الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من حوارى مع الله، ثم مع مولانا النفرى: عن الموت

من حوارى مع الله، ثم مع مولانا النفرى: عن الموت

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء:  17-1-2017

السنة العاشرة

العدد: 3427 

من حوارى مع الله، ثم مع مولانا النفرى

عن الموت

مقدمة: بعض فضل هذا الباب

وأنا أتجرع ألم الفقد، وليس حسرة الموت، خطر لى أن أرجع إلى ما لاح لى عن هذه الخبرة الأصل فى مسيرة كل الأحياء وليس فقط البشر، ووجدت أننى حاورت الله سبحانه ثم حاورت مولانا النفرى فى بعض ذلك.

حين قرأت ما كتبته منذ سنوات استهاما مما استلهمه مولانا النفرى منه، تعجبت كيف كتبت كل ذلك بكل هذه الدقة، ثم هأنذا أعيد اكتشافه من جديد الآن، وكأننى ليس مَنْ كتبه.

الحمد لله

هو الذى علم بالقلم، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ

والله يغفر لنا ولها.

أولاً : من حوارى مع الله: نشرة: 18-2-2012 ،  من موقف “بين يديه”

وقال له (لمولانا النفـّرى):

لن تلقى فى موتك إلا مالقيته فى حيوتك.

وقال لى اعرض نفسك على لقائى كل يوم مرة أو مرتين

وألق ما بدا كله والقنى وحدك

كذا أعلّمك كيف تتأهّب للقاء الحقّ

فقلت له (لربنا):

يختفى الحد الفاصل بين الموت والحياة لمن يتدرب على التنقل بين مستويات الوعى كدحا،

من شاهد هذا، أو مارسه، أو يمارسه لا يؤجِّـل ولا يِـنـْخـَدِعْ.

 كيفما نحن: كيفما نكون: كيفما نصير.

حين لا أفصل الموت عن الحياة أتعرف على الزمن، فى حضرتك،.

“أعرض نفسى على لقائك” هو غاية ما أملك، أما أن أطمع فى لقائك فهذا أكبر من قدرتى، ومع ذلك أحاول على شرط أن أقبل ألا أنجح، فأحاول باستمرار.

كل يوم؟ مرة أو مرتين؟! ما أصعبها وأروعها!!! كل يوم؟ مرة أو مرتين؟! ما أكرمك وأرحمك.

أحاول أن أُلْـقِى ما بدا كله، فأجد أن كل ما بدا يعدنى بلقائك.

ألقاك وحدى، ليس لأنى معك بدونهم، ولكن لأنك معى نحوهم، لقاء الحق هو الهول الأكبر.

أتعلَّمه، نعم، لكننى لا أتعجّله، ولا أغامر بالقفز عليه، ولا أكف عن السعى إليه

لا أعرف معنى للخلود إلا أن أفنى متجددا فى رحابك بك.

ثانياً : من حوارى مع مولانا النفرى: نشرة: 23-2-2013 ،  من موقف “الموت”

قال مولانا النفرى أنه: 

أوقفنى فى الموت فرأيت الأعمال سيئات ورأيت الخوف يتحكم على الرجاء ورأيت الغنى قد صار ناراً ولحق بالنار ورأيت الفقر خصماً يحتج ورأيت كل شىء لا يقدر على شىء ورأيت الملك غروراً ورأيت الملكوت خداعاً، وناديت يا علم فلم يجبنى وناديت يا معرفة فلم تجبنى، ورأيت كل شىء قد أسلمنى ورأيت كل خليقة قد هرب منى وبقيت وحدى، وجاءنى العمل فرأيت فيه الوهم الخفى والخفى الغابر فما نفعنى إلا رحمة ربى، وقال لى أين علمك فرأيت النار.

وقال لى أين عملك، فرأيت النار.

وقال لى أين معرفتك، فرأيت النار.

وكشف لى عن معارفه الفردانية فخمدت النار.

فقلت لمولانا النفرى

هكذا يا مولانا كدت أرى الموت إفاقة مذهلة، لم أحتمل كل هذه الإفاقة ولم أصدق كل ما يبدو نفيا لِـمـَا كنت فيه، لما حسبت أنه كذلك، كيف يا مولانا أفيق بالموت لأرى الأعمال سيئات، وأرى الخوف يتحكم على الرجاء؟! ماذا يتبقى بعد أن أكتشف أن أعمالى سيئات وبعد أن يتراجع رجائى أمام الخوف، وأنت يا مولانا تعلم أننى لا أرجو غير وجهه؟

واردٌ أن أرى الغِـنـَى قد صار نارا وأن يلحق بالنار، أن أرى الفقر خصما ربما لأنه منعنى أن أدخل امتحان الغنى، لكن لماذا يحتج؟؟! ووارد أيضا أن أرى المُـلـْك غرورا، والملكوت خداعا، لكننى أفزع حين أنادى العلم والمعرفة فلا يجيبانى، إلا إن كان العلم زائفا والمعرفة بديلة، حين ينبهنا يا مولانا، إذْ نَبّهك، ألا ننبهر بالعلم لذاته أو نقدس المعرفة للمعرفة، نتعلم الفرق بين الوسائل والغايات، أما أن يتنكر لى كلاهما ولا يجيبانى أصلا فلماذا يا ترى؟ هل هى دعوة للمراجعة دون الإسراع بالشجب؟

ثم إنى لم أر الموت عجزا هكذا حتى أفهم كيف أن الوقفة فيه تعلن أن كل شىء لا يقدر على شىء، هل هى دعوة للجوء إلى القدرة الحقيقية القادرة على كل شىء لكل شىء؟

ليكن.. لا أستسلم عاجزا حتى بالموت، هل يكشف الموت اتكالى على خليقة من خلقه وليس عليه؟ فليهرب منى ما، ومـَـنْ يهرب، فهو التسليم دون استسلام، ولتكن وحدتى فى الموت هى بدايتى الجديدة، وعملى الخالص الآخر هو شفيعى، لكن ها هو يا مولانا ينبهك فينبهنى أنه ربما يكون هذا أيضا هو الوهم الخفى والخفى الغابر….

 ليس تماما! ليس هكذا.

كدت استسلم يا مولانا للعدمية وأنا أجهز نفسى لعذاب النار جزاء غفلتى، وإذا بالانقاذ يأتى فى الآخر وقبل الآخر.

قبل الآخر: حين نبهتَنَا أنه لم تنفعك إلا رحمة ربنا، فلتنفعنا معك،

فهو قد أراك النار، فى علمك ومعرفتك وعملك، لكنه مالبث أن طمأنك أن الرؤية هى مجرد رؤية وليست مصيراً أو ترهيبا، وأخيرا: غمرتنى الطمأنية وهو يكشف لك عن معارفه الفردانية، فخمدت النار، دون أن تقربنا، مادمنا قد أخلصنا كل ذلك له دون شريك.

كم احترت يا مولانا فى الموت وأنت تعلم كيف أعايش هذه المسألة منذ ما لا أعلم، فما أن لمحت فى فهرس كتابك “موقف الموت”، حتى أمِلت أن آنَسَ برؤيتك وما قاله لك، تصورت أننى بذلك قد طلبت العون ممن يعرف فأختصر الطريق إلى الأسهل والأقرب، لم أتوقع أن تزيد حيرتى هكذا، لكننى لم أتراجع.

بلغنى منى، غالبا منه يا مولانا، أن الموت – كما تعلم – هو نقلة من الوعى الشخصى إلى الوعى الكونى إلى وجه الله، فغمرنى نور بهيج كأنه قد كُشِف لى حق فريد، وإذا بأحد أصدقائى ينبهنى أن هذا هو ما ورد فى “متون هرمس”، (ولم أكن أعلم عنها شيئا) وأننى بذلك لم آت بجديد يذكر، مع أننى أفرح بمثل ذلك الذى يؤكد أن إعادة الاكتشاف إنما يدعم الكشف الأول، وبالعكس.

ثم فى مرحلة أخرى اعتبرت الموت يا مولانا “إعادة ولادة” نعرف عنها ما وصلنا عنها ونأمل فيها أفضل مما يلوح منها وحولها.

ثم اعتبرت الموت يا مولانا “أزمة نمو”  بمعنى أنه نقلة نوعية مثل أزمات النمو الثمانية التى وصفها العلماء أثناء رحلتنا النمائية التى لا نعرف عن أزماتها ما يكفى، اللهم إلا أزمة المراهقة وإلى درجة أقل أزمة منتصف العمر، أما أزمة الولادة كأزمة نمو، وأزمة الموت كأزمة نمو فهما أبعد عن علمنا وربما عن معرفتنا إلى أن ينكشف لنا ما تيسر من أى منها.

وكلما وصلنى تصور غامض عن الموت هكذا آمل أكثر فى غفران ربنا ورحمته، وكنت أحسب – كما قلت – حين قرأت عنوان هذا الموقف بين مواقفك يا مولانا أن الأمور سوف تتضح أكثر لكننى ترجحتُ بين رعب العدم، وشوك الندم، حتى غمرنى يقين بأن رحمة ربى ومعارفه الفردانية هى الكفيلة أن تجعل ما بدا لى عدما ليس كذلك فإنه حين يصبح أى شىء يعد بكل شىء، تحت مظلة رحمته ومعارفه الفردانية، أُصْبِحُ فى غنى عن العلم والمعرفة والملك والملكوت والغنى والفقر بما هم إلا أن يلتحم كل ذلك فى ثنايا حضوره “بلا شريك” “الآن وأبدا”.

الأمانة ثقيلة يا مولانا، ادعُ لنا، فلا منجى منه إلا إليه.

(رحمها الله، وألهمنا الصبر على الفراق)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *