الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (109) Biorhythmic Psychiatry مازالنا فى المقابلة الإكلينيكية (42) ثقافة الإدمان (1)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (109) Biorhythmic Psychiatry مازالنا فى المقابلة الإكلينيكية (42) ثقافة الإدمان (1)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد9-10-2016

السنة العاشرة

العدد: 3327

الطبنفسى الإيقاعحيوى (109)

 Biorhythmic Psychiatry

مازالنا فى المقابلة الإكلينيكية (42)

ثقافة الإدمان (1)

مقدمة:  (عن معنى الثقافة)

أنهيت حلقة الإثنين الماضى بوعد بتناول ثقافة الإدمان، وأيضا الإدمان كدين معاصر فى النشرة التالية التى هى نشرة اليوم، وهأنذا أحاول:

كلمة “ثقافة” برغم شيوعها، هى ليست كلمة متفق عليها عند الجميع، والأكثر غموضا وخلطا هى كلمة “مثقف”، وبرغم تناولى لهذا الموضوع من قبل فى مواقع كثيرة، إلا أننى أجد لزاما أن أبدا بنبذة عنه قبل أن أتطرق إلىثقافة الإدمان

ماذا‏ ‏نقصد‏ ‏بكلمتى‏ “‏الثقافة‏”‏ و “المثقف“؟ ‏وهل‏ ‏المجلس‏ ‏الأعلى ‏للثقافة‏ (‏مثلا‏) ‏هو مجلس‏ ‏مثقفين‏ (‏بتشديد‏ ‏القاف‏ ‏وفتحها‏) ‏أم‏ ‏هو‏ ‏مجلس‏ ‏مثقـِّفين‏ (‏بتشديد‏ ‏القاف‏ ‏وكسرها‏)؟‏ ‏وهل‏ ‏استعمال‏ ‏كلمة‏ ‏ثقافة‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏تشير إليه  ‏كلمة‏ استعمال “‏مثقف‏”؟ ‏أم‏ ‏أن‏ ‏الاختلاف‏ ‏قائم‏ ‏حسب‏ ‏السياق وبناء الكلمة؟ ولماذا تترادف كثيرا – عند الخاصة وأكثر عند العامة-  كلمات ليست مترادفة مثل:  المثقفون والتنويريون والمبدعون والعقلانيون وأحيانا المتفلسفون، ونادرا الفلاسفة؟

9-10-2016_1

المسألة قديمة حديثة، ثمَّ كتابٌ صغير، نال من الشجب والرفض بقدر ما نال من الترحيب والتقريظ، هذا الكتاب تناول هذه المسألة بإفاضة، كتبه ت.س.إليوت بعنوان “ملاحظات نحو تعريف الثقافة”، ترجمة د. شكرى عياد (1) أشار فيه إلى عمق غور ما هو ثقافة فى التركيب البشرى والمجتمعى وعلاقة ذلك بالدين عامة، والدين الشعبى خاصة، وقد حضرنى هذا الربط أيضا وأنا أتكلم عن ثفاقة الإدمان وعن الإدمان كدين معاصر نبه إليوت أيضا إلى أن الثقافة هى ما يتبقى فى الوعى بعد نسيان ما تعلمناه،

هذا المعنى هو الأقرب لما أستعمله هنا، ومع ذلك فثم تطور جيد فى استعمال كلمة “ثقافة” كالتالى:

أصل‏ ‏الكلمة‏ ‏العربية‏ “‏ثقف‏”، ‏لا‏ ‏يفيد‏ ‏كل‏ ‏الاستعمالات‏ ‏الأحدث‏ ‏لتشكيلاتها‏. “‏ثـقف‏”: (‏تعني‏) “‏صار‏ ‏حاذقا‏ ‏فطِنا‏،” ‏و‏”‏ثقف‏” ‏الشيء‏ ‏ظفر‏ ‏به‏ (‏واقتلوهم‏ ‏حيث‏ ‏ثقفتموهم‏) ‏أما‏ “‏الثقافة‏” ‏بمعني‏: ‏العلوم‏ ‏والمعارف‏ ‏والفنون‏ ‏التى ‏يـطلب‏ ‏فيها‏ ‏الحذق،‏ ‏فهى ‏مـحدثة‏ (‏الوسيط‏). ‏

ومع ذلك فالاستعمال المحدث هذا هو الذى غلب مؤخرا، فحرم الكلمة من حضورها فى جذور تبادل الوعى واتساعه،

الكلمة‏ ‏المقابلة‏ ‏بالإنجليزية‏ (‏وبالفرنسية‏) Culture ‏تحمل‏ ‏نفس‏ ‏الإشكال ‏تقريبا‏، ‏فهى ‏من‏ ‏ناحية‏ (1)تعنى ‏هذا‏ ‏النشاط‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏صفوة‏ ‏من‏ ‏الذهنيين‏ ‏المتميزين‏ ‏الحاذقين‏ ‏المبدعين‏، ‏ومن‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى:‏ (2) ‏تشير‏ ‏إلى ‏صفات‏ ‏مشتملة‏ ‏لمجموعة‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏تجمعهم‏ ‏لغة‏ ‏واحدة‏ ‏ويحيط‏ ‏بهم‏ ‏وسط‏ ‏اجتماعى ‏وبيئى ‏معين‏.

9-10-2016_2

‏وقد‏ ‏شاع‏ ‏استعمال‏ ‏لفظ‏”‏الثقافة‏” ‏فى ‏العربية‏ ‏بالمعنى ‏الأول‏ (‏الصفوة‏ ‏الحاذقة‏ ‏الماهرة‏ ‏المبدعة‏) ‏ثم‏ ‏امتد‏ ‏استعماله‏ ‏إلى ‏المعنى ‏الثانى (‏الوعى ‏المحيط‏ ‏المميز‏ ‏لمجموعة‏ ‏من‏ ‏البشر‏)‏، وهذا المعنى الأخير هو الذى يستعمل حين نتحدث عن: ‏ “‏ثقافة‏ ‏العولمة‏” ‏أو‏ “‏ثقافة‏ ‏المعلوماتية‏” ‏وأيضا ‏‏”‏ثقافة‏ ‏الإنترنت” و”ثقافة الميكروباس؟” و”ثقافة الخليج”  وأخيرا ‏”‏: “ثقافة الإدمان”!!

إذن  الثقافة‏ ‏فى واقع نبض الجماعة (الخاصة فالعامة)‏‏ ‏هى ‏جُماع‏ ‏وعى ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الناس‏ ‏فى ‏بقعة‏ ‏جغراية‏ ‏معينة‏، ‏فى ‏فترة‏ ‏تاريخية‏ ‏بذاتها‏، ‏وجُماع‏ ‏الوعى ‏هذا‏ ‏يشمل‏ ‏اللغة، ‏والعادات،‏ ونوع التدين، ‏والأعراف،‏ ‏والتقاليد، ‏والقيم‏ ‏، ‏كما يشمل غلبة‏ ‏أنواع‏ ‏بذاتها‏ ‏من‏ ‏نشاطات‏ ‏ملء‏ ‏الوقت‏ ‏وتوجُّهات‏ ‏الإنجاز‏.

وحين نقبل هذا التعريف يصبح تناول الإدمان من خلال التعرف على ماهية ثقافة الإدمان أقرب إلى روح ما يحاول أن يقدمه الطبنفسى الإيقاعحيوى

الطب النفسى الإيقاعى ينبه أن نركز على عظمة نعمة الله علينا بهذا المخ الذى يقوم يإعادة بناء نفسه بالإيقاعحيوى طول الوقت، وهو يوصى بأن نبدا بقهم المغزى البقائى والدفاعى لسلوك البشر من خلال فهمنا لطبيعتهم طولا (تطورا) وعرضا، تركبيبا، وإيقاعحيويا، ويتم هذا الفهم ليس فقط بالتفكير والتدليل بل بالإدراك، وتبادل الوعى، وجدل مستوياته، وفى مقدمة ما علينا الإحاطة بماهيته هكذا يأتى من تصدينا لمساعدتهم ممن يسمون “المرضى” وذلك من خلال التعرف على غائية المرض ولغة الأعراض، وليس فقط على ما تسبب لهم فيما طرأ عليه، ثم علينا أن نصاحبهم كعامل مساعد ونحن نحاول أن نستعيد “معا” الطريق إليه ، وأن نشكره على نعمة ما منحنا وتوّج به وجودنا بشرا، وهو هذا المخ ، ذلك العضو الجميل القادر من خلال رحلة التطور، على مواصلة بناء نفسه حتى فى أسوأ الظروف، هذا المخ الذى يبلغنا رسائله بالصحة كما يبلغها إياها بالمرض، وعلينا نحن أن نستمع لرسائله هذه وتلك طول الوقت، بدءا بفهم طبيعته، أملا فى استعادة سلامة مسيرته.

هذا هو الطبنفسى الإيقاعحيوى الذى يبدأ بسؤال جوهرى كررناه سابقا مرارا وهو: ماذا يقول المريض بهذا المرض، وماذا يهدف من خلال ظهور هذه الأعراض التى ظهرت عليه، حتى لو قاله بشكل غير سليم، وعجز عن حمل مسئولية إعلانه بهذا الشكل ؟

9-10-2016_3

أسباب الإدمان أم معنى الإدمان  وغاياته؟

ودِدْتُ لو أننى لا أبدأ بالأسباب التى تجرنا إلى وضع اللوم على الآخرين والتماس العذر، بل وتبرير الاستمرار ولكن ما باليد حيلة، دعونا نعدد بعض ذلك دون التوقف عنده، مع التذكرة بأن هذه الأسباب ليست فقط أسباب الإدمان، وإنما هى عموما أسباب النشاز المفسد للحن المفترقية، والمجهض لنبض المخ ومحاولاته بناء نفسه والدافع للانحراف بعيدا عن الغاية الضامة للتعدد إليه،

فنحن ندرس الأسباب، وفى نفس الوقت نقرأ المعنى، ونحدد زوايا الانحراف ليسهم فى مواكبة المخ وهو يعيد بناء نفسه.

وبعد

أفضل أن أؤجل مناقشة الأسباب، والمعنى إلى نشرات الغد وما بعده

 

[1] “ملاحظات نحو تعريف الثقافة”، ترجمة د. شكرى عياد، المؤسسة المصرية العامة للتأليف 1990

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *