الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (140) تخطيط النفسمراضية التركيبية مشاكل التطبيق وواقع الممارسة

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (140) تخطيط النفسمراضية التركيبية مشاكل التطبيق وواقع الممارسة

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 31-12-2016

السنة العاشرة

العدد:   3410

الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (140)

تخطيط النفسمراضية التركيبية

مشاكل التطبيق وواقع الممارسة

استهلال:

لا يمكن المضى قدما فى تقديم الخطوات الأساسية نحو التطبيق العملى لبعض الفروض (والحقائق) التى عرضناها فى النشرات السابقة دون الوقوف بشدة مرة أخرى للتأكيد على “رفض اختزال ما هو وعى”، والتوقف أمام تشويه المخ بالتعامل معه وكأنه قطعة دهن على منضدة التشريح، ثم “تصور العقل كما تفيدنا به المعاجم”، المسألة هى قبل ذلك، وبعد ذلك بكثير، وأنا مضطر للإعادة بكل أسف.

مرة أخرى: حين كتب دانيال دينيت كتابه “أنواع العقول” وكتب عنوانه الفرعى “نحو فهمِ للوعى” (1)، لم يقل نحو  فهم الوعى، وهذا من تواضع العلماء الفلاسفة، وهو هو الذى نبهنا إلى أن كل الأحياء لها عقول، وقد وصلنى – كما ذكرت فى نقد الكتاب فى الندوة السابق الإشارة إليها، أنه حتى فى مرحلة اللاعقول، – على حد فروضه- وصلتنى على أنها عقول أقل مما أسماه “عقول لا ترتقى إلى كونها عقول”31-12-2016

هكذا عدت أتساءل عن كيفية توصيل ما أعنيه بالمخ، والوعى، والعقل، والعلاقة بينها، فوجدت أن كل ما أريد التأكيد عليه هو التالى :

المخ (الذى يسمى أحيانا بطريقة غير علمية: العقل) هو منظومة وعى متسقة، متناغمة، فاعلة، متفاعلة، لها دورها المستقل فى مرحلة بدائية، ثم لها دورها المتناغم مع سائر مستويات الوعى (الأمخاخ) فى الأحياء الأرقى تطورا وأكثر تعقيدا.

إن لم يستقبل قارئ هذه  النشرات ما أقوله عن المخ من هذا المنطلق وبهذا التحديد، فأعتقد أنه سوف يكون أبعد عن ما أريد توصيله مما مارسته وأمارسه، ودعَّمته بالأحدث فالأحدث من كل المصادر، ثم تفجَّرَت منه الفروض التى أرجوا أن أنجح أن أقدم كيفية تطبيقها للاستفادة بأى قدر من عطائها ؟

مقدمة:

كنت قد وضعت عنوانا لهذه النشرة قبل هذا الاستهلال يقول :

التحدى والبساطة وواقع الحال

وقد انزعجت شخصيا من هذا العنوان فغيرته، ومع ذلك لم أتراجع عنه تماما، وجعلته عنوانا ثانويا لأهمية ما أريد توصيله من خلاله: وهو عنوان عجيب طبعا  يحتاج لشرح أرجو ألا أطيل فيه لأن به جرعة شخصية قد لا يحتملها الكثيرون.

أولاً: التحدى:

أما عن التحدى فموجزه يتمثل فى محاولة الرد على التساؤل الذى يقول:

ماذا بعد كل هذا التأكيد على أن المخ البشرى ليس إلا جُمَّاع حالىّ فاعلٌ نابضٌ  لكل الأمخاخ (بالمعنى السابق تعريفه فى المقدمة، وخاصة فى علاقته بالوعى)؟

ثم ماذا بعد التنبيه إلى  كون هذا المخ الجامع المجتمع يعمل بنشاط مبدع نابضٍ طول العمر عبر وحدات زمنية من أجزاء الثوانى وبالتالى فهو فى عملية حيوية بالغة  النشاط، مضروبة فى عدد هذه الوحدات الزمنية بالغة الصغر؟

أكتفى بهذين السؤالين، وأتصور أن مجرد محاولة الإجابة عليهما هو ما يمثله “التحدى” المذكور فى العنوان:

التحدى يقول:

إنه من المستحيل على الطبيب (أو غير الطبيب) أن يتصور – مجرد تصور – أن عليه أن يواكب هذه البلايين من العمليات المستمرة حتى يتمكن  من القيام بواجب مهنته بشكل عملىٍّ يومىٍّ مفيدْ.

إذن ما فائدة كل هذه المعلومات وكل هذه الفروض وكل هذا التنظير،

هذا ما سأحاول الرد عليه بقبول التحدى فى النشرات القادمة.

ثانياً: البساطة

بالله عليكم، ما هو المبرر لاستعمال هذه الكلمة الرقيقة البريئة “البساطة” فى هذا الموقف المستحيل؟ هذا أيضا ما لزم منى شرحا مناسبا يقول :

إن المطلوب ليس هو أن يستعمل الطبيب هذه المعلومات الضرورية والرائعة بشكل تطبيقى مباشر، لأنه مهما بدت معلومات وجيهة ومناسبة ، فإنه سوف يتبين أنه من المستحيل ترجمتها إلى أداء عملى محدد فى  الممارسة اليومية،

لكن الممكن  – ببساطة – ألا يبدا برفضها  لمجرد استحالة ترجمتها بنفس الآلية التى اعتاد عليها، إلى إجراءات محكمة، بتوصيات فوقية طول الوقت، إذن ماذا؟

كل المطلوب – ببساطة – هو أن نتحمل الصبر على ما وصلـَنا وعجزنا عن تصوره، مجرد تصوره، ثم  نتلفت وننظر إلى أى من مخلوقات الله حولنا ونضع احتمال أنها تتعامل بنفس الفروض والقوانين – تقريبا, إن ذلك فى رأيى جدير  بأن يوصل  للمتأمل احتمالا واضحا – وليس بالضرورة حقيقة دامغة – أن هذه الأحياء تعرف بطريقتها كل هذه المعلومات وتمارس حياتها وتستوعب برامج بقائها التى أنعم الله بها عليها ببساطة تلقائية جعلتها  تبقى وتقاوم الانقراض حتى يومنا هذا.  فلماذا نستقبل كل هذه البساطة على أنها تحدٍّ مستحيل؟

ثالثا: أما واقع الحال فيقول : إنه إذا كان الأمر كذلك فعلينا أن نقبل هذا الاحتمال الإيجابى للبقاء والاستمرار والإبداع والتطور، وأن نجد لمعلوماتنا  المتواضعة – مهما تزركشت وطَغَتْ- مكانا فى هذه المنظومة البقائية لعلنا نستطيع أن نسهم بها فيما يجرى حولنا ونحن جزء منه وبه، ربما  يستعيد الكائن البشرى بداياته فى أحسن تقويم قبل أن يختبر فينزل بها أسفل سافلين بكل هذه التدخلات المغتربة وبأقل قدر من المسئولية الجماعية.

واقع الحال يقول إننا كأطباء لسنا إلا جزء من كلِّ حياتى محيط، وما نحن أطباء ومرضى إلا وحدات فى هذا الفلك الدائر المتسق، وأن بعض هذه الوحدات تخرج عنه نشازا مختلا، فتسقط نيازك مخالفة للقوانين الأصل، فتكون مهمة الطبييب هو أن يلحق بمن لم يسقط تماما جسما باردا هامدا بعيدا عن  الفلك الدائر، لعله يستطيع أن يعيده إلى كلية اللحن الأساسى، وهذا هو ما يمكن أن يسمآ طبا وتطبيبا خاصة فى الأمراض النفسية (باستثناء ما استثنيناه من أمراض تشريحية تدميرية).

وبعد

انطلاقا من هذه الأساسيات كان لزاما علىّ أن أنزل إلى الفعل الجارى والممارسة اليومية، وأنا  أزعم أن “النفسمراضية التركيبية” تتطلب قراءة المخ (الأمخاخ) ومستويات الوعى بالطول والعرض.

وبالتالى فلا مفر من أن تختار من هذه الملايين من الاحتمالات والمعلومات والأمخاخ والثوانى والأجزاء، والفروض، ما يمكن التعامل معه بشكل مباشر ويومى، ونحن نتصور ونأمل أن ما نستطيعه، فى حدود القدرة البشرية والزمن المتاح، هو موازٍ لكل ما يحدث فى وحدات أخرى من الزمن وأبعاد أخرى من القياس

وهذا ما سوف نحاوله فى النشرات القادمة.

[1] – Towards as understanding consciousness

أنظر النشرة السابقة الأثنين 26-12-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *