الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (96): المقابلة الإكلينيكية (30) ثالثاً: الاستقصاء عن تاريخ العمل

الطبنفسى الإيقاعحيوى (96): المقابلة الإكلينيكية (30) ثالثاً: الاستقصاء عن تاريخ العمل

 

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد11-9-2016

السنة العاشرة

العدد:  3299

 

الطبنفسى الإيقاعحيوى (96)

Biorhythmic Psychiatry

 

تابع عودة إلى ما تبقى فى:

المقابلة الإكلينيكية (30)

ثالثاً: الاستقصاء عن تاريخ العمل

مقدمة:

فى المقابلة الإكلينيكية يأتى الاستقصاء عن العمل بكل تجلياته ووظائفه ودوره فى المقام الأول تقريبا (بينى وبينكم – بالنسبة لى – قبل الأعراض، إلا إذا كانت الأعراض تحول دون العمل أو تشوهه أو هى بسببه).

وفيما يلى بعض تجليات ما هو: “عمل”

العمل كقيمة، والعمل كواقع، والعمل كمخرج لحركية الطاقة الطبيعية والعمل كمجتمع، والعمل مصدر للقمة العيش، والعمل لملء الوقت.

أما من وجهة نظر الطبنفسى التطورى الإيقاعحيوى فكل ذلك مُتضمن فى قيمة العمل البقائية حتى أنه قد وصل بى الأمر أن أقول “البقاء ليس للأقوى، ولا حتى للأقدر تكافلاً”، لكن البقاء لمن يعمل (1)

وانطلاقا من هذا الحيز الصغير جدا على مسار الحياة، والذى لا يمثل إلا ساعة أو عدة ساعات من حياة المريض وأعنى به “المقابلة الإكلينيكية” ومع وضع الاعتبارات الثقافية الخاصة فى الحسبان، وجدت أن ما ورد فى المتن الباكر (1986) يحتاج إلى وقفة تحديث عامة مع إضافة محدودة لموقف الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى.(2)

المتن(3): (1)

تختلف‏ ‏قيمة‏ ‏العمل‏ ‏فى ‏البلاد‏ ‏العربية‏ ‏كمؤشر‏ ‏دال‏ ‏للصحة‏ ‏النفسية‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏العمل‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏يعتبر‏ ‏أساسيا‏ ‏وخطيرا‏ (4)، ‏لأن‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏يعمل‏ ‏قد‏ ‏يجوع‏ ‏أو‏ ‏تعلن‏ ‏إعاقته‏، ‏لكن‏ ‏الأمر فى‏ ‏بعض‏ ‏البلاد‏ ‏الأكثر‏ ‏ثراء‏ ‏يسمح‏ ‏للثرى ‏ألا‏ ‏يعمل،‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لذلك‏ ‏نفس‏ ‏الدلالة‏، ‏وكذلك‏ ‏ثمة‏ ‏بلاد‏ ‏أخرى ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏فيها‏ ‏معنى ‏العمل‏ ‏هو‏ ‏نفس‏ ‏المعنى ‏الدال‏ ‏على ‏العلاقة‏ ‏بالواقع‏ ‏والتنظيم‏ ‏اليومي‏.‏

ويمــكن‏ ‏تعريف‏ ‏العمل‏ ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏نظر‏ ‏عملية‏ ‏على ‏أنه‏:  ‏الالتزام‏ ‏اليومى ‏المنظم‏ ‏بنشاط‏ ‏محدد‏، ‏له‏ ‏ناتج‏، ‏وله‏ ‏عائد‏. ‏

بادئة هامة:

التحديث:

إن ما سيرد ذكره عن العمل هو مهم أن يكون فى وعى الطبيب (الفاحص) من أول لحظة، ولكنه لا يعنى أن يكون مطلوبا منه أن يناقش مع المرضى هذه التفاصيل ولا حتى بعضها، لكن إذا استوت المفاهيم الأساسية لهذه القيمة الحياتية الأولى فى وعى الطبيب بصورتها الموضوعية الصحيحة فإنها تصل للمريض عبر ما كررناه للتأكيد عليه وهو أهمية التواصل عن طريق الوعى البينشخصى، بما تسمح به المقابلة الهادفة بتلقائية طبيعية.

تطور هذا التعريف الذى ورد فى المتن بأن رحت أبلغ مرضاى أولوية العمل فى العلاج وأنا أحدد العمل بعدّة محاور عيانية هى:

11-9-2016_1

وتفصيل ذلك:

(1) ساعة:

أؤكد للمريض من البداية أن عملا بدون مواعيد ثابتة قد لا يعتبر عملا بالمعنى العلاجى إلا فى استثناءات نادره .

(2) رئيس:

وأن عملا لا يجرى تحت رئاسة وإشراف من ينظمه ويتابعه: لا يستوفى شروط ما هو عمل، وأحيانا أشرح ذلك أنه حتى رئيس مجلس إدارة شركة خاصة فإن رئيسه الذى يفى بهذا الشرط هو “سكرتيرته” التى تنظم مواعيده، وكثيرا ما تلزمه بالوفاء بها بالترتيب الذى اتقفا عليه، وأضرب تأكيدا لذلك المثل الشعبى المصرى الذى يقول: “اللى مالوش كبير يشترى له كبير”، وعادة ما أفضل أن يكون الرئيس غريبا بمعنى ألا يعمل المريض فى عمل أبيه – مثلا – إنْ وجد بديلا.

11-9-2016_2(3) ناتج:

أعنى بالناتج هو أن تصل إلى وعى من يعمل إسهاماته الجزئية التى يشارك بها فى عمله لتحقيق هدف وناتج المؤسسة (العامة / الخاصة) التى ينتمى إليها، بل قد يمتد هذا الوعى إلى أن يصل إليه أحيانا فى ظروف إيجابية أن ناتج عمله مهما بلغت ضآلته فى ذاته هو اسهام فى تشغيل عجلة الانتاج  القومى كله وبالتالى إسهام فى دفع أو رأب الاقتصاد، وأنه بهذا الاسهام المتواضع يجد فى العمل معنى لوجوده شخصيا منتمّيا لمجتمعه فعلا،

أمّا إذا لم يكن جو العمل ومحيط العمل (بل ووعى العمل) مهتما بهذا ظاهراً وباطنا، فإن النتيجة سوف تكون اغتراب العامل عن عمله مهما نال من حوافز وتشجيع ولعل هذا ما جسده فيلم شارلى شابلن “الأزمنة الحديثة” من قديم.

(4) عائد:

طبعا لا يوجد عمل بدون مقابل شخصى ومادى ومباشر، صحيح أن هناك من يمارس العمل التطوعى عن رضا يغنيه عن المقابل المادى، خاصة إذا كان له دخل خاص من مصدر بعيد عن العمل، لكن يظل الدخل المادى المحدد له دوره فى ربطه بالعمل وبالواقع، والعائد ولو بشكل رمزى، لكن وظيفته التنظيمية تظل بالغة الأهمية.

(5) مجتمع:

مثلما ذكرنا فى المدرسة فإن العمل هو مجتمع قبل أن يكون اسهاٌم فى انجاز، أو مشاركة فى انتاج، تماما مثلما أن المدرسة هى مجتمع قبل أن تكون تحفيظا وتلقينا وترغيبا وترهيبا، وكثيرا ما لا يصل للمريض معنى أن يكون العمل مجتمع، فأنبهه أن مجرد أن يكون له زملاء لهم مكاتب مجاوره، أو قريبة، ورؤساء ومرؤوسين، يصبّح عليهم بتحية الصباح، ويسألهم أو يسألونه عن درجة حرارة ابنه الذى أبلغهم بمرضه أمس، أو عن سلامة عودة زوجته من عند أمها، أو حتى عن أسعار الخضر اليوم، كل هذا وغيره ومثله يخلق هذا الوعى المشترك، حتى بعيدا عن موضوع وواجبات العمل الأصلى، فضلا عن أن هذه الأخيرة فى بعض المؤسسات (مثل الوعى الجماعى فى مؤسسات المجتمع العلاجى أو مع فريق الكره فى نادى معين) يكون العامل الأساسى فى توصيف العمل هو الوعى المجتمعى أساسا، وكثيرا ما أشرح للمريض أن الأعمال الحسابية، والحاسوبية التى يمكن أن يقوم بها كلها بالمنزل تفتقر إلى هذا الشرط الأساسى (المجتمع) حتى لو كان عائد العمل بالمنزل أضعاف عائد العمل فى موقع العمل.

 (6) العمل صلاة (5):

 استعمل كلمة صلاة تداخلا مع كلمة دعاء وأيضا مع ما هو طريق للإيمان والصحة، وفى هذا المقام أكون حذرا من خلط الأوراق برغم أنها متداخلة، فحتى الصلاة الفريضة الراتبة، فهى تعيننى – بطريق غير مباشر – فى توثيق العلاقة مع الايقاعحيوى الكونى، وأنا أبتعد فى النقاش حول جدواها من منطلق الثواب والعقاب وأركز على توثيق الوعى الايقاعحيوى الشخصى مع الوعى الكونى فضلا عن وظائفها الدينية الايمانية الهائلة .

العمل بالالتزام الموضوعى السالف ذكره بكل الشروط السابقة هو صلاة بالاضافة إلى دور العمل كبرنامج ثقافى لكل الأحياء من وجهة النظر التطورية الإيقاعحيوية ” وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى  وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى” فكل الأحياء التى بقيت حافظت على بقائها من خلال برامج العمل الجماعى التطورى.

 11-9-2016_3(7) العمل مُنطَلق إيجابى للطاقة الحيوية:

انطلاقا أيضا من الفكر الإيقاعحيوى التطورى وتعريفه لمفهوم المخ البشرى بأنه مفاعل للطاقة والمعلوماتالأمر الذى سبق أن شرحناه تفصيلا أولا: مع تناولنا الطبيعة العلاقة بالموضوع وأن الطاقة التى تشحن الموضوع (الأخر) إيجابيا هى القادرة على دفع مسيرة النمو الشخصى نحو الآخرين معا، ثم عدنا فشرحنا ماهية الطاقة الحيوية بالتفصيل إذ تتجلى عشوائيا وفجائيا فى نوبات الصرْع وهى تتبادل مع مكافئاتها حتى سلبيا بالتفكيك الذهانى فى مقابل شحنها الإبداعى بالعلاقات عبر الوعى البينشخصى، انطلاقا من كل ذلك أردت أن أختم اليوم بالتذكرة بأن العمل الحاوى لكل المواصفات السابقة يقوم باستقبال واحتواء هذه الطاقة الحيوية ليس فقط فى إنجاز العمل وإنما فى إعادة التشكيل والإبداع وحفز النمو، وبصورة إيقاعية مستمرة (6)

وبعد

نتوقف هنا الآن، ونحن فى وقفة عمل على “عرفات”

وكل عام وأنتم بخير.

[1] – فى اتساق مع أفراد نوعه والأنواع الأخرى والطبيعة على تتالى مستوياتها واتساع حلقاتها إلى الغيب نحوه!.

[2] – كنت أورد أن أكتفى بما جاء فى هذه المقدمة عنها إلا أن الأمر يحتاج لبعض الاضافات.

[3] – نذكّر القارئ بأن “المتن” هنا يشير إلى النصوص التى وردت فى النسخة الأولى “ثنائية اللغة” من هذا العمل منذ أكثر من ثلاثين عاما (1986)  وهو عمل غير منشور وأن التحديث هو ما طرأ على هذا المتن وخاصة بالنسبة لمنظور الطبنفسى الإيقاعحيوى

[4] – مع أن العمل كقيمة هو فى مرتبة أدنى فى ثقافتنا بصفة عامة.

[5] – هذا هو الذى حضرنى مؤخرا حديثا وهو أن العمل “صلاة” أى “عبادة” حسب ثقافة المريض التلقائية.

[6]  – ويمكن مراجعة نشرات: (1)  نشرة 9-5-2016 “الصرْع والوعى والمخ والطاقة والمعلومات”  (2) أغلب نشرات الصرْع التى ذكر فيها هذا الموضوع (نشرة 7-5-2016) و(نشرة 8-5-2016)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *