الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (119) Biorhythmic Psychiatry الفصام من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (4) “فروض تدعم بعضها بعضا” فروض جوناثان بيرنز: (2007) وفرض فاينبرج: (1982)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (119) Biorhythmic Psychiatry الفصام من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (4) “فروض تدعم بعضها بعضا” فروض جوناثان بيرنز: (2007) وفرض فاينبرج: (1982)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت : 5-11-20165-11-2016_1

السنة العاشرة

العدد: 3354 

الطبنفسى الإيقاعحيوى (119)

 Biorhythmic Psychiatry

الفصام من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (4)

“فروض تدعم بعضها بعضا”

فروض جوناثان بيرنز: (2007) وفرض فاينبرج: (1982)

مقدمة:

فجأة، – ليس فجأة تماما،  فالفضل لعمنا جوجل –  وصلنى كتاب حديث نسبيا 2007 بعنوان “جذور الجنون” وله عنوان فرعى يقول:  “الأصل التطورى للذهان والمخ الاجتماعى”

“The Descent of Madness”

Evolutionary Origins of Psychosis and the Social Brain

تأليف جوناثان بيرنز  Jonathan Burns ولم أكد أتصفحه بدءًا بالمحتويات حتى خجلت من جهلى، وحين قرأت المقدمة آنسنى المنهج ومشاركة المؤلف لى فى مأزقى بالنسبة لترجيح وضع الفروض  بدون أدلة عيانية ضد كل ما يدعو إليه ما يسمى “الطب على أساس الدليل” Evidence Based Medicine مع أننى أعلن دائما أن فروضى نابعة من الممارسة الإكلينيكية، ولم أجد عند جوناثان مثل ذلك، لكن مراجعة وتسلسل منطقه وعمقه البيولوجى والتاريخى لم تدع لى مجالا للشك فى مصداقية فروضه، مخترقا وصاية صنم منهج العلم المؤسسى الأحدث، متمسكا بالتربيط الهادف والتسلسل الغائى، وقد بلغ إعجابى بالكتاب أنه أغرانى بترجمته نظراً لما جاء فيه مرتبطا بموضوعنا الحالى، وبالرغم من أن عنوان الكتاب يتحدث عن الجنون إلا أنه ركز تماما على الفصام ممثلا لما هو جنون، بل مرادفا له تقريبا، وهذا هو هو منطلقى كما كررت مرارا.

طبعا عدلت عن  البدء فى الترجمة خاصة وقد خطر لى أن أنشر الترجمة تباعا فى النشرة من فرط إعجابى بالكتاب، فهو كتاب ضخم (275 صفحة من القطع الكبير) وقد يجرنا – كالعادة – بعيدا عن استكمال مهمتنا الحالية، وأيضا لأننى لا أحذق هذه المهمة (الترجمة) واعتبرها أصعب وأخطر مسئولية من التأليف.

أثناء قراءتى لمقدمة الكتاب، واستعراضى للفروض، تذكرت فرضا، موازيا وضعه فاينبرج سنة 1982تفسيراً لغلبة ظهور الفصام فى سن المراهقة، وقد شدنى هذا الفرض بشكل خاص حتى وددت لو نشرته فى مجلتنا الفقيرة إلى قرائها – مثل النشرة – أعنى مجلة الإنسان والتطور، (وقد كانت “تصدر فصليا بانتظام”)، وحين عرضته على زملاء التحرير آنذاك أحبه أحد الزملاء الشباب(1) ولم يكتف بالتبرع بترجمته وإنما أيضا وضع مقدمة له وكأنها تعريف بالمجلة قبل التعريف بالمقال، وحين عدت أقرأ المقدمة والمقال الآن اطمأننئت إلى أن ما نحاوله حالا هو قديم وراسخ، وأنه وصل إلى شباب جمعيتنا (جمعية الطبنفسى التطورى والعمل الجماعى) لهذه الدرجة وبهذه الصورة.

الفرض الأهم الذى وصلنى فى مقدمة هذا الكتاب لجوناثان بيرنز يقول من خلال منظوره التطورى:

 “إن الفصام هو الثمن الغالى الذى دفعه الإنسان وهو فى طريقه إلى تشكيل ما أسماه “المخ الاجتماعى” Social Brain

ويوضح المؤلف فرضه هذا بالإشارة إلى:

 “أنه بمقارنة تطور المخ البشرى بتطور المخ عند القردة العليا وما قبلها يمكن أن نفهم كيف تطورت الأمخاخ خلال البضع ملايين السنين السابقة وكيف تميز الجنس البشرى بهذه الخطوة نحو تخليق “المخ الاجتماعى”.

 وقد قدم المؤلف دلائل على تخليق هذا “المخ الاجتماعى” Social Brain عند البشر من خلال “التطور متفاوت الأزمنة” heterochrony، الذى يعنى أن المخ البشرى راح يعيش أطوارا أطول فأطول جيلا بعد جيل وهو يواصل تشكيل الترابط المتزايد بين مستويات المخ وخاصة النصفين الكرويين.

وهو يفترض أيضا أنه فى الفصام تطول مدة هذه المراحل المتعاقبة أكثر من اللازم مقارنة بالشخص العادى، وبالتالى فإن نفس الأسلوب التى ينمو به المخ لتكوين المخ الاجتماعى هو هو ما يحدث عند الفصامى، إلا أن الفصام يحدث حين تتجاوز محاولات التشكيل كفاءة التربيط وطبيعة التشكيل النيورونى حدود السواء فالتطور،  وبدلا من تحقيق متطلبات تخليق المخ الاجتماعى، يزداد التداخل والتكثيف بدلا من التشكيل والتخليق الإبداعى، ومن ثم: يحدث الفصام، وينتهى المؤلف إلى أن الفصام هو الثمن الباهظ الذى دفعه الإنسان لتشكيل ما هو المخ الاجتماعى، وأن مزية تحسين القدرة على التكيف الاجتماعى من خلال تطوير التشابك النيورونى إذا ما تجاوزت حدود توظيف ذلك للتواصل والتثكيف العلاقاتى فإنها تنقلب إلى تشابك مفرط غير منظم بين النيورونات، فيتخلق الفصام على حساب عجز تخليق المخ الاجتماعى.

فأتذكر بوضوح فرضا قديما فى نفس الاتجاه وهو فرض فاينبرج الذى نشرناه بالتفصيل فى العدد الثالث والعشرين من “مجلة الإنسان والتطور” عدد يوليو سنة 1985والذى يشير إلى:

 “أن الفصام إنما ينتج فى فترة المراهقة بالذات لأنه نتيجة العجز عن تشذيب المشتبكات العصبية واختصارها فى هذه الفترة إلى شكل مفيد وهادف مما يحقق احتياجات الفرد فى عالم الواقع”(2)

وبعد

جوناثان بيرنز لم يشر إلى العجز عن التشذيب لكنه أشار إلى فرط التداخل النيورونى، وهو ما وصلنى أنه يقابل العجز عن التشذيب.

كما أن فرض فاينبرج كان مرتبطا بتاريخ الفرد (الأنتوجينيا) دون الإشارة إلى تاريخ النوع (الفيلوجينيا) فى حين أن جوناثان بيرنز أرجع هذا التداخل العشوائى إلى خلل فى ضبط جرعة التداخل للتشكيل النيورونى المتعاقب جيلا بعد جيل (وربما نوعا بعد نوع!!) عبر تاريخ التطور.

وقد ربط جوناثان أيضا بين عملية تطور التداخل التشكيلى الفائق بين مستويات المخ لتخليق المخ الاجتماعى إبداعا تطوريا وبين احتمال تجاوزها حدودها حتى المرض (الفصام) وهذا هو ما  يقابل الفروض التى قدمناها سابقا عن علاقة بدايات التفكيك والتكثيف فى الإبداع، وبدايات الفصام مع اختلاف المآل: الأولى إلى الإبداع، والثانية إلى التفسخ فالتناثر فالاندمال، إذا ما زادت عن الحد فانقلب الإبداع الواعد إلى الإبداع المُجهض وهو الفصام، أنظر: (نشرة: 20/2/2016)(نشرة 9/10/2016) .

وأخيرا، فجدير بالملاحظة أيضا أن كل هذه الفروض ليس لها علاقة مباشرة بالإيقاعحيوى، ومع ذلك فإنها الأساس الذى تطورت منها فروضى التى جعلت كل هذا التاريخ حاضرا فى “هنا والآن” باستمرار: سواء فى النفسمراضية أو فى العلاج (كما ورد وسيرد تفصيلا).

……………..

أكتفى اليوم بهذه المقدمة لنواصل غدًا وكذا بعد غد نشر تقديم التاريخ السابق تأكيدا لما بدأنا به منذ عشر سنوات وهو أن هذه النشرة ليست إلا امتداد لتلك المجلة الأم، وندعو الله ألا تلقى نفس المصير وتتوقف.

غدًا نقدم التقديم

وبعد غدً نقدم نص مقال فاينبرج مترجما.

[1]  – وهو ابنى، وقد كان معيدا أيامها فى كلية الآداب، ثم تركها مدرسا وفضّل أن يواصل ما كتبه فى هذا المقال ليكمل حرًّا هذا الطريق، (وسوف ننشر نصّ تقديمه، ثم ترجمته للمقال كله غدًا ثم بعد غد).

[2] – كما سنرى التفصيل فى النص غدًا وبعد غد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *