الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبى [1 من 3]

السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبى [1 من 3]

نشرت فى الدستور

2-4-2008

   تعتعة

السياسة واللغة الشبابية والتراث الشعبى [1 من 3]

عِتْبِت عَالوقت قال لى الوقت: إيهْ مَالكْ

عمّال بتبكِى من الأيامْ، إيهْ مَالكْ

إللىّ جرالَكْ يكون فى الأصل إهْمالَكْ

*  *  *

عِتْبِت عَ الوقْت قال لى الوقت: وانا مالى

أنا كل ما اعطيك تفضِّى الجيب، وانا مالى

إعمل لنفسك “قانون” وى بَطّل اهْمَالَكْ

“وانا مالى” فى الشطر قبل الأخير يعنى: أنا أملأ، قرأتها أعطيك قروضا، داخلية أو خارجية… إلخ).

هل هذا الموال يحتاج إلى تعليق؟ متى ابتدعه الوعى الشعبى؟ وهو لم يكن يعرف لا: د.نظيف ولا أحمد عز، ولا د. بطرس غالى؟ متى سُجل؟ كيف حفظه الزمن؟ كم من الوزراء يعرفونه؟ وهل إذا عرفوه سوف يعيدون النظر فى أخذ القروض، وتفضية جيوب خزانة الدولة؟ (لأن جيوب الناس لا تحتاج إلى تفضية!)

 القانون الذى توصى به نهاية الموال ليس هو قانون الطوارئ، ولا قانون مكافحة الإرهاب، ولا قانون تنظيم الفضائيات، لأن حقبة تاريخ ظهور المّوال لم تكن بحاجة إلى كل هذه القوانين.

وبعد

حين قدمت أطروحتى فى ندوة اللغة فى المجلس الأعلى للثقافة لجنة الثقافة العلمية، كانت بعنوان “حركية اللغة بين الشعر والشارع” وكان التساؤل جاهزا عن علاقة الشعر، بالشارع، باللغة فى تطورها وتدهورها، قد يكون سهلا أن نشرح كيف يحرك الشعر اللغة فيحييها، ولكن إيش أدخل الشارع فى حركية اللغة، فما بالك بحركية السياسة؟

 زادت دهشة حضور الندوة بعد أن بدأت التقديم، وقرأت على وجوه الحضور قدراً ليس قليلا من الرفض والحذر وأنا أتكلم عن الشارع “الآن”، وبالذات عن اللغة الشبابية، وأكاد أدافع عنها (لاحظ أننا فى المجلس الأعلى للثقافة شخصيا)

فى تعتعة سابقة قلت إننى تعلمت السياسة من على المصْطَبة (وليس “المضبطة” كما صححوها لى، الله يسامحهم)،  السياسة مثل اللغة، يبدأ حراكها من القهوة، ومن الغرزة، ومن السويقة، ومن الشارع، ومن المدرجات، ومن الملاعب، ومن الطوابير، ومن داخل قطارات الدرجة الثالثة بالذات، السياسة مثل اللغة كائن حى، هى ليست طلبات توصيل المنازل (ديلفرى) تأتى ساخنة، ولاهى  بناء “سابق التجهيز”، علينا أن نستورد وحداته “على التشطيب” من البنك الدولى أو الكونجرس الأمريكى.

اللغة الشبابية التى يرفضها الصفوة حتى قبل أن يستمعوا إليها، وقبل أن يتأملوا معنى ظهورها، تقابل المثل العامى قديما، وربما تقوم بدوره، تماما مثل هذا الموّال الذى بدأنا به التعتعة اليوم، الشعر يحفز حركية اللغة بتشكيل سياق تدب فيه دلالات الألفاظ بشكل جديد، فتحيى الموتى، وتبعث الحياة، الشارع كذلك يخلّق اللغة تخليقا، هكذا بدأ الشباب فى الشارع بالنسبة للغة، فهل تمتد الموجة السياسة؟

ضبطُّ نفسى متلبسا بوصف موت اللغة فى شعر عامىّ قديم حين قلت

اللّفظ ماتْ مِن ركْنِته

من لعبة العسكر وطول تخبيّتُهْ

ظرف رصاص فاضى مِصَدّى فْ علبتُه

لما القلم سنّه اتقصف

عَمَلْتُه تلبيسهْ تمكِّن مسْكِتُهْ

واهى شخبطَهْ

هى ليست شخبطة تماما هى لغة جديدة، بدأها الشباب، وعلينا أن نفهم مغزى ظهورها إذا كنا نريد أن نحافظ على حيوية لغتنا،

 ويبدو أن هذا هو ما أملتُ فيه من قديم حين قلت فى نهاية القصيدة المقدمة:

اللفظ قام رقدته

ربك كريم ينفخ فى صورته ومعنِتُه

يرجع يغنى الطير على فروع الشجر … (إلخ “أغوار النفس”)

هذا الطير ربما يكون الشاعر، وربما يكون الشارع.

التدهور الذى يلحق باللغة القائمة يتمادى حين تعجز الأبجدية القديمة (القائمة) عن استيعاب الحاجات الحاضرة، وحين يتزايد الاغتراب السلبى، ويتفكك المجتمع، وتزيد الشرذمة الإعلامية والكليّباتية، فتظهراللغة الجديدة،

هل ينطبق ذلك على السياسة؟ ياليت!!

الشعر – بمعناه الأوسع – نشأ فى الشارع قبل أن يكتب أو ينشر أو يلحن، الشعر من أهم معالم الحضارة الشفاهية (أصل اللغة) الملاحم بتاريخها التليد هى وليدة الشارع أيضا (وهى شعر كذلك)، الأساطير – وهى شعر آخر- هى عمق نبض شارع التاريخ بامتدادها الأسطورى، الأمثال العامية، بما فيها من نقد وتعرية وحكمة، هى كاريكاتير مجسم، أو شعر مكثف!.

اللغة الشبابية تشير إلى مثل ذلك.

ومن هنا السياسة!!

كيف؟ هذا ما سوف نراه معا لاحقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *