ الدقة لكل من:

(1) التاريخ الجينى (الوراثة)

(2) الشخصية قبل المرض

(3) الفرص الحالية المتاحة لتحويل المسار

ثالثاً:

تحديد المرحلة التى وصلت إليها المسيرة وترتب عندها ظهور بعض الأعراض المعروفة عن الفصام والمحددة لنوعه فى الصورة الإكلينيكية، (أو بدائلها) وهنا تتفق هذه المرحلة مع نوع أو أكثر من أنواع الفصام المذكورة سابقا، ويفيد تحديد النوع فى تحديد المرحلة، لكنه ليس مفيدا تماما فى حد ذاته لأن الخطة العلاجية سوف تعتمد على إسهام تحديد النوع فى تحديد المرحلة أكثر مما تعتمد على اسم النوع الذى يعتبر عاملا مساعدا فحسب

رابعاً:

تحديد الفرص المتاحة لوقف التمادى فى استكمال المسيرة الفصامية، بتثبيط المخ الأقدم الناشز: بالعقاقير، وتنشيط وتنسيق دورات الإيقاعحيوى إلى مسارها الطبيعى، بالتأهيل والنوم الكافى وذبذبة العقاقير، وتوفير المناخ المحيط المساعد على ذلك، بالعلاج الأسرى والعلاج الجمعى وعلاج الوسط وأى علاج يدعم مستويات الوعى التى أزيحت أو شُلَّتْ أو تباعدت أو تناثرت، وباحتمال إعادة تشغيل المخ بجلسات تنظيم الإيقاع فى الوقت المناسب، ليستعيد المخ ترتيباته لتوفير استعادة كل الامخاخ معا دورها الإيقاعى المتبادل المتناغم، بكل مستوياتها بما خلقت به  إلى ما خلقت له.

ونلاحظ أننا بذلك لم نفرق بين مرض ومرض، ولا بين نوع ونوع، وليس معنى هذا أن الأمور تتساوى فى كل الأحوال وسائر الأمراض، بل إنها تختلف حتى لو كان المرض واحدا، تختلف لدرجة أن كل خطة علاج لكل مريض أيا كان تشخصيه فصاما أو غير فصام، وأيا كان نوع الفصام، حسب مواكبة المعالج ومشاركته من خلال دوائر الوعى المشتركة مستهديا بكل المعلومات المتاحة لتطبيق هذه الخطوات انتقائيا وتناغما مع استجابة كل مريض أولا بأول.

لكن: مهما تكون الخطوط العامة واحدة وواضحة، فإن المسيرة العلاجية تبدأ دائما من  تقييم كل حالة من خلال كل  ما نحصل منها وعنها من معلومات، ويصبح تحديد نوع الفصام أو نوع المرض عامة هو من ضمن هذه المعلومات، يساعد مثل غيره فى تحديد أدوات وخطوات العلاج، طبعا مع التنبيه إلى احتمالات الاستفادة منه فى التكهن بسير المرض، والحرص من البداية على تجنب المضاعفات، والأمل فى منع النكسة، وبصفة عامة فإن كل المعلومات، بما فى ذلك التشخيص العام، والفرعى، تسهم فى التخطيط العلاجى، بلا أدنى شك وهى تساعد – كلها – فى كل مما يلى :

1- نوع العقار المناسب لتنشيط أو تثبيط مستوى المخ الذى نريد إعادته إلى التناسق مع غيره.

2- نوع التأهيل، وخاصة التأهيل بالعمل، واستعادة موضعة العلاقات البشرية، وتوجيه الطاقة الحيوية

3- توقيت زيادة أو الإقلال أو التغيير المناسب للعقاقير المستعملة حتى توقيفها

4- توقيت التدخل لإعادة تشغيل الأمخاخ – إن لزم الأمر –  لإتاحة الفرصة للمخ لإعادة بناء نفسه

5- المتابعة للحفاظ على كل ذلك من خلال التعاون مع الأسرة والمحيط وكل من يهمه الأمر

 وبعد (أخرى)

أشعر أننى اختصرت اليوم أكثر من اللازم،

وأن بعض الأنواع التقليدية المذكورة تحتاج إلى التعرف عليها أكثر، ولو لربطها بمراحل المسيرة الفصامية،

كما أن بعض الأنواع غير المألوفة  تحتاج إلى تقديم ولو شديد الإيجاز،

وهذا ما آمل أن أوفى به فى النشرات القادمة.

أما تفاصيل ما جاء فى التخطيط العلاجى فلا أظن أنه يمكن أن يصل من خلال تعليمات مكتوبة، ومع ذلك قد نعود إليه مع عرض الحالات لاحقا كلما أمكن ذلك

[1] – يحيى الرخاوى: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” 1979

[2] – a Concept is an idea of something fromed by nebtally  combining all its characteristics in a construct.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *