الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعيوى التطورى (173) الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع الحيرة مستمرة ومفيدة، لكن التحدى ضرورى!!

الطبنفسى الإيقاعيوى التطورى (173) الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع الحيرة مستمرة ومفيدة، لكن التحدى ضرورى!!

نشرة “الإنسان والتطور”

نشرة السبت: 18-3-2017

السنة العاشرة

العدد: 3486   

 الطبنفسى الإيقاعيوى التطورى (173)

الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع

الحيرة مستمرة ومفيدة، لكن التحدى ضرورى!!

مقدمة:

هل حقيقة أنه لا يوجد شىء اسمه الفصام، أو بتعبير ما قرأت فى هذا الاتجاه: “هل الفصام هو واقِعٌ موضوعى” Is Schizophrenia Objectively Real؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يوجد داع لتخصيص هذا الاسم لمرض مستقل عن باقى الأمراض!!

وقد أشرنا من قبل إلى أن من أنكر الفصام يمكن أن يُعزو (أو يُعْزى) ذلك إلى ما يلى:

1) العجز عن الاتفاق على ماهيته

2) أو فرط عموميته

3) أو غموض تجلياته

4) أو غموض، وحقيقة احتمالات ما يحمل من مشاريع إيجابية

5) أو أن اللوم  يقع على المجتمع لأنه هو المريض الأصلى

6) أو الخوف من مواجهة تحدياته

7) أو العجز عن شفاء الأنواع الأخطر منه

8) أو أنه لا يِرى أصله وحقيقته بداخله (داخل الفاحص المُنكِرْ)

9) أو خوفا من المسئولية المترتبة على رؤية حقيقته أصلاً ومساراً ووعوداً وتهديداً!

10)  أو الإلحاد:  = تجنبا للانكشاف على دوائر الوعى المتمادية فى الاتساع “إليه”

(أو كل ذلك طبعا)

 وبعد

حسما للموقف، وكما ذكرت فى نشرة الأثنين السابقة، سوف ألتزم تقريبا بمقتطفات فى كتابى الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” 1979 (1)، مع إضافة محدودة لما تلزم إضافته.

‏”..ما‏ ‏لم‏ ‏يوضع‏ ‏فرض‏ ‏مفهوم‏ ‏أشمل‏ ‏تتناسق‏ ‏فيه‏ ‏هذه‏ ‏الرؤى ‏الجزئية، ‏لا‏ ‏باعتبارها‏ ‏ممثلة‏ ‏للكل، ‏ولكن‏ ‏فى ‏حدود‏ ‏معطياتها‏ ‏الجزئية‏ ‏إذ‏ ‏هى ‏وحدات‏ ‏فى ‏كل‏ ‏شامل، ‏حتى ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏متباعد‏ ‏الأطراف‏ ‏فالخلط وارد…(!)

* ‏إن‏ ‏الفصام‏ ‏مشكلة‏ ‏كلية‏ ‏وجوهرية‏ ‏وشاملة‏ ‏ومركزية، ‏وأن‏ ‏قدرتنا‏ ‏على ‏فحصها‏ ‏بكليتها‏ ‏مهدِّدة‏ ‏لنا‏ ‏نحن‏ ‏أنفسنا‏ ‏مهما‏ ‏إحتمينا‏ ‏بأدوات‏ ‏نسميها‏ “‏موضوعية” ‏لأنها‏ ‏تعرضنا‏ ‏نحن‏ ‏أنفسنا‏ ‏لاستعمال‏ ‏عمقٍ‏ ‏مقابل:‏ ‏لإستيعاب‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏المترامى، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏أغلب‏ ‏الفاحصين‏ (أن يتجنبوه) ‏دفاعا‏ ‏عن‏ ‏تماسكهم“.

……‏…………….

……‏…………….

‏إن‏ ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏الصورة‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏للفصام‏ ‏وبين‏ ‏سيكوباثولوجية‏ ‏الفصام‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏الخلط‏ ‏فى ‏مفهوم‏ ‏المرض‏ ‏ذاته، ‏ففى ‏حين‏ ‏نرى ‏أن‏ ‏الظاهرة‏ ‏الشيزويدية‏ (‏بمعنى ‏الوحدة‏ ‏واللا‏ ‏آخر‏ ‏والإنسحاب‏) ‏تقبع‏ ‏تحت‏ ‏أى ‏من‏ ‏الأمراض‏ ‏النفسية، (بل تحت كل الوجود) ‏وفى ‏حين‏ ‏نرى ‏الفصام‏ (‏بمعنى ‏التناثر‏ ‏والتقطع‏ ‏والتدهور‏) ‏فى ‏اللاشعور‏ ‏وفى ‏الأحلام‏ ‏يؤكد‏ ‏طبيعة‏ ‏تواجدنا‏ ‏الملموم‏ ‏من‏ ‏الخارج‏ ‏فقط، ‏فإنه‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نحكم‏ ‏على ‏الشخص‏ ‏بهذا‏ “‏الداخل” (بأنه…) ‏فصامى ‏بحال‏ ‏من‏ ‏الأحوال (2) ‏وإنما‏ ‏المفهوم‏ ‏إلإكلينيكى ‏مرتبط‏ ‏أساسا‏ ‏بالصورة‏ ‏الإكلينيكية، ‏أمّا‏ (الذى يجرى) ‏بالداخل‏ ‏من‏ ‏تناثر‏ ‏أو‏ ‏ميل‏ ‏إلى ‏النكوص‏ ‏أو‏ ‏ضلالات، ‏فليس‏ ‏له‏ ‏دخل‏ ‏مباشر‏ ‏بمفهوم‏ ‏المرض‏ ‏كزملة‏ ‏إكلينيكية‏ ‏بذاتها، ‏ويأتى ‏التشويش‏ ‏فى ‏تعريف‏ ‏مفهوم‏ ‏الفصام‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏فى ‏الداخل‏ ‏كمحور‏ ‏للوجود، ‏وبين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏ظاهر‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏السلوك‏.‏

……‏…………….

……‏…………….

* “.. ‏إن‏ ‏رؤية‏ ‏الفصام‏ ‏كعملية‏ ‏تدهورية‏ ‏تجعلنا‏ ‏نتساءل‏ ‏عند‏ ‏أى ‏مرحلة‏ ‏من‏ ‏التدهور‏ ‏نطلق‏ ‏على ‏نتاج‏ ‏هذه‏ ‏العملية‏ ‏فصاما، ‏وعند‏ ‏أى ‏مرحلة‏ ‏لا‏ ‏نجرؤ‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏بعد؟”

……‏…………….

‏”..‏إن‏ ‏ربط‏ ‏عملية‏ ‏الفصام‏ ‏بنتائجها‏ ‏يجعل‏ ‏المفهوم‏ ‏معلقا، ‏ويجعل‏ ‏التشخيص‏ ‏مؤجلا‏ ‏أحيانا، ‏ويجعله‏ ‏تشخيصا‏ ‏بأثر‏ ‏رجعى ‏أحيانا‏ ‏أخرى ‏بعد‏ ‏حدوث‏ ‏الأثر‏ ‏المعنى، ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏تدهورا‏ ‏فى ‏الشخصية‏ ‏ككل، ‏أو‏ ‏ندبا‏ Scar ‏فى ‏جانب‏ ‏من‏ ‏جوانبها، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يجعل‏ ‏مفهوم‏ ‏الفصام‏ ‏ذاته‏ ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏تشخيصه‏ “‏مفهوما‏ ‏مؤجلا” (‏أو‏ ‏مع‏ ‏وقف‏ ‏التنفيذ‏)”.

……‏…………….

* فهل‏ ‏نجرؤ‏ ‏أن‏ ‏نضع‏ ‏مفهوما‏ ‏للفصام، ‏يتفق‏ ‏عليه‏ ‏أهل‏ ‏العلم‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتدخل‏ ‏خوفهم‏ ‏أو‏ ‏أن‏ ‏تشوه‏ ‏دافعاتهم‏ ‏تعريف‏ ‏الكلمات‏ ‏ووصف‏ ‏الأعراض‏ ‏وطبيعة‏ ‏المفهوم‏ ‏الأصلية؟

……‏…………….

‏(ثم) نوجز‏ ‏الأبعاد‏ ‏التى ‏نتناول‏ ‏بها‏ ‏ظاهرة‏ ‏الفصام، ‏وتؤثر‏ ‏بالتالى – ‏ومباشرة‏ – ‏على ‏تنوع‏ ‏مفاهيمه‏; ‏وتتعلق‏ ‏هذه‏ ‏الأبعاد‏ ‏بما‏ ‏يلى:‏

‏(‏أولاً) الظاهر‏ ‏السلوكى: ‏لكل‏ ‏ظاهرة‏ ‏صورة‏ ‏وأشكال‏ ‏تبدو‏ ‏على ‏السطح‏ ‏الذى ‏فى ‏متناول‏ ‏الجميع، ‏والذى ‏يسمى ‏عادة‏ “‏سلوكا”, ‏وهذا‏ ‏السلوك‏ ‏يكاد‏ ‏يكون‏ ‏محددا‏ ‏ومتفقا‏ ‏عليه، ‏وقابلا‏ ‏للقياس، ‏مهما‏ ‏تباعدت‏ ‏مكوناته‏ ‏الجزئية، ‏وأهمية‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏السلوكى ‏ودلالته‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏التغافل‏ ‏عنها، ‏بل‏ ‏إن‏ “‏الظاهرة” ‏المعنية‏ – ‏فى ‏واقع‏ ‏الأمر‏ – ‏تكاد‏ ‏لا‏ ‏تكون‏ ‏هى “‏الظاهرة” ‏بدونه‏.‏

……‏…………….

……‏…………….

 ……‏…………….

 (ويترتب على ذلك أن للفصام مفهوما سلوكيا كالتالى:)

المفهوم‏ ‏السلوكى The behavioural concept: ‏هو‏ ‏المفهوم‏ ‏الذى ‏يُعتبْر‏ ‏أكثر‏ .. (المفاهيم) ‏المجالات‏ ‏تحديدا‏ ‏وقابلية‏ ‏للقياس‏ ‏وسماحا‏ ‏بالاتفاق، ‏إذ‏ ‏يمكن‏ – ‏سلوكيا‏ – ‏أن‏ ‏نحدد‏ ‏مفهوم‏ ‏الفصام‏ ‏باعتبار‏ ‏أنه‏ “‏المرض‏ ‏النفسى (‏العقلى) ‏الذى ‏تغلب‏ ‏على ‏أعراضه‏ ‏إضطرابات‏ ‏شكل‏ ‏الفكر‏ Formal thought disorder ‏فى ‏صورة‏ ‏الغموض‏Vagueness ‏والعيانية‏ Concreteness ‏واللاتماسك Asyndesis ‏وغيرها، ‏وكذلك‏ ‏أعراض‏ ‏تفسخ‏ ‏الشخصية‏  أستعمل‏ ‏لفظ‏ ‏ التركيبىStructural ‏بشكل‏ ‏جديد‏ ‏كما‏ ‏هو‏ ‏مبين، ولا‏ ‏ينبغى ‏الخلط‏ ‏المباشر‏ ‏بينه‏ ‏وبين‏ ‏مفهوم‏ ‏إريك‏ ‏بيرن‏ ‏عن‏ ‏التحليل‏ ‏التركيبى Structural Analysis ‏أو‏ ‏التركيب‏ ‏النفسى ‏الشكلى Psychostructural configuration ‏ الذى ‏استعمله‏ ‏أريتى، وإن‏ ‏كان‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏المفهوم‏ ‏الأخير‏ …. ‏ولا‏ ‏يستبعد‏ ‏الأول‏ ‏تماما‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏.‏ (وقد تزايد استعمالى له مؤخرا فى وصف ما أسميته “النفسمراضية التركيبية”).[/tooltip] Personality disorganization ‏فى ‏صور‏ ‏تناقض‏ ‏الوجدان Ambivalence ‏والانفعالات‏ ‏اللاملائمة‏ Inappropriate affect ‏وتذبذب‏ ‏ العواطف‏ Lability of affect ‏وتباين‏ ‏الفكر‏ ‏والوجدان‏ Incongruity between thought & affect, ‏وأخيرا‏ ‏أعراض‏ ‏الانسحاب‏ Withdrawal‏ وهذا‏ ‏الإنسحاب‏ ‏يشاهد‏ ‏فى ‏المجالات‏ ‏الإجتماعية‏ ‏ونواحى ‏السلوك، ‏فيبدو‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏أعراض‏ ‏العزلة‏ ‏الفعلية‏ Isolation ‏أو‏ ‏الانفعالية‏ ‏مثل‏ ‏التبلد‏ Bluntin. ‏

والملاحظ‏ ‏فى ‏تقديم‏ ‏مفهوم‏ ‏الفصام‏ ‏سلوكيا‏ ‏أنه‏ ‏يكاد‏ ‏يكون‏ ‏مباشرا‏ ‏وواضحا، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏المشكلة‏ ‏تنشأ‏ ‏حين‏ ‏نحاول‏ ‏تحديد‏ (مقدار) ‏هذه‏ ‏الأعراض‏ ‏التى ‏قد‏ ‏توجد‏ ‏بدرجات ‏متفاوتة‏ ‏عند‏ ‏الشخص‏ ‏العادى ‏من‏ ‏ناحية، ‏(كما أنها توجد أيضا فى أمراض أخرى متنوعة كثيرة)

……‏…………….

وقد‏ ‏إستعان‏ ‏النفسيون‏ ‏بوسائل‏ ‏قياس‏ ‏كمية‏ (‏سيكومترية‏) ‏للاسهام‏ ‏فى ‏تحديد‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم، ‏ونجحوا‏ ‏بشكل‏ ‏ملحوظ‏ ‏وخاصة‏ ‏فيما‏ ‏يتعلق‏ ‏بقياس‏ ‏اضطراب‏ ‏الفكر‏ ‏كمثال‏ ‏..، ‏ولو‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏كان‏ ‏كافيا‏ ‏لما‏ ‏أخذت‏ ‏الأبعاد‏ ‏الأخرى ‏والمفاهيم‏ ‏الأخرى ‏حقها‏ ‏المتزايد‏ ‏الأهمية‏ ‏فى ‏التنظير‏ ‏والتطبيق‏.‏

إلا‏ ‏أننا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نعلن‏ ‏بوضوح‏ ‏أن‏ ‏الفصام‏ – ‏إكلينيكيا‏ – “‏كفئة‏ ‏تشخيصية” ‏غالبا‏ ‏ما‏ ‏يقتصر، ‏وبحق، ‏على ‏ماورد‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏دون‏ ‏سائر‏ ‏المفاهيم‏ ‏الأخرى.‏

وبعد

سوف نعرض تباعا المفاهيم الأخرى لما هو فصام

[1]  – يحيى الرخاوى: “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” شرح ديوان “سر اللعبة” سنة 1979 – دار عطوة – القاهرة

[2]  – استغنيت فى هذه النشرة عن التعقيب والتحديث المستقلين، يوضح فقط مكان المحذوف ووضع بعض الكلمات المضافة بين قوسين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *