الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (87) Biorhythmic Psychiatry عن القلق: قلق فرط الدراية (6) Hyperawareness Anxiety القلق المُـواجهى، والقلق المفترقى (5) Confrontational and Cross Roads Anxiety (5) قلق الإنذار الداخلى (ورهاب الموت)

الطبنفسى الإيقاعحيوى (87) Biorhythmic Psychiatry عن القلق: قلق فرط الدراية (6) Hyperawareness Anxiety القلق المُـواجهى، والقلق المفترقى (5) Confrontational and Cross Roads Anxiety (5) قلق الإنذار الداخلى (ورهاب الموت)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد21-8-2016

السنة التاسعة

العدد:  3278

الطبنفسى الإيقاعحيوى (87)

 Biorhythmic Psychiatry

      عن القلق:

قلق فرط الدراية (6)

Hyperawareness Anxiety

القلق المُـواجهى، والقلق المفترقى (5)

Confrontational and Cross Roads Anxiety (4) 

قلق الإنذار الداخلى (ورهاب الموت)

مقدمة

سبق أن تناولت أغلب ما تبقى من أنواع هذه المجموعة (قلق فرط الدراية) فى ملف الوجدان، وكان تناولى لها فى حضورها الطبيعى كتجليات لغزائر فطرية تتجلى فى صورة وجدانات وإدراكات متنوعة، ولم أتعرض لعلاقتها بالقلق الناتج عن فرط الدراية بها، وإن كنت قد تعرضت إلى نتائج الوعى ببعضها سلبيا وإيجابيا.

 ونظرا لقلة المشاركين فيما أحاوله، وندرة المعقبين، فإننى لا أجد حرجا فى إعادة ما قدمته، مع إضافة محدودة عن علاقة ذلك “بالقلق” موضوعنا هذه الأيام، سوف أواصل الحديث عن أنواع قلق فرط المواجهة وسوف نتناول اليوم ما أسميته:

 قلق الإنذار الداخلى:

 أعنى بهذا تحديدا: حالة من القلق تتعلق بالإدراك العميق (غير الظاهر ابتداء) الذى قد يتحول نتيجة للتركيز عليه وأحيانا للعقلنة أو سوء التفسير، وأحيانا للمبالغة، يتحول إلى مخاوف محددة نتيجة لفرط الدراية بالواقع الداخلى، وبالذات بما يتعلق بالوجدانات، والدفاعات التطورية الفطرية، أو قد يظل فى صورة مخاوف غامضة لها مظاهرها فى التوتر والعصبية مما وصفنا به القلق عموما.

وبالنسبة لهذا النوع الذى سوف أتناوله اليوم فإننى سوف أركز على خلفية نفسمراضية (سيكوباثولوجية) لما هو رهاب الموت Phobia of death، وهو – مثل معظم الرهابات – نوع من القلق المحدد الموضوع: إسقاطاً أو إزاحةً أو غير ذلك، علما بأن الرهابات عموما قد يصاحبها أو لا يصاحبها نوع من القلق المتماوج الطافى Free Floating Anxiety

علاقة الغرائز بالوجدان بالقلق:

الفكرة الأساسية التى جعلتنى أطلق هذا الأسم على هذا النوع من القلق هى أننا نمارس حياتنا بكل ما هو نحن، بكل تاريخنا التطورى، لكن بعد أن وصلنا إلى مرحلة الإنسان الراشد تنظّمَ تركيبنا بما يساعد استمرارنا بشرا، دون تقزيم أو اختزال، تتجلى الغرائز وتـُفعلن فى صورة وجدانات أو ميول أو نزوعات، لكن التربية، خاصة فى ثقافتنا، تعتـِّم على هذه الحقائق فى كثير من الأحيان، فإذا سمحت لها، فإنها تسمح لها بشروط من خارجها، قد تكون شروطا تكيفية مفيدة، وقد تكون شروطا قامعة كابتة معطلة، ويتناسب تعاملنا معها مع درجة السماح، وأيضا مع فرص التفعيل والممارسة، فإذا اختل هذا التوازن ووصلت درجة عدم التوازن إلى درجة ولو متواضعة من الدراية ، ظهر ذلك فى صورة قلق متماوج عام، أو تحدد فى أحد أنواع الرهابات أو غير ذلك.

مفاجأت وصعوبة واقع الداخل

أن تصل إلينا طبيعة وماهية الواقع الداخلى ليست مسألة ثانوية كما أنها ليست خاصة  بفئة من البشر دون سواهم، وأيضا هى ليست مرادفة لما يسمى التأمل الباطنى، وفى نفس الوقت هى ليست مطلوبة ولا هى مزية طول الوقت، وأيضا هى ليست ثانوية أو عبثية أو عشوائية، وحين تصلنا بعض ملامح هذا الواقع قد نقبله، وقد نرفضه، وقد نحوّره (بميكانزمات ظاهرة أهمها العقلنة أو بما لا نعرف من ميكانزمات أخفى) وقد نختزله وقد ننكره، فيضطر هذا الواقع أن يتحرك كما هو بعيدا عن كل هذه الحيل فى أحلامنا، وحين يتحرك فى أحلامنا فقد نلتقط منه بعض ما ظهر على سطح حركته فنكملها أو نشوهها أو نبِّدلُهاَ (كما جاء فى ملف الأحلام بالطول أو بالعرض) حتى نكاد لا نتعرف عليه أيضا، ومع كل هذا تظل احتمال إدراك بعض معالمه على مستوى ما اسميناه الدراية، قائمة، ومفيدة، ودافعة، وأساسية: حتى لو لم نعلم نحن عن تفاصيله شيئا.

وفى خبرتى الشخصية، والمهنية، والحياتية: وصلنى أن داخلنا  – كما خلقه الله – هو واقع رائع، لعله أروع من الواقع الخارجى، وأيضا ربما أجمل و أصدق من الواقع الذى نتمناه أو نصنّعُه تصنيعاً.

انتبهت مرارا حتى تيقنت أنه إذا احتدت هذه الدراية بغض النظر عن إعلانها أو تفاصيل إدراكها أو احتمال حكْيِها أصيب الإنسان بدرجة من الدهشة تتناسب درجتها مع درجة تصالحه مع هذا الواقع من قبل وحالا، وأيضا تتوقف على نشاط وفاعلية “برنامج الدخول والخروج” بين مستويات الوعى الذى هو أحد تجليات نشاط الإيقاعحيوى طول الوقت، ويختلفت الناس فى نوع وقدرتهم على احتمال رؤية هذا الواقع، مع أنه عادة ما يحمل حقائق رائعة بعضها تنّاسُقِى تآلفى، وبعضها منذر مفيد، وبعضها حافز إبداعىّ، ويترتب على نوع هذه الرؤية وحجمها درجة من الخلخلة والتعتعة والحلحلة تظهر فى تجليات مختلفة من بينها ما اسميته هنا  “قلق النذير الداخلى”، ولا أعنى بالنذير المعنى الشائع بقدر ما أعنى به المفاجأة والدعوة لإعادة النظر، أو الحفز على مواصلة السعى، أو التوصية بالإحاطة بمساحة أكبر من النفس أو غير ذلك.

وما دمنا قد حددنا موضوع اليوم بهذا الاسم فسوف اقصر وصف النذير على ما يقابل الإنذار الداعى أساسا للإلمام بأصل التركيب البشرى الذى أهملناه أو شوهناه أو أبدلناه، نحن أو من تيسر ممن حولنا من بشر محيط وسوف أكتفى اليوم بالحديث عن إنذار شائع ومؤثر بقدر ما هو مخيف ومعتم وهو “نذير بالموت”!! (لعله يكون مثالا لغيره)

وجدان (غريزة)  “الوقتية”  Temporality و”عاطفة” الوعى بمحدودية العمر

” ….من خلال فرض بلوتشيك عن إشكالة أصل الأنفعالات (فالعواطف) الأولية، (نشرة 15-9-2014) وأيضا بالاستعانة بما كتبه، روبرت لانج(1)عن تطور العقل الانفعالى الاعتمالى ، وقد خصص جزءا مهما ضمن “سيناريو العقل الانفعالى”، بعنوان “حل إشكالتىْ الموت والعنف” (2)   (نشرة 6-10-2014) لاحظت أن لانج قد ذهب إلى تفسيرات وتأويلات مثل التى أشار إليها بلوتشيك بشكل أو بآخر، دون إشارة إلى بلوتشيك، لكن المهم أنه أقر باحتمال إدراك الكائن الحى حتمية نهايته كفرد، وأن العقل الانفعالى يتعامل مع  هذا الإدراك الكامن (والظاهر أحيانا عند الإنسان) بحلول مختلفة، لن أتمادى فى تفصيلها، فقد ذكرتها من قبل بما يكفى، فأكتفى الآن بالإشارة إلى أن أهم حل نتناول به هذه الحقيقة هو الإنكار ثم الكبت على كل المستويات، سواء كان إنكارا دائما، أم مؤقتا أو متذبذبا، وقد رجحت أن الكائن الحى تصله رسالة نشاط هذا النزوع من خلال مشاهدته اختفاء، أو سكون حركة مَنْ حوله من أفراد نوعه، أو غير نوعه، خاصة  لو كان سبب هذا الاختفاء هو الافتراس.

افتقدت عند لانج، مثلما افتقدت عند بلوتشيك، أية إشارة إلى احتمال تطور هذا الوجدان أو الغريزة أو النزوع: “الوقتية” إلى الوعى بتطوير الحرص على، والسعى إلى الامتدادا إلى دوائر أوسع فأوسع من الوعى المتصاعد فى تناغم مع المحيط المفتوح النهاية، وهو ما يصلنى أنه “الإيمان  الخلاق”، وبالتالى ينقلب الرعب من “الوقتية” إلى  الوجدان الأرقى، الذى يعلن نجاح الإنسان فى قبول نعمة الله التطورية إليه، (وهى التى سوف نعود إليها قريبا عند الحديث عن “القلق الكونى”) أقول افتقدت ذلك، لكننى لم أتردد فى قبول توقفهم عند ما تسمح به ثقافتهم ومناهجهم..

21-8-2016_1

أود أن أعترف بمفاجأة طيبة أخرى مرتبطة اشد الارتباط بالسبيل  الذى أتبعه وانا أحصل على المعارف التى أستمد منها فروضى وهو تعدد مصادر المعرفة وتكاملها، وأيضا تعدد المناهج واحتمال تفاعلها،….” وأكتفى الآن بأن أثبت بعض عناوين هذه الأعمال النقدية   فى الهامش وكلها تقريبا تتناول كيف تناول الإبداع الأدبى هذه المشكلة، أعنى  الوعى بحتمية الموت بطريقة أعمق وأرسخ من تناول كثير من العلوم النفسية، وإن كان علىّ أن أعترف أن تناول الطب النفسى التطورى، وعلم النفس التطورى، به من الإبداع ما يرقى إلى الإبداع الأدبى دون أن ينقص من علميته شيئا.

المهم من كل ذلك أن نقبل أنه ما دام لكل نوع من الأحياء مدى عمر معين، بمعنى أنه مهما طال عمره فإن له نهاية، فإن الإضافة هى أن هذه الحقيقة تصل إليه غالبا بوسيلة لا نعرفها عند كل الأحياء بشكل أو بآخر، بما بستتبعه ذلك من توقع النهاية بشكل أو بآخر، بما فى ذلك من آثار وتداعيات إيجابية أو سلبية.

……. وقد استبعدت أن يصل الوعى بهذا النزوع أو الغريزة عند أى من الأحياء  إلى أية درجة من الدراية وهو فى الإنسان موجود بدرجات مختلفة، فالأرجح عندى أن يكون له تأثير غير مباشر لكنه يقوم طول الوقت بكل من  تنشيط كل البرامج البقائية للحفاظ على الحياة، وأيضا  للحفاظ على النوع (بالتكاثر)، وأضيف: بالنسبة للإنسان – وغالبا لكل الأحياء – وربما لغير الأحياء: الحفز إلى السعى إلى الامتداد فى وعى أكبر وأكثر تناسقا، وعى لا يرتبط بالضرورة بعامل الزمن!! والأرجح عندى أن كل الأديان قد حرصت – كل بطريقته – على الإرشاد إلى الطريق نحو المصير الإيجابى لهذا النزوع الطبيعى باعتباره  برنامجا بقائيا للنوع، وارتقائيا للفرد، ومن ثم للنوع.

تختل الطبيعة البشرية بالصدفة أو بفعل فاعل فيتشوه هذا النزوع، فتكون النتيجة فى ابشع صورها فى صورة ضلال الخلود (3) أو ما يكافئه، وهذا الضلال ظاهرا أو خفيا عادة ما يُدعم بكل سلبيات السلطة، وأوهام المبالغة فى قيمة الهوية الفردية، مما يستتبع محق الآخر، ونفيه من موطنه أو إذلاله فى موطنه بكل الأساليب القهرية والاستغلالية والاستعمالية دون استبعاد الحروب الاستباقية والاحتلالات الاستيطانية، ..إلخ.

هذا، وقد تقتصر حدة الدراية على مرحلة قبل التحديد فى رهاب بذاته، أو الرفض بضلال إنكارى، أو الاغتراب فى فعل يغلق فاعلية النمو والتطور والإبداع، تقتصر المضاعفات على ظهور أعراض “القلق” استجابة لهذا النذير الداخلى وهذا هو المبرر لإقحامه فى مجموعة “قلق فرط الدراية”.

خلاصة القول:

 إن الفرد فى أحوال النمو السوية وهو يحافظ على حياته طول الوقت، لا تغيب عنه نهايته كفرد، مع وعى نسبى خفى أن هذه النهاية المحسومة هى لصالح النوع، وفى نفس الوقت هو يمارس جدله الإبداعى ليحقق امتداده فى اتساقه مع وعى أكبر ممتد بلا نهاية فيما هو حركية الإيمان، أما إذا ما اختل هذا التوازن، ووصل إلى درجة ما من الوعى  دون التحول إلى ضلال الخلود أو رهاب الموت ، فهو قد يظهر فى صورة قلق متماوج مجهول هو الذى اسميناه  “قلق النذير الداخلى”.

 

[1]- Robert Langs “The Evolution of the Emotion-Processing Mind  (With an Introuduction to Mental Darwinism)  Copyright: 1996

[2]-  Solving the problem of death and violence

[3] – أنظر نقد الكاتب فى كل من: (1) ملحمة الحرافيش “دورات الحياة وضلال الخلود ملحمة الموت والتخلق“. (2) النقد المقارن بين ساحر الصحراء وابن فطومة “الأسطورة الذاتية: بين سعى كويلهو، وكدْح محفوظ” (3) النقد المقارن بين ملحمة الحرافيش وحضرة المحترم  تشكيلات الخلود بين “ملحمة الحرافيش”، و”حـضرة المحترم”. (4) “الموت‏ … ‏الحلم‏ … ‏الرؤيا” ‏(‏القبر‏/‏الرحم‏) قراءة فى أفيال فتحى غانم – مجلة “الإنسان والتطور” عدد يوليو 1983. (5) (“القتل‏: ‏بَين‏ ‏مقامى ‏العبادة‏ ‏والدم”‏  ‏فى ‏ليالى ‏ألف‏ ‏ليلة) مجلة “الإنسان‏ ‏والتطور”‏ عدد يوليو 1984 –  (6) “دورات الحياة وضلال الخلود ملحمة الموت والتخلق “فى الحَرافيش” مجلة فصول المجلد التاسع، العدد الأول والثانى سنة 1990.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *