الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / هيا نبدأ دون انتظار وحى جديد

هيا نبدأ دون انتظار وحى جديد

اليوم السابع

الاحد: 2-3-2014

هيا نبدأ دون انتظار وحى جديد

الجارى فى العالم كشفتْه ثورات التواصل اللامركزى بالفيس بوك، والتويتر، والتغريدات، والتآمر، والمثالية الثورية، وهى بقدر ما ساهمت فى الكشف قامت بدفعه إلى مداه السلبى وهى تحسب أنها تقاومه وأحيانا تنجح أن تقاومه.

 لا يكفى أن تكشف الشر وترصد عوامل الإبادة وإرهاصات الانقراض، وإنما ينبغى أن تعمل أولا بأول على مواجهتها ومحاربتها والقضاء عليها وإحلال الأصلح مكانها، يكاد لا يوجد مجال فى كل الدنيا إلا والمعركة فيه مستمرة: معركة الطغيان ضد الحق فى البقاء والتطور: مجالات العلم، والسياسة، والحرب، والاقتصاد، والإعلام، والعلاج، والتعليم، كل هذه المجالات أصبحت عرضه للاستعمال من جانب الطغيان، وهى فى نفس الوقت جاهزة للاستعمال من جانب الخيّرين من الناس المؤمنين المجاهدين فى سبيل البقاء كدحا إلى وجه الحق تعالى كما خلقهم.

ختم الله سبحانه رسالاته التى كانت تنقذ البشر كلما وصلوا إلى مثل هذا الحال، ختمها بخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، فانتبه فيلسوف الإسلام “محمد إقبال” إلى ترجيح أن مغزى ذلك هو أن يتحمل كل فرد بشرى، وكل جماعة إنسانية، مصيرهم دون انتظار وحى جديد، وبدلا من أن نحاول أن نحمل الأمانة ونجدِّد ما جاءنا من كل رسل ربنا حتى نهاية الرسالة الأخيرة، حولنا رسالات ربنا إلى مؤسسات جامدة تتنافس على الطغيان والاستعلاء والفساد فى الأرض، ومع ذلك، وضد كل ذلك، يطل علينا بين الحين والحين من ينبهنا أن الله موجود، وأن الخير موجود وأن علينا أن نحافظ على الأمل وأن نواصل العمل.

حين شاهدت “روبرت شيلدريك” أمس، وتأملت حضور محاضرته شعرت أن الدنيا بخير، وأن الإنسان مازال يحاول، وأن هناك من يقول جديدا مفيدا قويا مخترقا، كما أن هناك من يستمع لما يقال. أنا مسلم، وليس لى فضل فى ذلك، وأحب إسلامى حبا جما، وفضله علىّ  يغمرنى من كل جانب، فضله على معرفتى وعلى نوع وجودى وعلى إدراكى ليس له حدود، لكننى أعجز تماما أن أفهم كثيرا مما يفعله هؤلاء الذين يقولون أنهم يعرفون هذا الدين، وينتمون إليه بل ويمثلونه دون غيرهم، مثل هؤلاء الذين قتلوا الشهداء السبع فى بنى غازى، وقد قيل أن القتلة ينتمون إلى نفس دينى هذا، كدت لا أصدق! هل هذا صحيح؟ هل هذا معقول؟ هل ينتمون إلى المنظومة التى انتمى إليها الجندى المسلم فى الجزائر الذى أنقذ جارودى عاصيا أوامر رئيسه مطيعا أوامر دينه؟ جارودى أسلم لأنه رأى بعينى رأسه سلوكا بديلا عن ما عاشه قبلا وتربى عليه فتصور أن هناك بديلا حضاريا إيمانيا يمكن أن يهدى قومه إلى غير ما تورطوا فيه، فهو لم يسلم بسبب الإعجاز العلمى للقرآن، أو ليحتكر الجنة، حين وصلنى خبر جريمة بنى غازى النذلة الخسيسة لم أكد أصدق، كل الاغتيالات قبيحة وغادرة وكافرة وسافلة، لكن لماذا هؤلاء بالذات؟ هؤلاء المكافحين على أذرعتهم فى الغربة ليس لهم “فى الطور ولا فى الطحين” ولا فى السياسة ولا فى أوباما ولا فى القذافى رحمه الله، ما هذا؟ لماذا؟.

وصلنى أول ما وصلنى أن هؤلاء الشهداء: (1) “بشر”، وأنهم. (2) “فقراء”، وأنهم. (3) “عاملون يكدحون للبقاء” أحياء يعولون أسرهم الأفقر، وأنهم (4) “مسيحيون” مؤمنون. وأنهم (5) “مصريون”، بهذا الترتيب الذى أرجو أن يعنى لديك – عزيزى القارىء- شيئا، وبما أن الأرجح أن الذى قام بهذا الفحش الإبادى مسلم!! أو هو يتصور أنه كذلك، فقد جعلت أتساءل عن الذى كان يدور فى عقله ووجدانه، وماذا يعود على الإسلام والمسلمين (ناهيك عن الناس جميعا) من إزهاق روح هؤلاء النفر من: البشر، الفقراء، الكادحين، المؤمنين، المصريين، هل مثلا:

(1) سوف يوصل بفعلته هذه رسالة إلى سائر المسلمين أنهم انتصروا وتخلصوا من سبعة لم يكونوا على دينهم، فنقص الأعداء المتربصون سبعة؟!!!

(2) هل سوف تتحسن سمعة الإسلام لأن من يعتنقه مستعد أن يفعل أى شىء فى سبيل أن يثبت أنه يعتنقه جداً؟ لدرجة أنه يقلل من عدد من يخالفونه؟

(3) هل سوف يشعر هو أنه سيكون أقرب بذلك إلى رب المسلمين ؟ بل إلى رب الناس ملك الناس إله الناس؟

(4) هل سيستطيع أن يقبّل ابنته ذات الثلاثة أعوام قبل أن ينام؟ وهل سوف يتذكر بنات الضحايا فى الصعيد؟

(5) هل سوف ينام مع زوجته تلك الليلة وهو يعتقد أنها فخورة بما عمل؟

ومع ذلك فهذا كله أهون مما فعله ويفعله أوباما، ونتانياهو، وأصحابهما فى أفغانستان، وفلسطين، والعراق، وأوكرانيا، بل وليبيا نفسها، وسوريا، ومصر والبقية تأتى.

 لكن ما هكذا يكون الرد، “كل واحد يعمل بأصله”!! والمؤمن مؤمن بالله والحياة، حتى لو كفر وطغى كل الناس.

ماذا جرى للبشر؟ وماذا يفعلون ببعضهم البعض؟ ولم يعد هناك أنبياء جدد.

مرة أخرى: لسنا فى حاجة إلى دين جديد لكننا فى حاجة إلى ملايين الأنبياء.

 وقد بدأ توافدهم من كل صوب وحدب.

وربنا يعيننا على كل جبار، غنى، غبى، عنيد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *