الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / يا ليل وانا سِجْنى بامْبُو .. وانْ ما كسرتوش دا ذنبى!

يا ليل وانا سِجْنى بامْبُو .. وانْ ما كسرتوش دا ذنبى!

نشرت فى الدستور

 12-11-2008

تعتعة

 يا ليل وانا سِجْنى بامْبُو .. وانْ ما كسرتوش دا ذنبى!

كان يوسف إدريس يقول لى إن المبدع مثل “الناضورجى” الذى يجلس على أعلى سارى السفينة الشراعية العملاقة وهو يراقب (ينضر) بنظره الثاقب الأفق ليلمح أى خطر يمكن أن يهدد الرحلة، بالذات من القراصنة أو الأعداء، وهو بذلك يستطيع أن يطلق إشارة الانذار فيستعد الجميع بما ينبغى كما ينبغى، كذلك المبدع يرى الأحداث (حتى أحيانا المخترعات العلمية) قبل أن تحدث بعقود أو قرون أو أكثر، وهو عادة بإبداعه لا يكتفى برصد الآتى، بل يساهم فى التخطيط لمواجهته والتنبؤ بمساره .

هل كان صلاح جاهين هو هذا المبدع الذى رأى تطور قضية العنصرية فى أمريكا حتى الأحداث الأخيرة التى نصبت أوباما رئيسا لأمريكا (فالعالم غالبا!)؟ كيف استطاع حدسه الإبداعى وهو يكتب قصيدته “التفريقة” التنبؤ بنتائج ودلالات هذه الانتخابات الأخيرة هكذا؟ كيف راح ينبهنا نحن فى أفريقيا (الممثلة للعالم المظلوم المسحوق) ألا تعتمد على هذا الفوز، وأن علينا إن أردنا أن نفرح بهذا النجاح، برغم أننا لم نساهم فيه بشكل مباشر، علينا حتى بعد الفوز أن نكسر سجننا بأنفسننا، وإلا فالذنب ذنبنا .

هل لاحظ أحد حين قرأ هذه القصيدة فى أول نشرها 1977 (أو فى أى وقت) تلك التفرقة الواضحة التى قصدها صلاح: بين “كلام الرجل الأبيض”، و”كلام الولد الأبيض”؟ وأن الرجل الأبيض الوصى على الأسود وغير الأسود كان هو إنسان أمريكا العنصرية القديم المغرور المتغطرس، فى حين أن الولد الأبيض كان هو الشاب الأمريكى أيضا (بغض النظر عن العمر السنى)، أعنى بالشاب ذلك الأبيض الواعى القادر على التغيير بغض النظر عن السن، وهو هو الأسود الواعى صاحب الصوت الانتخابى.

يقول “الرجل الأبيض” (بوش / ماكين/ أو أى أبيض قفاه أحمر …إلخ) ، يقول:

أبيض، وفنطازيه،

 ومراتى ألمظّيه،

 وربنا اصطفانا،

 عشان حُمرة قفانا،

 وشيّلنا الأَمانة،

 اللى تٌقْل الرزيّه.

هل تذكرون بوش وهو يدعى النبوة فيصور أنه حامل أمانة تقسيم العالم إلى محور الشر ومحور الخير، وبناء عن هذه الأمانة “اللى تقل الرزية” راح يقتل، ويعذب، ويكذب، ويشرد حتى خربها، والحمد لله لم يقعد على تلها.

جاهين جعل الرجل الأسود (كولين باول ومارتن لوثر كنج …. الخ)، يردد فى وعى الناس طول الوقت :

أَسود، ودمّى حامى،

 حامى الحمى ياحامِى،

 مافيناش لونكم ولونّنا،

 ماما مدِّيـَاهولنا…

ومشهِّده  المحامى.

شهادة المحامى كانت تمثل فى القصيدة التقاليد الثابتة الغبية التى ضربها الولد الأبيض مؤخرا فى هذه الانتخابات لأنه برغم أن المحامى “شايب وشكله رائع، حافظ كل الشرائع”، إلا أنه أعلن بخيبة بليغة أنه “لابيض –ودا رأى شائع– أبيض والزنجى زنجى”!!.

يقفز الشباب (بالمعنى السابق) الأمريكى الأبيض ناخباً، راقصاً، يغنى:

“والله “الجلاس” ماادوقه،

 يا الزنجى ينول حقوقه!

 تلميذ، وباستهجّى،

 لكن فى الرأَى.. حجه!

 العالم بدُّه رجَّه،

 عشان تمسح فروقه!

الرجَّة جاءت فعلاً، بفضل هذا الناخب الشاب (مهما كانت سنه) وأيضا بفضل فشل بوش الذريع أن يحقق بكل قسوة عنصريته وغباء تعصبه، أن يحقق أى شىء، إلا الخراب والقتل والإبادة.

هذا الذى حدث صالحَنَى على جانب من الديمقراطية: وهو قدرتها على تصحيح أخطائها بنفس الآلية، وهو الجانب المشرق الذى حاول شيخى محفوظ أن يوضحه لى سنين عددا، وأنا أبداَ، ها هو الزمن يوضحه لى برغم استمرار شكوكى فى تفاصيل التفاصيل و(لهذا حديث مؤجل)،

 ينجح أوباما ويرقص العالم وفى مقدمته الرجل الأفريقى، وتلوح مخاطر الاعتماد على حل فردى يقوم به أوباما “المنتظر”، وهذا هو الخطر، دعنا نتذكر أن جاهين كان يتصور – فى آخر القصيدة – أن السود فى أمريكا لن يأخذوا حقوقهم إلا إذا نهضت إفريقيا أولا (عاوز صراحة وحقيقة: الحل يابنى فى أفريقة)، لكن يبدو أن بيض وسود أمريكا قد تقدموا الركب بهذا الذى حدث، وعلينا أن ندفع نصيبنا فى النجاح (لا أن ننتظر أن نأخذ حقنا جاهزا) نفعل ذلك دون تبعية أو انتظار معجزة، كما نبهنا صلاح من ثلاثين سنة:

ياليل . . والبدر بمبى . .

يا ليل . . وأَلم فى جنبى . .

يا ليل . . مقدرش أَنامْ بُو . .

يا ليل . . و “لومومبا” قامْ بُو . .

يا ليل . . أَنا سجنى بامبو،

وان ماكَسرتوش . . ده ذنبى!

شكراً للشعب الأمريكى،

 شكراً لهذا الجانب من الديمقراطية (غصبا عن حبة عينى)

مبروك للناس، كل الناس

 وعليهم أن يتحملوا مسئولية تفاؤلهم !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *