الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / الثورة والحضارة والمدنية والمسئولية

الثورة والحضارة والمدنية والمسئولية

اليوم السابع

الأربعاء: 23-10-2013

الثورة والحضارة والمدنية والمسئولية

الثورة حركة إبداعية جماعية تعلن نقلة نوعية فى اتجاه طفرة حضارية لم تستطع المؤسسات القائمة بخطئها وصوابها أن تستوعبها بالسرعة المناسبة والإيقاع اللازم، لكنها (الثورة) ليست نهاية المطاف ولا غاية المراد، لا يوجد شىء اسمه الثورة للثورة.

نبدأ ‏بالتذكرة‏ ‏بالنقلة‏ ‏من‏ ‏البربرية‏ ‏إلى ‏المدنية‏ ‏حيث‏ ‏يرجح‏ ‏أغلب‏  ‏المؤرخين‏ ‏والمفكرين‏ ‏أن‏ ‏المدينة‏، ‏وماتمتعت‏ ‏به‏ ‏واكتسبته‏ ‏من‏ ‏أدوات‏  ‏هى ‏المسئولة‏ ‏عن‏ ‏تكوين‏ ‏المدنية‏، والمدنية إحدى واجهات الدولة الحديثة، ثم إن ‏العمران‏، ‏بمايقدم‏ ‏من‏ ‏فرص‏ ‏وخدمات‏  ‏وتنظيمات‏ ‏تقوم‏ ‏بها‏ ‏مؤسساته‏ هو‏ ‏المسئول‏ ‏عن‏ ‏نشأة‏ ‏واستمرار المدنية‏ ‏فالحضارات على المدى الطويل.

ولكن ‏هل‏ ‏مجرد‏ ‏اكتساب‏ ‏أداة‏ ‏العمران‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏كاف‏ ‏لإنشاء‏ ‏حضارة‏؟ خاصة وأن من‏ ‏أهم‏ ‏أدوات‏ ‏العمران‏ ‏الآن‏: ‏الحصيلة‏ ‏العلمية‏ ‏المتاحة‏ ‏للشخص‏ ‏العادى، ‏والحصيلة‏  ‏التكنولوجية‏ ‏فائقة‏ ‏المعاصرة‏ ‏الجاهزة‏ ‏لاستخداماته‏؟ ‏هذه الأدوات أصبحت تمثل تحديات جديدة تلزم بحسن الاستعمال، ماذا وإلا!!

 ‏حتى تكون مدنية لا بد أن توجد دولة لها مؤسسات، وحتى تكون حضارة لا بد أن تستمر هذه الدولة وقتا طويلا يسمح لها بأن تنظم سلوك الناس حتى يغوص معنى الحياة فى وعيهم الجمعى فيواصلون الإسهام فى تقدم البشر وهم يبنون مستقبلهم معا نحو الأفضل.

فى بعض فترات التاريخ قد يحدث انفصال بين ما هو دولة مدنية على ناحية، وبين ما هو حضارة على الناحية الأخرى، فقد تتوفر‏ ‏الأداة‏ ‏العمرانية‏ ‏لفئة‏ ‏من‏ ‏البشر‏ ‏فى ‏أكثر‏ ‏المدن‏  ‏تمدنا‏ ‏وأوفرها‏ ‏تقنية‏ ‏ومعاصرة‏ دون أن يتعمق وعيهم الجمعى إلى ما يشير إلى حمل مسئولية البشر محليا فعالميا ليعلن قدرته على تحول حضارى إلى أفضل.

الحضارة إذن ليست مرادفة تلقائيا للمدنية، ‏فينبغى ‏أن‏ ‏يرتبط‏ ‏تعريفها‏ ‏بإضافات‏ ‏نوعية‏ ‏تحدد‏ ‏موقف‏ ‏الإنسان‏ ‏المستعمِل‏ ‏لهذه‏ ‏الأدوات‏، ‏وإنما‏ ‏تسمى ‏المدنية‏ ‏حضارة‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏وعى ‏إنسان‏ ‏عصرها‏ ‏مسئولية‏ ‏امتلاك‏ ‏هذه‏ ‏الأدوات‏ ‏لدرجة‏ ‏تسمح‏ ‏بممارسة‏ ‏استعمالاتها‏ ‏لما‏ ‏يحقق‏  ‏تعمير‏ ‏الأرض ويقاوم خرابها ويدفع إلى تطوير  ‏ ‏البشر ‏لا‏ ‏تشويههم‏ ‏أو‏ ‏تقزيمهم‏ أ‏و تمزقهم‏.

 ‏على ‏أن‏ ‏‏تطور‏ ‏البشر‏ ‏هذا‏ ‏لا يقاس فقط‏ ‏بإنجازات‏ ‏الصفوة‏ ‏فى ‏مراكز‏ ‏البحث‏ ‏وعروض‏ ‏المتاحف‏ ‏وبراءات‏ ‏النشر‏، ‏ولكن‏ ‏يدخل‏ ‏فى ‏التقييم‏ ‏والقياس‏ ‏نوعية‏ ‏تعامل‏ ‏الناس‏ ‏مع‏ ‏بعضهم‏ ‏البعض‏،  ‏وعمق‏ ‏مشاعر‏ ‏الأخوة‏ ‏الإنسانية‏ ‏التى ‏ترسى ‏قواعد‏ ‏العقد‏ ‏الاجتماعى ‏السليم‏، ‏وكذلك‏ ‏مدى متانة وفاعلية وإيجابية السلوكيات والأعراف‏ ‏التى ‏تحكم‏ ‏الفعل‏ ‏اليومي‏، علما بأن هذا الوعى الإيجابى (الحضارى) ‏قد‏ ‏يتم‏ ‏ويتنامى ‏بأقل‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏الأدوات‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏توفرت‏ ‏الأعراف‏ ‏والأخلاق‏ ‏والممارسات الإبداعية الإنسانية‏ ‏الإيمانية‏ ‏‏القادرة‏ ‏على ‏بناء‏ ‏الإنسان‏ وتجديده بطفرات تلو طفرات.

يا ترى هل نحن نسير فى الاتجاه الصحيح؟

هل نحن نعرف كم مضى وكم بقى حتى نطمئن إلى سلامة خطواتنا وصلابة طريقنا؟

هل نستطيع التفرقة بين الغاية والوسيلة؟

حتى شعارات الثورة الشائعة “عيش”، “حرية”، “عدالة اجتماعية”، هى وسائل إلى حضارة إنسانية نستحقها ونقدر على إرسائها، وليست غايات فى ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *