الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (95) Biorhythmic Psychiatry تابع عودة إلى ما تبقى فى: المقابلة الإكلينيكية (29) ما آل إليه حال “ما هو مدرسة” !!

الطبنفسى الإيقاعحيوى (95) Biorhythmic Psychiatry تابع عودة إلى ما تبقى فى: المقابلة الإكلينيكية (29) ما آل إليه حال “ما هو مدرسة” !!

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت10-9-2016

السنة العاشرة

العدد:  3298

الطبنفسى الإيقاعحيوى (95)

 Biorhythmic Psychiatry

تابع عودة إلى ما تبقى فى:

المقابلة الإكلينيكية (29)

ما آل إليه حال “ما هو مدرسة”!!

مقدمة:

أنهيت نشرة الأثنين الماضى برجاء أن يتحمل القلم والأصدقاء ما أنتظره وأنا أعرج إلى الكارثة الى آلت إليها حال المدرسة (على الأقل فى مصر!! وقد بلغنى مثلها للأسف فى بلدان عربية عزيزة أيضا) ولا حول ولا  قوة إلا بالله. أخشى أن تستدرجنى هذه الحقيقة المُـرَّة إلى الإفاضة فى شرح أبعاد هذه الكارثة كما وصلتنى وأتصورها، فنجد أنفسنا فى مواجهة أكبر أزمة قومية تتحدى الحل، وقد لا نرى آثارها السلبية (عكس الأزمة الاقتصادية مثلا) إلا بعد عشرات السنين، وحينئذ – لا قدر الله – قد يكون قد فات أوان الإنقاذ.

10-9-2016_1

 وسوف أحاول أن أذكّر نفسى، وأن أضبط حركة قلمى حتى لا يبتعد ما أمكن ذلك عن موضوعنا الأصلى وهو “المقابلة الإكلينيكية”، وذلك على الرغم من يقينى باستحالة ذلك، كما آمل أن يكون المتن الذى كتب من ثلاثين عاما، أى  قبل أن تستفحل الكارثة هو الحد الذى يحدنا  حتى نكتب فى الطب النفسى خاصة ثم الطب الإيقاعحيوى فى التحديث ما أمكن ذلك.

كنا فى الحلقة السابقة قد توقفنا عند “الطفولة الأولى”  قبل مرحلة المدرسة، وسوف نعتبر ولو خطأ مرحلة المدرسة ضمن الطفولة الأولى لتكون مرحلة المدرسة هى بدءا من المرحلة الابتدائية .

ثانيا‏: ‏المدرسة‏ ‏

المتن((1)): (1)

يعتبر‏ ‏الذهاب‏ ‏إلى ‏المدرسة‏ ‏صدمة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏، ‏فيـُسأل‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏، وإن‏ ‏كان‏ ‏قد‏ ‏أعد‏ّّ الوالدان ‏الطفل‏ ‏لذلك‏، ‏وماذا‏ ‏كان‏ ‏تصرفه‏ ‏فى ‏اليوم‏ ‏الأَول‏، ‏وهل‏ ‏كانت‏ ‏هناك‏ ‏فرصة‏ ‏للتعبير‏ ‏عن‏ ‏رفضه‏ ‏أو‏ ‏كراهيته‏ ‏لهذا‏ ‏الالتزام‏ ‏الجديد‏ ‏أم‏ ‏أنه‏ ‏قُهر‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏ ‏؟‏ ‏كيف‏ ‏كان‏ ‏أداؤه‏ ‏من‏ ‏البداية‏، ‏ثم‏ ‏كيف‏ ‏كان‏ ‏أداؤه‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏، ‏ودرجاته‏، ‏وتقديراته‏، ‏ومدى ‏حدّة‏ ‏المنافسة‏ ‏الدراسية‏، ‏وطبيعتها‏، ‏وماذا‏ ‏كانت‏ ‏هواياته‏ ‏المدرسية‏، ‏ونشاطاته‏ ‏الرياضية‏، ‏وعلاقاته‏ ‏بزملاء‏ ‏الدراسة‏، ‏وبالمدرسين‏، ‏وبالنشاطات‏ ‏المدرسية‏ ‏خارج‏ ‏المدرسة‏ ‏مثل‏ ‏الرحلات‏ ‏ونوادى ‏المدرسة‏ ‏إن‏ ‏وجدت‏.‏

10-9-2016_2

التحديث:

برغم أن الذهاب للمدرسة أصبح أجباريا وفى حدود علمى يعاقبُ القانون الأهل الذين يحرمون صغارهم من الذهاب إلى المدرسة إلا أن هذا القانَون لم يعد له لزوم أصلا((2))، وهو ينفذ تقريبا أبدا، وقد أصبح الذهاب إلى المدرسة بالنسبة للطبقات الأدنى جدا، اختيارا فائضا إما لإبعاد  الصغار حتى لا يشغلوا أهل البيت عن أعمالهم الأخرى، أو للتخلص من ضوضائهم (دوشتهم) أو للحصول على وجبة مجانبة، لا يجدون مثلها بالمنزل، أما فى الطبقة الأدنى فقط (بدون جدا) فقد أصبح الذهاب للمدرسة فى سن السادسة أو  ما قبلها تقليدا اجتماعيا يكاد يخلو من قيم التعليم والتعلـّم  فضلا عن النمو والتربية، هذا بالنسبة للمرحلة الابتدائية (ست سنوات) التي سيخرج منها الطفل وهو على وشك البلوغ وهو عادة لا يعرف القراءة والكتابة وربما يعرف كيف “يرسم” اسمه بالكاد، فماذا كان يفعل طوال تلك السنين؟؟ ، وقد يكون من طبقة قادرة بشكل أكبر قليلا فيستعان بالدروس الخصوصية (والمراكز أنظر بعد) التى أصبحت وظيفتها أن تضمن للطالب النجاح بغض النظر عن أدائه أو مستواه، كما تضمن للمدرسين تحسين أحوالهم بالجهود الذاتية وأكثر!!، ثم بدءًا من المرحلة الإعدادية تزداد المصيبة تفاقما لأن أغلبية المدارس (لا أعرف نسبة محددة  إحصائيا، لكن على حسب ما يصل إلىّ فى عيادتى وممن حولى) تغلق المدارس أبوابها دون التلاميذ حتى أنهم غالبا ما يؤمروا بالانصراف إلى بيوتهم ومنها إلى المراكز إن أسعدهم حظهم.

10-9-2016_3

أرجع هنا مؤقتا إلى الأسئلة التى وردت عن مرحلة المدرسة فى المتن السابق فى المقابلة الإكلينيكية، فأعترف أنها قد أصبحت بغير معنى  بالنسبة للفحص الإكلينيكى للمريض الذى يهدف من دراسة أحواله في هذه المرحلة إلى التعرف على ما يصل للطفل من ثقافة أهله ومجتمع مدرسته فى هذه السن، حيث أن المدرسة لم تصبح مجتمعا أصلا، ومدرسة بلا “فسحة كبيرة” مليئة بالنشاط، وبلا حوش متسع مرحـِّب بالألعاب، وبلا جماعات واجتماعات متكاملة، جنبا إلى جنب مع دروس الفصول والتلقين إن وجدوا أصلا،  ليست مدرسة ولا يسرى عليها كلمة مجتمع يقضى فيه الطفل مراهقته ثلاث سنوات فى الإعدادى ثم فى مستهل سن شبابه ثلاث سنوات أخرى فى الثانوى، كل هذا لم يعد له وجود أصلا.

لا يعود خطر نتائج اختفاء مؤسسة المدرسة بهذه الصورة فقط إلى الافتقار إلى التعليم والتربية وزرع القيم وتوجيه الثقافة، وإنما ثمة خطورة أكبر حين تملأ هذه الفترة من العمر، بفراغ  فى وجدان ووعى النشء لمدة ست سنوات هى أهم سنوات عمره حالة كونه “يتكوّن”.  لا أحد يعرف تحديدا وبمسئولية كافية بماذا يملأ جيل بأكمله  يبلغ الملايين وعيه طوال هذه السنوات. ولا أريد أن أتطرق إلى عينات من عيادتى فلا هى ممثـِّلة تمثيلا كافيا ولا هى النموذج الصالح  الذى أبنى عليه.

المتن: (2)

ويمكن‏ ‏الاعتماد‏ – ‏بشكل‏ ‏ما‏ – ‏على ‏تاريخ‏ ‏التحصيل‏ ‏الدراسى ‏كمؤشر‏ ‏لمستوى ‏الذكاء‏، ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏المطابقة‏ ‏ليست‏ ‏حتما‏، ‏وأيضا‏ ‏لابد‏ ‏من‏ ‏التأكد‏ ‏من‏ ‏مصداقية‏ ‏درجات‏ ‏الدراسة‏ ‏وأن‏ ‏المجاملة‏ ‏أو‏ ‏التوصيات‏ ‏أو‏ ‏الغش‏ ‏لم‏ ‏تتدخل‏ ‏بدرجة‏ ‏جسيمة‏ ‏أو‏ ‏منتظمة‏، ‏ولهذا‏ ‏فقد‏ ‏يكون‏ ‏مناسبا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏ ‏الاعتماد‏ ‏على ‏تقديرات‏ ‏الشهادات‏ ‏العامة‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏درجات‏ ‏سنوات‏ ‏النقل‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏الشك‏ ‏قد‏ ‏لحق‏ – ‏أيضاَ‏ – ‏ببعض‏ ‏مصداقية‏ ‏هذه‏ ‏التقديرات‏.‏

التحديث:

إذا كان ما كتب في تحديث المتن (1) فى هذه النشرة ونحن نحث الطبيب (الفاحص) فى المقابلة الإكلينيكية إلى التأكد من مصداقية درجات الدراسة وأن المجاملة أو التوصيات لم تؤثر فيها…..الخ، وقد أشرنا إلى احتمال اعتماد أدق على درجات الشهادات العامة ليس فقط لتقييم التحصيل الدراسى بل ضمنا لتقدير مستوى الذكاء – الأمر الذى كنت اعتبره أكثر مصداقية – من اختبارات الذكاء الرسمية خصوصا المستوردة؟ ، ومع ذلك نبهنا إلى أن المصيبة قد لحقت أيضا بامتحانات الشهادات العامة، إذا كان الأمر كذلك منذ ثلاثين عاما ، فإلى أين وصل الآن؟؟

إنني أخجل من أن أذكر ما وصل إليه الحال ليس فقط من غياب القيم  الإيجابية الأخلاقية والدينية والاجتماعية بل ومن زرع قيم سلبية زرعا فى وعى جيل يتكون، حتى يعتبرها هذا الجيل الأسلوب الأنجح لحياة عملية، باعتبار أن ما تعلمه هذا هو السبيل العملى السائد اللازم لمواصلة العيش بأى قدر من النجاح الذى كاد أن يصبح مرادفا للشطارة اللاأخلاقية.

هذا،  وقد بلغتنى هذه الظاهرة بعد كتابة هذا المتن الباكر،  وكتبت عنها  فى صحيفة الوفد بتاريخ 1/7/1987 أرصد  ما لاحظته آنذاك فى معظم الصحف ووسائل الاعلام الآخرى حتى أصبح هو القاعدة ، حتى أننى الآن فى ممارستى الخاصة، لم أعد أسال عن حالة المريض المدرسية في سنوات النقل أصلا لأننى أكاد أعرف الإجبابات المؤلمة المكررة، وبالنسبة لاجتياز الشهادات العامة “الإعدادية” و”الثانوية العامة” و”الثانوية المتوسطة بتنويعاتها المهنية الحرفية” اصبحتُ ألحق سؤالى العام عن اجتياز الشهادات عموما بسؤال تفسيرى لاحق، وهو عن وسيلة الحصول على تلك الشهادة : “بغش؟ ولاّ من غير غش؟؟”، وتجيئنى الإجابات فى حوالى ما هو أكثر من 80 % على الوجه التالى:

– زى ما حضرتك عارف!

– بالغش طبعا..!!

– زيى زى غيرى…!

– طبعا … بالغش..!

ثم إنه  أخيرا وصلتني إجابة جديدة من طالب فى جامعة الأزهر، سألته أسئلتى الروتينيةعن اجتيازه الثانوية الأزهرية التى أهــَّلته لدخول الجامعة، وكان والده (الموجـِّه بالأزهر) يجلس بجواره، فأجابنى الطالب بهدوء باسِم على سؤالى : “بالغش ولاّ من غير غش” ، أجابنى:

“بالغش إن شاء الله”

وحين التفتُّ إلى والده وجدتُ ابتسامة عريضة راضية تملأ  وجهه، وهو فرِحٌ بابنه !! أى والله.

المتن: (3)

وفى ‏مصر‏، ‏وبعض‏ ‏البلاد‏ ‏العربية‏، ‏يعتبر‏ ‏الفشل‏ ‏الدراسى ‏المفاجئ‏ ‏لشخص‏ ‏كان‏ ‏متفوقا‏ ‏طول‏ ‏دراسته‏، ‏من‏ ‏العلامات‏ ‏المنذرة‏ ‏التى ‏تدعو‏ ‏للبحث‏ ‏عن‏ ‏احتمال‏ ‏بداية‏ ‏مرض‏ ‏بسيط‏ ‏أو‏ ‏خطير‏، ‏وقد‏ ‏بدأ‏ ‏الاهتمام‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏بهذه‏ ‏الملاحظة‏ ‏بالنسبة‏ ‏لطلبة‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏ ‏بشكل‏ ‏خاص‏.‏

التحديث:

كانت هذه العلامة ومازالت علامة هامة فى تطور الشباب ومسارهم الدراسي، لكن بعد أن اختلطت الأوراق أصبحت أقل أهمية، حيث تفاقمت هذه المشكلة المسماة “أزمة الثانوية العامة”، وساهمت وسائل الإعلام فى ذلك من منطلقات سطحية  دعائية غير مسئولة، وحين كنت  أقرأ أخبار هذه الأزمة كنت – كما الآن – أشعر بالخجل مما آلت إليه مسئوليتنا عن أبسط قواعد التربية والامتحانات والتعليم، وتذكرت الآن أننى تناولت هذه المسألة فى مقال باكر كنت قد نشرته قبل أن تصل الأحوال  إلى ما وصلت إليه، ونشرته فى الأهرام منذ أكثر من عشر سنوات، وقد فضلت الآن أن أعيد نشره كاملا لأن به مقدمة ضرورية للمختص النفسى وخاصة فى القياس، وللطبيب النفسى على حد سواء.

نص المقال: الأهرام فى 28/7/2003

مقاييس التغيير: بدءا بمغزى ومعنى  الثانوية العامة

بدأت‏ ‏قصة‏ ‏اختبارات‏ ‏الذكاء‏ ‏نتيجة‏ ‏مشكلة‏ ‏اجتماعية‏ ‏تربوية‏: ‏حول‏ ‏سنة‏ 1905، ‏أراد‏ ‏حاكم‏ (‏عمدة‏) ‏باريس‏ ‏أن‏ ‏يجمع‏ ‏المشردين‏ ‏من‏ ‏الأطفال‏ (‏الذين‏ ‏نسميهم‏ ‏الآن‏ ‏أطفال‏ ‏الشوراع‏) ‏لإيوائهم‏ ‏وتأهيلهم‏، ‏وربما‏ ‏تجميل‏ ‏العاصمة‏! ‏فاكتشف‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏تطبيق‏ ‏برنامج‏ ‏تأهيلى ‏واحد‏ ‏عليهم‏، ‏لاختلاف‏ ‏قدراتهم‏،، ‏فطلب‏ ‏من‏ ‏العالمين‏ “‏سيمون”، ‏و”‏بينيه” ‏أن‏ ‏يحلوا‏ ‏المشكلة‏، ‏فكانت‏ ‏النسخة‏ ‏الأولى ‏من‏ ‏مقياس‏ “‏سيمون‏- ‏بينيه” ‏الذى ‏شاع‏ ‏بعد‏ ‏المراجعات‏ ‏المتكررة‏ ‏باسم‏ ” ‏ستانفورد‏ – ‏بينيه”‏

كانت‏ ‏نتائج‏ ‏هذا‏ ‏الاختبار‏ – ‏ومازالت‏ – ‏تحسب‏ ‏بالنسب‏ ‏المئوية‏ (‏نسبة‏ ‏العمر‏ ‏العقلى ‏إلى ‏العمر‏ ‏الزمني‏) ‏الأمر‏ ‏الذى ‏ظل‏ ‏عائقا‏ ‏يحول‏ ‏دون‏ ‏موضوعية‏ ‏فهم‏ ‏هذه‏ ‏النسب‏. ‏إذ‏ ‏كيف‏ ‏يُعد‏ ‏من‏ ‏يحصل‏ ‏على ‏معامل‏ ‏ذكاء‏ ‏قدره‏ 78 % (‏مثلا‏) ‏متخلفا‏ (‏نسبيا‏) ‏؟‏ ‏من‏ ‏هنا‏ ‏اتجه‏ ‏الرأى ‏إلى ‏أن‏ ‏الأهم‏ ‏هو‏ ‏تحديد‏ ‏موقع‏ (‏ترتيب‏) ‏أى ‏فرد‏ ‏بين‏ ‏عينة‏ ‏ممثـلة‏ ‏لمجتمعه‏، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يسمى ‏التقييم‏ “‏المئينى” Percentile ‏وليس‏ “‏المئوي” (% Percent). ‏

‏ ‏حضرنى كل ‏ذلك‏ ‏وأنا‏ ‏أتابع‏ ‏نتائج‏ ‏الثانوية‏ ‏العامة‏، ‏وأن‏ ‏هناك‏ 124 ‏طالبا‏ ‏حصلواعلى ‏أكثر‏ ‏من‏ 100% ‏علمى ..‏إلخ‏. ‏أنا‏ ‏ليس‏ ‏عندى ‏أى ‏تحفظ‏ ‏على ‏حصول‏ ‏طالب‏ ‏نابه‏ ‏على 200 %، ‏لكن‏ ‏اهتزاز‏ ‏موضوعية‏ ‏معنى ‏الأرقام‏، (‏سواء‏ ‏فى ‏الثانوية‏ ‏العامة‏ ‏أو‏ ‏فى ‏بيانات‏ ‏الاقتصاد‏ ‏الحكومية‏، ‏أو‏ ‏نتائج‏ ‏الانتخابات‏) ‏يستتبع‏ ‏غموض‏ ‏معنى ‏التفوق‏ (‏وأيضا‏ ‏غموض‏ ‏معاني‏: ‏تحسن‏ ‏الاقتصاد‏، ‏وفوز‏ ‏حزب‏ ‏الأغلبية‏ ‏جدا‏!!). ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏فكرة‏ ‏تنمية‏ ‏الإبداع‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏مناهج‏ ‏التعليم‏، ‏وهى ‏الفكرة‏ ‏التى ‏يصر‏ ‏المسئولون‏ ‏والهواة‏ ‏جميعا‏:‏على ‏أنها‏ ‏الحل‏، ‏هى ‏أبعد‏ ‏ما‏ ‏تكون‏ ‏عن‏ ‏دلالة‏ ‏هذه‏ ‏النتائج‏.‏

لقد‏ ‏دخلتُ‏ ‏شخصيا‏ ‏كلية‏ ‏الطب‏ ‏سنة‏ 1950 ‏بمجموع‏ 71% ‏فى ‏التوجيهية‏ (هكذا كان اسمها أيامها) ‏وكان‏ ‏ترتيبى 199‏على ‏القطر‏، ‏إن‏ ‏ذلك‏ ‏لا‏ ‏يرجع‏ ‏فقط‏ ‏إلى ‏قلة‏ ‏عدد المتقدمين ‏ ‏آنذاك‏، ‏ولكنه‏ ‏يرجع‏ ‏أساسا‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الامتحانات‏ ‏كانت‏ ‏امتحانات‏ ‏لا‏ ‏تصحح‏ “‏بالشفافة” ‏كما‏ ‏يحدث‏ ‏الآن‏، ‏بمعنى ‏مدى ‏مطابقتها‏ ‏لنماذج‏ ‏الإجابة‏ ‏حرفيا‏، ‏الأمر‏ ‏الذى ‏روّج‏ ‏للدروس‏ ‏الخصوصية‏، ‏بشكل‏ ‏خاص‏، ‏ولولا‏ ‏هذه‏ ‏الطريقة‏ ‏فى ‏التصحيح‏ “‏بالمطابقة”. ‏ما‏ ‏حصل‏ ‏أحد‏ ‏على ‏النهاية‏ ‏العظمى ‏ولا‏ ‏قريبا‏ ‏منها‏. ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏مجرد‏ ‏فكرة‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لأى ‏مادة‏ ‏نهاية‏ ‏عظمى ‏هى ‏فكرة‏ ‏قديمة‏ ‏حلت‏ ‏محلها‏ ‏الحسابات‏ ‏النسبية‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏إجابات‏ ‏المتقدمين‏ ‏لأى ‏امتحان‏ ‏فى ‏ذاته‏.‏

مع‏ ‏الحرص‏ ‏على ‏عدم‏ ‏حرمان‏ ‏أحد‏ٍ ‏من‏ ‏فرحة‏ ‏تفوقه‏، ‏فإننى ‏أتصور‏ ‏أن‏ ‏تتبع‏ ‏هؤلاء‏ ‏المتفوقين‏ (‏جدا‏ ‏جدا‏) ‏بعد‏ ‏سنوات‏، ‏قد‏ ‏يخبرنا‏ ‏أن‏ ‏أيا‏ ‏منهم‏ ‏لم‏ ‏يحقق‏ ‏أى ‏إبداع‏ ‏بالمعنى ‏الحقيقى . ‏الإبداع‏ – ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏ – ‏يرفض‏ ‏النهايات‏ ‏المطلقة‏، ‏إن‏ ‏النقص‏ ‏اللازم‏ ‏فى ‏الحياة‏، ‏وحتمية‏ ‏قصور‏ ‏أى ‏إنجاز‏ ‏عن‏ ‏الكمال‏، ‏هو‏ ‏الحافز‏ ‏الدائم‏ ‏للإبداع‏. ‏إن‏ ‏نجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏شخصيا‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ (‏ولا‏ ‏يرحب‏ ‏بـ‏) ‏أن‏ ‏يحصل‏ ‏على 100% ‏فى ‏إبداع‏ ‏الرواية‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏يتوقف‏ ‏إبداعه‏، ‏إن‏ ‏استمراره‏ ‏فى ‏المحاولة‏ ‏والتجريب‏، ‏حتى “‏أحلام‏ ‏فترة‏ ‏النقاهة”، ‏بعد‏ ‏الإعاقة‏ ‏اللاحقة‏ ‏لنوبل‏، ‏إنما‏ ‏يرجع‏ ‏لأنه‏ ‏يصر‏ ‏على ‏أن‏ ‏يواصل‏ ‏محاولة‏ ‏الإقتراب‏ ‏من‏ ‏المائة‏ ‏فى ‏المائة‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يحققها‏. ‏إن‏ ‏المطلق‏ ‏التمام‏ ‏هو‏ ‏لله‏ ‏وحده‏، ‏وكل‏ ‏ما‏ ‏دونه‏ ‏هو‏ ‏إبداع‏ ‏متوجـِّه‏ ‏إليه‏.‏

إننى ‏لا‏ ‏أعفى ‏تدهور‏ ‏الأخلاق‏ (‏وخاصة‏ ‏شيوع‏ ‏الغش‏)، ‏ومشاركة‏ ‏الإعلام‏ ‏الإنفعالية‏ ‏السطحية‏ ‏من‏ ‏مسئولية‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏اللبس‏ ‏والتخبط‏ (‏لا‏ ‏شكوى ‏من‏ ‏امتحان‏ ‏مادة‏ ‏كذا؟‏ ‏و‏‏إن‏ ‏الامتحانات‏ ‏جاءت‏ ‏من‏ ‏المقرر‏ ‏كيت‏، ‏يا‏ ‏فرحتى‏!!). ‏

وبعد

كل ذلك كان تعقيبا على نتائج الثانوية العامة وليس إشارة إلى ما آل إليه الحال من رشاوى من وزير التعليم وهو يدافع عن نفسه مقسما بالله العظيم أن الامتحانات سهلة ومن المقرر وكأن المخ البشرى نفسه أصبح مقررا مخزونا فى مخازن وزارته ضمن ما ينبغى أن يحفظ ولا يُمـس!!!

 

[1] – نذكّر القارئ بأن “المتن” هنا يشير إلى النصوص التى وردت فى النسخة الأولى “ثنائية اللغة” من هذا العمل منذ أكثر من ثلاثين عاما (1986)  وهو عمل غير منشور وأن التحديث هو ما طرأ على هذا المتن وخاصة بالنسبة لمنظور الطبنفسى الإيقاعحيوى

[2] – ملحوظة: لابد أن هناك استثنائات نادرة لما سيرد فى الفقرات التالية من تحديث، كما أنه أيضا لا يسرى حرفيا على المدارس المسماة مدارس اللغات وكثير من المدارس الخاصة والأجنبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *