الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (178) مسيرة الفصام ما قبل‏ ‏المرض (2)

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (178) مسيرة الفصام ما قبل‏ ‏المرض (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

نشرة الأثنين: 27-3-2017

السنة العاشرة

العدد: 3495   

 الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (178)

الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع

مسيرة الفصام

ما قبل‏ ‏المرض (2)

مقدمة:

قدمنا أمس ما تيسر عن خطورة إطالة الاحتواء فإعاقة النمو وتدعيم المراحل الأولى فيه، وكذلك عن مضاعفات تعسر الولادة النفسية أكثر مما ينبغى، وشرحنا كيف تكون هذه الولادة السليمة مع تنشيط حركية برنامج الدخول والخروج هما الآلية المناسبة للدفاع ضد حلول الفصام، والعكس صحيح.

 وننتقل اليوم إلى المراحل التالية ليس بتسلسل المراحل العمرية، وإلا كنا نقدم كتابا عن التربية السليمة وعوامل الوقاية فى مقابل  الاستهداف للمرض، لهذا سوف أقصر حديثى اليوم على العوامل العامة التى تؤثر فى تكوين الشخصية ككل، فتيسر جاهزيتها للفصام بوجه خاص، بما يعنى أن عكسها إنما يمثل فرصة لتواصل نبض النمو.

المتن (تقريبا)  ما زلنا فى المرحلة الثانية من المسيرة:   

‏(2) نمط الشخصية والاستهداف للمرض

 يقسم سيلفانو ‏ “‏أريتي” (1) ‏الشخصية‏ ‏قبل‏ ‏الفصام‏ ‏إلى ‏نوعين‏: ‏

الأول‏: ‏الشخصية‏ ‏الشيزيدية‏ (‏Schizoid personality) ‏وهى ‏الشخصية‏ ‏الشائعة‏ عن ما هو قبل الفصام ‏من‏ ‏قديم‏ ‏وتتميز بقوة‏ ‏الاتجاه‏ ‏إلى ‏اللاعلاقة‏ ‏حيث‏ ‏يبدو‏ ‏الشخص‏ ‏منذ‏ ‏طفولته‏ ‏منعزلا، ‏حساسا، ‏مستعليا (مشفقا من أعلى أحيانا)  ‏أو‏ ‏مغرورا، ‏أو‏ ‏متفردا‏.‏

والثانى: ‏الشخصية‏ ‏العاصفية‏ Stormy personality ‏التى ‏يبدو‏ ‏عليها‏ ‏اندفاعات‏ ‏فجائية‏ ‏وعدوانية‏ ‏وأحيانا‏ ‏محطـِّمة‏ ‏سرعان‏ ‏ما تنطفئ، ‏ ‏ويرجع‏ ‏الشخص‏ ‏إلى ‏طبيعة‏ ‏عادية‏ ‏أو‏ ‏هادئة‏، ثم يعود..!

وفى ‏خبرتى ‏الاكلينيكية‏ ‏وجدت أن هذا التصنيف تغلب عليه المقاييس السلوكية الظاهرة، مع أن هذا ليس من أسلوب سيلفانو أريتى كما يصلنى، ذلك أننى وجدت أن الأهم فى شخصية الفصامى قبل المرض هو بُعد تركيبيى غائر، وهو يتعلق بنوع علاقات الشخص، وليس بكمّها ولا ظاهرها، كما يتعلق بطبيعة هذه العلاقات وما إذا كانت تحمل إليه رسائل ذات معنى، فيستجيب لها داخليا أو خارجيا بما يكمل الدائرة ، ويثريه فيواصل، أم لا، بمعنى ‏ ‏أن‏ ‏العامل‏ ‏الأهم‏ ‏فى ‏الشخصية‏ ‏قبل‏ ‏المرض‏ ‏ليس‏ ‏نمطها‏ ‏الخاص‏ ‏بل‏ ‏نوع‏ ‏علاقاتها‏ ‏ومعنى‏ ‏مايصلها‏ ‏من‏ “‏رسائل” ‏وماتجيب‏ ‏به‏ ‏من‏ “‏عائد”, ‏فكثير‏ ‏من‏ ‏الشخصيات‏ ‏الانطوائية‏ ‏ظاهريا‏ ‏تعيش‏ ‏حياة‏ ‏غنية‏ “‏بالرسالة‏ ‏والعائد” ‏فى ‏صمت‏ ‏ودعة‏ ‏بحيث‏ ‏تنمو‏ ‏بسلاسة‏ ‏دون‏ ‏أدنى ‏تعرض‏ ‏لهزات‏ ‏انقلابية‏ ‏تـُظهر‏ ‏الفصام أو مثله‏، ‏وكثير‏ ‏ممن‏ ‏يقال‏ ‏لهم‏ ‏انبساطيون‏ ‏إنما‏ ‏يمارسون‏ ‏النشاط‏ ‏القهرى ‏الكلامى ‏والعلاقاتى ‏نحو‏ ‏الآخرين‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏واحد‏ ‏بحيث‏ ‏لايستقبلون‏ ‏رسائلهم، ‏وبالتالى ‏لايكون‏ لنشاطهم‏ التواصلى ‏الظاهر عائد‏ ‏حوارى‏ّ ‏ثرىّ، يسهم فى حركية التواصل الأعمق ومواصلة التكامل الجدلى الخلاّق

أما عن تواتر الشخصية  “‏العاصفية” ‏فى ‏خبرتى، ‏فقد‏ ‏كان‏ ‏أقل‏ ‏نسبيا‏ من الشخصية الشيزيدية، ‏إلا‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏أعمق‏ ‏دلالة، ‏إذ‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ‏العاصفى ‏كان‏ ‏يدل‏ ‏عندى ‏على ‏أمرين‏ ‏معا‏: ‏أولهما‏: ‏قوة‏ ‏الداخل‏ ‏البدائى ‏وعنفه‏ ‏وقدرته، ‏وثانيهما‏: ‏ثقب‏ فى ‏الحائط‏ ‏الخارجى للذات ‏واحتمال‏ ‏كسره، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏النوبات‏ ‏العاصفية‏ ‏كثيرا‏ ‏ماتعتبر‏ ‏تفريغية،‏ ‏وتؤجـِّل‏ ‏ظهور‏ ‏النشاط‏ ‏البدائى ‏بشكله‏ ‏المرضى ‏المباشر (2)‏.‏

خلاصة‏ ‏القول‏:

‏إن‏ ‏ما قبل‏ ‏الفصام‏ ‏يشير‏ ‏عادة‏- ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عن‏ ‏نوع‏ ‏الشخصية‏ ‏أو‏ ‏نوع‏ ‏البيئة‏ ‏أو‏ ‏نوع‏ ‏الوراثة‏ – ‏إلى ‏جوع‏ ‏شديد‏ ‏إلى ‏استقبال‏ “‏رسائل” ‏لها‏ ‏معنى (3)، كما‏ ‏أنه‏ ‏يفتقر‏ ‏إلى ‏إرسال‏ “‏رسائل” ‏تجد‏ ‏من‏ ‏يستقبلها‏ ‏بقدرها، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فإن‏ ‏العائد‏ ‏يصبح‏ ‏ضعيفا‏ ‏للغاية‏ “‏منه‏ ‏وإليه”, ‏والنتيجة‏ ‏أن‏ ‏تتقطع‏ ‏المواصلات‏ ‏البيولوجية‏ ‏القادرة‏ ‏على ‏حفظ‏ ‏التوازن‏ ‏البشرى ‏بالدرجة‏ ‏التى ‏تسمح‏ ‏له‏ ‏بالاستمرار‏ ‏والنمو‏.‏

فمشكلة‏ ‏ماقبل‏ ‏الفصام‏- ‏ومايهيئ ‏له‏ – ‏هو‏ ‏فقر‏ ‏التغذية‏ Undernourishment ‏للجهاز‏ ‏البيولوجى ‏الإنسانى، ‏ويكون‏ ‏ذلك‏ ‏بالعقلنة المفرطة التى تغلب فى ‏الحياة‏ ‏الشيزيدية‏ ‏المعاصرة، ‏كما‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏بسوء‏ ‏التغذية‏ Malnourishment ‏التى ‏قد‏ ‏تتم‏ ‏بأى ‏من‏ ‏الأساليب‏ ‏التالية‏:‏

‏(1) ‏بالتركيز‏ ‏على ‏جانب‏ ‏واحد‏ ‏من‏ ‏جوانب‏ ‏الشخص‏ ‏دون‏ ‏بقية‏ ‏وجوده‏ (‏مثلا‏: ‏صفته‏ ‏كطالب‏ ‏أو‏ ‏كإبن‏ ‏أو‏ ‏كمتفوق أو كشخص جميل الطلعة‏ ‏أو‏.. ‏أو‏.. ‏الخ‏) ‏دون‏ ‏سائر‏ ‏جوانب‏ ‏كيانه‏ ‏الأخرى، ‏وخاصة‏ ‏الضعيف‏ ‏منها‏.‏

‏(‏ب‏) ‏التركيز‏ ‏على ‏نوع‏ ‏معين‏ ‏من‏ “‏الرسائل‏ ‏والعائد” ‏دون‏ ‏بقية‏ ‏الأنواع، ‏مثل‏ ‏التركيز‏ ‏على ‏نوع‏ ‏العلاقات‏ ‏الاستثمارية‏ Investment relations ‏أو‏ ‏الاحتوائية‏ ‏أو‏ ‏التشكيكية‏ ‏أو‏ ‏الثنائية، ‏دون‏ ‏العلاقات‏ ‏البنائية‏ ‏أو‏ ‏التعاونية‏ ‏أو‏ ‏الموضوعية‏.‏

‏(‏ج‏) ‏معاملة‏ ‏الشخص‏ ‏ككيان ذاتى، أى كيان مـُسقط من الذات للخارج، ‏دون‏ ‏الشخص‏ ‏الحقيقى، وهذا وارد فى كثير من الأسر المسماة البرجوازية،  ‏فإن‏ ‏طفلها عادة ما يُـسْـتـَعْمـَل لتأكيد قيمها الطموحية والطبقية،  ‏وبذلك لا‏ ‏تصله‏ ‏أى ‏رسالة‏ ‏بنائية‏ ‏لأنه‏ ‏لم‏ يكن – ‏هو‏ ‏هو‏- ‏موجودا ‏ ‏أبدا‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏إدراكها‏.‏

وإذا‏ ‏لم‏ ‏يتغذ‏ ‏الفرد‏ ‏غذاءآ‏ ‏بيولوجيا‏ ‏مناسبا‏ ‏وكافيا‏ (‏ذا‏ ‏معنى) ‏ضعف‏ ‏جهازه‏ ‏الأحدث‏ ‏مهما‏ ‏بدا‏ ‏متماسكا‏ ‏ظاهريا، ‏مما‏ ‏يجعل‏ ‏الجهاز‏ ‏البدائى ‏أقوى ‏- ‏ولو‏ ‏نسبيا‏- ‏وبالتالى ‏أكثر‏ ‏تحفزا‏ ‏للعمل  المستقل الناشز.

التعقيب والتحديث:

‏ لعل القارئ يلاحظ، كما لاحظت أنا شخصيا مجددا، إصرارى على استعمال صفة “البيولوجية”، أصف بها “المعلومات”، مع أن كل ما أدرجه تحت هذه الصفة تطلق عليه عادة صفة: “نفسى” أو “تربوى” أو  ‏حتى “اجتماعى” وقد اطمأننت من خلال هذه الملاحظة  إلى متانة موقفى مما هو نيوروبيولوجى:  وأنه  موقف أساسى وأصلى، فكل تنظيرى، وعلاجى هو من منظور حيوى بيولوجى، لكنه – فى نفس الوقت-  أبعد ما يكون عن المنظور البيوكيميائى العصبى الاختزالى، أو المنظور المشتبكى الموْضعى، وهذا وارد فى كل ما قدمتُ وكنت أحسب أنه موقف قريب، لكننى هأنذا أطمئن إلى عمقه وتاريخه، فلزم التنويه.

عودة إلى المتن (تقريبا)

وقد‏ ‏تنشأ‏ ‏من‏ ‏نتاج‏ ‏فقر‏ ‏التغذية‏ ‏وسوء‏ ‏التغذية‏  البيولوجية ‏أنواع‏ ‏من‏ ‏السلوك‏ ‏شائعة‏ ‏مهيـِّـئة‏ ‏للفصام‏ ‏مثلما‏ ‏ذكرنا‏ ‏عن‏ ‏الشخصية‏ ‏الشيزيدية‏ ‏أو‏ ‏الشخصية‏ ‏العاصفية، ‏وأضيف‏ ‏هنا‏ ‏بعض‏ ‏أمثلة‏ ‏من‏ ‏مشاهداتى ‏وخاصة‏ ‏فى ‏مرحلة‏ ‏الطفولة‏ (‏مما‏ ‏تتداخل‏ ‏قليلا‏ ‏مع‏ ‏مشاهدات‏ ‏شولمان ‏أيضا‏) (4) ‏مما‏ ‏أعتبره‏ ‏من‏ ‏علامات‏ ‏الاستعداد‏ ‏للفصام‏:‏

التحديث والتعقيب:

يلاحظ أيضا استعمالى لمصطلح فقر التغذية بالمعلومات وكذلك سوء التغذية بالمعلومات وأنه مرتبط بفرضى أن التعامل مع المعلومات بطريقة سليمة غائية إنما يتم بهضمها وتمثّلها فيما يسمى “فعلنة المعلومات”، وبما يوازى هضم وتمثل المواد الغذائية لتصبح جزءًا من تكوين الجسد  (5)

1– ‏الطفل‏ ‏الفائض‏: ‏وهو‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏جاء‏ ‏زيادة‏ ‏عن‏ ‏احتياجات‏ ‏الأسرة‏ ‏فيـُستقبل‏ ‏دائما‏ ‏باعتباره‏ ‏رقما‏ ‏زائدا، وإما أن تنكر الأم (بالذات) على نفسها ذلك فتبالغ فى احتوائه (تكوين رد الفعل) ، وإما ألا يـُعترف به ، بمعنى ألا يــُرى (يشاف) ، أو يُحترم، أو يُعدّ مع من يُـعدّ.‏

2– ‏الطفل‏ ‏الخاص‏ ‏المميز‏: ‏وهو‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏تستقبله‏ ‏الأسرة‏ ‏على ‏أنه‏ “‏مختلف” ‏إما‏ ‏إلى ‏أعلى ‏أو‏ ‏إلى ‏أدنى، أو على ناحية، ‏المهم‏ ‏أنه‏ ‏مختلف‏، وفى كثير من الأحيان يعتبر هذا الاختلاف ميزة ، ومع ذلك فكثيرا ما يجعله هذا التميز له مطالب خاصة، واستجابات خاصة، تجعله أجهز لتكوين عالمه المرضى الخاص، حين يحين امتحان المرض …(وهو الطريق السري للجاهزية لعالم أكثر خصوصية يسمى “الفصام”)

3- ‏الطفل‏ ‏الفــُرجة‏ (‏الزينة‏): ‏وهو‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏بوظيفة‏ ‏العرض‏ ‏على ‏الآخرين (الضيوف والأقارب مثلا)‏ ‏مثل‏ ‏الصورة‏ (‏التابلوه‏) ‏إما‏ ‏بسبب وسامته‏ (لجماله أو بياضه!!)  ‏أو‏ لبعض‏ ‏سماته‏ ‏أو‏مواهبه، أو للفخر بتفوقه، وكل ذلك يحل بشكل أو بآخر محل وجوده وحقه الأصلى فى الاعتراف به “هو” وليس بمظهر أو ناتج أدائه.  ‏

4- ‏الطفل‏ ‏المشروع‏ ‏الاستثمارى: وهو‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏للأسرة‏ ‏بدور‏ ‏تعويضى ‏أساسا‏ ‏لخيبة‏ ‏أمل‏ ‏ظاهرة‏ ‏أو‏ ‏باطنة‏ ‏فى ‏آمال‏ ‏وخطط‏ ‏الحياة‏ ‏بالنسبة‏ ‏للوالدين‏ ‏أساسا‏، مثل الوالد الذى يستعمل ابنه طول الوقت باعتباره مشروع “دكتور” ناجح ثرى متميز، وربما يبدأ هذا الاستعمال من سن مبكرة جدا، وأيضا يمكن أن يكون مشروعا استثماريا بالنسبة لتحقيق أمال أخرى متعددة حتى لو كان الوالد أو الوالدة لا يعرفانها، وفى كل الأحوال تختفى معالم الطفل وراء هذه المشاريع التى تحل محله بشكل أو بآخر.

‏خلاصة‏ ‏القول‏ ‏أن‏ ‏الشخص‏ ‏المهيأ‏ ‏للفصام‏ ‏عادة ما يكون متميزا” منذ الطفولة بشكل أو بآخر عن أقرانه، أو إخوانه، على حساب ‏ ‏حقه‏ ‏المتواضع‏ ‏فى ‏أن‏ “‏يستقبله” ‏آخر‏ “‏كما‏ ‏هو” و‏بالتالى: ‏أن‏ “‏يرسِـلُ” ‏لآخر:‏ “‏ماهو“‏، “بما:‏ هو“.‏ (مع التذكرة بأن التميز ليس دائما إيجابيا).

 ‏(3) تشويه وخلل  صورة‏ (ومخطط) ‏الذات‏:‏

احتاجت هذه الفقرة منى تحديثا من البداية.

وسوف أبدأ باقتطاف من ملف الإدراك قبل أن أستطرد إلى رأى “سلفانو أريتى” ومناقشته:

(1) فى ‏الممارسة‏ ‏الإكلينيكية‏ قليلا ما ‏نستعمل‏ ‏تعبير‏ “‏صورة‏ ‏الجسم”، Body Image ‏بالمقارنة باستعمال‏ مصطلح “‏صورة‏ ‏النفس‏” Self Image، ‏وبدرجة أقل ‏من هذا وذاك نستعمل ‏ ‏تعبير‏ ‏”مخطط‏ ‏الجسم‏” Body Schema ‏”ومخطط‏ ‏الذات‏!” Self Schema ‏

(2) ينشط‏ ‏مخطط‏ ‏الجسم‏Body Schema  ‏مباشرة‏ ‏بعد‏ ‏الولادة‏ ‏كنتيجة‏ ‏لحركية‏ ‏التفاعل‏ ‏بين‏ ‏جميع‏ ‏الوحدات والمشتبكات‏ ‏الحسية‏ ‏المستَقْبَلة‏ ‏من‏ ‏العالم‏ ‏الخارجى (‏عن‏ ‏طريق‏ ‏الحواس‏ ‏الخاصة‏) وأيضا من خلال رسائل الوعى البينشخصى مع الأم ثم المحيطين، ‏وكذلك المعلومات الجاهزة المُنَشَّطةْ من‏ ‏العالم‏ ‏الداخلى (‏بما فى ذلك الإحساسات‏ ‏العميقة‏ ‏والإحساسات‏ ‏الحشوية‏ ‏إلخ‏)، وهو ‏تنظيم‏ ‏نيورونى مشتبكى خلوى، ‏وليس‏ ‏صورة‏ ‏ذهنية‏ ‏أو‏ ‏متخيلة.

(3) فإذا‏ ‏انتقلنا‏ ‏إلى مخطط ‏النفس Self schema تحديدا، ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏التأكيد‏ ‏ابتداء‏ على ‏أن‏ ‏النفس‏ ‏لا‏ ‏تنفصل‏ ‏عن‏ ‏الجسد‏، ‏وحسب‏ ‏الفرض المقدم‏ ‏هنا‏ ‏فإننا‏ ‏نتناول‏ ‏النفس‏ ‏باعتبارها‏ ‏إحدى تجليات‏ ‏الكيان‏ ‏البشرى ‏الشامل‏ ‏للفرد، ‏وبالتالى ‏فإن الأرجح‏‏ ‏أن‏ ‏ثمَّ‏ ‏مخططا‏ ‏للنفس‏ ‏موازٍ لـمخطط ‏الجسم‏ ومندمج معه نيوروبيولوجيا أيضا إذْ يتشكل فى نفس الوقت.

(4) بينما‏ ‏مخطط‏ ‏الجسد‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏يمثله‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏النيورونية‏ ‏التشريحية والفسيولوجية، ‏فإن‏ “‏صورة‏ ‏الجسد”‏ (فالنفس) ‏هى ‏أكثر‏ ‏تجريدا‏ – نسبيا- ‏و أكثر‏ ‏عقلنة‏ ‏-نسبيا أيضا- نتيجة‏ ‏لتراكم‏ ‏المدركات‏ ‏حول‏ ماهية‏: ‏ما‏ ‏هو‏ ‏”أنا:‏ ‏كيانا‏ عيانيا‏ ‏متجسدا‏”، مستقلا على درجة من الوعى الظاهرى به، ولذلك فصورة الجسد (والنفس) تتأخر عن حضور المخطَّطْيِن إلى مرحلة تالية، حيث تتكون من إجابات متتالية متصاعدة عن أسئلة غامضة، وإذْ يتكثف الرد عليها لتكوِّن مفهوما معقلنا كما ذكرنا، هو رمزىّ بدرجة ما: وهو صورة الجسد (فالنفس)، ولكن له ارتباطاته الوثيقة والمتداخلة بكل من مخطط الجسد وصورته.

(5) إن‏ ‏صورة‏ ‏النفس‏ ‏إنما يغلب عليها أيضا ‏التصوّر‏ ‏التجريدى ‏المعقلن‏ ‏لما‏ ‏يعتقد‏ ‏الشخص‏ ‏أو‏ ‏يتصور‏ أنه‏، ‏”هو‏”: ثم إن صورة النفس أو مفهوم النفس: هى مجموع المفاهيم التى تتضفر لتتخلق منها  صورة للنفس فهى جماع تكاملى من القيم، والأهداف، والمعتقدات، والقدرات، ورسائل المجتمع الأخرى فى كلٍّ مفهومىٍّ رمزىٍّ أساسا، لكنه ليس كذلك تماما، فهو ليس منفصلا تماما عن مخطط النفسً السالف الذكر.

(انتهى المقتطف من ملف الإدراك)

وقد أٌقرّ أريتى بشكل مباشر أن الفصامى تكمن داخله صورة ذات مشوهة  Mutilated Self Image والأرجح عندى، خاصة بعد أن يستتب المرض، أن كلا من صورة الذات ومخطط الذات، يتشوهان ليس فقط نتيجة لما يتصوره الفصامى عن نفسه 27-3-2017ولكن نتيجة للنشاز الذى حدث بعد تخثر هارمونية الوعى، نتيجة لهذا الانفصال النيوروبيولوجى والنفسى عن الواحدية الضامة.

وصورة‏ ‏النفس‏ ‏عادة‏ ‏أقل‏ ‏كفاءة‏ ‏وأضعف‏ ‏شأنا‏ ‏من‏ ‏حقيقة‏ ‏النفس، ‏كما‏ ‏أنها‏ ‏فى ‏الشخص‏ ‏المهيأ‏ ‏للفصام‏ ‏ ‏شديدة‏ ‏الضعف، ‏وشديدة‏ ‏البعد، ‏وشديدة‏ ‏التشويه، ‏وأهمية‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏الإعداد‏ ‏للفصام‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏تعتبر‏ ‏استجابة‏ ‏للتشويه‏ ‏الذى لحق المريض نتيجة‏ “‏عدم‏ ‏الرؤية” ‏الشاملة‏ ‏لوجوده،‏ ‏كما‏ ‏تُعتبر‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏احتجاجا‏ ‏على ‏ذلك، ‏وتجسيدا‏ ‏لإبعاد‏ ‏حقيقة‏ ‏ذاته‏ ‏عن‏ ‏معنى وجوده”، ‏وكأنه‏ ‏عملها‏: “‏بيده‏ ‏لا بيد‏ ‏الآخرين”.

 

[1]  – كتاب تفسير الفصام لسيلفانوا أريتى:

– Arieti,S.(1974) Interpretation of Schizophrenia. New York: Basic Books.‏

[2] – وقد تطور هذا المدخل عندى مع تزايد اهتمامى بمسارات الطاقة الحيوية الأساسية فى كل الأحوال المرضية والصحية ، وتبادل هذه المسارات، وتكاملها أحيانا، وهو بـُعـْدٌ  شديد الارتباط بما هو الطبنفسى الإيقاعجيوى التطورى” أنظر: وراثة: زخم الطاقة ومدى حركية التفكيك لاحتمال التشكيل أو التفسخ” نشرة: 2-5-2016   

[3] – ‘‏المعنى” ‏  ‏كما‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏أشرت‏ ‏إنما‏ ‏يـُقصد‏ ‏به‏ ‏هنا‏ ‏تناسب‏ ‏وكفاءة‏ ‏المعلومات‏ ‘ ‏الواصلة‏ ‏لجهاز‏ ‏فعلنة‏ ‏المعلومات‏ ‏في‏ ‏مرحلة‏ ‏بذاتها‏.‏

 – [4] كتاب مقالات فى الفصام:

 -Bernard H Shulman- Essays in schizophrenia, Baltimore, Williams & Wilkins, 1968

[5]-Y. Rakhawy, Expansion of the Concept of ‘‏Medical Model‏’‏ in Psychiatry‏, Egypt. J. Psychiat. (1980a) 3 : 159-161‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *