الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (164) وكانت فى حياتكِ لى هِباتٌ وأنتِ اليومَ أجملُ منكِ فَضْلاً

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (164) وكانت فى حياتكِ لى هِباتٌ وأنتِ اليومَ أجملُ منكِ فَضْلاً

نشرة “الإنسان والتطور”

نشرة السبت: 25-2-2017

السنة العاشرة

العدد:  3465  

 الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (164)

وكانت فى حياتكِ لى هِباتٌ    وأنتِ اليومَ أجملُ منكِ فَضْلاً

أصل هذا البيت الذى استلهمتُ منه العنوان، هو ما قرأته لأبى العتاهية فى رثاء ابنه قائلا:

وكانت فى حياتك لى عظات    وأنت اليوم أوعظ منكَ حيا

طبعا أنا لا أدعى الإلمام بشعر أبى العتاهية حتى أقول أننى أنا الذى التقطت هذا البيت من بين درره، وإنما وصلنى شطر البيت الثانى من ثنايا تداعيات شيخى نجيب محفوظ أثناء تدريباته، فرجعت إلى الأصل، وعرفت مناسبته، وكتبت فى ذلك ما عنّ لى عن ألم الفقد، وعظة الموت، حتى من الأصغر إذا رحل.

اليوم وأنا أقرر أن أغيّر فى محتوى، وربما هدف ومسار هذه النشرة بعد مقاومة طالت، وبعد إلحاح طيب رقيق  متكرر من الابن أ.د. جمال التركى إشفاقا علىّ، ووعيا أعمق بطبيعة التلقى فى مرحلتنا الحالية، أقول: اليوم قالت لى عاتبة آمِلَة: “ألم يئن الأوان أن ترتب أمورك أفضل؟”

رجعت إلى تداعياتى على تدريبات محفوظ  بتاريخ 12/1/2013 العدد (1595) فوجدت أن الأستاذ قد كتب شطرا واحدا من البيت هو “وانتَ اليومَ أوعظُ منك حيا” فحضرتنى تداعياتى على هذا الشطر لأبى العتاهية عن “عظة الموت”، وكيف أننا برغم  ترديدنا اللفظى بالوعى بقصر عمرنا، وأن علينا أن نتخذ من الموت واعظا: “من اراد واعظا فالموت يكفيه”، فإننا سرعان ما يتسرب منا كل ذلك أو أغلبه، وأعلن فى تداعياتى أنه يبدو أن العمر الافتراضى لما يسمى عظة الموت هو قصير جدا، أقصر مما نتصور، واستشهدت آنذاك بقصيدة لى كنت قد كتبتها رثاء فى صديق عزيز رحل وكانت أيضا بعنوان: “عظة الموت تتسرب”، أنهيتها بأنها – عظة الموت – سرعان ما تختفى منا متسحبة، حتى أنه قد خيل لى أن بعض شعر الرثاء الذى يبدو أنه يخفف قليلا أو كثيرا من آلام الفقد، يمكن أن يعتبر بعض وسائل ذلك، ثم إنى أنهيت القصيدة وأنا أعلن فشلى فى ألا تتسرب – عظة الموت – منى، أنهيتها قائلا:

أخبِّئها‏ ‏فى ‏قوافى ‏المراثى     ‏لأُغْمِدَ‏ ‏سَيْف‏ََ ‏دنوّ‏ ‏الأجَل‏ْ.‏

لكنها حين رحلتْ وأنا فى أشد الحاجة إلى دعمها ورأيها، وأنا بعدُ فى آلام الفقد، ودوام الدعاء، عادت تنبهنى وكأنها تذكرنى أن الفارق بين عمريْـنَا ليس إلا بضعة أشهر، ومع تغير الأحوال: لم أستطع إلا أن أحسن الاستماع أكثر مما فعلتُ قبلا  معها ومع ابنى جمال التركى حين كان يكرر لى بحرقة هائلة فحوى مثل هذه النصيحة، ثم شحذتُ حدة إدراكى فسمعتها تحدد لى أوليات وتوصينى بمقترحات، منها:

أولاً: أن أوجه أغلب خطابى للأصغر والأطيب فهم الأكثر حاجة إلى رؤية جديدة وأكثر قدرة على رعايتها.

ثانياً:  أن أبادر بنشر “أكوام” ما سبق أن كتبته  حتى تراكم عندى بين مكتبى والحاسوب رغما عنى، وأنه لم يَعُد قرار نشره ملكى حتى لو يكن عندى الوقت لتحديثه، ولو حتى قمت بنشره أولا مسلسلا فى النشرة اليومية فيكون حافزا للنشر الكامل لاحقا.

ثالثاً: أن أكمل ما تدفق منى خلال هذه الأعوام العشرة وقبلها وأعيد تحريره ورقيا، ويا حبذا لو أربطه بما يناسبه مما سبق تسجيله كتابةً أو إلكترونيا بالصوت والصورة،

 ويبدو أنها قالت لى كل ذلك، بعد أن وصلها ما جاء فى النشرة التى طلبت فيها المشورة  بتاريخ 6-2-2017  بعد رحليها بثلاثة أسابيع.

احسنتُ الاستماع هذه المرة، فما كان لى إلا أن أفعل، وسوف أبدا من الغد بنشر ما طلبه منى صغار زملائى فى قصر العينى أول أمس، وهو أن أوافيهم بمختصر مفيد عن أهم ما يمكن أن يقوموا به، ويمكنهم البدء بتطبيقه فعلا يوميا فيما يتعلق بالفرق بين “التقرير” و”التشخيص” وبين “مستويات صياغة الحالة: “الصياغة الوصفية” و”الصياغة النفسمراضية السببية” و”الصياغة النفسمراضية التركيبية”، وهذا: ما سوف أبدا به من باكر، كما وعدتها أيضا أننى بمجرد الانتهاء من هذا الطلب العاجل سوف أبدأ  نشر كتاب أعجبها كثيرا فى اليومية مسلسلا، وهو كتاب لى لم يُنشر أصلا مع أنه تم منذ حوالى عشرين عاما وهو رؤيتى الخاصة لما يسمى “عقدة أوديب”، وعلاقتى بما شاع عنها، ثم تفسيرى لمستويات الشعور بالذنب، وعلاقة كل ذلك بجذور المسئولية عن بزوغ الوعى البشرى تطوريا وحمل الأمانة، هذا وقد يستمر نشره عدة أسابيع أو أشهر مما قد يتيح المجال لتحقيق طلبها الثالث وهو أن أكمل النشر الورقى لما تدفق منى خلال هذه العشر سنوات…وقبلها.

وبعد

حين بلغنى هذا التكليف بوضوح دعوت الله أن أكون عند حسن ظنها حتى نلتقى، وحضرنى قول أبى العتاهية فى هذا البيت المتواضع الذى عنونت به هذه النشرة، فقلت لها:

وكانت فى حياتِكِ لى هِباتٌ    وأنتِ اليومَ أجملُ منكِ فَضْلاً

وتذكرت ما كتبه ابنها – ابننا – “محمد” يوم رحيلها فى موقعه:

“أمى، أجمل امرأة فى العالم .. رحلت اليوم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *