الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (90) عن القلق: قلق فرط الدراية (9) : القلق الكونى (2)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (90) عن القلق: قلق فرط الدراية (9) : القلق الكونى (2)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد28-8-2016

السنة التاسعة

العدد: 3285

الطبنفسى الإيقاعحيوى (90)

 Biorhythmic Psychiatry

      عن القلق:

قلق فرط الدراية (9)  

Hyperawareness Anxiety

القلق الكونى (2)

مقدمة:

أنهيت نشرة أمس منتبها إلى أن جرعة الاستشهادات بمحاولاتى الشعرية ربما تخفيفا لحدة القلق الكونى كانت قد زادت حتى خِفْتُ ألا يتحملها المتلقى، ووعدت أن نكمل اليوم، وهأنذا أفعل:

……

ثالثاً:

فى قصيدة يبدو أنها كُتِبَتْ فى بؤرة هذا المأزق، كتبَتْ بعنوان “عفوا.. فعلتُها” (1)، وحين أعدت قراءتها الآن وجدت أنها تربط بين “فرط الدراية بهول الرؤية” بالامتداد حتى محنة الخلـْق “كن فيكون”، وبين “القلق الإبداعى” الذى انتجها، وها هى بنصها:

يــاليتنى ‏طفوتُ‏ ‏دونَ ‏وزن

ياليتنى ‏عَبَرْتُ‏ ‏نهرَ‏ ‏الحزْنِ

من‏ ‏غير‏ ‏أن‏ ‏يبتل‏ ‏طَرْفِى ‏فَرَقا‏‏

ياليت‏ ‏ليلى ‏ما‏  ‏انجلي‏،‏

ولا‏ ‏عرفتُ‏ ‏شفرَة‏ ‏الرموزِ‏ ‏والأجِنَّةْ‏.‏

إى ‏هجرة‏  ‏الطيور‏ ،‏

فى ‏الشاطئ‏ ‏المهجور‏ .‏

عفوا‏ ‏فعلتـــها‏ …‏

‏-2-‏

المهربُ‏ ‏الجبانْ،‏

العمر‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏بدا‏،‏

المهربُ‏ ‏الأمانْ‏ .‏

فكَّ‏ ‏الحبال‏َ ‏صلَّتْ‏ ‏السلاسِلْ،‏

العمر‏ ‏بعد‏ ‏ما‏ ‏انْقَضي‏. ‏

‏-3-‏

أشلاؤُهَا‏ : ‏تفجرَّت‏ ‏مضيئَهْ‏.‏

نَرَى ، ‏ندورُ‏ ‏ننكَفِئْ‏.‏

تقطَّعَتْ‏ ‏وشائجُ‏ ‏المودَّهْ‏،‏

‏ ‏تباعدتْ‏ ‏أذرعُنَا‏ ‏المُمْتدهْ‏.‏

تناثرتْ‏، ‏تخلَّـقـَتْ‏، ‏تحدَّتْ‏،‏

وماتت‏ ‏التمائم‏ .‏

‏-4-‏

يا‏ ‏بؤسه‏ ‏الصراخ‏ ‏دون‏ ‏صوْتْ‏. ‏

يا‏ ‏رعبـها‏ ‏ولادة‏ ‏كَمَوْتْ‏ .‏

‏-5-‏

أفرغتُ كأسى فانصهرتُ جَذَلاً

ورحتُ أرضعُ الضياءَ أرتوي

أشيّد الكلامَ والبشرْ

إلى أن قلت:

…..

يا مِقْوَدَ الزمان لا تُطْلقنى:

ثقيلةٌ ومرعبهْ :

قولةُ:  “كن”ْ

لو كَانَ: بتُّ بائسا

لو كَانَ: طرتُ نَوْرَسَا

لو كَانَ: درتُ حول نفسى عَدَمَاً

وفى قصيدة أقدم عنوانها: “رسالة‏ ‏من‏ ‏دون‏ ‏كشيوت الى ‏إخوان‏ ‏أبى ‏لهب” (2) استشهدت بها فى حوارى مع مولانا النفرى “من موقف الصفح والكرم” بتاريخ:23-8-2016، ويبدو أننى حين كتبتها كنت قد بلغَ بِىَ احترام القلق الكونى الخلاق مبلغا صوّر لى قدرة خطيرة بفضله!، قلت:

فى ‏روضتى .. .. ‏

ألقيتُ‏ ‏بذرة‏َ ‏القَلَق

نبتت‏ ‏بوجْدَان‏ ‏البشرْ

نحتَ‏ ‏الجنينُ‏ ‏الطينَ‏ ‏فانهار‏ََ ‏العدم ْ‏ْ

صرخ‏ ‏الوليدُ‏ُ ‏الطفلُ‏ ‏أذّن‏ ‏بالألم‏ْ ْ ‏

وتطاولَ‏ ‏الشجَرُ‏ ‏الجديدْ

يعلو‏ ‏قباب‏ ‏الكون!‏

 ‏أين المستقرْ ؟

 

والشوكُ‏ ‏يدمى ‏الكفَّ‏ ‏إذ‏ ‏يحمى ‏الثمر‏ ْ ‏

واللؤلؤ‏  ‏البرَّاقُ‏ ‏فوق‏ ‏الساق‏ ‏من‏ ‏صَمْغ‏ ‏الضجر ْ‏

لكن يبدو أنه قد بلغنى شطحى، فتراجعت فى قصيدة بعنوان “رسالة‏ ‏من‏ ‏دون‏ ‏كشيوت الى ‏إخوان‏ ‏أبى ‏لهب”(3)قائلاً:

ذى ‏صرْخَتىِ .. ‏

سوط‏ ‏اللهيبِ ‏النور‏ِِ ‏رعد‏ ‏القارعةْ

يكوى ‏الوجوه‏ ْ.. ‏

يا‏ ‏ويحكم‏ ْ!! ‏

من‏ ‏يوقف‏ ‏الرَّجْعَ‏ ‏الصَّدَى ‏فى ‏قلبكم‏ ‏

هيهات!!‏ ‏إلا‏ ‏الموت،

حتى ‏الموت‏ ‏لا‏ ‏يخفى ‏الحقيقة‏ ‏ماثِلَة‏ ‏

‏.. ‏

يا‏ ‏ويحكم‏ ‏منها‏ ‏بداخلكم‏.، ‏

نعمْ، …

 ‏ليستْ‏ْ “‏أنا‏”

بل‏ “نحن‏” ‏فى ‏عمق‏ ‏الوجود‏ ‏

بل‏ ‏واهب‏ ‏الطين‏ ‏الحياة

بل‏ ‏سرُّ‏ ‏أصل‏ِِ ‏الكوْنِ،‏كُلُّ‏ ‏الكلِّ‏ ‏نبض‏ ‏الله‏ ‏فى ‏جنباتنا‏

ليستْ‏ ‏أنَا‏

وانتبهت الآن – أكثر– إلى أى مدى يتداخل القلق الابداعى مع القلق الكونى .

ويبدو أن التركيز الشائع على “النفس المطمئنة” دون الانتباه إلى شرط “فَادْخُلِي فِي عِبَادِي” قبل “وَادْخُلِي جَنَّتِي”، قد جعل معظم المفسرين الأفاضل لا ينتبهون بالقدر الكافى إلى معنى “كـَبـَد” فى الآية الكريمة “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ” واختاروا أن يكون المعنى الأقرب لهم هو خلقت الإنسان “قائما”، وكأنهم يتكلمون عن الإنسان الواقف Homo Erectus قبل الإنسان الراشد، فى حين المعنى المباشر الذى لو أنهم انتبهوا إلى روعة القلق الكونى ووظيفته لوصلهم بشكل مباشر هو أن “فى كـَبـَد”: أى فى شِدّة ومشَقـّة، وكابد الأمر: تكبد وعَـانـَى شدته، وتحمَّل مشاقه، ورَكِب هوْله وصعوبته، وأعتقد أن هذا هو الأقرب إلى شرف ومسئولية وروعة السعى إليه، محاطا بهذا القلق الكونى الرائع ألما ووعدًا.

مزيد من الحذر من السكون (ضد القلق):

أما بقية حذرى من الطمأنينة، السلبية فى كدح اللقاء فقد أثبتَّه أيضا باكراً حين بدأت استلهام النفرى فى حوارى مع الله (نشرة: 17/3/2012)  وهذا ما اقتطفه أيضا فى نشرة الثلاثاء الماضى، حين وجدت ما يؤكد موقفى  ويدعم فروضى فى التحذير من أن يكون الكدح نحوه هو استسلام للوصول إلى “معرفةٍ ما” حتى لو كانت معرفته، وذلك حين عقبت على ما قاله للنفرى أنه

من أكل فى المعرفة ونام فى المعرفة ثبت فيما عرف

وقد عقبت على ذلك فى حوارى مع ربى، وكان ذلك فى مرحلة جرأتى إليه، وعشمى فيه، قلت آنذاك (فى نشرة: 17/3/2012) مخاطبا ربى :

 لا يثبت فى المعارف إلا من نام فيها وأكل فيها (لا أكل منها)

 المعرفة يقظةٌ متجددة، لكن النوم فيها غفلة ظالمة مُظلمة.

كيف أقول لقلوب العارفين مالا يكونون عارفين إلا بمعرفته؟

أقول لك إنّ رحمتك بهم هو أن تعينهم عليهم.

عجزى هو حدّى، وهو دَفْعى، وهو قُوَّتى.

وبعد:

لم يبق فى هذه المجموعة من “قلق فرط الدراية” إلا النوع السلبى تماما، برغم أن بدايته هى أيضا “فرط الدراية” وهو “القلق الذهانى”، وما أصعب ما تبقى.

ملحوظة: (يمكن مراجعة بقية نشرة حوار مع النفرى الثلاثاء الماضى) “موقف الصفح والكرم” بتاريخ:23-8-2016  فهى فى صلب الموضوع.

[1] – قصيدة “عفوا فعلتُها” من ديوان “شظايا المرايا”  1982  (لم ينشر – متاح بالموقع).

[2] – قصيدة “رسالة‏ ‏من‏ ‏دون‏ ‏كشيوت الى ‏إخوان‏ ‏أبى ‏لهب” الفصل بعد الخاتمة: دورة حياة من ديوان “سر اللعبة” 1977

[3] – قصيدة “رسالة‏ ‏من‏ ‏دون‏ ‏كشيوت الى ‏إخوان‏ ‏أبى ‏لهب” الفصل بعد الخاتمة: دورة حياة من ديوان “سر اللعبة” 1977

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *