الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (153) منذ ربع قرن: بعض تاريخ هذا الفكر (2)

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (153) منذ ربع قرن: بعض تاريخ هذا الفكر (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 29-1-2017

السنة العاشرة

العدد: 3439   

 الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (153)

منذ ربع قرن:

بعض تاريخ هذا الفكر (2)

Towards a Better Dialogue between Psychiatric

  (1)Clinical Practice and Neuroscience Research Information

نحو حوار أفضل بين الممارسة الإكلينيكية

ومعلومات أبحاث العلمعصبى  (الجزء الثانى)

 مقدمة:

بدأت أمس فى إعادة نشر أول افتتاحية منتقاة من الافتتاحيات التى كتبتها وسبق نشرها فى المجلة المصرية للطب النفسى، والتى لها علاقة مباشرة بالطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى وبالمنهج الذى اتبعه وأنتمى إليه فى قراءتى الطبيعة البشرية فى الصحة والمرض استجابة لأمر ربى الأكرم، الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.

وقد رأيت فى مقدمة نشرة أمس أن أمنع نفسى عن التعقيب على المتن الأصلى مكتفيا بالتعقيب فى الهوامش أو بين قوسين، إلا أننى بعد أن انتهيت من ترجمة بقية الافتتاحية الأصلية اكتشفت أن بها من التفاصيل الأكاديمية والمصطلحات الجديدة (بالعربية) ما قد يـُبعد القارىء عن جوهر الفكرة، وأنا كل قصدى هو أن يدعم القديمُ الجديدَ لتوضيح أبعاد الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، ثم إن كثيراً من هذه المعلومات المدعمة بالمراجع التى وردت فى الأصل قد أصبحت قديمة نسبيا، وبعضها نُسِخَ بأبحاث أحدث، فرأيت اليوم بالنسبة لهذه التفاصيل ما يلى:

أولاً : أن أتركها للقارىء كما هى فى الأصل الانجليزى بمراجعها.

ثانياً: أن أنقلها إلى الهامش فى الترجمة العربية إذا لزم الأمر.

ثالثاً : ألا أتردد فى إضافة تعقيبات أكثر تفصيلا لعلها تساعد فى الربط بين تاريخ أعمالى وبين ما استحدث فى فكرى وخبرتى وتنظيرى وفروضى فيما هو الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، حتى لو كان قد سبق نشرها فى سياق آخر.

 وقد اضطررت إلى إعادة صياغة بعض الفقرات بالعربية غير ملتزم بالترجمة الحرفية، وذلك حتى يمكن توصيل الرسالة بلغتى الفصحى لمن لم يعتد القراءة بها تاركا الأصل بالانجليزية دون مساس لمن شاء أن يرجع إليه ليصل منه مباشرة إلى ما يستطيع.

وبعد

انتهت نشرة أمس بتساؤلات حول الهوة القائمة بين الممارسة الإكلينيكية والمنظومات المعملية، وعن ضرورة وجدوى تطبيق المعلومات المعملية لاختبارها إمبريقيا فى واقع الممارسة الإكلينيكية، وعن تناسب ما يجرى مع القدرة المالية لأغلب المرضى فى الدول النامية حين تضاف إلى أثمان الأدوية تكلفة هذه الابحاث المعملية الباهظة، وعن علاقة كل ذلك بتقييم النتائج إكلينيكيا مع الحذر من استيراد قيم نصف بها ما يسمى “نوعية الحياة” متجاوزين نخاع ثقافتنا، وعن الحاجة إلى فروض موازية نابعة من الممارسة الإكلينيكية لدعم أو نقد أو تصحيح المعلومات العلمعصبية التجريبية والمعلمية.

وأواصل اليوم نشر ما تيسر من نفس الافتتاحية بالإنجليزية، مع إعادة التنظيم كما ورد فى الاستهلال للصورة العربية:

باقى الافتتاحية:

  …….

المتن

“…حتى يمكن تحقيق حوار أفضل بين الممارسة الإكلينيكية والمعلومات العلمعصبية من الضرورى أن نعيد النظر فى أساسيات ابتعدت عن بؤرة اهتمامنا، أورد أهمها فيما يلى:

أولاً: المُوْضَعة فى مقابل المنظومة (2) (وما إلى ذلك من مصطلحات)

 إن أغلب العلمعصبى  يؤكد على الزيادة أو النقص كميا من هذه المادة البيوكيميائية أو تلك، وعن موقع ذلك تشريحيا، أى على “الموضعة”، وموقع تواجد المتاح من المادة الفاعلة (تحديدا فى الجهاز العصبى) وخاصة فى المشتبكات العصبية المختلفة، وكذلك على مستوى العقار فى البلازما، وأيضا يجرى تقييم الأعراض تقييما كمّـيا، وكذا تُفحص نتائج الاستقصاءات التقنية من نفس المنطلق، وقد يكون هذا الموقف هو المسئول – على الأقل جزئيا-  عن ما نتعامل به مع المرضى من اختزالية، لواحدية المريض إلى أجزاء وكيماويات وأعراض.

 إن فن اللأم يستعمِل، أو ينبغى أن يستعِمل، أبجدية أخرى مثل “المنظومة” و”الإنتاجية” و”نوعية الحياة” ونوعية الحياة   (3)

التعقيب: (من افتتاحية أسبق: 1981)

اكتشفت أننى كتبت افتتاحية قبل هذه الافتتاحية بثلاثة عشر عاما: سنة 1981 أنبه فيها إلى الحاجة إلى أبجدية جديدة نتعرف بها على مرضانا وكيف أننا نتعامل معهم باستعمال أبجدية ساكنة ومعَطِّلَة فوجدت أن التعقيب المناسب هنا أن أنشر من هذه الافتتاحية مقتطفا هذا نصه.

الافتتاحية بعنوان:  المنظومات المخية ووظائف المخ: الحاجة إلى مراجعة تطوير معانى الكلمات والمفاهيم،

Brain Organization and Brain Function (A need for semantic and conceptual revision) Egypt. J. Psychiat. (1981) 2 : 151-152‏

وقد أنهيتها لإثارة التحدى والمناقشة كالتالى:

(1) المَوْضَعَة (تحديد موضع) فى مقابل المنظومة (الكلية المشمِلَة) Localization versus Organization .

(2) المدى فى مقابل التخصص  Extent versus Specification

(3) كيمياء المشتبكات العصبية فى مقابل التنشيط البيولوجى الشامل للتنظيمات حتى داخل الخلية.Synaptic Chemistry versus Biotical Activity including Intracellular Organization

(4) الترتيب الهيراركى فى مقابل التنظيمات المشتبكية المستقلة Hierarchical Organization versus Independent synaptic Organization

(5) التنظيم المكانى فى مقابل التنظيم الزمانى Spacial versus Temporal Organization  ،

وقد تعجبت – مرة أخرى – من أن هذه المشاكل المبدئية كانت تشغلنى بهذا الإلحاح منذ البداية، وقبل الافتتاحية الحالية بأكثر من عشر سنوات، كما اطمأننت إلى أنها جميعا تسير فى نفس الاتجاه وهو الأقرب إلى ما استحدث مؤخراً فى ما سمى بالطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى.

المتن:

ثانياً: البُعد الطولى فى مقابل البعد العرْضى:

يولى العلمعصبى اهتماما أقصى على ما يمكن رصده الآن من تغيرات كيميائية أو تشريحية أو فسيولوجية، فى حين ترتكز الممارسة الإكلينيكية على فروض عاملة قابلة للاختبار والتقييم بمدى عطاء نتائجها على مدى طولى باعتبار أن بعد “الزمن” هو الأساس المحورى فى كل من “السببية” و”العلاج” جميعا، وهذا المنطلق من بعد الزمن ليس خطّيا، ولكنه يشمل كلا من الإيقاعحيوى والتوليف التنظيمى لكل من الحياة والمخ.

التعقيب:

امتد هذا البعد الطولى بعد تطور فكرى التطورى الإيقاعحيوى ليبدأ من بداية الحياة، حتى بداية الإنسان، وأيضا من تاريخ بداية الفرد، حتى بداية  اللحظة، وانطلاقا من هذه البدايات الدائمة النابضة الخالقة، يتجدد الأمل باستمرار، هذا المنطق هو نافذة للتفاؤل بقدر ما هو حافز للعمل والمثابرة، وفى مثل ذلك قلت إنه “إذا كان العطّار لا يصلح ما أفسد الدهر، فإن الدهر هو الاقدر أن يصلح ما أفسد الدهر” والعطّار الحديث هو العقاقير وحدها، والدهر الحديث يشمل التعرف على ماهية مسيرة الإنسان ومواكبتها، وآليات تواصلها مع حولها من الطبيعة والبشر ودوائر الوعى الممتدة إلى الغيب إليه، بما يسمح بتصحيح المسار، كما تأكد كثير من ذلك فى المقولة العلمية التى أصبحت مبدأ ثابتا للتعامل مع المخ وهو أن المخ يعيد بناء نفسه، وكل ما علينا هو أن نتعرف على كيف يفعل ذلك ونعينه بكل العلم، والفن، والمواكبة، والمسئولية، والمشاركة، ليواصل ذلك حتى يسترجع طبيعته كما خلقها خالقها.

المتن:

 ثالثاً: الحقائق الجاهزة والمعلومات المغلقة فى مقابل النظريات والفروض

فى حين أن العلمعصبى  يعطينا معلومات  ذات مصداقية وثبات (معملى) فى معظم الأحيان، فإن الممارسة الإكلينيكية ما زالت تعتمد على فروض عاملة نحكم عليها من خلال العائد النفعى الواقعى (للمريض ومحيطه)، وعلينا أن نتذكر أن التحليل النفسى (بكل تاريخه) ما زال حتى الآن فرضا لا يرتقى إلى مرتبة النظرية، كذلك فإن “طريقة عمل كل العقاقير” ما زالت مهما كثرت العقاقير أو أفادت فى مرحلة الفروض، وحاليا فإن ثمة محاولات للتأليف بين معلومات العلمعصبى وبين الفروض القائمة، الأمر الذى قد يتيح الفرصة لتخليق فروض جديدة أكثر صلاحية لتحقيق أهداف صالحة ومعقولة للممارسة الطبيبة.

التعقيب:

خلال كل هذه السنوات تواصل اختبار الفروض البادئة الواحد تلو الآخر: أورد عناوين بعضها فيما يلى:

أولاً: فرض “واحدية المرض النفسى” (بعد استبعاد الأمراض الناتجة عن تألف تشريحى)، على اعتبار أن الفصام هو المرض الأم، والأخطر، وأن كل الأمراض هى حيل دفاعية للحيلولة دون تماديه على مسار التفيكك فالتفسخ فالتناثر فضمور عدم الاستعمال (الأعراض السلبية)،

 ثانياً: تفرع من هذا الفرض فروض موازية تجعل حياة التكيف العادية من أنجح الدفاعات أيضا ضد هذا المآل ثم تجعل الإبداع هو الدفاع الأروع والأقدر على إعلان قدرة المخ على إعادة التشكيل ليس فقط للتغلب على المرض أو الوقاية منه (من خلال سلامة توظيف الإيقاعحيوى) وإنما أيضا فى احتواء التفكيك لإعادة التشكيل فى إبداع فائق يسهم فى دفع مسيرة الفرد فالجماعة فالنوع إلى تواصل النمو والتطور والحضارة والإيمان.

ثالثاً: تواصلت الفروض لتفسير عمل ما يسمى الآن جلسات تنظيم إيقاع المخ (وهو ما كان يسمى بالصدمة الكهربائية) حيث بين هذا الفرض الأخير أن هذا العلاج – فى الوقت المناسب بالاعداد المناسب – هو بمثابة إعادة تشغيل المخ للسماح للمخ الذى تهيأ للقيادة والتكامل بالقيام بدور المايسترو الأقدر، بديلا عن الشُّوَاش الناتج عن استقلالية واقتحام المخ الناشز عن اللحن الأساسى .

رابعاً: تواصلت الفروض بعد ذلك فى محاولة أن تقرأ طريقة عمل العقاقير بشكل آخر غير مجرد رصد زيادة أو نقص  هذا الموصِّل أو ذاك فى المشتبكات العصبية، وإنما بما يترتب على هذه الزيادة أو النقص من إعادة تنظيم كامل لمستويات الوعى ليحقق نفس الفكرة وهى تسليم القيادة بعد الإعداد المناسب وفى الوقت المناسب –  للمستوى الأقدر على القيام بدور المايسترو، وبذلك استعادة الطبيعة البشرية لفطرتها كما خلقها خالقها لتكمل المشوار إلى الإبداع والإيمان مصحوبة بمن يسهم فى المواجهة والمشاركة والمسئولية.

وبعد

أما ما ورد بعد ذلك فى هذه الافتتاحية فقد أعود إليه غدًا، وقد اكتفى بهاتين العينيتين، سنة 1981 وسنة 1996 لننتقل إلى المهمة الأصلية ونواصل تقديم ما تيسر من معالم هذا الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى، فى محاولة الإلمام بما تبقى عن المرض الأم الفصام الذى  أعطيناه عنوانا دالاًّ هو “مغارة الضياع ووعود الإبداع”

عذراً

ولكن هذا هو

 

[1] – Egypt. J. Psychiat. (1994) 17: 133-136

[2]  – لن أكتب المصلطح بالإنجليزية غالبا لا فى المتن ولا فى الهامش مكتفيا بنشر كل المتن بالإنجليزية بعد الترجمة إلى العربية.

[3]  – قمت بنقد استيراد تفاصيل قيم ما يسمى “نوعية الحياة” Quality of life ورفضت استيراد مفرداتها احتراما للاختلافات الثقافية وتمييزاً لهويتنا انظر مثلا نشرة: 13-4-2015 “ثقافتنا: وتفعيل إرادة الحياة” حركية التفاعل بين “الامتلاء” و”الامتداد”  ونشرة: 19-4-2015 “ملاحظات شخصية من واقع الممارسة والثقافة  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *