الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (111) Biorhythmic Psychiatry (وتأجلت المقابلة الإكلينيكية) (!!) الطبنفسى الإيقاعحيوى والإدمان

الطبنفسى الإيقاعحيوى (111) Biorhythmic Psychiatry (وتأجلت المقابلة الإكلينيكية) (!!) الطبنفسى الإيقاعحيوى والإدمان

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 15-10-2016

السنة العاشرة

العدد: 3332 

الطبنفسى الإيقاعحيوى (111)

 Biorhythmic Psychiatry

(وتأجلت المقابلة الإكلينيكية) (!!)

الطبنفسى الإيقاعحيوى والإدمان

 مقدمة

مع التمادى فى الكشف عن مزيد من معالم الإدمان، أعتذر مؤقتا عن عدم مواصلة ربط ذلك بالمقابلة الإكلينيكية، (مع الوعد طبعا بإعادة التنسيق والتبويب فى مرحلة النشر الورقي) كما أعتقد أن ما خطر لى عن ثقافة الإدمان وعلاقتها بالثقافة العامة المعاصرة له فى مجتمع بذاته، هى مناسبة جيدة لتوضيح ما يميز الطبفنسى الإيقاعحيوى بوجه خاص فى تناول الثقافة مندمجة مع الأسباب، من حيث – كما ذكرنا الاثنين الماضى – أن السبب المحدد يبرز فى ثقافة بذاتها، كما جاء نصًّا:

تماما مثل نوع الزرع الذى ينبت فى أرض بذاتها قادره على إنباته، وإكمالا للقياس فإنه يمكن استنبات “شتلات” نبات معين فى مشتل أو صوبه، ثم ننقله إلى الأرض المناسبة،  كذلك  يمكن أن يوجد سبب للإدمان بعيدا عن ثقافة الإدمان، لكن شتلة الإدمان تترعرع وتستمر وتفرِّع أكثر فى أرض ثقافة الإدمان.

كما جاء فى نشرة الأثنين أيضا ما يلى:

“..  والعلاقة بين الثقافة العامة والثقافة الخاصة علاقة مهمة، فثقافة الإدمان هى جزء من الثقافات العامة السائدة فى مجتمع ما فى وقت بذاته، بل إننى تعلمت منها ما أوْضَحَ لى بعض ملامح ما ساد فى مجتمعنا بصفة عامة فى الفترة الأخيرة..”.

وقد وجدت اليوم، بعد أن سمحت لنفسى بالتمادى فى عرض الطبنفسى الإيقاعحيوى من منطلق الإدمان أولا،  أنه قد يكون من المناسب أن أستغل تناولى لبعض جوانب الإدمان فى توضيح بعض الفروق بين الطب النفسى التقليدى، والطبنفسى الإيقاعحيوى لهذه الظاهرة كمثال، مع الأخذ فى الاعتبار كلا مما يلى :

1- ما زال هناك جدل حول اعتبار الإدمان مرضا نفسيا صرفا مثله مثل الاكتئاب والفصام مثلا، لأن البعض يعتبره أقرب إلى الانحراف السلوكى الكارثى فقط

2- علاقة الإدمان بمجموع ما يسمى “اضطرابات الشخصية” هى أوثق من علاقته بالأمراض النفسية الأخرى، وطبعا أبعد بالذات عن الامراض النفسية العضوية التشريحية

3-  علاقة الإدمان بما يسمى العادية (الشخص العادى) تكاد تكون أقرب من علاقته بما يسمى “المرض النفسى”، أما علاقته “بفرط العادية” فهى تندرج تحت علاقته باضطراب الشخصية حيث فرط العادية هى كذلك

4-  أسباب الإدمان أكثر عمومية من أسباب المرض النفسى، وهى أقرب إلى أن تكون  أمراضا ثقافية اجتماعية منها إلى اضطرابات جينية بيوكميائية سريرية، وخاصة ارتباط الإدمان بالوراثة الاجتماعية (الميمية ، من الميم)، أكثر من ارتباطه بالوراثة الجينية.

والميم ( (memeبالإنجليزية (وليس له ترجمة عربية فتم تعريب اللفظ) هو لفظ أحدثه عام  1976  البيولوجى  ريتشارد داوكنز، ويشير هذا المصطلح إلى “وحدة المعلومات الثقافية” التي يمكن نقلها من عقل لآخر بطريقة مشابهة لانتقال الجينات من فرد لآخر خلال عملية التكاثر حيث تعتبر الجينات وحدة المعلومات الوراثية(1)،

 وأخيرا الوراثة ويمكن تفسير وتوقع نجاح تكرارية هذه الأفكار وانتشارها وتطورها. يمكن لفكرة أو ظاهرة أن تنقرض في حين أن أفكارا أخرى يمكن لها أن تنجو وتحيا وتنتشر وتطفر نحو الأفضل أو نحو الأسوء من خلال ما يطرأ عليها من تعديلات، وهذا يضاعف من مسئولية كل النشاطات التربيوية والثقافية والطبية ،بما فى ذلك الطبنفسى، والطبنفسى الإيقاعحيوى حيث تمتد مسئوليته إلى التأثير فى المجتمع وتطوره ككل.

5-  شفرة الإدمان كلغة (وهذا هو ما يميز الطب النفسى الإيقاعحيوى- التطورى) أسهل فى القراءة من كل من العصاب والذهان بصفة عامة

6-  يمكن من خلال قراءة ثقافة الإدمان فى مجتمع ما، استقراء بعض معالم الثقافة العامة فى هذا المجتمع فى فترة زمنية بذاتها، وهذا ليس متاحا بنفس الجاهزية من خلال فك شفرة  الأمراض النفسية التقليدية الذى يرتبط أكثر بالأسباب الذاتية للفرد المريض.

7-  علاج الإدمان يعتمد أساسا على ما يوصى به الطبنفسى الإيقاعحيوى عموما، وهو أننا بعد تفهمنا لما يقوله المدمن بإدمانه، وبعد ترجمته إما إلى تنشيط دفاعات بقائية بشكل مفرط، وإما إلى احتمال تعبيره عن ثورة مجهضة، أو احتجاج على جمود جاثم، أو استهواء نحو ثقافة اعتمادية استسهالية، (أنظر بعد) تكون مهمتنا احترام أصل حقه فى أىٍّ من ذلك ونحن نبحث معه عن لغة أسلم يعلن بها ما يريد، أى عن طريق يحقق به ما يرجو، بمنهج أسلم، وإيجابية مسئولة عن مساره ومجتمعه جمعيا (وهذا أيضا من المبادئ الأساسية للطبنفسي الإيقاعحيوى التطورى).

وبعد

سوف أكتفى اليوم بعرض عناصر محتويات ما يمكن أن يساعدنا فى التعرف على طبيعة الطبنفسى الإيقاعحيوى، من هذا المدخل الأقرب إلى “العادية”، و”الغائية” فى نفس الوقت، وذلك تحت العناوين التالية التى أرجوا أن أوفى بعرضها فى النشرات القادمة :

بعض العوامل (والأسباب) التى يمكن أن تساعدنا فى قراءة ظاهرة الإدمان،

(مع السماح ببعض التكرار والتداخل، وأيضا التجاوز عن التفرقة الحاسمة بين الأسباب والخلفية الثقافية)

1- العوامل الثقافية العامة (ربما العالمية )

i. سيطرة المخ المنطقى اللفظى الأحدث

ii. التحوصل العام حول الذات الفردية، (وعملقة الذات نرجسيا أو شيزيديا)

iii. ضعف فاعلية الإيقاعحيوى الخلاق

iv. فرط الدعاية لمجتمع الرفاهية

v. التمادى فى الاغتراب المُمـَـيْـكن

vi. ضعف الحوار الحقيقى => الضيق بالاختلاف

2- العوامل الثقافية الخاصة بمجتمعاتنا العربية،( بالإضافة إلى ما جاء فى :I )

i. جمود حركية الزمن

ii. هلامية الأداء اليومى

iii. الانبهار بالشعارات المستوردة

iv. فقر الخيال

v. إجهاض فاعلية الإيقاعحيوى أولا بأول بالسلطات الفوقية

vi. غلبة التكاثر تضم قِيَم (الحياة الكـمـِّية )

vii. التعصب المصاحَب بالكذب بإنكاره

viii. التأجيل المتكرر، فالمستمر

ix. ثقافة الكسل والترييح

x. الاعتمادية (على كل مستوياتها حتى الرضيعية)

3- العوامل الشخصية الذاتية 

i. الفقر المُذِل

ii. الغنى الفاحش

iii. اهتزاز الوالدية (أو غيبتها)

iv. الافتقار إلى القدوة

v. القهر الفردى الأعمى

vi. الحرية غير المنضبطة

vii. الميمات الإدمانية (أنظر قبلا)

viii. غلبة القيم السلبية الجديدة (الفخربالغش، مشروعية المحسوبية.إلخ)

ix. تضارب الرسائل التربوية من سلطات متعارضة متضاربة

4- العوامل الثقافية النفسمراضية (السيكوباثولوجية) المـُحدِثـَة

i. التهديد بنقلة نمائية دون استعداد لها

ii. فرط الدراية بأزمة مفترقية متمادية

iii. إجهاض التمادى تفكيكا إلى ما هو أخطر (مثل التفسخ)

iv. النكوص إلى أطوار لذية (حتى الاعتمدية الرضيعية)

v. الافتفار إلى الاعتراف والرؤية خاصة من الأقرب فالأقرب

vi. اللجوء إلى إبداع مزيف افتقارا إلى فرص إبداع حقيقى

وبعد

أشعر بأن علىَّ أن أتقدم باعتذار واضح ، مرة أخرى للتداخل والتكرار، وأيضا لأن أغلب هذه العوامل ليست خاصة بثقافة أو أسباب ظاهرة الإدمان، وقد نعود إليها تفصيلا وإنما هى يمكن أن تكون موجودة خلف أى ظاهرة سلبية مرضية أو اجتماعية أو حتى اقتصادية أو سياسية، وبرغم ذلك فإننى آمل أن اشرح فى النشرات القادمة كيف أن نفس الثقافة يمكن أن تفرز مرضا شخصيا، أو انحرافا إدمانيا، أو انهيارا اجتماعيا، أو نكسة حضارية، ولا أظن أنه بإمكانى الآن أن أميز بين المسارات المختلفة، الذى أعجز أن أحدده فى هذه النشرة الفهرس،

وأكتفى بأن أختم ببعض الخطوط العريضة التى يتناول بها الطبنفسى الإيقاعحيوى ظاهرة الإدمان مقارنة بالطب النفسى التقليدى

وهذا ما سوف أحاول أن أوجزه فى جدول مؤقت إلى أن أعود لتناول بعض محتواه تفصيلا:

الطب النفسى التقليدى

الطب النفسى الإيقاعحيوى

– يتعامل مع الإدمان على أنه ظاهرة انحراف سلوكى أو مرضى – يتعامل مع الإدمان على أنه إحدى نتائج الافتقار إلى كفاءة الحركية الإبداعية للإيقاعحيوى إما بالتسكين أو الإجهاض أو التزييف، وأنه وسيلة مفتعلة لتحريك أو تخميد الوعى الساكن، أو الثائر متعدد الإجهاض، قسراً بالمواد الإدمانية إما لتحريك وعى خامد (وهو ما اسميته “ملعقة” كيميائية) وإما بتحجيم وعى محيط هائج وهو ما اسميته (“طاسة” كيميائية).
–   ينظر للإدمان على أنه مجرد خروج عن السواء وينبغى تعديله – يعتبر الإدمان إبداع زائف، وإجهاض مبتسر لحركية إبداع إيقاعى محتمل، يحتاج احتواء لإعادة التشكيل.
– يهتم بالأسباب أكثر – يهتم بالأرضية الثقافية أكثر
– يهتم برصد ما أحدثته الأسباب من سلبيات ومضاعفات وأعراض – يهتم برصد الإمراضية الدالة على التركيب الآنى الذى آل إليه المدمن، وما حققه له الإدمان ، ومايعد به، وكيف يمكن إعادة تشكيله. 
– معرفة الأسباب لها أهمية أكثر فى الوقاية – معرفة الخلفية الثقافية لها أهمية أكثر فى العلاج ومنع النكسة
– التركيز على الأسباب يفتح الباب لميكانزمات وضع اللوم(2) والتبرير(3)  – التركيز على الخلفية الثقافية يسمح بفهم أعمق للتركيبة الممتدة فى الوعى الجمعى، ومن ثم “المواجهة” و”المسئولية” معا بحثا عن تحقيق الهدف إن كان مشروعا (مثل الاحتجاج أو الثورة) بأسلوب صحى مناسب
– يغفل نسبيا أن إزالة الأسباب المهِّيَئْة، (وأحيانا المرَسَبَةْ) من أحداث الماضى، يكاد يكون مستحيلا، ومع ذلك يفرط فى الاهتمام بها مع أن كل الممكن هو تفريغ الشحنة السلبية المتبقية نتيجة كنوع من التسكين – يهتم أكثر – وأحيانا تماما- بالأسباب المديمة Perpetuating ، ويعمل على إيقافها ما أمكن ذلك، أو مواجهتها وكشفها وقبول تحدياتها، ثم يمضى إلى “إذن ماذا؟” بدلا من “لماذا؟”
– عادة يلجأ إلى تخفيف أثر الاسباب بإعطاء بعض العقاقير أو المضادات لما أحدثته من أعراض – يحترم الأسباب الماضية مع تجنب الانسحاب إليها، ويتقدم إلى تخطيط بداية حالية مسئولة ، قبل ومع استعمال المساعادات الفيزيائية والدوائية والتأهيلية الممكنة

وغدًا قد نحاول دراسة بعض الأسباب بشىء من التفصيل

[1] – والميم كما يقول ينتشر ويمتد كوحدة للتطور وبعض النظريات والأفكار تقترح أن الميمات تتطور من خلال اصطفاء طبيعي بطريقة مشابهة لأفكار تشارلز داروين فيما يخص التطور البيولوجي باعتماد أفكار مثل التنوع، الطفرة، والتنافس.

[2] – Putting the blame

[3] – Rationalization

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *