الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (97) : الأطفال بداخلنا

الطبنفسى الإيقاعحيوى (97) : الأطفال بداخلنا

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين12-9-2016

السنة العاشرة

العدد:  3300

 

الطبنفسى الإيقاعحيوى (97)

 Biorhythmic Psychiatry

مازالنا فى المقابلة الإكلينيكية (31)

الأطفال بداخلنا

اعتذار سخيف:

كان المفروض – استكمالا للمقابلة الإكلينيكية – أن أبدأ اليوم بالحديث عن استقصاء التاريخ الجنسى Sexual history   للمريض أثناء المقابلة، لكن اليوم هو أول أيام عيد الأضحى المبارك، وأنا أكتب النشرة اليوم وهو  وفقة عرفات،  فرأيت أنه من الأنسب أن أؤجل  هذا الموضوع إلى الأسبوع القادم، وأن أقدم هذا الاستطراد إجابة على ما وصلنى من تساؤلات، وأيضا لما تثيره مناسبات الأعياد بالذات من تحركات الأطفال داخلى (داخلنا) وخارجنا.

مقدمة:

فى نشرة الأسبوع  الماضي : 5-9-2016   جاء ما يلى:

“…..ومن منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى، فإن الباحث الذى ينتمى إلى هذا النوع من الطب والتطبيب إنما يتعرض – دون قصد غالبا – للتعرف على الأطفال بداخله ، يحدث ذلك ليس فقط وهو يفحص المرضى الأطفال، ولكن أيضا وهو يتلقى المعلومات من وعى (أكثر من ذاكرة) المريض أيا كان عمره، وهو يتعمق إلى الغوص فى احتمالات مستويات الوعى الممتدة فى تاريخ الحياة، دون أن يسميها كذلك.(1)

12-9-2016_1وصلتنى بعد تلك النشرة تساؤلات شفهية، طلبت منى  أن أوضح كيف أن الطبيب (الفاحص)، وهو عادة حول منتصف العمر، أو أكثر، كيف يمكنه أن يسبرغور ما هو طفل فى مريضه فى أى سن من خلال ما يسمى الوعى البينشخصى؟ وبرغم أن هذه مسألة تحدث تلقائيا، وأن الحديث فيها، أو الكتابة عنها،  قد تـُغيّر طبيعتها، أو تـُخفى حقيقتها، إلا أننى وجدت  نفسى مضطرا للعروج إليها، لأنه قد  وصلنى أن كثيرا ممن بلغهم  هذا الرأى قد اختزلوه إلى حالة الذات الطفلية  Child Ego state  إحالة إلى التحليل التفاعلاتى Transactional Analysis (Eric Bern) علما بأن إريك بيرن لم يصف حالة واحدة للذوات الطفلية بداخلنا، بل العديد من حالات الذات الطفلية.

أنا لست متحيز لمديح الطفولة بلا حذر، فالطفل بداخلنا مرحلة أساسية، وفى نفس الوقت هو حالة حاضرة، وهى حالة ومرحلة : أقرب إلى خالقها، وحتى إيمان الطفل هو إيمان طبيعى سلس نتعلم منه الأصل والنقاء، لكنه ليس أعظم حالات الوجود ولا أجملها ولا أرقاها، وإلا كنا ندعو إلى النكوص حلاًّ، وأذكر أننى حين ووجهت بغلو المثاليين الحالمين فى تقديس “براءة الأطفال” التى نصر على أنها أهم ما يميز الطفولة، انتبهت إلى طوبائية هذا الموقف وبعده عن الواقع، حتى هاج بىَ الشعر ، وراح يهجو هذا النوع المسطح السلبى من البراءة، ويبدو أن  هجومى على تلك البراءة  كان قاسيا حتى أننى حين قرأت القصيدة على شيخى نجيب محفوظ، برغم إعجابه بها شعرا، إلا أنه كاد يرفضها محتوًى وهو ينبهنى إلى القسوة التى تضمنتها أبياتها، وقد  نشرت هذه القصيدة  سابقا(2)، لكننى أراها مناسبة فى هذا المقام ربما للتحذير من التسليم لما شاع عن الطفولة من موقف أحادى النظرة، وهاكم القصيدة :

فى ‏هجاء‏ ‏البراءة

-1-

براء‏ ‏ةٌ‏ ‏ممتهنهْ‏، ‏تنازلتْ‏ ‏عن‏ ‏حولها‏ ‏والقوهْ ‏

‏-2-‏

براءةٌ‏  ‏باهتةٌ‏ ‏

قد‏  ‏حالَ ‏لونها‏ ‏وظلـَّلَتْ‏ ‏

‏   ‏بالسهوِ ‏والعمَى ‏

‏   ‏أحمالىَ ‏الثقالْ

‏-3 -‏

براءة‏  ‏قاسيةٌ

‏  ‏تقتل‏ ‏بالإغفالِ‏ ‏والمسالمهْ‏ْ ‏

‏      ‏وتلصق‏ ‏الجريمه‏ْ ْ‏

‏      ‏بموتِىَ ‏اليقظْ‏ ‏

‏- 4 -‏

براءة‏  ‏ساكنةٌ‏ ‏

‏  ‏تقطـَّعتْ‏ ‏أطرافُها‏، ‏فساحتِ‏ ‏الحدودْ

‏        ‏مائعةٌ ‏مـرْتـّجـَهْ

‏- 5 -‏

براءةٌ‏  ‏زاحفة‏ ‏مبتلة

 قد‏ ‏سيـبـَّتْ‏ ‏مقابض‏ ‏الأفكارْ‏ ‏ 

براءةٌ‏  ‏سارقةٌ‏ ‏

‏   ‏من‏ ‏فطرتى ‏عبيرَها‏ ‏وبعثَها‏ ‏

‏- 6 -‏

براءةٌ‏  ‏جبانةٌ ‏غبيهْ‏،…‏وكاذبهْ ‏

قد‏ ‏لوَّحت‏ ‏لمثــــلنا‏ ‏

‏  ‏بالجنة‏ ‏الموات‏ ‏والسكينة‏ ‏

‏  ‏فناء‏ ‏ظهرنا‏ ‏بكدْحـنا‏ ‏

‏    ‏ومادَت‏ ‏السفينـهْ ‏

‏- 7 -‏

‏ ‏براءة‏  ‏مخاتلهْ‏،‏

‏  ‏وتاجرهْ،

تطل‏ ‏من‏ ‏بسمتها‏ ‏المسطـَّحة‏، ‏

معالمُ‏ ‏المؤامرهْ‏ ‏

‏ ‏والصفقةُ ‏الخفيهْ‏ ‏

‏- 8 -‏

براءةٌ  ‏مشلولةٌ‏ ‏

تنتفُ‏ ‏ريشَ‏ ‏نورسٍ‏ ‏محلِّـقٍ‏ ‏معاندٍ‏ ‏

‏ ‏تحشِى ‏به‏ ‏الوسادهْ‏ ‏

‏ ‏تزين‏ ‏القلادهْ‏ ‏

‏-9‏-

تكاثـرَ ‏الجراد‏ْ ‏

جــحـافلُ‏ ‏البــشـرْ

‏ ‏كـالــدودِ ‏والجـــــذورْ‏ ‏

تغوص‏ ‏فى ‏اشتياق:‏ ‏

‏ ‏فى ‏الطين‏ٍ ‏والعفنْ

 الاطفال داخلنا وخارجنا لا يمثلون نمطا واحدا من التواجد، بل هم ممثلون لكل تاريخ الحياة من ناحية ، وأيضا لكل   تاريخ النمو الفردى المتكرر طول الوقت، والعلاقة الوثيقة بين تشكيلات الأطفال داخلنا وبين مراحل تطور الحياة هى بديهية حسب فروض الطبنفس الإيقاحيوى التطورى، وإن كنت لن أتطرق إليها بأية تفاصيل لأننى وجدت أنني إن أردت أن أفعل: فعلىّ أن أرجع بسِمات كل ضرب من الأطفال (داخلنا) إلى أقرب أصوله من من تاريخ نوع معين من الأحياء، الأمر الذى لا أملك له وقتا ولا إمكانيات معرفة، ولعل تشارلز داروين  حين لاحظ وكتب عن الانفعال عند الحيوان كان فى مثل هذا المأزق، وإن لم يربط بين الإيقاعحيوى ووجدان الحيوان، ودورات التطور أصلا.

تشكيلات الأطفال المحتملة داخلنا (وخارجنا) :

فى داخلنا ، كما هو فى خارجنا ، لا يوجد مبرر أو مجال للاستقطاب والاختزال، وقد عثرت فى أوراقى السابقة التى قدمتها فى ندوات علمية عن التعدد داخلنا مجموعة متنوعة  من الأطفال توجد بدرجات مختلفة طول الوقت فى تفاعل وجدل خلاق عبر نشاط الإيقاعحيوى المتجدد أبدا، ومن ذلك:

(1) الطفل المطيع  Obedient child ،  (2) الطفل النموذجى  Typical ،  (3) الطفل المفرط النشاط  Hyperactivity،  (4) الطفل المناور skylights  ،  (5) الطفل المخرِّب Destructive  ،  (6) الطفل الملتذ (نكوصا) Hedonic ،  (7) الطفل المتخلف  Retarded ،  (8) الطفل المُخَالِف Negativisic  ،  (9)الطفل الخيالىFantastic  ،  (10) الطفل المهرج (الأراجوز)  Clown ،  (11) الطفل العدوانى Aggression  ،  (12) الطفل المتآمر Conspiracy ،  (13) الطفل المتحدّى Challenges

المسألة التى أريد التنبيه إليها الآن هى أن كل هذه الأنواع ليست سمات لأطفال مختلفين فى العالم الخارجى ، بل إنها كلها موجودة بداخل كل واحد منا بدرجات مختلفة، ولن أفصّل أكثر من ذلك حاليا

وبعد

إننا لو  لم نتعرف – من بعيد لبعيد – على هؤلاء الأطفال داخلنا فلن نستطيع أن نتواصل بدرجة كافية مع من يقابلهم من مستويات الوعى فى محاولة إعادة بناء الأمخاخ المتواصلة  عبر قنوات الوعى المتوازية والمتداخلة.

وحتى يصل ما أريد توصيله للممارس الذى أرجو منه أن تكون بداياته من واقع الوعى الجارى، أود أن أوصيه بالبدء بنفى بعض المقولات والشائعات العلمية وشبه العلمية عن الطفل والطفولة ومن أهمها :

12-9-2016_2

ونختتم – ربما بمناسبة العيد- ببعض تشكيلات قديمة لأطفال بالداخل

12-9-2016_3

 *********

وكل عام وأنتم بخير

“وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا “

صدق الله العظيم

12-9-2016_4

12-9-2016_5

[1] – وقد خطر لى  مثل ذلك فقلت بعض جوانبه شعرا فى ديوانى بالعامية (ذكر فى النشرة)

 [2] –  نشرة الإنسان والتطور:  بتاريخ 2/6/2010

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *