الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: أحوال وأهوال (25) قصة جديدة: …ولكن نسألك اللطف فيه !!

الأربعاء الحر: أحوال وأهوال (25) قصة جديدة: …ولكن نسألك اللطف فيه !!

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 28-12-2016

السنة العاشرة

العدد:  3407

 الأربعاء الحر:

قصة جديدة

أحوال وأهوال (25)

…ولكن نسألك اللطف فيه !!

-1-

أغلق التليفزيون فجأة، وأحنى رأسه قليلا، وقال بصوت مسموع بالكاد:

 “لاحول ولا قوة إلا بالله”،

دخلتْ عليه وكأنها سمعته، وقالت فى غير لهفة:

 – إيه فيه إيه؟

قال وهو لا ينظر إليها: ولا حاجة

قالت وهى تنصرف:

– ربنا يستر

-2-

نصف ساعة، ثم عادتْ واندفعتْ إلى الحجرة بسرعة وهى تسأله:

– بتكلـِّم مين ؟

قال: زميل فى العمل

قالت: وهوّا لازم توطـِّى صوتك وانت بتكلم زملاتك فى العمل.

قال: هوّا انتى مش حاتبطلى شكّ أبدا، خليكى فى السيسى بتاعك، الفتى الأول، زين الشباب: اسم الله عليه وعلى حواليه!

قالت: بقى انا اللى باشكّ، ولاّ انت اللى بتغيرْ، حتى من السيسى نفسه!!

قال: أغير منه بتاع إيه، عينى عليه باردة، ربنا يخلي لـُه أمثالك

قالت: ربنا يخليه هوا للبلد

قال: ماشى!!  اسم النبى حارسه وضامنه

قالت: غصبن عنك

قال لنفسه بعد أن انصرفت : ولوْ …!!

-3-

فتحت البنت باب حجرة النوم، واندفعت مسرعة نحو باب الخروج وهى تلبس ملابس خروج مكسرة بغير عناية، لحقتها أمها ولكنها كانت قد افلتت منها قبل أن تسألها، رجعت الأم بسرعة إلى الأب وقالت له وهى تكاد تصيح:

 – إلحق بنتك يا سبع البيت

قال الأب: إيه؟  فيه إيه؟

قالت الأم: خرجتْ

قال الأب: ودي فيها إيه؟! هوّا ده  اللى مهيجك كده، ما هى لازم تخرج، هى ممنوعة من الخروج ولاّ إيه؟

قالت الأم: بس هى ما ردّشى عليّا  من أصله ولا قالت راحة فين

قال الأب: ما تخافيش عليها، ما هم عدّلوا قانون المظاهرات

قالت الأم: مظاهرات إيه وهباب إيه، الظاهر انت مش عارف الدنيا ماشية ازاى.

قال الأب: يمكن ما سمعتــْكـِيش

قالت الأم: وانتَ برضه ما سمعتنيش؟؟

قال الأب: هوّا انتى قلتى حاجة

قالت الأم: أبدا، أنا باكلّم نفسى

-4-

سمع نفيرا  لصفارة أو ما أشبه، نفيرا متقطعا يأتى من بعيد، كان قد نسى هذا الصوت تماما، لم يسمعه من سنين، لم يصدّق،  لكن الصوت استمر كما ألــِفــَهُ قديما وكأنه آت من التاريخ، أنصتَ جيدا فتأكد مما  سمع بلا أدنى شك، هذه صفارة إنذار بغارة جوية، قال لنفسه: هل أعـْـلـِنـَتْ الحرب العالمية فى السر؟ ثم أردف: لا بد أن احد عمال الصيانة أخطأ فى تنظيف الصفارة بعد طول عهد بعدم استعمالها

راح يقلب في قنوات التليفزيون حتى عثر على قناة الأخبار، وسمع آخر الأخبار تعلن هجوما جوّيا مفاجئا – غير مُفسّر – من دولة صديقة شقيقة، راحت المذيعة تحث الناس للنزول فورا إلى المخابئ، ما هذا؟، مخابئ ماذا، أين تلك هذه المخابئ وقد اختفت من عشرات السنين؟ ما الذى يجرى بالضبط؟ عاد إلى التليفزيون وسمع المذيع ينبه أن على الجميع أن يربطوا “أحزمة الأمان” على الأقل، تلفت حوله ليتأكد أنه لا يركب طيارة، ومع ذلك مرَّ بيده عى محبس حزامه، وتأكد من موضعه، وأحكم رباطه.

-5-

أحس بما يشبه المغص أسفل بطنه، فاندفع مسرعا إلى الحمام، وقبل أن يختفى فيه، سمع الصفارة المتقطعة مرة أخرى، تأخر فى الحمام بدون سبب ظاهر، حتى سمع صفارة الأمان المتواصلة غير المقطعة، أتـمَّ المهة أخيرا، فحمد الله وقال لنفسه: “شفيتم”

-6-

حين عاد، وجد التليفزيون ما زال مفتوحا، وهو يواصل نشرة الأخبار بلا أية إشارة إلى ما جرى، قال لنفسه: لا بد وأنهم شرحوا ما كان أثناء وجوده فى الحمام، تلفت حوله بحثا عن من يسأله ماذا قال التليفزيون فى غيابه ، أو على الأقل يتأكد من أنه سمع ما سمع، لكنه لم يجد أحدا، فتح عينيه أوسع وقال لنفسه:

– لكننى متأكد أنى متأكد

-7-

دخل الابن من الباب الخارجي بعد أن فتحه بمفتاحه، وكان يبدو عليه انزعاج بالغ من نوع آخر، فرجـّح الأب أنه سمع ما سمع، وأنها فرصة أن يجد من يتحدث معه  فيما جرى فى الخارج أثناء هذه الغارة القصيرة، سال الأب:

 – إيه يا ابنى؟  فيه  إيه؟ مالك كده ؟ هوّا إيه اللى جاري  بالظبط؟

قال الشاب: إنه سمع أن مصر بحالها حا تغرق فى سد النهضة

قال الرجل: سد إيه !!!؟ إيه التخريف ده يا حبيبى، هوّا سد النهضة هوّا  اللى حايغرّفها واللاه هيا اللى حا تغرق فيه؟  دا المصيبة إنه حايجففها مش حايغرقها، يارب نلاقى نشرب

قال الشاب: ييبقى بقى  لازم احنا نعمل حاجة

قال الوالد : مين “إحنا”  بقى اسم الله عليك ؟

قال الشاب: حضرتك، وانا ، وكل الناس، ولاّ نسيبها تغرق؟

فال الوالد : خليها على الله، وحتى لو غرقت ربنا حاينشـــِّـفها زى ما نشّف طوفان سيدنا نوح

قال الشاب: هوّا ده كل اللى عندك يا والدى؟

قال الوالد : إنت عندك حاجة تانية!!، لكن قول لى الأول : أنت سمعت من شوية صفارة الإنذار

قال الشاب: إنذار إيه يا والدى؟

قال الوالد: إنذار الغارة الجوية بتاع إغارة  الدولة الصديقة  الشقيقة

قال الشاب: مالك يا أبى؟ إيه الحكاية  بالضبط؟، حضرتك نمت كويس؟

قال الوالد: معلشى، معلشى ، مش واخد بالى

-8-

قام الرجل بعد انصراف ابنه، وفتح النافذة على آخرها، ونظر فى الشارع مليا، ولاحظ إشارات المرور الجديدة التى ملأت الشوارع مؤخرا، وكأننا أصبحنا دولة متحضرة! واستطاع أن يرى الأرقام الحمراء جيدا: 26-25-24-23- 22- 21- 20- 19……التفت بعيدا عن الشارة خشية أن تصل إلى الصفر، مع أنه يعلم أنها تخضر بعد الصفر!،

تنهـَّد تنهيدة طويلة وهو يتمتم:

“اللهم إنا  لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *