العتاب على الشعب [2 من 3]

نشرت فى الدستور

 9-4-2008

 تعتعة

العتاب على الشعب [2 من 3]

حين قرأت الجزء الأول من هذه السلسلة “السياسة والتراث الشعبى”، بنية استكمالها، تنبهت إلى أن استشهادى بالموال الذى ذكرته كان حسن النية بالحكومة والحكام، فوجب التصحيح: يقول أول الموال:

عِتْبِت عَالوقت قال لى الوقت: إيهْ مَالكْ

عمّال بتشكى من الأيامْ، إيهْ مَالكْ

إللىّ جرالَكْ يكون فى الأصل إهْمالَكْ

هذا المثل لا ينطبق على حكامنا الأفاضل، فهم – غالبا – لا يشكون (ولايبكون: قولٌ آخر)، وهم لا يعتبون على الوقت، هم عادة يعتبون على الشعب: لأنه يأكل أكثر مما ينبغى ، بدليل صور البدانة لنسائنا خاصة فى طوابير الخبز، وأنه شعب بليد: بدليل تدهور التعليم (الحكومة مالها؟ الشعب هو الذى “لا يذاكر”) كما أن هذا  الشعب هو الذى ينجب بإفراط، (فالرجل منهم لا يتحمل أية مسئولية وهو ينام مع زوجته، ثم زوجته…عيب كذا..!) فتتزايد المواليد مع سبق الإصرار لإغاظة الحكومة، العتب إذن على الشعب، لا على الوقت، ولا على البخت.

وحين يجد الحاكم الفاضل أنه “غُلُبْ غلابه” من الشعب، فإنه يلقى اللوم على الأسعار العالمية، والمؤامرات المؤامراتية، والظروف غير المواتية ..إلخ، وبالتالى فهذا الحاكم الذى أدى ما عليه بالتمام والكمال لا يعتب على الوقت، وبالتالى فالوقت لا يخاطبه وهو يقول: “إللى جرى لك يكون فى الأصل إهمالك”.،

ويبدو أن هذا الشعب خبيث من قديم الزمان، فهو الذى قال:

“إداين وازرع ولا تداين وتبلع”

لهذا المثل قراءتين: فهو يسمح بالاستدانة على شرط أن تكون استدانة للانتاج لا للاستهلاك، نستدين لنصلح الأرض ونزرع القمح، لا لنشترى القمح ونأكله خبزا (إن وجد)، أو “كرواسونا، وتورتة”  (لمن نسى كلمة خبز)، أما القراءة الثانية، فيمكن أن تصلنا على أن المثل يقول: ما دمت قد استدنت، فاصرف الدين فى محله للتنمية، ولا “تبلعه” فى بطن سعادتك أنت وبطانتك تحت عنوان المكافآت وبيوت الخبرة والذى منه.

مثل آخر يقولها صراحة:

كل شىء بالبختْ، إلا القلقاس ميَّه وفحْت

يقول الشعب إن إدارة السياسة – يا سادتى- لا تكون بالتمنى، أو التوجيهات العليا الإسعافية، لأن زراعة القلقاس – كمثال- تحتاج إلى أرض نصلحها، كما تحتاج إلى مياه ترويها، القلقاس يا سادة – المثل اللى بيقول- لا ينمو بحسن النية أو بالدعاء بالحظ السعيد

مثل آخر ينبه إلى ضرورة الحسم، وخدعة الاكتفاء بالفرحة بتوقيع الاتفاقات:

إللى بِدَّكْ تمضيهْ اقضيهْ

واللى بِدَّكْ ترهِنْه بيعُهْ

توقيع البيانات والاتفاقات مع دولة أو مستثمر، ليس نهاية المطاف ما لم يرَ الناس نتائجها على أرض الواقع، اما المشروعات التى تثبت أنها خاسرة فعلا، فلا ترهنها لتصحح الخسارة بخسارة أكبر، الحسم  يُلزم بأن تتخلص من المشروع الخاسر (لستُ متأكدا أين يقع مشروع توشكى فى ذلك!) لتبدأ فورا من جديد فيما يفيد.

هذه الأمثلة ظهرت قبل جلوس حكامنا على كراسيهم، فهى لا تعنيهم لا هى، ولا ما يلى:

مثل يرجعنا إلى أصل المصيبة

“إن كان فى العمود عيب يبقى مالأساس”

مثل يبرر عدم الاستقالة

“خليك فى عشك لما ييجى حد ينشك”

مثل يدعوك لتحويل التوجه إلى مصادر أكثر ثقة (مثلا: تنويع مصادر التسليح، أو لعل هذا هو ما حدث فى تمويل السد العالى)

“إن طاب لَكْ طاب لَكْ

وان ما طاب لك ،حوّل طَبْلَكْ”

وأخيرا مثل ينبه إلى التعلم من فشلنا المتكرر فى سلوك هذا الأسلوب بالذات

“إن كنتوا نسيتوا اللى جرى، هاتوا الدفاتر تتقرا”

أنا لم أؤلف هذه الأمثال، وعلى السلطات أن تبحث عمن ألفها من قرون (غالبا)، فهو المسئول أولا وأخيرا، وهو ليس صديقى، ولا يعرف أصلا معنى كلمة “تعتعة”، كما لم تصله أية أخبار على أنه سيولد على أرض الكنانة واحد اسمه إبراهيم عيسى يدعونى للكتابة .

أمثلة أخرى كثيرة تتعلق بصبر الناس على من لابد أنه سيرحل أو .. (لا دائم إلا وجه الله)،

ومثل آخر قد يفسر علاقتنا الحميمة بأمريكا (حين نتيقن أنها تملك 99% من الأوراق) .

“الإيد إللى ما تقدرشى تقطعها بوسها”

وأيضا:

اللى ما تقدرشى توافْقُه نافْقُه

هكذا يحدد الشعب قواعد كل من “السياسة الخارجية”، والسياسة الداخلية، على حد سواء.

فالعتاب أخيرا، كما كان أولا، هو على الشعب (هو اللى قال “بوسها”، وأيضا هو اللى قال “نافقه”)

إيه!!؟ الله! مالَكْ؟ !

مِنّك للشعب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *