الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (117) : الفصام

الطبنفسى الإيقاعحيوى (117) : الفصام

نشرة “الإنسان والتطور”

29-10-2016_1السبت : 29-10-2016

السنة العاشرة

العدد: 3348 


الطبنفسى الإيقاعحيوى 
(117)

 Biorhythmic Psychiatry

الفصام

مغارة الضياع، ووعود الإبداع

مقدمة:

انتهت نشرة السبت الماضى بوعد أن أبدأ من اليوم فى “توصيف الأمراض من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى، بدءًا  بالفصام، وأظن أن هذه ورطة رائعة، وإن كانت قد تأخرتْ طويلا.

29-10-2016_2بدأتُ اليوم فى إعداد عناصر وترتيب كيف سأتناول هذه المهمة الجديدة/القديمة ، فرُحت أقلب فى أوراقى التى نشرت أولا، سواء ورقيا أو إلكترونيا، ثم فى أوراقى ووثائقى التى لم تنشر، ثم فى الحالات التى سجـَّلتها أثناء تدريسى لأكثر من نصف قرن (من 1961 حتى تاريخه) ، وكثير منها (خاصة فى الثلاثين سنة الأخيرة) مسجل بالصوت والصورة بما فى ذلك شرحى لها وتعقيبى عليها، وفزِعتُ بقدر ما فرحت،  فرحت بهذا الكم الهائل من المادة المتاحة للدراسة ودعم الفروض، وفزعت  لنفس السبب إذ ما هى مسئوليتى شخصيا عن رعاية وتفريغ وتحرير كل هذه المادة المتاحة الجاهزة لتدعيم ما رأيته وأراه عن التخصص الذى امتُحِنـْتُ بحمل أمانته، ماذأ أنتقى، وعلى أى أساس؟ ومن يحتمل، ومن أخاطِب، وكم عدد المتابعين لى، لم أعد أجرؤ على ذكر أرقامهم أو تخمينها، ليس خجلا أو أسفا، لكن واقعا واحتراما، مع أننى أنبه طلبتى الأطباء الأصغر فالأصغر حين أدرس لهم أن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبنا على ما عرفنا، وأيضا على ما لم نعرف، ما دامت قد أتيحت لنا الفرصة لمعرفته.

بالنسبة لموضوع اليوم (الذى قد يطول ربما لأكثر من عام، إن كان فى العمر بقية) (1) فهو محور كل تفكيرى، بل هو مفتاح كل تنظيرى، بل هو بداية موقفى النقدى فى الطب النفسى عموما، وقد تذكرت أن أول مقال نشر لى ، وأنا بعدُ طبيبا مقيما فى قسم الطب النفسى فى كلية الطب قصر العينى، فى مجلة الصحة النفسية التى كانت تصدرها الجمعية المصرية للطب النفسى، كان بعنون “الفصام فى الحياة العامة”، وكان حوالى سنة 1960، وكنت أزعم فيه أن من نراهم فى العيادة النفسية ونصنفهم تحت “اسم الفصام” أراهم هم أنفسهم فى الحياة العامة، دون تشخصيص أو وصاية، ولم أكن قد بدأ انشغالى بالحيرة فى توصيف مـاهية الصحة النفسية الأمر الذى تطـور معى بعـد ذلك على مراحل متعاقبة ونشرته تباعا، وكتبت عنه هنا فى النشرات تفصيلا.  (نشرة 2-11-2010 الصحة النفسية (2) “نقد مراحل تطور فكر المؤلف عن الصحة النفسية”) (2)

اليوم: لم أكتف بالرجوع إلى أعمالى وتسجيلاتى عن الفصام كما ذكرت ، وخاصة أننى سوف أبدأـ فى التشكيك فى موضوعية وأحقية وجود مرض بهذا الاسم أصلا، ولكننى رحت أبحث عن من يدعمنى فى هذه البداية ، وانتبهت أن علىَّ أن  أحذِّر من سوء فهم كم تعرض له فكرى فى هذا السياق بغير وجه حق، وفيما يلي إشارة إلى ذلك:

كلما انتقدت سوء استعمال لفظ “الفصام”، واختزال أخطر وأعقد مشاكل الطب النفسى فى هذا اللفظ الذى لم نتفق – برغم كل محاولات التقسيم والتصنيف- على مصداقية مضمون “ما يعنى”، validity، بالرغم من اتفاق معظم المصنفين على “ثبات اتفاق من يستعملونه فى وصف ما اتفقوا عليه  Reliabilityـ أقول إن هذا المأخذ الذى يؤخذ على التصنيفات الأحدث حتى التصنيف الأمريكى الخامس، إنما  يضمن الثبات، ولا يضمن المصداقية، وهو أمر ينطبق أكثر ما ينطبق على الفصام، أقول إننى كلما قدمت لكلامى عن الفصام بمثل هذا النقد، صنفونى ضمن المدرسة المناهضة للطب النفسى  antipsychiatry، وهى مدرسة ظهرت فى أوائل الخمسينات واستشرت حتى منتصف السبعينات أو بعدها، وكانت تمثل ثورة جامحة لها علاقة بالمآسى التى عانتها أوربا والعالم من الحرب العالمية الثانية، وقد كتبت عن هذه المدرسة، واحترمت أسباب وظروف ظهورها واستمرارها بعض الوقت، إلا أننى حذرت منها تحذيرا صريحا لا شبهة فيه،  ففضلا عن انفصالها تماما عن الممارسة المسئولة ورصد النتائج السلبية  لدعوتها، وفضلا عن شجبها لمعظم أو كل أنواع العلاجات الضرورية والمنقذة للمرضى النفسيين كافة، فإنها تمادت فى اتجاه تجريدى أحيانا، تنظيرى كثيرا، واستـُدْرِجَت إلى توجُّه سياسى غالبا،  فابتعدت عن حقيقة مأساة المرض، ومسئولية التطبيب، والمشى على الصراط للخروج بالمريض إلى الفاعلية والتكيف، وليس إلى مثالية  زائفة، أو ثورة مجهضة.

ما يهمنى فى هذه المقدمة هو التحذير من تعميم نقد استعمال لفظ أو مفهوم الفصام (أو الشيزوفرينيا) لأن هذا لا يعنى التهوين من موقعه، أو الاستهانة فى استعماله، ولا يوجد عندى مرحليا لفظ بديل، بل إننى أحترم هذا المرض باعتباره مفتاحا لفهم، ليس فقط سائر الأمراض النفسية، وإنما معظم الظاهرة البشرية بما فى ذلك الإبداع كما بينت فى كثير من النشرات، والمحاضرات، والندوات طول الوقت. (أنظر الشكل)

هذا فضلا عن تكرار عرض العلاقة بين الاضطراب الجوهرى للتفكير وبين الإبداع: مثلا:

(نشرة : 10-2- 2014 “الاضطراب الجوهرى لعملية التفكير وعلاقته بعملية الإبداع”)

29-10-2016_3

 

وأيضا فإن كل النشرات التى تكلمت عن “حالات الوجود المتبادلة” (الخمس) (نشرة 25/6/2016) (نشرة 26/6/2016) كانت متضمنة فروضا تشير إلى أهمية التفكيك الصحى فى الحلم وبداية الإبداع، وكيف طور أمر أقرب إلى بداية حركية عملية الفصام، ومنه سوف ننتطلق إلى إيجابيات علاجه من هذا المنطلق  باعتبار التفكك الدورى الإيقاعحيوى مكافئ للتفكك الفصامى مع اختلاف المسار والمآل (ونحن وشطارتنا) من (نشرة:2/11/2015) إلى (نشرة 2/2/2016)

وأكتفى  اليوم بعرض بعض الشائع – خطأ – عن استعمال لفظ الفصام

الفصام ليس ازدواج الشخصية (يبدو الشخص شخصين بالتبادل فى أوقات مختلفة)

الفصام ليس تعدد الشخصية (يبدو أكثر من شخصين بالتبادل أيضا)

الفصام ليس مرادفا للجنون دون تمييز

 الفصام ليس نتيجة تغير كيميائى محدد (مع أنه يوجد تغير كيميائى مع ظهوره)

الفصام ليس سبّة سياسية نصف بها الطغاة القتلة، أو الحكام الأوغاد

الفصام ليس مرضا وراثيا بشكل محدد أو مباشر

الفصام ليس مرضا بلا علاج

الفصام ليس تخلفا ذهنيا (نقص فى الذكاء)

وبعد

الفصام هو مرض الأمراض (أو المرض الأم)

  فى فروضى عن الوحدة والتعدد فى الأمراض النفسية ، وهى متاحة أكثر فى صورة شرائح باور بوينت لأننى ألقيتها مرارا فى ندوات متكررة مثلا: (ندوة سبتمبر 2009 “هل يوجد – موضوعيا – شىء اسمه ”الفصام“ أصلا“( بينت كيف أن هذه الوحدة تنبع من فكرة أساسية تبدأ بفهم ماهية الفصام، وكيف أن كل الأمراض ‏ ‏من‏ ‏أول‏ ‏العصاب‏ ‏وإضطرابات‏ ‏الشخصية‏ ‏حتى ‏الإكتئاب‏ ‏والهوس‏ ‏والبارانويا، ‏ ‏ليست إلا دفاعات (مرضية) فى محاولة الحيلولة دون التفسخ الفصامى أى أن الأمراض الأخرى ليست إلا دفاعات ‏ضد‏  مسار ‏الفصام ومآله الصلبى الخطير

بل إن الإبداع ، بل إن كثيراً من إيجابيات الحياة العادية سوف نرى انها دفاعات ناجحة ضد تمادى الفصام، وبالتالى يمكن أن يعتبر التهديد بالفصام حفز إلى الحياة

وأكتفى اليوم بالانتهاء بهذا الشكل أيضا لمزيد من التوضيح حتى نعود إليه.

29-10-2016_4

 

[1] – فبعد أيام سوف أدخل عامى الرابع والثمانين، ولا أعرف من يمكن أن يتولى ما أستطيعه الآن بعدى، وما يطمئننى هو أن الله لن يحاسبنى إلا على الثوانى الخاصة بى شخصيا، “وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى”، والحمد له من قبل ومن بعد.

[2] – وأيضا نشرة 26-10-2010 الصحة النفسية (1) “بين سجن الأيديولوجيا وحركية الإبداع”)

   – نشرة 30-11-2010 الصحة النفسية (8) “تصحيح الفرض الأساسى وتحديد المعالم”)

  – نشرة 14-12-2010 الصحة النفسية (12) “فروق ثقافية، وإشكالات لغوية”)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *