الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / فى رحاب نجيب محفوظ “التناصّ النقدى” قراءة أخرى للأحلام الأولى (10)

فى رحاب نجيب محفوظ “التناصّ النقدى” قراءة أخرى للأحلام الأولى (10)

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس: 16-3-201719-1-2019

السنة العاشرة

العدد: 3484                               

فى رحاب نجيب محفوظ

التناصّ النقدى

 قراءة أخرى للأحلام الأولى (10)

وهو النقد الذى لم ينشر قبلا

نص اللحن الأساسى: (نجيب محفوظ)

 الحلم‏ (10)

جمعتنا‏ ‏الصداقة‏ ‏والنشأة‏ ‏وتواعدنا‏ ‏فى ‏تلك‏ ‏الحارة‏ ‏وذيول‏ ‏الليل‏ ‏تهبط‏. لا‏ ‏هدف‏ ‏لنا‏ ‏إلا‏ ‏الانشراح‏ ‏باللقاء‏ ‏والاستسلام‏ ‏للمزاح‏ ‏والضحك‏ ‏على ‏طريقة‏ ‏القافية‏.‏

وتبادلنا‏ ‏النكات‏ ‏وأخذنا‏ ‏نتحول‏ ‏إلى ‏أشباح‏ ‏فى ‏الظلام‏، ‏وتعارفنا‏ ‏بأصواتنا‏ ‏ولم‏ ‏نكف‏ ‏عن‏ ‏المزاح‏ ‏والقافية‏ ‏وانطلقت‏ ‏قهقهاتنا‏ ‏ترج‏ ‏الجدران‏ ‏وتوقظ‏ ‏النيام‏. ‏الحارة‏ ‏متعرجة‏، ‏ونحن‏ ‏نتقارب‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏نذوب‏ ‏فى ‏الظلمة‏، ‏وكلما‏ ‏تمادينا‏ ‏فى ‏الحيرة‏ ‏غالينا‏ ‏فى ‏الضحك‏، ‏وبدأنا‏ ‏نتساءل‏ ‏حتى ‏نجد‏ ‏خلاصنا‏ ‏فى ‏ميدان‏ ‏أو‏ ‏شارع‏ ‏كبير‏.‏

وذكّرنا‏ ‏أحدنا‏ ‏بأن‏ ‏الملكة‏ ‏الفرعونية‏ ‏التى ‏أرادت‏ ‏الانتقام‏ ‏من‏ ‏الكهنة‏ ‏الذين‏ ‏قتلوا‏ ‏زوجها‏ ‏دعتهم‏ ‏إلى ‏مكان‏ ‏يشبه‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏يغيطون‏ ‏فيه، ‏وسلطت‏ ‏عليهم‏ ‏المياه‏، ‏وما‏ ‏كاد‏ ‏يفرغ‏ ‏من‏ ‏حكايته‏ ‏حتى ‏هطلت السماء‏ ‏علينا‏ ‏بقوة‏ ‏غير‏ ‏معهودة،‏ ‏وأسكتنا‏ ‏الرعد‏ ‏ومضت‏ ‏المياه‏ ‏ترتفع‏ ‏حتى ‏غطت‏ ‏أقدامنا‏ ‏وزحفت‏ ‏على ‏سيقاننا‏ ‏وشعرنا‏ ‏بأننا‏ ‏نغرق‏ ‏تحت‏ ‏المطر‏، فى ‏ظلام‏ ‏الليل‏.

 ‏ونسينا‏ ‏نكاتنا‏ ‏وضحكاتنا‏ ‏ولم‏ ‏يعد‏ ‏لنا‏ ‏من‏ ‏أمل‏ ‏فى ‏الخلاص‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏نطير‏ ‏فى ‏الفضاء‏.‏

 التناصّ (التقاسيم): (يحيى الرخاوى)

 …لكن المطر توقف فجأة، وبسرعة غير مفهومة وغير متوقعة سطعت الشمس، وكأنها معجزة نسـتأهلها،  وتلفــتُّ أهنئ بقية الثلة بالنجاة، فلم أر أيا منهم حتى خفت أن تكون المياه قد غمرتهم حتى الغرق، لكننى سمعت قهقهات تأتى من وراء أبواب بعض العمارات، فرجحت أنهم فرحوا بالنجاة، وانطلقوا إلى مداخل بعض المنازل المجاورة يحتمون فى بئر سلمها من أى نوبة مطر جديدة، وتعجبت لماذا لم أذهب معهم ونحن معا طول الوقت، وجاءنى صوت  رفيع قوى من الناحية الأخرى سرعان ما تبينت فيه صوتأ نسائيا، فرجحت أنه صوت الملكة التى أرادت أن تنتقم من قتلة زوجها، لكن الصوت عاد أعلى وأقرب، فشعرت أنه صوت مألوف لى، وكان يردد ما كانت أمّى تقوله لى باستمرار:

“ألم تَكْتَفٍ بعد؟… أما آن الأوان يا ضنايا،  أما آن الأوان”؟؟

اندفعتُ عدوا إلى الناحية الأخرى، وأنا خائف لا أعرف هل أنا خائف من انتقام الملكة أم من عقاب أمى مثل زمان، لكننى حين وصلت إلى سقف كأنه نزل من السماء لأحتمى به، إذا بأمىّ تحته تتلقانى بكل جمالها وبهائها وكأنها كانت تتوقع قدومى، واقتربت منى وبيدها كوب زجاجى ملىء بالشاى والبخار يخرج منه كأنه يرحب بى أو يصالحنى، فتناولته منها فرحا وأنا أدعو لها، فدعتْ لى، وقبـَّلت جبهتى، وربـَّتَـَتْ على كتفى، فانحنيت وقبلت يدها، فنزعَتْها بسرعة وانصرفت باسمة هادئة، وهى تواصل الدعاء.

فالتفتُّ الناحية الأخرى وأنا ألوّح لها،

وبكيت.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *